كانت ضحكاتها تغمر البيت بالسرور والبهجة
وكان نشاطها الدائم والمستمر يدهشنا وكأنها ما زالت طفلة صغيرة
كان في عينيها نبض الحياة، وفي وجهها نور الصلاح
أحبت غيرها قبل أن تحب نفسها، سعت وراء مصلحة غيرها قبل مصلحتها الشخصية
دافعت عن المظلوم، ونصرت الضعيف
أحبتني كثيراً، وحاولت أكثر من مرة أن ترشدني لطريق الصلاح
ولكني كنت أعرض عنها دائماً، كنت أغار منها لأن أمي تفضلها علي وعلى باقي إخوتي
لم تتأخر يوماً عن عملها، كنا نلقبها بالساعة، كانت دائماً أول من يستيقظ ثم توقظ باقي أسرتي بعد ذلك، ويذهب كل منا إلى عمله أو مدرسته.
وفي مرة، استيقظت أنا قبلها وكان الوقت متأخراً، ( ما هذا؟ لماذا لم توقظنا مريم كما تفعل كل صباح؟
هذه ليست عادتها، هل حدث لها مكروه؟
لا، لابد أنها أحست بالتعب من عادة إيقاظنا كل صباح، فأرادت أن تأخذ اليوم راحة، الآن أمي لن تفضلها علينا وتعلم أنها مثلنا تماماً، ما هذا الذي أقوله؟
علي أن أذهب لأطمئن عليها فإنها أختي أيضاً )
وعندما فتحت باب غرفتها كان حالها كالصاعقة بالنسبة إلي، من هذه؟
هذه ليست أختي التي أعرفها بنشاطها
لقد كانت ممددة على الأرض، وعلى وجهها معالم المرض وتخرج من صميم قلبها الآهات والزفرات
صرخت بأعلى صوتي: (أمي، أبي)
وكررت ندائي أكثر من مرة وأنا أبكي
فأسرعا إلي خائفين، فأشرت لهما على مريم
أمي لم تحتمل المنظر وفقدت وعيها
أما أبي فحمل أختي ووضعها على السرير وأخرجني من الغرفة
أحضر لها أبي أكفأ الأطباء وأعلم العلماء ولكنه لم يكن يعلم أنها بدأت رحلتها إلى الدار الآخرة..
إنها بداية عظيمة..
إذا ضعف جنانك وكثرت خطوبك إذا عرضت عند كشف الغطاء ذنوبك، فتخيل نفسك طريحاً بين أهلك وقد وقعت في الحسرة، وجفتك العبرة، وثقل منك اللسان، واشتدت بك الأحزان، وعلا صراخ الأهل والإخوان، ويدعى لك الأطباء، ويجمع لك الدواء فلا يزيدك ذلك إلا هماً وبلاء.
آه.. إنها رحلة صعبة تطوى خلالها صحيفتك إما على الحسنات أو على السيئات..
تتمنى حسنة تزاد في الأقوال..
تتمنى حسنة أن تزاد في الأعمال..
تتمنى صلاح الأقوال والأفعال..
تحس بقلب متقطع من الألم.. تحس بالشعور والندم أن الأيام انتهت وأن الدنيا قد انقضت.
كنت جالسة بجوارها أحاول أن أحدثها
وتحاول هي أن تحرك يدها لتمسك بيدي
وفي لحظة.. سكنت الحركات، وخمدت النبضات، وغدت جثة هامدة لا روح فيها
إنها لحظة رهيبة.. يا ترى كيف حالها.. إلى أين مآلها.. ما هي أمنياتها..
آه.. لا أستطيع أن أتصور المسلمون وهم يصلون عليها
اتصل بي أخي وأخبرني أنهم سوف يحملوها الآن على الأعناق..
سقطت سماعة الهاتف من يدي وبدأت أفكر .. ماذا يا ترى سوف يحدث لها الآن..
إن كانت صالحة ستقول: قدموني.. قدموني
وإن كانت غير ذلك.. يا ويلها أين تذهبون بها..
إلى المقبرة هناك حيث التربة.. حيث الغربة.. حيث الجماجم حيث الدود.. حيث القبور.. أول منازل الآخرة، حيث يلبسونها الكفن ويخرجونها من بين الأحباب وتصير رهينة للتراب وتسلم نفسها للدود وتصير رهينة بين اللحود ويصير قبرها مأواها إلى يوم القيامة ومثواها..
لا إله إلا الله.. إنها الآن تستقبل الحياة الجديدة فإما عيشة سعيدة أو عيشة نكيدة، إنها اللحظة التي يحس الإنسان فيها بالحسرة والألم على كل لحظة فرط فيها في جنب الله.
فلا إله إلا الله من دار تقارب سكانها وتفاوت عمارها، فقبر يتقلب في النعيم والرضوان العظيم، وقبر في دركات الجحيم والعذاب المقيم ينادي ولا مجيب ويستعتب ولا مستجيب انقطعت الأيام بما فيها، وعاين الإنسان ما كان يقترفه فيها.
آه.. لقد كانت أختي – رحمها الله- على حق، إن الموت مصير كل حي سوى الله وكل منا سيصل يوماً ما إلى اليوم الأخير من حياته.. صبح ليس بعده مساء.. ومساء ليس يليه صبح!
وتبدأ تلك السلسلة من الأحداث العظام عبر الموت بوابة الدار الآخرة ولا ينتظر المرء بعد موته إلا جنة نعيمها مقيم أو نار عذابها أليم.
صدقت يا مريم – رحمك الله- كنت دائماً تقولين (رب ضارة نافعة) وكان موتك ضرراً لنا كلنا، ولكنه نفعني أن أوضح لي طريق الحق من الباطل، سأدعو لكِ أختي دائماً عسى أن ينفعك دعائي في قبرك.
◽️◽️
هاجر كامل
📚 مجلة حياة العدد (٧٩) ذو القعدة ١٤٢٧هـ
✍ تحرير : حورية الدعوة
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « إذا دعا الرجل لأخيه بظهر الغيب قالت الملائكة : ولك بمثل »
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق