على ضفاف الحياة
سماح الجويد – صنعاء
هناك على ضفاف هذه الحياة يقبع شبح إنسان ما ينثر ما تبقى من نهر أدمعه الهتون، يلفه ضباب أتراحه في إنكسار ووجوم.
كان فيما مضى أملاً تطالعه العيون، طفلاً تناغيه النجوم وتحيط به الأنامل الحانيات في هدوء وسكون، يرضع من أزاهير الحب ويرتع في حضن رؤوم.
حتى إذا ما وافى عمراً بالشباب الغض في عز مكين راح يجر بالأماني ويتهادى من فوق هامات الغيوم ويختال فوق الأرض بالجاه تارة وأخرى بالبنين، ونال من الحياة كل ما يبغي حتى صار في شرف مروم، حامت عليه صروف الدهر تهذي بالهموم، تركته جاثياً في الجراح يشكو الأسى والشجون، يحدوه الحنين، تركته حطام قلب وامق يبكي مرارات السنين، تقرأ في عينيه حديث نفس مليئة بالشجون تسمعه يتمتم، أقحلت مروج الحياة في عينين جفَّتا على المدى باليأس، أغصان عمري ما عاد يجدي إن سمعت خرير المياه، ولئن ظمئت ما عاد يجدي إن شربت من ماء الحياة فلقد سُقيت من دمع أحزاني الكثير، ما عاد عندي من أحاسيس الحياة سوى اليسير.
سوى الذكرى وآلام تُغير في كل آونة وحين.
لا يا أخي.. لا ترتض العيش منكسراً حزيناً، لا ترتض أملاً وذكريات راكدات في الضلوع، قم وانتفض لا تحسبن الدنيا على حال تدوم، تتغنى بماضيك في عهد قديم وتعيش كالمجنون في يأس عقيم، تمضي متخبط الخطوات في الأرض تهيم.
كن كذلك
الطير العنيد في الكون يمرح في الغداة وفي البكور يشدو أغاريد الحياة في دعة الوليد،
يشدو ويعلم أن جو الكون مملوءً بالصقور،
يشدو ويعلم أنه في لحظة قد لا يعود.
الطير العنيد في الكون يمرح في الغداة وفي البكور يشدو أغاريد الحياة في دعة الوليد،
يشدو ويعلم أن جو الكون مملوءً بالصقور،
يشدو ويعلم أنه في لحظة قد لا يعود.
يغدو خماصاً ويعود بطاناً متوكلاً على الرب الرحيم،
أفلا تكون كذلك الطير الصغير يا صاحب العقل الكبير، لا تتذمر من حكم الله فيك إنه عدلٌ حكيم.
أفلا تكون كذلك الطير الصغير يا صاحب العقل الكبير، لا تتذمر من حكم الله فيك إنه عدلٌ حكيم.
سوف لا تعيش حياتك مرفهة جميلة فهي ليست فقط أزاهير وأحلاماً وخميلة، هي دروب عصيبة وإن كانت أياماً قليلة، هي لا تسعد في منتهاها إلا من كانت بالصبر والحلم عواتقهم كليلة، هي تشقي اليائسين، هي تردي القانطين الخائرين بلا جلد وعزم ويقين.
هي تسعد فقط ذلك الذي جعل من آلامه منطلقاً لآمال جديدة، يسير بخطى ثابتة سديدة، لم تقتلعه عواصف الفتن ولم تغرقه أمواج المحن.
عرف أن الحياة قليلة وإلى زوال فلم يكدر صفوها ولم يجزع من أكدارها، جعل من أمور حياته كلها خيراً بالشكر إن فرح، وبالصبر إن داهمته الأتراح.
فصبري صارمٌ والحلم درعي ... ويـــــــا الله تــلــمـــع فـــــــي جــبــيــنــي
هو مثلك يا صديقي يعيش على ضفاف هذه الحياة، لكنه يحيا بروح من اليقين يُسْكنها القمم، هو مؤمن بالله مبتسم وإن مزقه الألم، هو مؤمن بعدالة قدسية الأحكام، منتهض الهمم، وهو يعيش في سعادة وإن كانت الدنيا من حوله غارقة في الشقاء، شعاره:
والـدهــر يـومــان ذا أمـــنٌ وذا خـطــر ... والعيش عيشان ذا صفو وذا كدر
قم.. يا صديقي، قم واسعد بذاتك واسم بنفسك وقل لها:
لا تـفـرحــي يـــــا نــفـــس إلا بـالــهــدى ... لا تحزني يا نفس إلا من ضلال
حياة مكدرة وإلى زوال، فانشدي يا نفس آفاق الكمال وابلغي بالعزم غايات المآل.
✍ تحرير : حورية الدعوة
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « إذا دعا الرجل لأخيه بظهر الغيب قالت الملائكة : ولك بمثل »
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق