كنت أنا وأختي في مدارس مسيحية من المرحلة الابتدائية حتى الثانوية .
المدرسة كانت من المدارس الخاصة، وفضلها أبي لأنها أكثر انضباطا .
كان المعلمون يعرضون علينا حضور حصص الديانة المسيحية ، وكانوا يقدمون لنا إغراءت متنوعة.
لكن وازعاً داخلياً كان يدفعنا إلي الرفض .
كانت حوائط المدرسة مليئة بصور العذراء والمسيح مصلوباً ، وكانوا يحاولون إقناعنا بأن ((الصورة )) للرب ،
ولكننا كنا نضحك ولا نصدق ذلك .. كنا نقول لهم : غير معقول أن الله يظل مصلوبا هكذا .
كانت المعلمات ..الراهبات يحاورننا ويسألنا عن أسباب عزفنا عن الذهاب معهن إلي الكنيسة، ولم تكن لدينا إجابة ، لكن إدارة المدرسة كانت تجبرنا علي حضور الحفلات في المناسبات الدينية الكبرى
كان اهتمامهم بي وبأختي زائد ، وكانت جوائزهم وهداياهم لي كثيرة ؛ لأنني كنت كثيرة الأسئلة عن ديانتهم ، فظنوا أنني أنجذب رويداً إلى المسيحية
فقد كانوا يراهنون علي اكتسابي أنا وأختي (نورا )لمعرفتهم ، أن أمي مسيحية فرنسية .
كانت تتعهدنا راهبة جديدة في كل سنة _ حسب نظام المدرسة _ تواصل معنا ما بدأته السابقة ، وأذكر أن هؤلاء الراهبات كن يواصلن مهمتهن ليلاً ، ونهاراً دون كلل .
وأذكر أيضا الراهبة (مادلين ) التي كانت تجري بيني وبينها حوارات لا أنساها .
قلت لها مرة إنني لا أحب قراءة الإنجيل .
فكانت ترد بكتابة بعض العبارات التي تتحد عن القيم والمثل الجميلة من الإنجيل على ورق جميل
وبخط أجمل لجذبي إلى الإقبال على قراءتها وتقبلها .
لكنني كنت أخاف منهن ، وأقول لهن : لماذا كل شيء حزين عندكم في الكنائس؟
كانت معاملتهن خالية من الضغوط ، لكنها كانت مليئة بالبرود والتعصب العقدي . ولم نتقبل شيئاً منهن على الإطلاق ، لا أنا ولا أختي .
في المرحلة المتوسطة( كان عمري بين 14 و15 سنة ) قررت المدرسة دروساً عن الفراعنة، والبوذية ، واليهودية ، والمسيحية ، والإسلام .
كانت هذه الدروس تصور الإسلام بصور مشوهة ، وكان المعلمون يقدمون المسلمين علي أنهم دمويون يحترفون القتل ، ويصرون علي تشويه صلاح الدين الأيوبي، وتقديمه بصوره بشعة كمجرم ، وقاطع طريق يسرق ، ويقبل النساء المسيحيات كنا لا نرتاح أبداً لهذا المنهج ،
وكان من المميزات الموجودة في المدرسة أن لكل صف مندوباً من الطلاب يعبر عن طلاب الصف ، ويوصل آراءهم في المناهج وغيرها إلي الإدارة ، وقد أوصلنا اعتراضنا على ما ورد في المناهج بحق الإسلام والمسلمين من تشويه ،
وطالبنا بتوضيح هذا التاريخ الكذوب الذي يقدم الروم والفرنسيين على أنهم أهل فتح وتحضر ، ويسيء إلي المسلمين
فكان الرد علينا أن هذا هو ما عندهم
فطالبنا كتباً أخرى ،
فقالوا لنا : إن هذا ما رواه التاريخ
وعشت أنا وأختي حالة من القلق .
في كتاب التاريخ المقرر علينا وفي الجزء الخاص بالإسلام ، ذكروا أن رب المسلمين اسمه (الله ) وعرفوا الإسلام بأنه الخضوع التام لله .
شدتني كثيراً كلمة الله وكلما نطقت بها شعرت بإحساس جميل ، وهدوء ،وارتياح ، ولذلك عندما طلبت منا المدرسة اختيار موضوع للكتابة عنه من خلال عبارة جذبت انتباهنا .. كان اختياري لكلمة ( الله ) وقلت فيما كتبت : إنني عندما أنادي بكلمة الله أشعر بارتياح كبير
وقلت : إنني أبحث عن الله أبحث عن الحقيقة
كنت أنا وأختي نورا نتوق لزيارة بلد إسلامي .
وبالفعل زرنا الجزائر عام 1984 في الإجازة الصيفية ، وكانت الصحوة الإسلامية هناك في قمتها . كان أكثر شيء جذبنا هناك وأثر في أعماقنا خطب الداعية المصري الشيخ عبد الحميد كشك (رحمه الله ) ورغم أننا لم نكن نعرف اللغة في ذلك الوقت ولا نفهم منه شيئا إلا أن صوته وهو يردد كلمة (الله ) ويردد الأدعية والمصلون يؤمنون وراءه عليها كانت تبكينا .
شجعنا جو الصحوة بالجزائر علي البقاء هناك ستة أشهر كاملة تعلمنا خلالها تعاليم الإسلام جيداً ، وعدنا من هناك إلى فرنسا _أنا وأختي _محجبتين .
هناك في منزلنا بمدينة ستراسبورج الفرنسية كانت أمي قد أسلمت . أعطيناها كتباً صغيرة وشريط فيديو عن الإسلام فأعجبت بها . وبعد عام واحد بدأت أمي تصلي ،ثم ارتدت الحجاب .
في كلية العلوم في ستراسبورج شاركت في أول نشاط اجتماعي طلابي ، وتعرفت من خلاله على عدد كبير من الطالبات ، منهن جزائريات ومصريات . كنا نلتقي في منزلنا ، حيث كان الوالد يعمل في باريس ، وكنا ننظم إفطارات ولقاءات خلال رمضان في بيتنا ، وفي المساجد ، وكانت تلك بداية العمل الدعوى ، وبعدها صرنا نشارك في نشاط الجمعية النسائية .
في سن العشرين تزوجت من الدكتور محمد كرموص (تونسي ) في مدينة ستراسبورج ، وبعد الزواج انخرطت أكثر في العمل الدعوى والاجتماعي من خلال المركز الإسلامي هناك ، وكنا نحضر لقاءات أسبوعية للدكتور يوسف القرضاوي ، والشيخ فيصل مولوي ، وكان فهمي للعربية بنسبة 40%
في عام 1991 ذهبت مع زوجي إلي سويسرا ، وهناك اخترت فكرة تنظيم العمل النسائي بعد الاطلاع علي الأوضاع ودراستها . وقد كان من دوافعنا لتأسيس هذا العمل هجوم المجتمع الغربي علي الإسلام ، وتشديده بالذات علي قضية المرأة ، وتغيبها عن المجتمع ، وهضم حقوقها فجاء إنشاء العمل النسائي لإثبات أن المرأة قادرة على القيام بالعمل الاجتماعي .
وقد أحدث تأسيس هذا العمل تجاوباً كبيراً من السويسريين ، فقد كانوا يتصورون أن المرأة المسلمة مضطهدة ، ومكبلة ، ومهملة. ولذا لفت انتباهم وجود جمعيات نسائية تتحرك باسم الإسلام ، حتى أن القساوسة في الكنائس صاروا يضربون المثل بأنشطة الجمعيات النسائية الإسلامية كظاهرة غير موجودة في الكنيسة .
في سويسرا يحظى العمل الإسلامي بالقبول من المجتمع ، والحكومة لا تمنعه .
لكن هناك بعض الحاقدين الذين يترصدون لنا ، ويهاجموننا .
إحدى النساء _مثلاً _ عندما كنت في إحدى المعارض- أدعو للإسلام _هاجمتني قائلة : ألم يكفك انك ترتدين الحجاب، وتعيشين حرة، وتسيرين في الطريق بحرية حتى تأتي وتدعي للإسلام ؟!
وقد كانت ردودي عليها هادئة وقوية .
المرأة في سويسرا تعمل، ولكن براتب أقل من الرجل 20% وهي تعمل في البيت وخارج البيت، وقد تتعرض لإهانات من زوجها، ولذلك فقد ظهرت جمعيات في مقاطعة ( نيوشاتيل ) تحارب العنف ضد المرأة .
حرصنا في عملنا الدعوى علي التركيز علي المرآة وأوضاعها، وتأكيد ما كفله الإسلام للمرأة من حقوق وتكريم، وإبراز كيف خلد القرآن الكريم نساء مثل السيدة مريم، والسيدة هاجر .
وحالياً نستخدم الإنترنت في بث كل ما يتعلق بجمعيتنا من معلومات ، ونقدم موضوعات عن شئون الأمومة، والحضانة، والرضاعة وحقوق المرأة في الإسلام، وما تعيشه من تعاسة ، وتخلف في غيبة الإسلام ودور المرأة في العمل الإسلامي ، وحجاب المرأة وضرورته وفريضته .
هذا إضافة إلى توزيع مطويات دورية للتعريف بالإسلام .
وقد أصبحنا نشترك في معرض سويسرا الدولي للكتاب ، وهو أكبر تجمع ثقافي دولي في سويسرا وفرصة كبيرة للدعوة إلى الإسلام والتعريف به .
ورغم عدم مبالاة بعض المسلمين هنا وعزوفهم عن المشاركة الفعالة في أنشطتنا إلا أننا نحقق مكاسب تثلج الصدر يوماً بعد يوم.
◽️◽️
الأسرة - العدد ٥٥ شوال ١٤١٨
✍ تحرير : حورية الدعوة
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « إذا دعا الرجل لأخيه بظهر الغيب قالت الملائكة : ولك بمثل »
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق