"عندي مشكلة"
يقول الشاعر:
ولابد من شكوى لذي مروءة
يواسيك أو يسليك أو يتوجع
نلجأ في كثير من الأحيان إلى الشكوى وطلب المساعدة من أحبابنا، لمعرفتنا بأنهم سيساعدوننا بكل ما يستطيعون، أو سيستمعون لشكوانا وهذا سيريحنا قليلاً ويمتص بعض الغضب والحزن الذي نعيشه..
تمر علينا في المجلة العديد من هذه النماذج، فلا يكاد يمر أسبوع إلا وتتصل فتاة تطلب استشارة أو نصيحة!! هذا غير ما يصلنا عبر البريد والفاكس والإيميل..
اتصلت إحداهن يوماً تسأل: هل أتزوج أم أكمل دراستي الجامعية؟!
وأخرى تستشير ماذا عليها أن تعمل وهي على وشك الزواج الآن؟!
وغيرها من المشكلات سواء كانت صغيرة أو كبيرة.. لكن ما ينقص الفتاة أحياناً
هو أسلوب عرضها لمشكلتها!
اختيارها للوقت المناسب!
قدرتها على انتقاء العبارات المعبرة!
كل ذلك وغيره قد يؤثر في تقدير الطرف الآخر للمشكلة!!
أذكر في بداية المجلة اتصلت فتاة في وقت متأخر من الليل تود أن تسرد علينا شعرها النبطي وتريد أن نكتبه لها ثم ننشره عبر صفحات المجلة!! فليس لها وسيلة أخرى تستطيع بها إرسال مشاركتها..
وبعد طول استماع أوقفتها ولو لم أفعل لاستمرت إلى الغد..
وقبل أن أنهي المكالمة، رمت عليّ مشكلتها الحقيقية التي تعاني منها، فهي فتاة من البادية محجوزة لابن عمها الذي لا يصلي – حسب ما ذكرت- وهي ترفض هذا الزواج لكنها لا تستطيع أن تصرح برفضها لابن عمها أمام والديها!! كما أنها معجبة بشقيق صديقتها في الجامعة وتتمنى أن ترتبط به!!
فتاة أخرى اتصلت أيضاً تحكي عن تميزها الأدبي والعلمي، وكيف أنها مقعدة ومريضة لا تستطيع أن تستزيد من التعليم النظامي المتاح أو إيجاد فرصة وظيفية مناسبة لها..
ومن خلال الحديث المتواصل والمتكرر اتضح أنها تبحث عن مساعدة مادية.!!
والثالثة أخذت تتصل بشكل متكرر لا يتوقف ونتيجة لظروف العمل لم أتمكن من الرد عليها.. فإذا بها ترسل رسالة تقول فيها أنها ستنتحر إن لم أجب على اتصالها!! لأكتشف بعدها أنها تبحث عن زوج وتريدني أن أجده لها بشكل عاجل رغم صغر سنها (٢٣ سنة)!!
قد تسهب الفتاة في عرض مشكلتها، التي هي عبارة عن مشاكل متشعبة ومتداخلة لا تصب في النهاية في صلب المشكلة الحقيقية التي تعاني منها..
بل قد تكون المشكلة في وادٍ وما تشتكي منه الفتاة في وادٍ آخر تماماً!.
وقد تضخم الفتاة مشكلتها وتجعل منها قضية العالم وتنسى أو تتناسى آلام الآخرين الذين تسببت هي في إيذائهم!!
تخوننا الكلمات أحياناً، فنعجز عن التعبير في إيصال أفكارنا ومشاعرنا عندما نمر بمشكلة ما خصوصاً إذا كانت متعلقة بذواتنا.. رغم أنه ليس علينا سوى التريث والتفكير في تفاصيلها وحيثياتها.. وأسباب تطورها؟ ومدى علاقتنا بها؟ وما هو حجمها الحقيقي؟؟..
هذه التساؤلات ستعطينا نظرة شاملة عما نعاني منه وتتيح لنا فرصة كافية للتفكير المتعقل والمركز، والمنطقي البعيد عن العواطف والمشاعر..
يذكر أحد الأطباء بأن ٨٠% من تشخيص المرض يعتمد على شكوى المريض وقدرته على عرض العلة التي يعاني منها.. وهذا ينطبق على الفتاة وقدرتها على عرض مشكلتها دون الدخول في تفاصيل لا علاقة لها، أو الإسهاب في وصف مشاعرها وأحاسيسها!!
لقد حبانا الله بنعمة عظيمة وفضلنا على سائر المخلوقات بالعقل والمنطق..
لكن طريقة البعض في التعبير عن مشكلته وأسلوب طلبه للاستشارة غالباً ما تكون مضللة وتبتعد عن الواقع الحقيقي الذي يعاني منه.
غالباً ما تعتبر الفتاة نفسها مظلومة لأن الآخرين لم يساعدوها ويقدموا لها الحل على طبق من ذهب..!!
يقول الله عز وجل: (إنما أشكو بثي وحزني إلى الله)
◽️◽️
إيمان العقيل
📚 مجلة حياة العدد (٩١) ذو القعدة ١٤٢٨هـ
✍ تحرير : حورية الدعوة
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « إذا دعا الرجل لأخيه بظهر الغيب قالت الملائكة : ولك بمثل »
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق