الجمعة، 2 سبتمبر 2016

مقالات دكتور علم الإجتماع [ د. فهد حمد المغلوث ]

د. فهد حمد المغلوث

1 ـ لتكن تلك هي السعادة

المناسبات الحلوة واللحظات الجميلة لدى البعض كما هو الحال مع العيد مثلاً أو المناسبات الأخرى الخاصة التي لا تتكرر بسهولة كثيراً ما تكون مناسبة وقتية لا تلبث أن تزول وتنسى مع انتهاء المناسبة نفسها.

وهذا شيء طبيعي لا غبار عليه لدى الكثير منا رغم حاجتنا الماسة والملحة أحياناً للعيش في أجواء تلك المناسبات الحلوة لأطول فترة ممكنة خاصة اذا كانت تعني لنا شيئا معينا نعتز به ونقيم له وزنا، بل وننتظر حدوثه ونترقبه لأنه يعني أملا بالنسبة لنا.

وما يحدث لنا أحياناً أنا وأنت وهو وهي انك رغم توفر كل ما تريده لك من مال ووظيفة لائقة ورغم استقرار الحياة الأسرية التي تنعم بها إلا أنك تصاب أحياناً بحالة من الضيق النفسي والاحباط والكآبة التي تنعكس على تصرفاتك في شكل الوحدة والسكوت أو البكاء بصمت أحياناً دون أن تعرف لذلك سبباً. 

تلك الحالة التي تصيبك في أوقات متباينة من السنة مثلاً أو في ظروف وأوقات معينة من العام لا تعرف لها تفسيراً مقنعاً، ولكن هكذا هو الإنسان كائن متقلب المزاج يؤثر فيه كل شيء مهما كان بسيطاً خاصة لو كان انساناً حساساً ومرهف الحس.

إن مشكلة الحساسية المفرطة لدى الإنسان قد تخلق له مشاكل كثيرة هو في غنى عنها لعل أهمها وهو المرتبط بموضوعنا هي شعوره بأن سعادته مبتورة أو غير مكتملة أو أن هناك من يحاول أن يسرقها منه أو ينغصها عليه أو أن حظه عاثر ليس كغيره، وحينها قد تقول «مشكلتي أنني حساس» أفلا تشعر أحياناً أن هذه العبارة تنطبق عليك وتشكل لك مشكلة حقيقية مع من تعرفهم من أقارب وأصدقاء ومحبين؟
ألا تشعر أن هذه العبارة تعرِّيك أمام نفسك وتكشف لك ما بداخلك من صفات أخرى تريد التخلص منها ولا تستطيع؟
بل ألا تشعر أن مجرد سماع هذه العبارة يثير بداخلك حساسية من نوع معين لا تعرف كيف تتعامل معها أو تعرف كيف تخفف من آثارها النفسية المتعبة؟
بل ألا تشعر أن هذه المشكلة قد أفقدتك الكثير من اصدقائك الذين انفضوا من حولك واتجهوا لغيرك؟
ومثل الإحساس بهذه المشكلة يجعلك ودون أن تلام تشعر بأنك بحاجة لجو السعادة دون منغصات بحاجة لأن تجلس مع نفسك لتعيش مع نفسك، مع آمالك مع أمانيك.

ويظل السؤال حول موضوع السعادة وهو 
هل نحن بالفعل نستثمر كل شيء من حولنا أقصى استثمار ممكن؟ 
وأقصد هنا الاستثمار المشروع.. وبتحديد أكثر 
هل تحاول أن تفكر في جوانب جمالية أخرى غير مرئية؟

إن السعادة كمفهوم الكل يحاول أن يفسرها حسب مستوى تفكيره وطريقة تربيته ونظريته للحياة، ولكن إحساسك بالسعادة لا يكتمل بشكل جميل إلا حينما ترى من حولك سعيداً ومبتهجاً، والأهم من ذلك، أن يكون لك دور واضح وملموس وعملي في رسم السعادة على من حولك ممن هم في حاجة ماسة للسعادة، ومن عساهم يكونون أكثر من المقربين لنفسك والعزيزين على قلبك؟

إن السعادة لا تكتمل بإذن الله إلا بعد أن تشعر بروح الأسرة الواحدة تظلل عليك سعادتك، تلك الأسرة بكافة أفرادها دون استثناء وليس المقصود هنا الأم والأب والأفراد فقط بل أسرة المنزل والعمل والأصدقاء وهكذا.

لابد لكي نشعر بالسعادة الحقيقية أن نخاف على بعضنا ونحرص على بعضنا وأن نلتئم على بعضنا وأننا في حاجة لبعضنا، لأنه شيء مؤسف ومحزن أن ترى أسرة كاملة يظللها الحب والتفاهم والتعاون لسنوات عديدة ثم تبدأ بالتفكك والانهيار من كثرة المشاكل بين أفرادها، والسبب هو المال، هو الفلوس التي غيرت النفوس وأصبح الشخص منا أنانيا وماديا لا يفكر إلا في نفسه ولا يعمل سوى لنفسه بينما من هم أقرب الناس إليه هم أبعد الناس منه.

وانظر لتلك العلاقة «الزواجية» حينما تنتهي بالطلاق الذي هو أبغض الحلال عند الله، ألا يكفي أن يكون الطلاق بين الزوج والزوجة فقط، إذن فلم ينتقل للأبناء؟ 
لِم يكونون هم الضحية الكبرى لهذا الانفصال؟
ولم هذا الجفاء من أحد الوالدين أو كليهما للأبناء؟ 
لماذا يكونون كبش الفداء؟ 
ولماذا يتحملون أخطاء لم يرتكبوها أو يكونوا سبباً فيها؟
فإن كان ولابد من الطلاق والانفصال فلم لا نحافظ على هؤلاء الأطفال ونتواصل معهم بشكل يشعرهم بالعطف والحنان والاشباع، أليست تلك هي السعادة التي نستطيع أن نقدمها للآخرين إذا لم نستطع أن نقدمها لأنفسنا؟ ثم من هم هؤلاء الآخرون أليسوا منا؟ أليسوا إيانا؟

لماذا يظل الأب بعيداً عن أبنائه سنوات طويلة وكأنهم أبناء غيره؟
لماذا يحرم أبناءه من كلمة «بابا» في الوقت الذي يتوقون فيه لمناداته بها؟ 
أليس هذا أقل حقوقهم؟
بل أليس من حقهم أن يستشيروه في أوقات معينة يشعرون فيها بحاجتهم إليه ورغبتهم في أن يفضفضوا إليه بكل ما يعتمل في صدورهم وفي أوقات حرجة؟
أليس هذا هو الالتمام أو «اللمة» الأسرية التي نتحدث عنها ونرغب في أن تكون جزءا من حياتنا الجافة التقليدية التي حرمتنا وحرمت من نحب من السعادة الحقيقية، التي تضفي على حياتنا معنى وهدفا؟ وتشعرنا أن لنا دوراً مهماً ومهماً جداً في اسعاد الآخرين وتنمية المجتمع وما هي التنمية إن لم تكن تعاونا مشتركا على الخير وفي أوجه الحياة المختلفة؟ وما هو النجاح إن لم يكن احساسا متبادلا بالسعادة بين كافة أفراد المجتمع أو فريق العمل؟

وان شئنا أن نرى مفاهيم أخرى للسعادة وأوجها مختلفة منها، فلننظر إن شئنا لأول أيام العيد وصلاة العيد تحديداً لننظر ان كافة الناس وهي ذاهبة لصلاة العيد بكل اشكالها وأعمارها وجنسياتها الرجال والنساء والأطفال بملابسهم الجديدة وبكل ثقافاتهم.
الكل من هؤلاء متوجه لأداء صلاة العيد والفرحة بادية على محياه والسعادة بداخل قلبه يشكر ربه على أن أبقاه لهذا اليوم الذي يشاركه فيه الآخرون فرحته.
أليس هذا الجو بالمعايدة بعد انتهاء الصلاة والكل يصافح غيره ويدعو لهم بالصحة والعافية وتقبل شهر رمضان، أليس هذا كله يعطيك شعورا وجوا رائعا مختلفاً بالسعادة؟ أليست تلك قيماً سامية حلوة تستحق ان ننادي بها وندعو إليها؟

قد يقول البعض هذا صحيح ولكن هناك فئات أخرى محرومة من السعادة الوقتية على الأقل بحكم الظروف القاسية والمؤلمة التي تمر بها كمن هم على الأسرة البيضاء أو اخواننا وأخواتنا وأهلنا في البلاد الإسلامية الأخرى ممن خيم عليهم القهر والظلم وأرهقتهم الحروب الجائرة التي فرضت عليهم رغماً عنهم وحرمتهم من أبسط حقوقهم المشروعة وهي الحرية والعيش في أمان وسلام.

ولكي تشعر بالسعادة فلابد أن يكون لك دور في رسم السعادة على هذه الفئة من خلال مساعدتها وتقديم العون لها بكل ما تستطيع مهما كان بسيطاً.

فأبسط أوجه السعادة أن تشعر أن لحياتك معنى وهدفا واضحا وهذا يمكن أن تحققه لو أردت عن طريق كفالة يتيم مثلاً أو أن يكون لك صدقة جارية، وهكذا سوف تشعر أن لك رصيدا من السعادة في جوانب مختلفة ليس في حياتك فحسب بل وبعد مماتك بعد عمر طويل بإذن الله.

وما أريد توصيله أن للسعادة أوجها مختلفة وعديدة ويمكن أن نحصل عليها ونوفرها من مصادر عديدة وأماكن مختلفة مهما كانت امكاناتنا وظروفنا. فالمسألة نسبية كما ذكرت سابقاً ,ولكن الأهم ان نستمر في تمويل هذه السعادة بأساليبنا الخاصة وإن شئت أن تقوم بذلك فما عليك من الآن سوى تفسير مفهوم السعادة بالنسبة لك ومن توسيع ذلك المفهوم وعدم جعله خاصاً بك أنت وحدك بل ليشمل أناسا تحبهم وتعزهم.

انظر إلى ما يسعدهم وحققه لهم، انظر إلى ما يضايقهم وحاول أن تبتعد عنه، وإلى ما يحرجهم وحاول تجنبه. والأهم من ذلك فكر فيما يحلمون به ويطمحون إليه وفاجئهم به إن كنت قادراً عليه بالطبع، وحينئذ سوف تشعر أنك في سعادة حقيقية لاتعادلها سعادة إلا شعور برضا ربك عنك ثم رضا والديك الذي أنت في أمس الحاجة إليه.

ابتسم بالقدر الذي يجعل الناس يشعرون انك قريب منهم واختصر في حديثك بالقدر الذي يفهم الآخرون منه انك تريد أن تستمع لهم أكثر مما تريد أن تتكلم أو تفرض أشياء معينة عليهم.

اقبل على الناس وكأنك تعرفهم ولست غريباً عنهم أو أنهم غريبون عنك.

حاول حتى في حالة تركك لمن حولك ألا يكون هذا هو آخر عهدك بهم حاول ألا تخسرهم بل ان تجعلهم يذكرونك بالخير، لأننا وهذه حقيقة لا نستغني عن الناس بل نحن بحاجة لهم.

وصدقوني ان الانسان منا مهما حاول أن يقول لنفسه «أنا لست بحاجة لغيري» و «أنا مكتف بما لدي» و«أنا استطيع أن أحقق السعادة لنفسي» فإنه يكون مكابرا لنفسه لأن هذا قد يتحقق ولاشك، ولكن كم نسبته، وكما قلت السعادة جميلة ولكنها سوف تكون الأجمل والأفضل والأروع حينما نكون مع من نحب وحينما نكون مع من نرتاح إليهم ونشتاق إلي الحديث والجلوس معهم والفضفضة إليهم لأننا نشعر أنهم أنفسنا حتى لو كانوا بعيدين عنا بحكم الظروف، ألا تتفقون معي، أم أن لكم رأيا آخر؟

أدام الله علينا وعليكم السعادة وقربنا من بعضنا وجمعنا على الخير.


همسة

يا للحظات السعادة التي نحياها..
من حين لآخر..
كم هي قصيرة في عمرنا!
وكم هي بخيلة في حقنا!

***

يا لتلك اللحظات الحلوة..
التي لا تعوض..
والتي نتمنى أن تدوم..
ولا نكاد نستمتع بلحظاتها..
أو نهنأ بها..
حتى نفاجأ بانقضائها!
دون أن نشعر بها!
أو نستعد لها!
أو نهيىء أنفسنا لتحمل فراقها!
أو استيعاب آثارها!
التي تترك بصمة واضحة..
بل بصمات مؤثرة في قلوبنا..
لا تنسى بسهولة!
أو تمحى مع مرور الوقت!
مهما حدث ويحدث!

***

ترى أهي كذلك..
لان تلك اللحظات الحلوة
مع من نحب؟
ولأنها تعني من نُحب؟
تعنى الامل والغاية
أم لأن حياتنا..
بكل ما فيها..
تعبٌ وألم؟
قلق ومخاوف؟
وقهر واحباط؟

***

ربما تكون كذلك
مع كل الناس..
مع بعض الناس..
ولكنها معي شيء آخر!
يختلف في كل شيء..

***

فهذا هو العيد..
بكل ما فيه من سعادة..
ينقضي بكل ما فيه..
وها هي أيامه ترحل معه..
بكل ذكرياتها الحلوة..
وها نحن نعود كما كنا..
فهل تغيرت مشاعري نحوك؟
هل تبدلت أحاسيسي تجاهك؟
وهل فتر حبي لك؟
أو قلت أشواقي إليك؟
حتى وأنت معي؟!
حتى وأنت بعيد عني؟!

***

أبداً! 
فلا العيد نفسه..
يكفي لأعلن عن سعادتي بك
من خلاله..
ولا غيره من المناسبات..
يكفي لأن انتظرها وأترقبها..
لأهنئك بها..

***

ذلك أنك أنت العيد..
في عيني..
بكل ما فيه من فرحة..
مهما ما مضى منه..
وأنت المناسبات الحلوة..
في نظري..
بكل ما فيها من مفاجآت سارة..
مهما طال انتظاري لها..
نعم هكذا هي السعادة..
كما أراها
لابد أن تكون مشاعر لطيفة..
احاسيس صادقة
لابد أن تكون لهدف سام..
ومع إنسان راق..

***

وأين يمكن أن يكون كل ذلك..
سوى فيك أنت؟
أيها الود والأمل..
وأيها الانتظار الذي لا يمل؟
أين؟

**
جريدة الجزيرة الخميس 5 ,شوال 1422


------------------------------------------


2 ـ وردة تحمل وردة..!!

قد تستغرب هذا العنوان وربما اعتبرته ضرباً من المثالية الزائدة او الخيال وقد تقول لنفسك: 
اما زال للمثالية مكان في هذا العالم المادي؟
أما زال هناك اناس يحملون؟ 

ولكن هذه الغرابة سوف تزول حينما تغمض عينيك وتتخيل نفسك وانت ترى وردة جميلة رائعة الجمال في كل شيء وهي تحمل وردة اخرى لا تقل جمالا وروعة عنها.

سوف تدهش وأنت ترى هذا الجمال متمثلاً في تلك الوردة من خلال براءتها وطبيعتها وعفويتها وبساطتها، بل ونقائها الذي هو أشبه بصفحة بيضاء ناصعة النقاء لم يكتب عليها حرف واحد بعد، ولربما أرسلت لك تلك الصفحة فاحترت في أمرك أتكتب عليها أم تتركها بيضاء ناصعة لا تدنسها!

وسوف تقول لنفسك أيمكن أن يكون هناك جمال بمثل ما تراه عيني الآن وبمثل ما تلمسه أوتار قلبي؟

إن هذه الوردة الرائعة التي نتحدث عنها ونتخيلها أمامنا الآن، ما هي الا رمز لتلك الأشياء الحلوة الثمينة الرائعة التي بين أيدينا ومن حولنا، ما هي الا تلك الروح خفيفة الظل التي يسعدنا التقرب منها والجلوس معها والتحدث وإياها. ما هي الا تلك الابتسامة الصادقة المشرقة التي ما إن نراها حتى تزول عنا همومنا وينشرح صدرنا ونتمنى لو يرافقنا صاحبها أينما كنا لأن هذا هو ما نحتاجه في هذا الزمن الذي طغت عليه المصالح الشخصية والاعتبارات المادية هذه الوردة وغيرها من الورود الجميلة المماثلة سواء المجاورة لها أو البعيدة عنها إنما هي المُثل الحلوة في حياتنا وهي الروح الشبابية التي لاتشيخ مهما امتد بنا العمر بإذن الله وهي الدفاع القوي الذي يجعلنا نتمسك بالحياة ونعيشها كما أرادها الله لنا دون ان نتجاهل حقوقنا فيها أو حقوق الآخرين من خلالها.

هذه الوردة التي كلما نظرت من قريب أو بعيد تمنيت ان يكون لك نصيب منها أو أن تكون أنت مثلها، لأنك حينئذ سوف تعيد حساباتك في كل شيء، في نظرتك لمن حولك، في اسلوب تعاملك مع الآخرين، في تضحياتك معهم، حتى في ابتسامتك سوف تشعر أنها تخرج منك بشكل مختلف، لأن من سوف يبادلك اياها سوف يجبرك وبطريقة جميلة ومقنعة على أن تكون ابتسامتك شيئاً آخر.

وحينما يكون لديك مثل هذه الوردة تصطبح على وجهها الجميل وتمسي عليه وحينما يستقبلك في دخولك وتودع في خارجك وحينما تكون بقربك وبجانبك تنظر فيما تريد وحينما تطمئن عليك أثناء غيابك وتسأل عنك وحينما ترى رائحتها العطرة الزكية وروحها البريئة الطاهرة ترافقك أينما كنت، حينها قد تقول لنفسك: ترى هل ما كنت اعيشه من حياة في السابق كانت تسمى حياة فعلاً؟! ترى هل الحياة اكل وشرب ونوم أم أنها الاحساس بالآخرين واحساسهم بنا وشعورنا أننا نكمِّل بعضنا ونحافظ على بعضنا ونراعي مشاعر بعضنا ونشعر بقيمة من حولنا من جمال غير محسوس وغير مرئي؟

ترى إلى متى يكون الجمال بين ايدينا ولانراه ولا نحس به او نقيم له وزناً الا بعد ان نخسره؟ أهكذا هي الحياة؟ أهكذا هي نظرتنا لها، وهكذا هو تفسيرنا لكل ما يدور فيها، متى ندرك حقيقة أننا نحيا بمن حولنا ونقوى بهم وترتفع وتزداد مكانتنا بوجودهم معنا ودعمهم لنا من خلال وقوفهم معنا ودعواتهم لنا في ظهر الغيب دون ان ندري.

لنأخذ مثالا بسيطا جدا وهو: هل كل ما وصلنا إليه من نجاحات وما حققناه من طموحات وغيرها من الاشياء الجميلة التي أنعم الله بها علينا، هل كلها بفضل جهودنا؟ أبداً إنها بتوفيق الله سبحانه وتعالى أولاً ثم بوقوف من حولنا معنا ودعوات والدينا لنا أينما ذهبنا ومع من كنا.

نعم إنه رضا الوالدين عنا بعد رضا الله وحب الآخرين لنا واقتناعهم وثقتهم بنا هو من يقوي جانبنا ويدفعنا للمضي للأمام بتفاؤل وثقة واحساس بالراحة والاطمئنان النفسي.

ببساطة إنها تلك الوردة او الوردة الجميلة من حولنا، هي من تجعل من حياتنا شيئاً آخر مختلفاً جميلاً لم نعهده من قبل وهي الوردة التي تقول لنا في كل مناسبة وغير مناسبة أنا معك، لن أتخلى عنك بكل ما أملك من مشاعر حب صادقة وأحاسيس شفافة مفعمة بالود والحنان والتضحية التي لايمكن ان تتوقف طالما أنك نبضي الذي أعيش به بعد الله سبحانه وتعالى ونظرتي الحلوة للحياة التي تزداد جمالا يوما بعد يوم.

ولكن ما يحدث أحيانا ان هذه الوردة الجميلة قد تتعب يوما ما، قد تتضايق، قد يصيبها نوع من الشعور بالملل من الحياة، وقد تكون باهتة مع مرور الايام وقد نكون نحن السبب في ذلك دون ان ندري، قد تكون أنت كصديق أو كزوج أو كزوجة أو أخت .. قد تكون أنت السبب فيما آلت إليه هذه الوردة من ذبول وتحول وأفول فماذا أنت فاعل؟ هل تسكت على هذا كله لأن الزمن كفيل بإصلاح كل شيء؟ والى متى تترك المساعدة لغيرك وأنت قادر عليها؟

الآن وقد رأينا هذه الوردة الجميلة بكل جمالها وروعتها، الآن وقد لمسنا بأنفسنا اهميتها بالنسبة لنا ومن حولنا. الآن وقد اصبحت بداخلنا وجزءاً منا لانستغني عنه. الآن وقد اصبحت كل ذلك وأكثر، فهل نتركها لوحدها تعيش حزنها ووحدتها وهي التي لم تكن تبخل علينا بشيء في يومٍ من الايام حتى ولو على حساب نفسها؟

هل نتجاهلها وكأن شيئا لم يحدث ونغض أعيننا عن كل ما يجري لها من كآبة واحباط وهي التي كانت تضحي من اجلنا في كل يوم وفي كل ساعة ودقيقة دون ان تمل او تشتكي؟
هل ترخص علينا دموعها الغالية ولا نمد اليها يدنا الحانية لنمسح وبكل رقة وحنان تلك الدموع الغالية على قلوبنا ونشعرها أننا معها ولها مهما حدث ويحدث؟
وهل ننساها بسهولة وقد كانت لنا نعم الصديق الذي نعتز به والرفيق الذي لايمكن ان نتخلى عنه او نفكر في غيره؟

إن هذه الوردة ليست أنا فحسب أو أنت فحسب بل هي قد تكون نحن جميعا وقد تكون اقرب الناس لنا وأعزهم الى قلوبنا وقد يكون احد فلذات كبدك ممن يعيش ظروفا صعبة تحتاج الوقوف معه الى حين الخروج من أزمته او محنته والى حين ان يعود كما كان وردة حقيقية بكل ما فيها من جمال الدنيا.

لنقل لتلك الوردة الجميلة بأننا معها ولن نتخلى عنها، لنقل لها بأن كلماتنا الحلوة سوف تظل لك ومن اجلك وسوف تكون لك ذلك الدفء الذي أنت في حاجة إليه مع قدوم الشتاء بكل برودته القاسية وسوف تكون ذلك الصدر الحنون الذي يضمك إليه لتشعرني بالامان وسوف تكون ذلك القلب الكبير الذي طالما تحملَّك بكل ما فيه.

ولنفهم تلك الوردة الرائعة ان ما نقوم به تجاهها ليس الا جزءاً بسيطاً وبسيطاً جدا مما قامت به تجاهنا او قدمته لنا في يوم ما، فماذا اكثر أيتها الورده؟ الا يكفي كل ذلك كي تشعري أنك لست بمفردك ولكي تشعري أنك لست وردة عادية، بل مميزة ومتفردة وهكذا ستظلين بإذن الله مصدر سعادة للآخرين وكل عام وأنت بخير،لك ولكل ورود الدنيا.


همسة:

أبداً.. أيتها الوردة الجميلة
ماهذا الكلام..
الذي اسمعه منكِ؟
ماهذا التشاؤم..
الذي ألاحظه عليكِ؟
ماهذا الانكسار..
الذي أراه في حديثك؟
وماهذه النبرة المؤلمة..
التي اسمعها في صوتكِ؟؟
التي تكاد تخنقكِ..

* * * 

ألأنك..
شعرت بإجحاف الآخرين معكِ..
وعدم تقديرهم لكِ..
وعدم إحساسهم بكِ..
ألأنك شعرتِ بهذا كله..
تصلين الى هذا الحد..
من التشاؤم؟
من الاحباط؟
من الوحدة؟
ومن اليأس؟

* * * 

لا.. لا
ماهكذا أنت!
ولن تكوني أبداً!
ماهكذا هي الوردة الجميلة..
التي تعودت عليها..
تذبل بسرعة..
تستسلم بسهولة!

* * * 

ماهكذا هي تلك الوردة..
التي يقصدها الآخرون!
ليأنسوا بها!
ليستمتعوا بجمالها!
وليرتاحوا معها!
ويستنشقوا عبيرها!

* * * 

أبداً.. أيتها الوردة الجميلة..
سوف لن تذبلين بإذن الله.
وانا معك.. وبجانبك..
بل ستظلين نظرة..
كما عهدتك..
وردة متفتحة..

مبسمة..
متفائلة..
كما عرفك الآخرون..

* * * 

هل تذكرين أيتها الوردة..
حينما كنت تحملين وردة..
هل تذكرين..
ماذا كان يقول الآخرون..
وأنتِ تضمينها اليك..
وانتِ تحملينها بين يديك..
هل تذكرين حينما كانوا يقولون:
«وردة تحمل وردة»؟!
أمعقول؟!
فياله من جمال!
وياله من دلال!

* * * 

أبداً.. بل ستظلين..
ذلك الطير المغرِّد..
في الحقول..
وبين اغصان الصباح..
ذلك الريم الجميل..
المتنقل في الصحاري..
وبين التلال..

* * * 

لا.. لا أيتها الوردة..
سوف لن تظلِّين بمفردك..
تعانين.. وتعانين..
وتشكين وتتوجعين.. وبمفردك..
بل سأكون معكِ..
بجانبكِ..
أتفهم مشاعرك..
وأقدِّر ظروفك..
وأخفف ما بكِ..
وأعيدكِ بإذن الله..
وبكل ما استطيع..
الى حيث كنت..
حيث التفاؤل ؟؟..
لايفارق شخصيتك..
وحيث الابتسامة..
لاتفارق محيَّاك..

* * * 

لمَ لا..
وأنت أهلٌ لها؟
لمَ لا..
وأنتِ جزءٌ منها؟
لمَ لا..
وأنتِ من يجب أن يكون كذلك؟

* * * 

ولا تنسي أيتها الوردة..
أنه رمضان الخير..
مانحن مقبلون عليه..
مانحن فيه الآن..
رمضان الخير..
ما يعني أنه بداية التواصل..
ولن يكون الأخير..
بإذن الله..

**
جريدة الجزيرة الخميس 30 شعبان 1422هـ


------------------------------------------


3 ـ يا لذلك القادم..!!

نعتقد أحياناً بحكم الظروف التي نمر بها والمواقف التي نتعرض لها من الآخرين وبالذات ممن يهمنا أمرهم، نعتقد أننا مجرد أرقام حسابية بالنسبة لهم أو أننا مجرد تجربة حلوة مرت عليهم وتعايشوا معها لفترة من الزمن، أو أننا محطة يتوقفون عندها للتزود منها بما يريدون ويحتاجون وبالكمية التي يرغبون أياً كان نوعية هذا الاحتياج حتى لو كان ذلك على حسابنا.

وهذا ما يجعلنا نتألم بصمت ونتعذب من داخلنا لأننا لا نستحق أن نكون مجرد محطة أو ذكرى عابرة أو حتى مجرد أرقام جامدة لا روح فيها ولا حياة.

إننا نريد أن نكون شيئاً آخر نفتخر به نحن أنفسنا ونرضى عنه، شيئاً آخر نتمنى أن نتشرف بالانتماء اليه، شيئاً آخر نتمنى أن نكون جزءاً مهماً منه لا يستغني بعضنا عن بعض كي تكتمل عناصر سعادتنا ونشعر أننا حققنا ولو جزءاً بسيطاً مما نريده ونحلم به في هذه الحياة وبالذات حينما نكون في حاجة ماسة لمن يقف معنا ويتفهم موقفنا ويقدر ظروفنا ويشاطرنا همومنا واهتماماتنا.

ولكن يظل السؤال المهم وهو هل الحياة كما تريد ونتمنى؟ وهل كل ما نتمناه نحصل عليه ولو بعد حين؟ فأحياناً أنت تنتظر وتنتظر وسوف ترضى بهذا الانتظار طالما شعرت أن له نهاية قريبة أو وشيكة ترضيك وتشعرك ان انتظارك كان لشيء يستحق على الأقل أما لو كان هذا الانتظار خالياً من الأمل فحينئذ يكون متعباً وقاسياً على القلب.

فأنت هنا شأنك شأن كل انسان يبحث عن السعادة ويتوق الى الراحة النفسية والعيش في هدوء وسلام بعيداً عن الهموم والمشكلات.

وحتى السعادة التي تعيشها الأن مثلاً في ظل هذه الأجواء الروحانية المتمثلة في الثلث الأخير من رمضان قد تشعر بداخلك أن هناك من ينغصها عليك أو أنك قد تفقدها لأنها سوف تنتهي بعد أيام قليلة وبالتالي سوف تحزن وتغتم وتتمنى لو تكون الأيام كلها رمضان كي تظل في هذه السعادة وتلك النعمة الكبيرة المتمثلة في هذه الأجواء العطرة التي لا تتكرر بسهولة وباستمرار.

ولكن الواقع يقول: إن سعادة من هذا النوع يمكن أن تستمر وتستمر اذا حاولنا أن نواصل عطاءاتنا الروحية الرمضانية الى ما بعد رمضان ولو بشكل مختلف، ولو بشكل أقل بحكم المغريات الحياتية ، ولكن أن ننقطع عن تلك العادات الجميلة والخصال الحلوة التي تعودنا عليها في رمضان فقط لان رمضان قد انتهى هنا تكون قد أجحفنا في حق أنفسنا وساهمنا دون أن نشعر في تقليل كمية السعادة التي عشناها عملياً طيلة شهر رمضان الكريم وبالتالي أوجدنا فرصة لنوع من القلق يتسرب إلى نفوسنا.

ان جزءاً بسيطاً جداً من شعورنا بالسعادة هو أن نستعيد الذكريات الحلوة والمواقف الجميلة في حياتنا سواء تلك التي مر عليها وقت طويل أو تلك التي لم يمض عليها سوى أيام قليلة أو حتى ساعات معدودة لا يهم أو حتى تلك الأيام التي ما زلنا نعيش أيامها الأخيرة كما هو الحال بالنسبة لنا في رمضان الآن.

صحيح أن اقصى درجات السعادة سوف تشعر بها حينما تشعر انك راض عن نفسك بسبب رضا ربك عنك ولكن هناك أمور مساندة ومساعدة أيضاً يمكن أن تزيد كمية السعادة بداخلنا وتجعلنا أكثر قدرة على الانتاجية وأكثر قابلية للنظر للحياة بصورة مشرقة وعملية، وصحيح أن تلك المواقف الحلوة والذكريات الجميلة قد تكون قليلة نسبياً لدرجة لا نتذكرها أو أننا بحاجة لوقت كاف لاستعادتها، إلا أننا بحاجة ماسة في هذه الأجواء الجافة والصحراء القاحلة التي نعيشها، بحاجة لقطرة ماء تروي مشاعرنا التي أصابها الجفاف بالتشقق.

بحاجة لأن تضاعف من المساحة الخضراء بداخل قلوبنا لتصبح مساحات أكبر وأكبر، ولتتسع لكل أنواع الحب، ولتتحمل كل أشكال الخلاف في وجهات النظر مهما كان عمقها.

ولِم لا تكون النظرة كذلك ونحن مقبلون على مناسبة حلوة وجميلة؟ لَمِ لا تكون نظرتنا متفائلة ونحن مقبولون على العيد تلك المناسبة الرائعة التي سوف تلم شملنا وتقربنا من بعضنا وتؤكد لنا المرة تلو الأخرى إنه لا شيء في هذه الدنيا لا الظروف ولا العقبات ولا المسافات يمكن أن تقلل من حبنا لبعضنا أو تباعد بيننا أو تنسينا بعضنا.

صحيح أن أيامنا كلها عيد مع بعضنا بإذن الله، ولكن الإنسان منا بحاجة أحياناً لمناسبة حلوة يؤكد فيها مقدار حبه وحجم تشوقه لمن يحب.

ولِمَ لا تكون تلك المناسبة الحلوة هي أنت نفسك في كل وقت أتذكرك فيه وفي كل مكان أراك فيه أو أرى من يذكرني بك؟!.

لِمَ لا تكون تلك المناسبة الجميلة هي روحك الحلوة التي تجعل الآخرين يقبلون عليك وكأنك أنت وحدك لا نظير لك؟!.

ولِمَ لا تكون تلك المناسبة الرائعة هي تجربتي الطاهرة معك التي اثبتت انك صفحة بيضاء ناصعة البياض تستحق بالعقل من يحافظ عليها من الدنس أو التشويه ومن يستمتع بجمالي الطبيعي الذي لم تدنسه الحضارة المادية أو تنال منه من قريب أو بعيد؟!.

بل وحتى غيرتك لابد أن تنظر اليها من جانب مشرق وجميل طالما كانت تعبر عن ذلك الحب الصادق الطاهر الذي يتمناه كل انسان صادق ويتوق اليه.

انه العيد مرة أخرى فلا تنسى، انها الأيام الحلوة الجميلة مقبلة علينا فلا تعتبرها شيئاً عادياً، احفظها جيداً بداخلك وعشها كي نذكر بها بعضنا بعد العيد لأن أيامنا كلها عيد بإذن الله وكل عام وانتم بألف خير وصحة وعافية.


همسة:

صدقني يا أعز الناس..
يا كل الإحساس..
لم تكن يوماً..
ولن تكون..
بإذن الله..
مجرد ذكرى عابرة..
تمر على مخيلتي..
أو أسطر جميلة..
تملأ أوراق دفاتري..
أو رقماً حسابياً..
يظل في ذاكرتي..
أو محطة عادية..
في مجرى حياتي..

***

أبداً..
فأنت شيء مختلف..
لا يمكنني بأي حال..
مهما حاولت وحاولت..
ان اصف جماله في حياتي..
أو أعبر عن أهميته بالنسبة لي..

***

إنك شيء آخر..
أعجز عن إعطائه حقه!
شيء آخر..
ملأ علي حياتي سعادة
وتفاؤلاً وأملا..
وأعطاها نكهة خاصة..
لم أتذوقها من قبل..

***

شيء حينما أتذكره..
لا أملك بحق..
سوى أن أبتسم
سوى أن تتزايد نبضات قلبي فرحاً..
سوى أن أنسى كل شيء حولي
وأعيش السعادة بأسمى معانيها
وأجمل ما فيها..
وكل ما فيها..

***

شيء حينما أتذكره..
لا أملك سوء أن أحمد الله..
سوى أن أقول:
اللهم أحفظه لي..
وبارك لي فيه..
وأتمم سعادتي به..

***

وتذكر جيداً..
ليس المهم
هو ما مضى 
أو ما أخذته منه..
أو ما قدمته لك فيه..
ولكن الأهم..
هو القادم..
هو ما في جعبتي لك..

***

فرغم ما منحتك اياه..
من مشاعر حب فياضه..
واحاسيس ود صافية..
يظل هناك الأكثر..
بانتظارك!
لأقدمه لك!
فقط لأشعرك بأهميتك..
ولأحسسك بمكانتك..
وعدم نسياني لك..

***

ألم أقل لك يوماً..
ألم أكرر عليك دوماً..
بأنك عيدي الذي لا ينتهي..
فلِمَ لا أحتفل به..
وقت ما أريد..
وكيفما أريد..؟

***

وهل أحتاج إلى من يذكِّرني به.
وأنا أعيشه دوماً..
لم أنسه يوماً..
انه حياتي..
فكيف أنساها؟
كيف اتجاهلها؟

***

فيا لذلك القادم..
الذي يذكرني بك..
الذي يربطني بك..
كم أنتظره بشوق..
وكم أتلهف عليه
وكم هو رائع
روعة هذه الحياة..
وكم هو جميل..
جمال هذا الكون..

**
جريدة الجزيرة الخميس 28 رمضان 1422هـ


------------------------------------------


4 ـ ولِمَ لا؟

هناك نوعية معينة من الأسئلة تتمنى لو لم تطرحها على نفسك أو حتى تفكر فيها أصلاً لأنها توجد نوعاً من القلق الداخلي والتعب النفسي لديك ناهيك عن آثارها النفسية عليك وعلى كل من حولك من أشخاص أو حتى على محيط عملك.

ولم لا، سؤال ليس محرماً أو محاطاً بالأشواك، بقدر ما هو نوع من العتاب الشخصي أو الحساب الداخلي الذي تكتشف فيه نفسك وتتغلغل فيه إلى أعماق داخلك لتكتشف من خلاله أشياء وأشياء أنت نفسك لا تصدقها أحياناً!

سؤال سمه ما شئت «ليه لا؟»

خذ مثلاً وضعك في رمضان، الآن وأنت فيه وأنت في الثلث الأخير منه ربما تساءلت: هل أنا كما أردت أن أكون؟
هل حققت فيه ما كنت أتمنى؟ هل وصلت إلى أقل حد من طموحاتي؟
وما الذي ينقصني؟ وهل ما تبقى منه كاف لأن أحقق فيه ما تبقى من رغباتي؟ أو أعوض فيه ما فاتني من أجر؟

إن مشكلة «لم لا؟» مرتبطة بنوع من التحدي وعدم الرضا عن الواقع الذي تعيشه لأنك تشعر من داخلك مثلاً انك تستحق أكثر مما هو لديك، وان وضعك الحالي بكل ما فيه وبكل ما حوله يعطيك الحق في أن يكون وضعك أفضل مما هو عليه في أشياء كثيرة.

وأنت حينما تقول لنفسك أو حتى لغيرك «ولم لا» فأنت تحاول أن تكسر حاجز المستحيل، تحاول أن تقلل من حدة أو حجم الآثار المستقبلية السيئة التي يمكن أن تحدث لك أو لمن تحب، تحاول أن تعطي من معك، ممن يهمك أمره تحاول أن تعطيه تصوراً واضحاً عما يمكن أن يحدث لك وله فيما لو تأخر قليلاً، أو ما طل كثيراً في اتخاذ قرار مصيري يهمكما.

تحاول أن تقول له وبكل صراحة ووضوح إلى متى ونحن هكذا في هذا الوضع؟ لم لا تحقق الناس أمانيها وتسعد نفسها ونحن ما زلنا نراوح أماكننا؟ إلى متى تقدم الناس خطوات جريئة نحو ما تريد، بينما نحن لا نجرؤ حتى على الإقدام على خطوة واحدة تقربنا من بعضنا وتريح أنفسنا وتقلل من كمية القلق لدينا ومن حجم الانتظار القاتل لدينا، وما يترتب على ذلك من مخاوف مستقبلية نشعر بها وتمكن منا لدرجة لا تجعلنا نستمتع بالحياة وبكل ما فيها من جماليات كما اراده الله لنا؟ لم نظل محرومين حتى من صوت من نحب ومخاطبته والحديث معه كما لو كان بعيداً عنا ويفصل بيننا وبينه آلاف الأميال علم أنه قريب جداً منا ولا يفصل بيننا وبينه سوى أنفاسنا؟ ولم نحرم الآخرين وبالذات أقرب الناس لنا من عطفنا وحناننا عليهم؟

لم لا نكون قريبين منهم متواجدين معهم كلم استطعنا وكلما احتاجوا لنا؟ ألا يكفي أنهم يحبوننا بصدق ويخافون علينا؟ ألا يكفي أنهم يفضلوننا على غيرنا ويضحون من أجلنا بكل ما يستطيعون وبكل ما لديهم فقط من أجل سعادتنا؟ ألا يكفي أنهم متمسكون بنا حتى آخر لحظة؟ إذن ما المانع من أن نعطيهم ونقدم إليهم أقل ما ينبغي علينا تقديمه لهم ليس تفضلاً منا عليهم أو تعاطفاً معهم بقدر ما هو حق من حقوقهم علينا؟

صحيح انه ربما عاتبنا الطرف الآخر على تقصيرنا معه في هذا الموضوع، ولكن لم لا نفهم هذا الانسان العزيز على قلوبنا ان عدم تواجدنا معه باستمرار وقربنا منه دائماً لا يعني انه شخص عادي كأي شخص، ولا يعني ان ما بيننا من علاقة ود قوية قد تأثرت أو فترت أو أنها في طريقها للاضمحلال؟

إننا لا نستطيع أن نقنع الآخرين بتبريراتنا باستمرار، ولكن هذا لا يعني ان نجعل من تلك التبريرات وكأنها الوسيلة الوحيدة للرد أو مواجهة أي عتاب.

والأمر الآخر الذي لا يقل أهمية والذي نشاهده ونواجهه في حياتنا العامة هو لم لا يكون لنا حرية الاختيار في ان نختار ما نريد وفق ما يرضي الله أولاً؟ لماذا تفرض علينا حياة من نوع معين نحن نرفضها لأننا غير قادرين على التعايش معها؟ ولماذا يفرض علينا أشخاص نحن غير مقتنعين بهم، ولا نستطيع التعامل معهم أو حتى العيش معهم تحت سقف واحد؟ وكيف يرتاح الطرف الآخر أو يرضى بأن يكون معه انسان لا يريده أو لا يحبه؟ أليس ذلك أمراً متعباً؟

ولم حينما نريد العيش بسلام وهدوء بعيداً عن المشاكل؟ لم تفرض علينا تلك المشاكل وتلصق بنا التهم، وينسب لنا ما ليس فينا؟

لم لا تتاح لنا الفرصة في أن نقدم ما لدينا ونعطي أكثر ما لدينا ولكي نبدع بالصورة التي ترضينا وتنمي المجتمع، ولم يكون الابداع في مجال العمل؟ لم لا يكون الابداع في المشاعر؟ في كيفية تقديمها بشكل مختلف؟ ولم لا نعبر عن مشاعر حبنا بأسلوب ينم عن روعة هذا الحب وتميزه؟ بل ولم نقتل هذا الحب وتوهجه بالعتاب المستمر واللوم المتواصل رغم معرفتنا الأكيدة لحب الطرف الآخر لنا؟

ولم لا يكون هذا الشهر الفضيل بداية تواصل حلوه وتسامح لمن أخطأ في حقنا وبداية تصحيح حقيقية لمسار حياتنا ومعرفتنا لما نريد بشكل واضح ومعقول.

بل لم لا تغمض عينيك الآن وتتخيل كل ما تريد تحقيقه أو تتمنى الحصول عليه ومن ثم النظر اليه من زاوية أخرى أكثر جمالاً وواقعية، ولم لا تقل لنفسك الآن الحمد لله أنا لست لوحدي، بل معي من أريد حتى وهو بعيد عني؟ قل لنفسك ذلك بكل ثقة، لأنك بالفعل كذلك.


همسة:

تعرف..
حينما أكون مع نفسي.
حينما أخلو بنفسي..
حينما أرى حالنا..
أنا وأنت..
حينما أرى كم نحن بعيدون مكانياً..
بحكم الظروف القاسية..
وكم نحن قريبون روحياً..
بحكم ما يربطنا من حب
وحينما أرى ان المستحيل..
ليس صعباً..
بل يمكن أن يكون ممكناً..
لو أصرينا قليلاً..
لو ضحينا أكثر..

***

حينها..
دائماً ما أتساءل:
ولم لا نكون شخصاً واحداً..
في كل شيء؟
لم لا نكون معاً..
الآن؟
وقبل فوات الأوان؟
قبل أن نخسر كل شيء؟
قبل أن يضيع منا كل شيء؟
قبل أن نندم على كل شيء؟
طالم في يدنا شيء؟

***

إلى متى ننتظر الظروف..
كي تعطينا ما نريده؟
وبيدنا أن نحقق شيئا نريده؟
ومم نخاف؟
ممن هم حولنا؟
ممن لا يهمهم أمرنا؟
ممن لا هم لهم..
سوى القيل والقال؟

***

ولم التردد..
وكل شيء جميل مشروع..
أمامنا؟
فاتح ذراعيه لنا..
يدعونا لأن نكون لبعضنا؟

***

ما الذي يمنعنا أنا وأنت..
من وضع نهاية حلوة..
لذلك الحب الطاهر؟
بدل أن يكون معلقاً..
حتى إشعار آخر؟

***
ما الذي يمنعنا؟
ان نعيش هذا الحب..
واقعاً معاشاً ملموساً؟
بكل طهره؟
وصدقه؟
وشفافيته؟

***

وما الذي يمنعنا
ان تحيا هذه الحياة..
كما أرادها الله لنا؟
في سلام وأمان؟
في ود ووئام؟
في هدوء واستقرار؟
لم لا؟

***

يا الله!!
إلى متى نظل أسيري الأماني؟
إلى متى نظل رفيقي الخيال؟
إلي متى نعيش الانتظار؟
إلى متى الإحساس..
بشبح الخوف من المستقبل..
يطاردنا..
ونحن نحاول الهروب منه؟
إلى متى الشعور..
بشبح الخوف من المجهول..
يقلقنا..
ونحن نحاول التخلص منه؟

***

إلى متى هذا الحرمان..
يقتل أمانينا؟
يدمي مآقينا؟
إلى متى ننظر إليه..
مكتوفة أيادينا؟

***

فيا لهذا الحب الطاهر..
الذي يختلج بداخلنا..
الذي يسكن صدورنا..
الذي ما انفك يلازمنا..

***

إلى متى يظل هذا الحب..
حبيس قلوبنا..
دون أن يحس به أحد؟
إلي متى يظل ظمآناً..
دون أن يرديه أحد؟
إلى متى يظل جائعاً..
دون أن يشبعه أحد؟
إلى متى يظل وحيداً..
دون أن يشاركه أحد؟
إلى متى يظل ينادي وينادي..
دون أن يسمعه أحد؟
إلى متى يظل ينتظر وينتظر..
دون أن يلتفت إليه أحد؟
وإلى متى يظل يضحي ويضحي..
دون أن يأبه به أحد؟

***

أليس من نهاية حلوة..
لهذه الأماني الجميلة..
التي طال أمدها؟
ولتلك الخيالات الكثيرة..
التي طال العيش فيها؟
ولذلك الانتظار الطويل..
الذي لا يبدو انه له نهاية؟

***

أليس من حقنا
ونحن نمتلك حباً صادقاً كهذا..
أن نحيا كغيرنا؟
أن نسعد به؟
وأن نشعر بجمال من حولنا؟
وأن نوقد شمعة سعادتنا..
بأنفسنا؟
وأن نظل نراها دائما..
متقدة؟
وأن نعيشها دوماً..
متوهجة؟
كما هو حبنا؟

***

إنها أمان ليتها تتحقق..
وأحلام ليتها ترى النور..
وأخالها ستكون..
عما قريب..
بإذن الله..

***

لم لا..
ونحن لا ينقصنا شيء؟
لم لا..
ونحن لسنا أقل من غيرنا في شيء؟
لم لا..
ونحن ربما أحسن في أكثر من شيء..

***

ألا يكفي أن بداخلنا..
في أعماق داخلنا..
حباً متفرداً..
لا نظير له؟
وعطاء متجدداً..
لا حدود له؟
بل أملاً خالداً..
مثيل له؟
فلم لا؟

◽️◽️

📰 جريدة الجزيرة الخميس ٢١ رمضان ١٤٢٢ هـ

 تحرير : حورية الدعوة
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « إذا دعا الرجل لأخيه بظهر الغيب قالت الملائكة : ولك بمثل »

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق