ـــــــــــــــــــــــــــــ
بيني وبينك
ـــــــــــــــــــــــــــــ
بيني وبينك.. هذا حديث خاص بيننا فقط.. لا نريد احداً أن
يتدخل أو يسمع..
لأنه حديث يخصني.. ويخصك فقط..
(١)
هاتف ليلة العيد
رن هاتف الجوال وأنا في أوج انشغالي بتهيئة البيت استعداداً لاستقبال العيد المبارك..
التقطت الهاتف متوقعة تهنئة من صديقة عزيزة، غير أنني فوجئت بصوت بكاء ونشيج على الطرف الآخر!!
هدأت الصوت، وكلي وجل من عظيم المصاب الذي سيقع عليّ، فإذا بها فتاة من صديقات حياة تبكي بحرقة وألم ممتزج بالخوف من القادم!..
(غدا سيطلقني زوجي.. لقد توعدني بأنه سيطلقني يوم العيد. وغداً هو العيد، ماذا أفعل حتى لا يطلقني؟؟..)
توقفت برهة أريد أن أستوعب فكرة الطلاق المقرون بالعيد، بادرتها ولماذا سيطلقك يوم العيد؟؟
قالت: إنه سبب تافه لا يستحق وقد اعتذرت منه كثيراً وتأسفت لكنه أصر على أنه سيطلقني يوم العيد..
سألتها ولماذا أنت خائفة من الطلاق؟ هل بينكما أولاد؟
قالت: لا، لكن منذ تزوجته قبل سنة ونصف تقريباً وهو يمعن في إذلالي ويتصيد أخطائي ويحاسبني على كل صغيرة وكبيرة، ويتحكم بقراراتي الشخصية، ودائماً يثبت أنني مخطئة بحقه! وإذا بادرت بالاعتذار طالبني بتقبيل قدمه!!..
حتى يوم صباحيتي (اليوم الأول بعد الزواج) هددني بالطلاق إن لم أنفذ كل أوامره وأمشي طوع بنانه..
هنا فقط أوقفتها وطلبت منها تفسيراً لاستمرارها مع شخص يتلذذ بإهانتها ويتحكم بها.
قالت: أخشى على أهلي من صدمة طلاقي فهم مسالمون وهادئون وبعيدون عن المشاكل.
بصراحة لم أستطع أن أكتم هذه المشكلة لأن فيها الكثير من العبر التي يجب علينا الانتباه لها وتفتيح عقول أبنائنا وبناتنا عليها في وقت مبكر..
وفي جمعة أسرية طرحت المشكلة على الفتيات وطالبتهن بتقديم حل مناسب لها.
قلن بصوت واحد: (مشكلتها أنها ضعيفة فيجب أن تتحمل نتيجة ضعفها ورضاها بالمهانة والذل منذ بداية الزواج، فقد كانت بحاجة إلى الوقوف في وجهه عندما تجاوز حدوده معها، ومشكلة زوجها أنه يحتاج إلى إعادة تربية من جديد حتى يعرف كيف يحترم الآخرين كما يطالبهم بأن يحترموه.)
الجميل في قصة تلك الفتاة أنها اجتهدت في حل مشاكلها مع زوجها دون الرجوع إلى أهلها ومعرفتهم بتفاصيل حياتها، لكن من جهة أخرى كان عليها وعلى أسرتها تثقيفها بما لها وما عليها وما هي حقوقها وما هي واجباتها..
يبدو أنها تحتاج إلى إعادة نظر فيما فعلت آنفا ومدى قدرتها على الاستمرار في ظل هذه التهديدات المتكررة...
إذا أنت أكرمت الكريم ملكته
............... وإن أنت أكرمت اللئيم تمردا
**
📚 مجلة حياة العدد (٩٤) صفر ١٤٢٩ هـ
(٢)
بقلم د. فهد بن حمد المغلوث
أحتاج إليك أبي..!
أعرف يا أبي أن ما سأبوح به لك قد يكون قاسياً عليك بعض الشيء، بل أدرك أنه مؤلم بالنسبة لي أيضاً، ولكن صدقني، فأنا لم أقله إلا بعد أن أعيتني الحيل من أن تكون بجانبي، وبعد أن انتظرتُ طويلاً من أجل أن أرى منك ما يشعرني بأبوتك، وحقوقي عليك!
ترى، أي مبررات وأي مغريات تلك التي أنستكَ إياي وأنا ابنتك التي لطالما افتخرت بك أباً،
وتجعلك تهجرني وتهجر إخوتي وتكون بعيداً عنا في اللحظة التي نكون فيها في أمس الحاجة إليك، وكأننا أبناء ناسٍ آخرين.؟
أي أبوّة تلك التي تجعلك تقطع أواصر المحبة والتواصل معنا فلا تسأل عنا ولا تطمئن علينا وتحمينا من تقلبات الظروف، وقسوة الأيام؟
وأنا في سن المراهقة.. وقد تعودتُ أن أناديك فتجيبني.. من لي حينما أشعر بك تغادرني فجأة ودون سبب واضح سوى أنك تريد أن تستمتع بحياتك بعيداً عنا، نحن فلذات كبدك.. وكأننا حمل ثقيل عليك تريد أن تتخلص منه، وأننا سبب نكدك!
تخيل يا أبي، أي شعور يراودني وأنا أشعر بأني كسرت من الداخل وفقدت ثقتي بنفسي وثقة أعزّ من أملك، تخيل مشاعر الإحباط لدي وأنا أشعر بالخوف من كل إنسان، ومع كل موقف..
آهٍ يا أبي، لو تعلم مشاعري وأنا أبوح لك بما يعتمل في خاطري تجاهك، صدقني لم أنم ليلتها..
انتابتني مشاعر غريبة لم أحس بها من قبل، مشاعر ممزوجة بالرضا كوني أخرجت ما في قلبي لك ومشاعر الشعور بالندم كوني ضايقتك بمصارحتي دون أن أقصد، ولكن ماذا أفعل وأنا أرى أبي الذي أفقت على الدنيا وأنا أراه، يضيع من بين يدي؟ ماذا أفعل وأنا أشعر بأني أكاد أن أفقد مصدر الحنان والعطف الذي تبحث عنه كل فتاة.؟
ترددتُ كثيراً فيما قلته لك، وفكرت في نفسي قائلةً: إنه لا يبخل علينا بالمال أبداً.. ولكن هل المال يا أبي كل شيء؟ هل يغني عن من تحب وعمن يملكون مكانة كبيرة وغالية في قلوبنا، وعن مصدر السعادة الحقيقة.. التي هي أنت يا أبي؟
نحن نريدك.. نريد الجلوس معك.. وأن نشعر بأنك بجانبنا.. تتحدث معنا وتسألنا عن أحوالنا، وتتلمس احتياجاتنا.. فذلك بالنسبة لي أجمل وأغلى شيء نحلم به، تخيل مقدار السعادة والفخر الذين يصيباني وأنا أتحدث أمام صديقاتي عن حبك لنا وعطفك علينا وقربك منا.. شعور غاية في الروعة..!
وتأكد يا أبي.. أنك بغيابك.. وإهمالك لي، تجعلني أبحث عن العاطفة والحنان في مكان آخر ومع ناس آخرين.. أناسٍ لا أضمن نواياهم وأهدافهم، فأنا في مرحلة عمرية حساسة، قد أضعف أمام أي كلمة حلوة أو لمسة حنان من أي شخص..
خاصة تلك الذئاب البشرية التي تترصد لنا نحن الفتيات.!
أرجوك.. يا أبي، لا تغضب مني.. كل ما أطلبه أن تكون قريباً مني.. تشعرني بحنانك، وحبك.. وسؤالك المتواصل عني.. وأن تشعرني بأنني أعني لك فعلاً الكثير الكثير.. وأغنيني مغبة اللجوء للآخرين.. وتأكد كل التأكد.. أن الأمان العاطفي هو ما أبحث عنه، وأتوق إليه، فهلاّ أشبعتني إيّاه..؟!
ابنتك..
**
📚 مجلة حياة العدد (٩٥) ربيع أول ١٤٢٩ هـ
(٣)
مشكلتي في بيتنا..
في هذا العدد.. يشاركنا (الدكتور/ عبد العزيز العثمان) زاوية بيني وبينك، بمشكلةٍ وفدت له، وقام بحلّها مشكوراً..
تحدثت بعد تردد قائلة:
’’مشكلتي الأساسية ليست انخفاض الوزن بل إنها الحياة التي لا تطاق في منزلنا.. أحس أحياناً بضيق واكتئاب مما أسمعه يومياً من مشكلات لا تكاد تنتهي، خلاف بين والديّ منذ أن فتحت عيني على الدنيا وزادت تعقيداً عندما تزوج أبي العام الماضي، أخي الأكبر يتدخل في شؤوني دائماً كلما زارنا ..
والأحرى به أن يهتم بزوجته وأولاده ويكفيني إزعاجه وعدم ثقته التي تؤلمني جداً. لا أحد يفهمني .. وأفتقد الحنان من صغري وإلى الآن.. بسبب هذه المشاكل تراجع مستواي الدراسي بعد أن كنت متفوقة في المرحلة الثانوية ..
أريد حلاً يا دكتور ينهي معاناتي وبسرعة..‘‘
قلت لها وبهدوء يشعرها بالاطمئنان .. الحل ميسر، ولكن لا توجد حياة بدون تعب والآن أصبحت امرأة يعتمد عليك لهذا بدأتِ ترين المشكلات وتتعاملين معها ..
كيف تتعاملين مع أخيك الأكبر؟
أول مراحل الحل هو تحسين العلاقة مع زوجته وأولاده ثم معه .. هل جربت أن تقدمي هدية ولو صغيرة له أو لزوجته؟.. الهدية مهما كانت بسيطة تأثيرها ساحر للقلوب، جربيها واكسري حاجز التردد الذي في نفسك وتخوفك من أنهم قد يستغربوها منك .. فهذا شعور يخالج نفوسنا ليوقف مبادراتنا الخيرة.. لا تقولي كيف أهديه وهو يتعامل معي بقسوة .. ابدئي باللين والرفق وسترين كيف تغيرينه في وقت قصير جداً ولا تنسي أنه أخوك الأكبر..
أفكار لحل مشكلة والديك
أتدرين لماذا تحسين بجفاء والديك؟ لأنهما مشغولان في مشاكلهما في الوقت الذي ننتظر منهما المبادرة والحب والرفق، وهما يتوقعان من أبنائهما نفس الشيء والحقيقة أن برهما والرفق بهما من واجب الأبناء من الآن وليس بعد أن يكبرا.. فكوني لهما كأنثى الطائر الحنون تفتح جناحيها لتحمي صغارها عن البرد والمطر.
جربي الحوار الهادئ عندما تكونون جميعاً هادئين، وليس بالضرورة مناقشة المشاكل بل في أي شيء مناسب، يشعرهم باهتمامك وحرصك، لا تنسي أنك في نظرهم طفلة وستبقين كذلك ولو كنت أماً في المستقبل .. اكسري حاجز الصمت.. ولكن لا تتحدثي عن معاناتك، بل الحديث بتفاؤل عن العائلة ولا بأس من تقديم بعض الطرف أو المسابقات الطريفة عندما تجتمع العائلة..
هناك فكرة قد تحسن وضعهما وتحل مشكلة أخيك، تذكري.. أن لنا أخطاء كما للآخرين .. فأنت قد تنتقدين تصرفاتهم وهم أيضاً ينتقدون تصرفاتك .. فالاعتراف بالخطأ فضيلة وليس انهزاماً، والأهل لن يتوقفوا عن متابعتهم لك ودافعهم جميعاً في هذا الحرص والخوف عليك لا الشك فيك..
بعد أيام اتصلي على أخيك وأخبريه أنك ترغبين مناقشته بأمر هام، اجلسا لوحدكما في مكان مناسب، تناسي تماماً ما عمله أو قاله لك، واطرحي عليه قضية والديكما وذكريه بدوره الهام وأن صمتكما يهدم حياتهما ثم اقترحي عليه عدة وسائل للتقريب وتلطيف الجو بينهما وجمعهما في مناسبات خاصة خارج المنزل ترتبينها بطريقتك ..
أيضاً فكري في تنظيم رحلة لهما إلى مكة أو المدينة أو أي مكان آخر
واستأذنيهما بالحجز لهما وساعديهما في التنفيذ بإصرار وتودد وقبلي رأسيهما حتى يقبلان الدعوة على أنها من أخيك ولك الأجر العظيم، وبالحوار تزول الغمة التي على القلوب وتشرق الشمس من جديد على قلبيهما وتتفتح أزهار النباتات التي زرعوها من قبل والتي ربما جار عليها الزمن فذبلت عطشاً لكنها لم تمت.
إن شعور أخيك باهتمامك بوالديك وتقديرك له سيجعله يعيد تقييم تعامله معك.. وسيلوم نفسه كيف أساء إليك واتهمك بما ليس فيك أما أنت فستحسين بطعم جديد للحياة ولا أجمل من الإحساس بأهميتنا لمن حولنا والأجمل أن نبذل الخير فنشعر بنتائجه عاجلة وما عند الله أعظم ..
توكلي على الله ولا تلتفتي لأي شيء قد يعيقك في تنفيذ خطتك .. فقط استعدي وفكري ثم نفذي دون خوف فالمبادرات الخيرة نتخوف منها في البداية ثم نحس بطعمها اللذيذ بعد فترة، ولا بأس من أن تفكري فيما ستقولينه أو ما تفعلينه قبل عدة أيام، ستبهرك النتيجة، وستكونين مثار إعجاب الجميع فأنت الوحيدة التي بادرت وأشعلت شمعة الأمل لتضيء الطريق لكل أفراد العائلة،
هم بحاجتك لكن لم يتوقعوا منكِ خطوة، وستتغير نظرتهم لك لتكوني أنت من تتحكمين لا من تنفذين فحسب ..
لا تضعي عراقيل وهمية، أو تقولي جربت وسائل شبيهة ولم أفلح.. واعتبريها طاعة لله وحاولي مرة ومرة ومرة وستنجحين بمشيئة الله ...
**
📚 مجلة حياة العدد (٩٢) ذو الحجة ١٤٢٨ هـ
(٤)
عارضتك مشكلة .. لم يسمعك أحد؟!
لا تحتاري فالحل لدي .. انتحري.!
مريم أتسمعينني
ستكونين بخير فقط فقط استرخي...
بسرررررررررعة Ventolin injection
هذا آخر ما سمعته.. أيقظتني أشعة الشمس عندما رفع عنها الستار من قبل الممرضة، تذكرت أزمة الربو التي جاءتني وفقدت على أثرها الوعي.. ابتسمت عندما شاهدت أبي يغطي جبيني بيديه الحنونة ليقرأ ما تيسر من القرآن..
الحمد لله لقد كنتِ بحال يرثى لها، علمت منه عن الأحداث التي حصلت لي.... بعدها زيارات الأهل والأصدقاء إلى أن أوشكت عقارب الساعة على بدء إعلان انتهاء وقت الزيارة... أصررت أن أبات اليوم وحدي دون مرافق فيكفيهم مشقة ليلتين من التعب والسهر، بدأ الهدوء يتسلل إلى الجناح العمومي الذي سكنت به أنا وأزمتي..
أحسست بالنوم يدغدغ أهدابي فاستسلمت له حتى جاء ما يفزعني ويهرب عني نومي!!
انتحار انتحار.. كلمات رنت في أذني..
تحكي خلود 19 سنة بجواري.. أن الحياة لحظة ينتهي وقتها بمجرد تناول جرعات زائدة من الدواء، وتصمت دقائق ثم تكمل حديثها.. يئست عندما أحسست أن الأهل لا يفهمون رغباتي.. لم أشعر بكياني أو حتى بوجودي فلماذا أنا هنا أعيش في العالم.. كنت أنتظر شارة بدء الانتهاء لعالم الآخرة وبدأت هذه الإشارة بشجار مع أخي الأكبر لسبب جدا تافه فدخلت غرفتي لأخرج منها بسيارة إسعاف!
قطعت حديثنا ممرضة من الجنسية العربية.. لإعطاء دواء مهدئ يخلد خلود إلى النوم.. شعرت تلك الممرضة بحزني وشغفي لإكمال حديث خلود.. فقالت دون أن أسألها جناح ١٧ مليء بقصص الانتحار انتظري ساعة وستبدأ زيارات المريضات لبعضهن حتى يتبادلن القصص والأحاديث..
ذهبت لسريري على ملامحي ابتسامة رضا.. كانت تلك الساعة التي حدثتني عنها الممرضة بطيئة بل هي البطء بمعناه.. قررت أن أتمشى بنصف الوقت المزعوم.... فلمحت فتاة أظنها لم تتجاوز الثالثة عشرة!! تتمشى وهي متمسكة بالمغذي الموضوع في الشريان بيدها..
ألقيت التحية.. فردت ببرود قاتل على تحيتي وحاولت أن تكمل مسيرها.. فحاولت جذبها لي قائلة.. سمعت أن المحقق أتى اليوم سائلاً عن الفتيات المنتحرات في هذا الجناح،
لمحت خطواتها تقف شيئاً فشيئاً، سألتني الفتاة بعد أن استوقفتها قائلة: هل قمتِ بتجربة الانتحار؟..
فناظرتها قائلة: لماذا وهل الانتحار حلال!؟
فأجابت بعدما استندت على كرسي لتجلس.. نعم الانتحار أصبح حلالاً.. هكذا تقول صديقاتي..
فرددت ولماذا انتحرتِ هل لتجربة الحلال فقط!
فأجابتني قائلة: لا بالانتحار أستطيع أن أنفذ كل رغباتي المرفوضة.. صديقتي كانت ممنوعة من كل شيء وبعدما جربت الانتحار أصبح كل شيء مسموح لها!
فقلت لها ولكن! ماذا إذا كان انتحارك صادقاً ولم يستطع أحد إنقاذك..
فابتسمت ابنة الثالثة عشرة قائلة: هناك طرق للانتحار الشكلي الأغلب يتبعها.. وهي مضمونة.. تطيح بك أرضاً لكنها لا تميتك!
ذهلت حقاً بما سمعت، وذكرت لتلك الفتاة آيات من القرآن عن الانتحار وعقابه وكيف تبعث للآخرة... أحسست أن هناك قناعة تامة في ذهنها أنه طالما كان انتحار مدبر فهو حلال.. ليس في ذهنها فقط بل في ذهن كل الفتيات من عمرها!!
وجدت أن جميع القصص هنا متشابهة.. الهدف واحد لكن تسلسل الأحداث والأبطال مختلف!!
تناسيت مرضي وألمه.. تناسيت تشعب صدري بالربو وضيقه.. أمام هذه المشكلة...!!
هل الموت أصبح لعبة نعبث بها متى نشاء!! هل الموت أصبح اليد التي توجع من نرغب حتى نفعل ما نريد!!؟
أسرار وسبل متطورة من قصص الانتحار المزعوم يملأ جناح ١٧، وليس فقط جناح ١٧ فكل جناح نسائي في المستشفى ترقد بأحد أسرته فتاة منتحرة!
أكملت رحلة شفائي وبقي في ذهني السؤال عن هذا الانتحار!
تقول شيخه الحريش أخصائية في مدرسة ثانوية: (إن قصص الانتحار في السنوات الأخيرة بدأت تتزايد.. إلى أن أصبح شيئاً شبه عادي لا نصعق عندما نسمع عنه.. ملفات الانتحار وإجازات الفتيات المرضية تملأ أرشيف مكتبي... الكل يريد أن يجرب هذه التجربة..)
وعندما سألتها عن السبب وراء هذا الانتحار قالت: (إن السبب وراء هذا الانتحار واحد! إما رغبة لم تنفذ.. أو أمر لم يُلب.. أو هم لم ينتهِ.. أو حب لم ينجح...!)
وأكملت حديثها قائلة إن الأهل أصبحوا يخافون بناتهن.. فلا يرفضون شيئاً حتى لا تصبح مثل فلانة أو فلانة..
قاطعتها قائلة: والحلقة هنا مفقودة؟؟ من المسؤول وراء ذلك الأهل أم طريقة التربية؟؟
فأجابتني: (الحوار في بعض الأسر للأسف أصبح شبه معدوم... وغياب الوازع الديني ولا تنسي أنه الحصان المنيع من ذلك المرض المتفشي بينهن ولا تنسي يا أختي أن الرفقة عامل مؤثر ومهم لا يمكن تجاهله..)
أنهيت حديثي معها بعدما أخبرتني أن كل ملف انتحار يتم معالجته بسرية وإحضار الفتاة والأهل لعدة جلسات حتى يتم معالجة الأمر.. نعم انتهيت والقضية لم تنتهِ بعد.. لا تزال صرخات الفتيات تستمر في جناح ١٧، والسؤال الذي يطرح نفسه.. إلى متى سيكون الانتحار حلالاً في أيديهنّ!؟
مريم العلي
**
📚 مجلة حياة العدد (٩٣) محرم ١٤٢٩ هـ
(٥)
هل ثمة مشاهد ( عااادية ) على جوالك؟
تشكو الكثيرات من الفتيات من الفراغ العاطفي..
أمي لا تمنحني الحنان.. أمي قاسية جداً..
أبي كذلك.. وأخوتي..
لا أسمع كلمة أحبك.. لا أسمع كلمة ثناء أو شكر أو مدح أو مودة..
أشعر بالفراغ العاطفي.. أحتاج لعاطفة..
لمن يدللني يسمعني كلمات الإطراء والحب..
أصبح من المألوف أن نرى الفتيات يتجمعن على حدة في الاجتماعات العائلية، ويبدأن في مشاهدة ما تحمله جوالاتهن من غريب ومثير من مقاطع البلوتوث. فتخرج أصوات هامسة وضحكات وموسيقى تتبعها التعليقات وطلبات الإرسال..
وحتى لا نظلم الجميع، فهناك نسبة منهن يشاهدن لقطات طريفة أو غريبة أو ذات هدف، لكن النسبة الأكبر منهن يتداولن مقاطع يعتبرنها عادية جداً ولا بأس بها.. رغم أن حدود ((العادية)) بدأت تزداد اتساعاً يوماً بعد يوم..
فأصبح من المألوف أن ترسل الفتاة لقريبتها مقطعاً عارياً لفنانة مشهورة، أو لقطة فيها تحرش أو رقص أو حركة سيئة سواء في الشارع أو داخل الغرف المغلقة..
والمشكلة الأكبر أنهن كما ذكرنا بدأن يعتبرن هذا الأمر ((عاااادي)) جداً وليس ((عيباً)) أو خطأ.. ويتداولنه دون خجل أو شعور بالذنب بل بشكل جريء جداً، وقد ترد عليك الفتاة قائلة: ما به هذا المشهد؟ لا شيء يظهر واضحاً.. إنها ترتدي المايوه.. ليست عارية!! أو إنها مجرد ( .. ) وليست ( .. ).. ومن هذه التبريرات فصاعداً..
وبهذه الطريقة أصبح من المألوف أن تريك فتاة تعرفين خلقها واتزانها مشاهد مقززة في جوالها.. وتسألك بكل عفوية إن كنت تريدين أن ترسلها لك؟!!
ليتنا نكون صادقين مع أنفسنا.. قليلاً..
ما الذي نشاهده فعلاً في جوالاتنا؟ ما هي المشاهد التي نخزنها ونسمح لأنفسنا برؤيتها؟
للأسف جوالات الكثير من الفتيات اليوم أصبحت تعج بالمشاهد التي أصبحت تزداد ((عرياً)) و((إباحية)).. و .. عاااادي!!
لذا أرجو منك الآن أن تسألي نفسك بصدق وبكل صراحة.. ما الذي أشاهده على جوالي؟
وأسألك من كل قلبي..
أن تتخيلي وأنت تشاهدين هذا المشهد ((العادي)).. هل يمكن أن تواجهي ربك به؟
إذا وقفت يوم الحساب بين يدي الله سبحانه وقد وضع الميزان وبدأت أعمالك تفضح أمام رب العالمين وأمام خلقه.. وحين يبدأ بحسابك على هذه المشاهد التي رأتها عينك.. بم ستردين عليه سبحانه؟ بم ستدافعين عن نفسك؟
هل ستقولين أنها ((عااادي)) و ((ما فيها شي))؟!
هل ستستطيعين التجرؤ بالكذب على الله سبحانه وتعالى كما تجرأت بالكذب على خلقه.. بل وعلى نفسك؟
إن هذه المشاهد.. فوق حرمتها.. مضرة لك.. فهي تلهب مشاعرك وغرائزك الكامنة.. التي يجب أن تحافظي عليها نقية طاهرة لحين زواجك..
وكم من فتاة أدمنت ممارسة العادة السيئة بسبب هذه المشاهد.. ولم تستطع الفكاك منها..
وكم من فتاة تطورت لديها عادة مشاهدة المقاطع السيئة إلى إدمان الأفلام الإباحية.. سواء على الجوال أو النت أو على السيديهات وغيره..
ولو شعرت أنك بعيدة جداً ومنزهة عن كل ذلك..
فيكفيك والله.. أنها تخدش حيائك.. حياء الفتاة الذي يشرق براءةً على وجهها وينضوي تحت انكسار عينيها.. وتفقدينه مع مشاهدة هذه المقاطع..
حياؤك الذي يجعلك أجمل وأكثر رقة من فتاة توزع المقاطع ((العادية)) لزميلاتها وقريباتها دون حرج.. لتحمل أوزارهن جميعاً يوم نبحث كلنا عن حسنة نسيناها هنا أو هناك..
أسألك مرة أخرى أن تراجعي محتويات جوالك.. وأن تبدئي في تنظيفه وتنقيته من المشاهد التي تعتقدين أنها ((عادية)).. فما جوالك إلا نسخة مصغرة من صحيفة أعمالك..
وإذا أردت أن تعرفي كيف يمكن أن تميزي الخطأ من هذه المشاهد من المسموح.. فتخيليها وهي تعرض أمامك على الله عز وجل في ميزان أعمالك.. وستعرفين حقاً هل هي عادية أم لا..
وصدقيني.. بعد تخلصك منها ستشعرين براحة عجيبة.. وطمأنينة..
لأن المعصية وزنا العين تورث ضيقاً في الصدر وشعوراً كئيباً بالذنب..
وستشعرين بالفخر بنفسك وأنك استطعت كسر حاجز قوي وانتصرت في معركة باسلة مع هواك.. لأجل ربك..
ويا له من شعور رائع.. ليتك تجربينه..
**
📚 مجلة حياة العدد (٨٢) صفر ١٤٢٨ هـ
(٦)
رمضانُ .. جئت!
وظهر هلال رمضان أخيراً..
بكت أمهاتنا وجداتنا لرؤيته، وفرح الأبناء الصغار.. وتهللوا بشراً بقدوم الفيمتو واللقيمات و(لا تهون) السمبوسة..
الفريزر امتلأ بالأطعمة المحضرة استعداداً لثلاثين يوماً حافلة بالأكل والشرب، والتسوق كان على أشدّه في السوبر ماركت.. كلٌ يدفع عربية خاصة به ليجمع أكبر قدر ممكن من المعلبات والأغذية!
كل دفاتر الطبخ خرجت مساء اليوم، تخيلا منا لفطور الغد والذي بعده.. وربما السحور أيضاً، هاتف منزلنا لم يتوقف عن الرنين ونغمات الرسائل القصيرة يتلاحق كلٌ يهنئ ويبارك شهر الصوم والرحمة.
وارتفع صوت التراويح من مسجد حارتنا.. وبدأ المسجد المكيّ بثّه الحيّ بفاتحة القرآن.. كل شيء كان حميمياً دافئاً بشهر تهب نفحاته رطبة ندية..
كنتُ أنام حتى قبيل المغرب بدقائق.. ثم أتناول فطوري بشرهٍ دون أن ينغزني شعور الجوع..
وبالتأكيد لم يكن يفعل وأنا لا أستيقظ من النهار شيئاً..! ثم أجالسُ المسلسلات والبرامج الرمضانية الهائلة. كلما انتهى شيء.. ابتدأ آخر بعده بثوانٍ..
صلاة التراويح، كنت أصليها في البيت.. أقطعها بأمور عدّة.. ثم أنهيها ثلاث ركعات قد تتقلص اثنتان أو واحدة أحياناً وإن كنت نويتها خمساً!
وأعمالٌ تتلاشى في الهواء.. وتخفّ موازيني منها.
لكن رمضان السنة.. عزمتُ على خطة جديدة.. وحياةٍ روحانية سأعيشها ولو جاهدتُ نفسي عليها.. أريد أن أشعر برمضان كما تشعر به جدتي وأمي.. وأن أبكي كما يبكون.. رقةً قلبية وروحانية.
بدأتُ بتنظيم نومي.. الاستيقاظ مبكراً شيئاً فشيئاً.. و(مقاطعة) المنتجات التلفزيونية التي لن تنتهي.. ولن تحلّ فيها مشكلة الفتى المدمن.. والبيت المشتت.. والفتاة التي تلهث خلف المال بأي طريقة كانت.. روتين مكرر، أحفظه، وينتقص مني أكواماً من الحسنات.. ثم خصصتُ مصلى (بيتوتي) في زاوية من غرفتي.. رتبته وعطرته، وفرشتُ سجادة وبجانبها مصحف نويت أن أختمه مرات.. وداومتُ على المسجد ما أمكنني..
هل تعرفين أي راحة جنيت.؟ شعوراً لا يمكن أن أصفه وقدمي تطأ العتبة الأولى للمسجد، مروراً بصوت الإمام الندي، وخشوع صلاته.. وحتى (آمين) في كل دعاء يكرره..
ومرّ رمضان.. كنتُ فيه راضية عن نفسي للمرة الأولى في حياتي لم يخرج بحسرة في نفسي.. لم أصل إلى ما كنتُ أطمح طبعاً.. لكني غيّرتُ أشياءً كثيرة.. وقتلت فيَّ عادات سيئة.. ومخالفات ماحقة.. وحلقتُ في سماء التغيير الجميل..
لكن مهلاً.. ما زال صيامي معلقاً لم يُرفع.!
وسأتجاوز – كما فعلتُ سابقا- خلل السنوات الماضية حين يأتي رمضان المقبل، وأنا لا أزال أقضي أياماً فاتتني بسبب عذري الشرعيّ..
وأجلسُ على وجل أن يكون شعبان ناقصاً فأعلق بيوم..!
تخيلي، كيف يصل بنا التهاون، إلى أمور محرمة.. و(قضاء وكفارة)..
بعد أيام العيد.. عزمت أن أبدأ بصيام أيامي.. لأبرئ بها ذمتي.. وأكون سبّاقة للخير فلا أجعل للشيطان عليّ سبيلاً، ولأعجل بتقديم أعمالي السالفات لربي.. ثم أكملتها ستاً.. لأكون كمن صام الدهر كله..
أليس رمضان مميزاً.؟
ضوء..
تقول عائشة رضي الله عنها: (كان يُصيبنا ذلك – أي الحيض – فنؤمر بقضاء الصوم ولا نؤمر بقضاء الصلاة).
**
📚 مجلة حياة العدد (٨٩) رمضان ١٤٢٨ هـ
(٧)
أختي المراهقة .. تقودني للجنون!
صراخ.. وركض، ثم تلجأ خلف ظهر والدتكِ مختبئة منك.. تطلق الأكاذيب وربما الصواب أحيانا!
هل عرفتها؟
إنها أختك المراهقة..
كثيراً ما تنشأ مشاكل وشجارات – قد تتحول لدموية لا سمح الله – حول الغرفة المشتركة وبسبب محاولاتها لأخذ أغراضك أو ارتداء بعض ملابسك وإكسسواراتك.. أليس كذلك؟
تبدو الفتاة في هذا العمر متطفلة و(ملقوفة) بالأصح.. فهي تريد دخول عالم النساء وتريد أن تبدو مثلك.. وتلبس مثلك.. وتقلدك في كثير من تصرفاتك.. ما يثير جنونك أحياناً..
تقول سميرة: (أكاد أجن من تصرفات أختي الصغرى فهي دائماً تقلدني، فإذا اشتريت عطراً اشترت النوع نفسه، وإذا اشتريت قطعة ملابس فإنها تحاول شراء نفس الموديل أو نفس اللون ما يجعلنا نبدو مضحكتين.. أصبحت لا أحب أن أذهب معها إلى السوق واشترطت على أمي أن تأخذني مرة لوحدي ومرة لوحدها تجنباً للشجار أمام الناس في السوق!!)..
وتتابع رهف الحديث بعد سميرة فتقول: (أنا أيضاً الشيء بعينه.. أختي في الصف الأول المتوسط.. تدفعني للجنون أيضاً.. إنها تريد أن ترتدي مثلي وتذهب معي لأي مكان أريد الذهاب إليه.. ودائماً تشتكي عند أمي أني لا أحبها وأظلمها.. بل إنها تأخذ ملابسي وحقائبي دون استئذان وتستخدمها أسوأ استخدام ثم ترميها على الأرض.. بالأمس أخذت قلادتي الغالية الفخمة وارتدتها لمناسبة عادية جداً دون أن أدري وحين رأيتها عليها هناك أردت أن أهجم عليها أمام الناس وأقتلعها منها لكني تماسكت!!)
مشكلة سميرة ورهف تتكرر في كثير من البيوت.. فالفتاة في هذا السن تكون متوترة ولم تنضج شخصيتها بعد.. إنها مثل الفراشة التي تريد أن تخرج من الشرنقة ولا تعرف كيف..
إذا أخذنا بيدها ووثقنا بها ومنحناها الحب ووجهناها التوجيه السليم فستخرج بأمان وستكون المرحلة مريحة لجميع الأطراف.. أما إن تركناها وأهملناها أو تعاملنا معها بعنف وقسوة.. فستكون النتيجة سيئة لكل الأطراف..
كيف تتعاملين مع هذه المرحلة الحرجة؟
تفهمي أولاً مدى التوتر والارتباك التي تعيشه في فترة البلوغ هذه، فهي تواجه أموراً قد لا تعرف كيف تتعامل معها، احتضنيها وأشعريها بالحب، واشرحي لها ما تخجل من السؤال عنه.
حاولي مساعدتها في اختيار ما يناسبها من ملابس وحلي وغيره، حتى لا تضطر لتقليدك، وعلميها كيف تختار ملابسها بذوقها الخاص، وتأكدي أنك كلما مدحتها وأثنيت على مظهرها وجمالها كلما جعلتها تشعر بالثقة أكثر بنفسها ومن ثم لا تضطر لأخذ أشيائك أو تقليدك بشكل أعمى، أيضاً اتفقي معها على معاهدة لتبادل الملابس والحلي، وحاولي بدورك أن تستعيري منها بعض الأشياء لتشعريها بإعجابك بأشيائها.
إنها بحاجة إلى شيء من الحب والصداقة والثقة والثناء لكي تتغير بشكل كبير، وسوف ترين كيف ستقل المشاجرات وتتحول أختك المشاغبة إلى صديقة لطيفة بإذن الله.
كيف أخرجها من غرفتي عندما تزورني قريبتي؟
إنها مسألة حساسة، لكن يمكنك أن تطلبي منها البقاء قليلاً في البداية، ثم اهمسي لها بأنك تودين التحدث مع صديقتك أو قريبتك لوحدكما، وحاولي مساعدتها بدورها على اختيار الصديقات الجيدات وساعديها على استضافة من في سنها من قريباتها، وامنحيها قدراً من الحرية مثلك لتشعر بأنها كبيرة وموثوق بها مع مراقبتها دون أن تشعر.
**
📚 مجلة حياة العدد (٩٠) شوال ١٤٢٨ هـ
(٨)
خُطبتُ.. فماذا أختار ؟!
(لا أدري.. أمهليني وقتاً للتفكير!)..
هكذا أجبت على سؤال والدتي للمرة الثانية، وهي تكرره لتحصل على موافقتي على الرجل الذي تقدم لخطبتي قبل أسبوعين..
قلبي يتسارع في نبض شديد.. ويكاد أن يخرج من صدري، لا زلتُ غير مصدقة أني بقرار الموافقة سوف أصبح زوجة فور نطقي بها، وأنني سأصبح (سيدة) بعد أن كنتُ (آنسة) وسيتعلق خاتم في يدي.. وتقام لأجلي ليلة لا يشاركني فيها أحد.. وسأغدو أميرتها!
سأدلل.. وستكون كل كلماتي مسموعة، وطلباتي أوامر.. ثم ينتهي كل شيء.. وأتدارك تفكيري..
(لا.. ليست هي مجرد ساعات قليلة.. بل هي ورطة للعمر كله.. ولا فكاك منها..)
كيف أوافق على رجل لا أعرفه؟ هل هذا الرجل مناسب لأن يكون زوجاً لي؟ وهل ستغدو حياتي سعيدة معه.. أم ستنقلب شقاء ومشاكل لا حصر لها؟ هل شخصيته مقبولة.. أو أنه ممن يحسنون الكلام فقط.. والخافي يعلمه الله؟! وما هي المعايير التي أقبله وأرفضه عليها..؟
* * *
في لحظة ما في عمرك.. ستطرحين هذا السؤال على من تثقين برأيه.. طلباً للمشورة، وإزاحة لهمّ القلق الذي يعتريك، ويعتري أي فتاة تقدم إلى خطبتها شاب توافقت أساسياتهما وبقي الرأي النهائي الحاسم الذي يتوجب عليها أن تقرره، وعلى الرغم من أن الاندفاع الفوري لتقييم الوضع المادي لزوج المستقبل وما تعد به وظيفته من رفاهية ومكانة اجتماعية، يثمر بقرار القبول أو الرفض، إلا أنه يبقى مؤشراً كاذباً وكثيراً ما يجلب للفتاة حياة التعاسة والشقاء خصوصاً إذا كان هو الدافع الوحيد فحسب، ويبقى السؤال.. كيف أختار؟
اسألي نفسكِ.. هل أنا مقتنعة بهذا الشاب الذي تقدم لخطبتي من حيث إمكانياته التعليمية.. وظروف عمله ومكانته الاجتماعية؟ لا يعني ذلك أن تطلبي الكمال في كل شيء أو تضعي شروطاً تعجيزية أو تكون متطلباتك ضرباً من الأحلام، وإنما الاعتدال واجب.. وكلّ هذه لبناتٌ أولى لعمارة بيتك وحياتك المستقبلية، ثم يأتي بعد ذلك (الميل القلبي) من شعور بالارتياح بعد النظرة الشرعية، وقبولٍ للشخص الذي أمامك، وانتفاء الشعور بالوحشة والخوف.. فالنفس مفطورة على الميل إلى من يقاربها في الطباع.. وإن لم تتفق معه في كل الجزئيات..
وماذا بعد أن اجتزتُ الخطوتين ورضيتُ بهما..؟
وهنا يأتي دور الاستشارة.. فما خاب من استخار، ولا ندم من استشار..
توددي لوالدتك.. وشاوريها، فهي قد جربت المرور بهذه المرحلة قبل، وتعرف شعوركِ حتماً.. ولا بأس من استشارة أهل الخبرة، ومن سبق له خوض التجربة ممن تثقين برأيه.. ثم انتقلي للاستخارة، فهي أدعى للطمأنينة وراحة البال، وصيغته: (اللهم إني أستخيرك بعلمك، وأستقدرك بقدرتك، وأسألك من فضلك العظيم، فإنك تقدر ولا أقدر، وتعلم ولا أعلم، وأنت علام الغيوب. اللهم إن كان في هذا الأمر – وتسميه – خير لي في ديني ودنياي وفي عاجل أمري وآجله فاكتبه لي ويسره لي؛ وإن كان فيه شر لي في ديني ودنياي وفي عاجل أمري وآجله فاصرفه عني واصرفني عنه واكتب لي الخير حيث كان ثم رضني به)
ثم الإقدام على أمركِ، وقراركِ أيّاً ما كان.. وثقي أن الله تعالى سيختار لكِ الأفضل.. وأن ما سيأتيك من تيسير دلالات على خيّرية الأمر، أو صعوبات فذاك حجبٌ عن شرٍ قد يؤذيك..
لا تغفلي عن السؤال عنه.. فالتقصي والتحري عن الشاب أمر لابدّ منه.. السؤال عنه في المسجد، ومدى محافظته على صلاته فيها، فالملتزمون بواجباتهم الدينية هم أكثر إخلاصاً وتفانياً في إنجاح حياتهم الزوجية والحفاظ عليها وحمايتها لأنهم ينظرون إلى الزواج على أنه تعبير آخر عن التزامهم وتدينهم..
حياةً سعيدة.. ناجحة، وموفقة أرجوها لك.
**
📚 مجلة حياة العدد (٨٥) جمادي الأول ١٤٢٨ هـ
(٩)
إجازة صيفية.. أخيييييراً..!
وجاءت إجازة الثلاثة أشهر (الطويلة) اسماً، والتي تركض بسرعة فتنتهي قبل أن (نستوعب) أنها بدأت.!
لا يهم، المهم أننا سنتحرر من قيود الدراسة، وضغط العمل، وننطلق للسفر، والاجتماعات العائلية، والسهرات التي تمتد حتى وقت متأخر من اليوم، والنوم لساعات طويلة وبلا تقدير بطبيعة الحال.!
لن يكون هناك (ناموا بدري! عندكم مدارس) .. أو الأصوات التي ترتفع كل صباح لإيقاظ أهل السهر الطويل، والنوم الثقيل، والعيون المنتفخة..
جاءت وانطلقت فعالياتنا..
الأيام الأولى، كانت تعويضاً للنوم، الذي يمتد لساعات متأخرة من اليوم، ثم السهر بطبيعة الحال تعويضاً للحرمان السابق.!
الزيارات العائلية، والنزهات، والخروج مع الصديقات، وزيارة مدن الألعاب باختلاف أشكالها، وأماكنها أيضاً،
كان لها النصيب الأكبر، ووجبات الـ(fast food) ملح السهرات طبعاً، وساعات تصفح الإنترنت الطويلة..
كلها كانت مشاريع لإجازة سعيدة، تمتد بامتداد الإجازة نفسها، ثلاثة أشهر كاملة..
انتهى الشهر الأول، وبدأ الملل يتسرب إلى نفسي، والروتين نفسه لا يتغير..
أنام قُبيل الظهر، ثم أستيقظ السادسة مساء، أو ما بعدها، لأخرج، أو أكتشف أن (مزاجي) ليس بخير من كثرة النوم، وغياب نوم الليل براحته، وآثاره عليّ، فأفضل البقاء في المنزل بخمول عقلي وجسديّ في آن واحد!
(ملل.. طفش، زهقت!)
لم أكن وحدي أقولها، بل حتى أخواتي، وصديقتي آلاء، وأمل وسارة ووو وكثييير!
فوق هذا الملل، كانت الشحوم تبني نفسها في جسمي بسبب أرطال الزيوت، والبرجرات وأعواد البطاطا المقلية، تماماً مثل (كرة) تتدحرج ذهاباً وإياباً.!
عقلي أيضاً بدأ منسوب الذكاء، والعمل فيه يتقلص شيئاً فشيئاً، وتغيب معه الابتكارات، أو حتى التفكير بشيء مفيد..
90 يوماً.. هل سأخسرها في نوم، وأكل وكسل؟
تسعون يوماً، أي آلاف الدقائق والثواني، محسوبة من شبابي، على لاشيء!
ماذا لو أنشأتُ مشروعاً يخصني؟ أو تبنيت فكرة وسعيتُ لتنفيذها على صعيدي الشخصي، أو علاقاتي مع صديقاتي أو حتى على نطاق عائلتي الصغيرة..
ماذا لو عملتُ عملاً صيفياً، يخصّ مجالاً أحبه أو مهارة امتلكها، وكونت لنفسي خبرة صغيرة، أستفيدُ منها أولاً، قبل أن تُحسب لي كخبرة؟
سأبدعُ حتماً لأني سأقتحم مجالي، وأنافسُ فيه، حتى لو كنتُ في (مراحل مبكرة) دراسياً، فبعض الأعمال الصيفية لا يلزم فيها شهادة جامعية أو ثانوية أو حتى تجربة سابقة مع عمل، أيّا كان شكله.. وماهيّته، أعرض فيها مساعدتي وموهبتي التي يحتاجون إليها حتى لو كان عملي تطوعياً بدون مقابل..
دور تحفيظ القرآن النسائية، المراكز الصيفية، أو حتى المواقع الهادفة التي تحتاج دعماً تقنياً وبشرياً..
جميعها تحتاجُ جهدي، وأفكاري الشابّة، وفيها، يحلو العمل التطوعيّ، ويكون له لذّة الجهد الذي أحتسبُ فيه الأجر..
حتى الشركات الصغيرة، والجمعيات تتبنى الأعمال الصيفية، والتدريبُ فيها مجال مفتوح لي وسيترك لي حصيلة معرفية ثرية، لن أندم عليها..
عزمتُ أنا وصديقاتي على أن ننتقل لخطوة الأداء، حتى لا تضيع الفكرة، ويموت الحماس..
قسمنا نشاطاتنا إلى ورش عمل، كل ورشة لها مدة معينة ننجزها فيها ثم بدأنا بمرحلة الحرث..
فخصصنا بعضاً لحفظ أجزاء من القرآن، (سارة) كانت مبدعة بفنون الكمبيوتر فصارت (معلمتنا) لهذه الورشة، وتولت الأخريات الورش الأخرى من الأعمال اليدوية والفنية والمكياج، كل واحدة تعلمنا ما تتقنه، وبالطبع نكون قد حققنا متعة الالتقاء بشكل مستمر، دون اعتراض من أهلنا متى ما تكررت الزيارات وكثرت!
ولم تنسَ كل منّا عائلتها من مسابقات، وبرامج تدخل فيها الأنس والفائدة على نفوسهم،
ومفاجآت (مطبخية) تنجحُ مرات، وتخفق أخرى، ويعلوها جوّ الألفة والسعادة، ورعاية مواهبنا وتطويرها..
جميعها خلقت لي جو الترفيه والفائدة في آنٍ واحد، وأحدثت في حياتي انطلاقة شجعتني وبنت الثقة في نفسي، وتركت لي في نفوس الآخرين من حولي بصمة لا تنسى.. ولا تُمحى..
كانت إنجازاً بطعم (إجازة) !
**
📚 مجلة حياة العدد (٨٦) جمادي الثاني ١٤٢٨ هـ
(١٠)
أمي غريبة عني !!
أمي؟ كلا كلا..
لن أخبرها بما حدث! هذا مستحيل تماماً..
تعرفين ماذا سيحدث لو علمت؟ لن تساعدني، بل ستكون مشكلةٌ أخرى أكبر حجماً من التي أصادفها الآن، ستعنفني ستخبر أخواتي وخالاتي وسيتشاركون الضحك عليّ، وسأشعر بالاختناق وبأني أريد الخروج من البيت بلا عودة، باختصار.. سأعض أصابع الندم لأني أخبرتها!
حاولتُ كثيراً أن أكسر حاجز الخوف وأحطم الصمت الذي بيننا لكن في كل مرة أخرج بنفس النتيجة، أن أمي تكبر المشكلة بدل أن تحلها، وتزيد إشعال النار بدل أن تطفئها.!
هذا جوابٌ معتاد تحصده المشرفة الاجتماعية في المدرسة، أو المستشارة كلما واجهت مشكلة ونصحت الفتاة أن تتوجه لأمها لتحلّها وإياها، أو أن تطلب من الفتاة نقل هذه المشكلة لوالدتها لتكون على إطلاع، وأظن أن الغالبية العظمى وأنتِ قد تكونين منهم يواجهون نفس الإشكالية، وغياب الفهم بينها وبين أمها، خصوصاً حين تتوجه إليها باعتراف وتتمنى أن تجد حضناً دافئاً، وصدراً رحباً وحلاً سلمياً وتقابل بالصراخ والتعنيف أو الاستهزاء، أو حين تتوجه لها بأحد الأسئلة المحرجة التي لا تجد إجاباتها فلا تلقى تجاوباً، وتضطر بالتالي أن تبحث عن هذه الإجابات بين أوراق كتاب أو مجلة، أو حتى صديقة قد تضرها أكثر مما تنفعها..
لنفترض أنك تواجهين هذه المشكلة مع أمك،
فتعالي نستنبط حلولاً صغيرة أنا وأنتِ، قد يكون لها أكبر الأثر في نفس أمك، وعلاقتك معها..
حين ترغبين في معرفة أمر يشكل عليك، جربي أن تقدمي سبب التساؤل قبل، ثم طرح السؤال، لتدرك والدتك مدى جديتك في البحث عن الإجابة، وضحي لها أنها وإن خجلت من إجابتك، أو عجزت عنها فلتوجهكِ إلى كتاب مفيد أو تنقل سؤالك إلى مختصّ، فتكون مصادر ثقة لأسئلتك، وأنك وإن تعددت بك وسائل المعرفة إلا أنكِ لازلت لا تستغنين عن معرفتها، وأنك في حاجة ماسة لها.
ماذا لو وقعتُ في مشكلة؟
حسنا.. قد تعترفين لصديقة، وقد تحتويك وتربت على كتفيك، لكن هل ستجدين عندها إجابات حكيمة، أو وزناً صحيحاً للمشكلة وحلّها؟ بعض الصديقات قد يملكن هذه الموهبة، لكن البعض وبحكم السنّ لا يفعل، فمشورتها سترضيك حتماً لأنها من ميزان واحد تتكافآن فيه، عمركما وتجاربكما في الحياة لا زالت بعدُ محدودة، والكمّ الأكبر من المشاكل الكبرى تحتاج رؤية أوسع بكثير من رؤية من لم تتنقل بين معتركات الحياة وتخوض غمارها، فحين تتوجهين لوالدتك – وقد لا ترضيك حلولها- إلا أنها أكثر حكمة، وستكون أكثر حرصاً عليك لأنك ابنتها وقطعة منها وإن بدا لك خلاف ذلك، جربي أن تتذللي بين يديها وتخبريها بوعيكِ بخطئك، وأنك معرضة للوقوع في الخطأ كأي بشر، وأنك ضعيفة تحتاجين الدعم والعون والتوجيه وترجين منها حضنا دافئاً عندما تأتينها حاملة مشكلة لتنسي ما حل بك ولتشعري معها بالأمان عندها، قولي لها بحبّ وبرّ: أمي تقبليني بشكلي الحالي، أعلم أنك تتمنين أن أكون أفضل وأجمل، ولكني ابنتك فأشعريني أنك تتقبلينني ولا تتركيني ألجأ لمن يترجم لي المشاعر ويلقي على مسامعي كلمات الحب والحنان التي أشعر أمامها بأنوثتي، وقيمتي، أمي إن كل همومي ومشاكلي ومتاعبي ستذهب عندما تشعرينني أنك معي بقلبك وإحساسك، وتشعريني بالحب الذي يسكن قلبك، ولمسات الحنان التي تنساب من يديك، وثقي بأني لن أتردد بالعودة إليك كلما حل بي مكروه أو تهتُ في حياتي..
مثل هذه العبارات، هي مفاتيح لأبواب قلبها وإن بدا لكِ موصداً- وثقي أن قلب الأم وإن بدت قاسية فإنه يحملُ الرحمة والحب لأبنائها- أمك تحتاجُ منك بالمقابل أن تشعريها بحبّك، وبقربك لتمنحكِ أكثر، فلا تبخلي عليها لئلا تبخل عليك، وتصلان معاً إلى برّ الحب والأمان، والفهم..
**
📚 مجلة حياة العدد (٨٧) رجب ١٤٢٨ هـ
(١١)
جرحي عاطفيٌ وعميق يا صديقتي!!
سنين جميلة كنا نعيشها بجانب بعضنا البعض، منذ الابتدائية، كبرت شيئاً فشيئاً حتى عانقت المتوسطة، ثم الثانوية وعمقتها الجامعة أكثر..
كنتُ أثق بأن صديقتي بل أختي ستبقى لي أبداً، لن تخذلني مهما كانت الأسباب، إنها دنياي، إن سُلبت مني كيف سأعيشها؟!
كانت تمتلك كل أحاسيسي.. قلبي، أرواحنا متقاربة، ويوماً ما .. ذهبتْ، هكذا، بلا سابق إنذار وبدون وداع.. بدون أن تترك لي لحظة لأودعها أو أودّع أيامنا الجميلة معاً .. وذكرياتنا الحلوة، رحلت وتركت لي كومة ألم! وجروحاً لا تشفى.. وعندما أتأمل جرحاً في يدي.. أو قدمي أجده يلتئم بعد أيامٍ قليلة.. وغربتي فيها منذ أشهر، ولم تبرأ جراحها بعد!
هل كنتُ أحبها وهي لا تملك لي أدنى شعور، وأن صدقي تجاهها كان موجهاً لمن لا تستحقه وأني أهدرتُ –بصدقي الزائد- مشاعري على من لا تستحقها؟
فقدتُ الثقة في نفسي، وفي الصداقات، وعزمتُ ألا أعقد أي صداقة أخرى.. فلن أجد لا أخوّة ولا صداقة حقيقية في هذه الدنيا!
كم واحدة منا جربت هذا الألم؟ العلاقات التي نخرج منها بجراحات عديدة، وآلامٍ توجعنا ولا نجد لها حلاً؟ المواقف المؤقتة، والأخرى ذات الأجل الطويل أو حتى مُنتهي الصلاحية.. الذي لا يُرجى برؤه، ولا حلّه؟ أثق بأن كل واحدة ستتأمل نفسها وتجيبُ بصوتٍ عال أو منخفض من شدّة وجع الذكرى: (أنا).
والآكد أنها تردفه بسؤال: لماذا أنا؟
تلك التي نقفُ بعدها على حافة صداقتنا التي انتهت فجأة؛ ورحل أصحابها.. والتي بلا شك (أصعبها).. وقد حدثت.. فماذا أفعل؟
ستبتئسين حتماً، وستبكين، لكن قبل أن تتخذي خطوة (سلبية) عاودي سؤال نفسك: هل من العدل أن أحمّل نفسي الخطأ وأرهقها بتأنيب الضمير؟ أو أن أمنع نفسي من صداقات لأجل صدمتي (الأولى).؟
الحياة مليئة بالآلام.. بالصفعات التي نفاجأ بها.. دون سابق إنذار فهل ستتوقفين لأجل صفعة واحدة؟
فلو فعل كل فردٍ مثل ذلك.. لتوقفت عجلة الحياة، ولاعتصم الناس في بيوتهم يندبون حظوظهم، أو يبكون وظيفة لم تجيء، وريالاتٍ طارت والشهر لم ينته بعد.. أو رحيلاً أو موتاً.. وأشياءَ كُثر..!
الأمُّ يموتُ لها طفلٌ أرضعته وربته سنينَ طويلة.. فتبكيه أياماً.. ثم تنصرفُ إلى أبنائها الباقين، أو شؤون بيتها، وإن ظنّ الجميع أنها (نستْ) إلاّ أنها (سلت).. فحسب..
هو فنّ (السلوى).. وهو حتماً علاجك الأوحد.
لا تتكئي كثيراً على ما كان بينكما، بل تجاوزيه للذكرى الحسنة وجميل الودّ، وتذكري أن ما مضى من سنين –وإن اندثرت- كانت تحملُ الكثير من العطاء.. وصدق المشاعر وحميميتها. ثم حاولي تجاوز هذه العلاقة المنتهية، وفي الناس خير، فقط ابحثي وستجدين بإذن الله تعالى ما تبتهج به نفسك وتسرّ، فبقاؤك وحيدة يعني تجديد التفكير بصديقتكِ التي رحلت.. وعلاقتكما التي انقطعت، ألقي بكل شيء قديم خلفكِ .. لتبدئي مرحلة جديدة.. بلا جراح، أو تأزم.. أو عزمٍ لقطع أواصر صداقات جديدة.. تنهينها لأجل أن ترضي غرور جراحك السابقة وصححي معها أخطائكِ السابقة.. وعاداتكِ السيئة التي تجعل للمشاكل بيئة خصبة تحيا فيها.. فالمواقف العابرة إذا تجمعت تصيب علاقاتنا بالقذى.. تُربكها، نغضب ونعتب ومثلها لا يستحقُّ توقفاً أكثر مما ينبغي، أو أن نعطيها أكبر من حجمها، فقد تكون خرجت إثر انفعال عاطفي مؤقت.. فأنجح وسيلة لمحوها قواعد ثابتة (التمس لأخيك سبعين عذراً، فإن لم تجد فقل لعل له عذراً أو لعله نسي). أن (تتغافلي) عن أخطاء الأقربين لك، فلا بشر كامل.. أو بدون أخطاء ونقص، وفي الوقت ذاته تعلمي كيف ترسمين خطوطاً حمراء لكل علاقاتك لا تتجاوزينها.. حتى لا تتأذي، وتعلمين كيف تكون لذّة البذل بلا مقابل أو جزاء..
ومن يدري.. فلعل في الأمر خيرة لك ولها وإن بدا مكروهاً لك، فبعض الأمور تكون ظواهرها محبوبة لنا لكن في باطنها مكروه، وبعض الأمور مكروهة لنا لكن في بواطنها خيراً كثيراً يعلمه ربنا – عز وجل – وقدرها لحكمته..
تذكري أن الصادقين في مشاعرهم، ومن يتمتع بهذه الصفة هم أكثر الناس قدرة على تكوين العلاقات الناجحة وبنائها من جديد، وأنهم أجدر الناس بالاحترام، والعلاقات في مجملها تحتاجُ وقتاً، شيئاً فشيئاً حتى تصل للعمق، كالبذرة التي تأخذ وقتاً لتظهر، ثم تنمو وتنمو حتى تصبح فرعاً، ثم شجرة، فثمرة وتزهر أيضاً، واعلمي يا غالية أن ما تحتاج إليه الشجرة من ماء وشمس وهواء وعناية هو ما تحتاج إليه أيضاً العلاقة من دعاء صادق، وتغافل عن الأخطاء، وتقبل للعيوب، وصبر وإخاء.
**
📚 مجلة حياة العدد (٨٨) شعبان ١٤٢٨ هـ
(١٢)
الجامعاتُ على الأبواب.. فماذا أختار؟!
لا توجدُ لحظة تعادل في جمالها وقتَ اكتمال الحُلم، الذي خططتِ لأجله ورسمتِه طيلة اثني عشر عاماً من الدراسة، والصباحات المدرسية، المريول الرصاصي ثم الكحلي، الأبّات البيضاء والشرائط المعقودة والضفيرتان.. كل تفاصيل الحياة المدرسية.. التي تبدأ كل يوم الساعة السادسة..
كل هذه السنين، بحلوها ومرّها، تعبها وراحتها.. أيامها المفتوحة والتعهدات، كلها تغدو لحظات بسيطة، تمرّ كذكرى.. تنتهي بلحظة ارتداء قبّعات التخرج، وظهور الورق، واستلام النتائج والتبريكات.. ينتهي كل شيء في أعينهم، وتبدأ رحلة.. اختيار التخصص.. خياراتٌ كثيرة، وحيرة ينطقها سؤال واحد.. (ماذا أختار؟!)
حسناً صديقتي، سأفكرُ وإياكِ اليوم، بعيداً عن ضغط (ادخلي هالقسم أحسن لك.!) و(بنت فلان مو أحسن منك داخلة هالقسم وأنتِ لأ).. أو (اختاري أي شيء وفكينا)..
سنشتركُ في التفكير.. أنتِ، وأنا، وعقلك ورغباتك..
لست وحدك..
نسبةٌ كبيرة من المتخرجات من الثانوية، لا يستطعن تحديد هدفهن؛ فلا تقلقي.
في الواقع اختيار التخصص بشكلٍ دقيق سيوفّر عليك مراحل من التذبذب لاحقاً، أو ضياع سنين دراسية في الجامعة لتصحي ذات صباحٍ باكتشاف.. (القسم لا يناسبني.. لا أستطيع الاستمرار أكثر..!) ؛ لذلك.. فعمقُ التفكير لأيام سابقة، هو بكل تأكيد أنجحُ من ضياع أيام مستقبلية.. في التنقل بين الأقسام..
لغات، شرعي.. رياضيات.. إدارة أعمال، رياض أطفال.. ماذا أختااااار!؟
تجرّدي من نسبتكِ حالما تقررين هدفك؛ فلا تلتفتي لنسبة عالية تضمنُ لك مقعداً أكيداً في الطب، وأنتِ لا تتقنينه، ولا تجدين نفسك فيه بكل بساطة؛ فالنسبة لا تعني كل شيء.. فاختيار اللغات مثلاً، يعني أهمية وجود لغة كافية تمكنكِ من وضع لبناتكِ الأولى فيها، وقابلية لقضاء إجازتك في تعلم المزيد منها، لا تختاري قسماً لأنه أسهل، ولا تختاري الأصعب مما لا تطيقين حتى تثبتي للآخرين جدارتكِ وتتحديهم به.! أو تختاري قسماً لأن صديقتك سجلت فيه وستدرسه؛ فما يناسبها قد لا يناسبكِ، وربما تفترقان على مقاعد الجامعة أو في توزيعكما على القاعات؛ فتكوني قد خسرتِ اختياراً موفقاً، وجوار صديقتكِ!
أيّ المجالات سيفيدني أكثر؟!
سؤال مهم؛ ففي زمن الشحّ الوظيفي عليكِ أن تكوني ذات وعي تام بحاجات السوق وفرص العمل فيها، اجعلي نظرتكِ مستقبلية؛ فلا تختاري قسماً يتهافتُ عليه الجميع، في مقابل مقاعد محدودة، ربما تكون قد ضُمنت مسبقاً للبعض، وإنما ابحثي عما يجعل فرصك الوظيفية مستقبلاً شيئاً ممكناً.. وواقعاً سهل التناول..
فيما بعد التخصص، والاختيار
هل هذا التخصص مناسبٌ لإمكاناتي الشخصية؟!
سؤال مهم،. فلا تختاري مجالاً وظيفته في مجال العلاقات العامة وأنتِ خجولة مثلاً؛ حتى لا تصابي بمصاعب ومشاكل في التعامل مع الآخرين..
ونوعيات البشر المختلفة، فيما تعلمين وتدركين أنك ستنجحين بهذه الهيئة في عملٍ مكتبي لا يوجد فيه علاقات عامة، أو في برمجة أو غيرها..
ببساطة.. ادرسي اختياراتك، وتعمقي في أسبابها؛ لتتسنى لكِ دراسة جامعية ممتعة، يعقبها عملٌ ناجح، عدّتك في هذا القرار رأيكِ الخاص دون تأثر باختيارات صديقة، أو المظاهر التي ترينها على الآخرين.. وبالطبع، لا تنسي صديقتكِ (الاستخارة).. قبل أن تقدمي على أي قرار.. ودراسة موفّقة..
**
📚 مجلة حياة العدد (٩٨) جمادى الآخر ١٤٢٩ هـ
◽️◽️
✍ تحرير : حورية الدعوة
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « إذا دعا الرجل لأخيه بظهر الغيب قالت الملائكة : ولك بمثل »
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق