لا .. لن أبكي
اثنان وثلاثون عاماً.. لم تهزمني فيها امرأة.. كما فعلت هي..
كلهن عرفتهن بنفس الطريقة.. إلا هي..
كلهن كنت الخارج بأقل الخسائر من العلاقة إلا هي..
عرفوني أنا (بندر) صاحب العلاقات المتعددة.. أتناول الفتيات كما أتناول طبق فاكهة..
لا تهمني سمراء أو حمراء أو بيضاء..
المهم أني أمضي أيامي.. وليالي..
أعرف فلانة وعلانة.. تلك أتحدث لها كصديق
وتلك كعشيقة..
وتلك للضحك والفرفشة.. وهذه لأنها معتمدة علي مادياً.. وتحتاج مساعدتي..
لا لست بلا قلب.. ولست عابثاً..
هن من يأتين إلي..
كلهن سعين إلي ولم أجبرهن على إقامة أي علاقة من أي نوع..
إلا هي..
إلا .. سماء
يـاه.. يا لعطر اسمها.. وألقه..
وسحره..!
أتتصورون أن امرأة في الدنيا اسمها سماء...؟!!
إن لها من السماء رفعتها..
وانبساطها..
ولها أيضاً غضبها..
وجبروتها..
عرفت سماء وهي طالبة جامعية على مشارف التخرج.. من خلال طريقتي بالتعارف عن طريق منتديات الإنترنت..
كل ما أفعله هو أن أثني على مشاركاتهن.. وأتابعها برسائلي.. وأطلب منها مشورة خاصة تتعلق بأمور شخصية.. ثم تضيفني لديها بالماسنجر.. ثم نتحدث مطولاً..
ولا تلبث أن تصبح رقماً في جوالي لأوقات الفراغ..
إلا سمـــــــــاء...
تلك التي تحديت أصدقائي كثيراً في المنتدى أن تكون فتاة.. لابد لهذا العقل الجبار أن يكون لرجل.. أو لسيدة ناضجة..
ولكنها كسرت أيضاً هذا الظن..
لم تحقرني..
ولم تعاملني بجفاء..
لكنها كانت تفعل أعظم من كل ذلك..
إنها تعاملني كالآخرين.. تماماً..
بدون أي فرق..
وهذا ما كان يقتلني..
بقولون أن الرجل المغرور يعجب المرأة.. لأنه ضعيف في الحقيقة.. وغروره دليل ضعفه..
بينما الفتاة المغرورة.. لا تعجب الرجل.. لأنه يجزم بأنها تافهة.. وتتستر على تفاهتها بالغرور..
بينما ما كانت تمارسه سماء ليس غروراً.. ولا ذكاء ولا تفاهة..
إنه شيء بلا اسم..
شيء يدل على شخصها..
على البيئة التي ولدت وعاشت وترعرعت فيها سماء..
على طهر ونقاء لم أعرفه ولم أذقه مع أنثى من قبلها..
لقد ظهر لي جلياً.. كم تبدو الفتاة غالية.. حين تكون عزيزة..
حين تكون واضحة.. بلا وقاحة.. وقريبة بلا فجاجة..
لقد بدأت أشعر بالتغير منذ عرفت سماء.. ومنذ دخلت حياتي عنوة..
كنت أقول في سري.. لو كانت لي هذه الفتاة.. أقسم أني سأترك لأجلها كل وأي شيء..
لقد بدأت أرى بوضوح حجم هؤلاء الفتيات حولي.. ومصالحهن الحقيقية .. وغباء كل ما نفعله..
لقد تبدى لي ويا للتعاسة..
كيف أن سماء تعيش في جو..
لا يمكنه أن ينسجم مع جوي..
ولا يمكنني وأنا بهذه المؤهلات..
والغباء.. والضياع.. أن أجعلها تدنو مني..
ولكني بالنهاية إنسان.. يحلم..
ويتمنى..
وهذا أقل ما يمكن أن يفعله شخص يعرف مثل سماء..
أن يتمناها ويحلم بها..
لم تتحدث معي
لم تقل لي شيئاً أو تشترط شيئاً مقابل معرفتي بها..
لكني من قناعة.. قررت التخلص من كل ما قد يؤذي سماء..
تخلصت من علاقاتي الغبية.. ومن طيشي.. ومن طرقي وأساليبي التي لا تروقها..
والآن..؟
لا شيء..
لقد رحلت عني سماء..
إلى ... ما لا أعلم..
لكني أدركت الآن فداحة أخطائي..
لم أترك شيئاً واحداً مما تركته لله.. إنما لسماء.. لذا خاب مسعاي..
أدركت متأخراً ورغم كبر سني ونضجي.. أن تسخير الحياة كلها لإنسان واحد مهما علا شأنه.. ليس بالضرورة أن يؤدي للفلاح وصلاح الحال..
وأن قمة التناقض أن أسعى لإيجاد ذاتي،، في ذات أخرى أجهلها..
سأظل أدين لسماء بالكثير..
رغم كل الألم الذي سببته لي في البداية..
حين فجعتني بشخصي.. وبحياتي التافهة السابقة..
وحين قالت لي وإن كانت بطريقة غير مباشرة.. كيف أن مجتمعنا.. يقبلني أنا كما أنا.. وهي لن يقبلها أبداً.. لو عرف أنها تفكر فقط مجرد التفكير فيما أنا عازم عليه..
لقد جعلت الحمل علي كبيراً..
ودعتني لتأمل وضعي وحياتي ومجتمعي..
كنت أتألم بعد بعض علاقاتي السابقة..
لأنها تتزوج فجأة.. لأنها تتحدث مع غيري رغم علمي مسبقاً.. لأني اكتشفت وضاعة خلقها أو حقارة تصرفاتها..
كل أولئك صدمات تلقيتها لكنها لم تكن بعنف صدمتي برأي سماء وبفكرها..
وبرغبتي الطفولية الملحة أن أكون ولو هامشاً بحياتها..
لست أدري أكان حباً .. أم نوراً ذاك الذي ألقي في قلبي ساعة عرفتها..
إصراري أن أبقى نظيفاً مخلصاً ما دمت أعرفها..
وحتى بعد أن غادرتني..
أكثر ما كان يشدني.. ويؤلمني بذات الوقت..
هو قدرتها الباهرة على تحليل الأمور والنظر بواقعية لأشياء أعرفها أنا قبلها.. على الأقل بحكم سني.. بالنسبة لسنها..
كانت تعرف ما تريد تماماً..
بعكس كل فتاة عرفتها من قبل..
كانت تعرف متى وأين وكيف تتكلم..
ومتى وأين تصمت..
ولصمتها هيبة..
وكأنه لغة أخرى راقية..
لا يتقن الحديث بها سوى سماء..
كانت سماء تعيش بقلب رقيق كبير.. يحوي كل شيء.. إلا شيئاً واحداً هو أنا ...!
لقد كرهت هذه الفكرة وكادت تودي بي للحقد الدفين..
لكني تذكرت أن المحب لا يحقد..
إذاً فأنا محب..
ولقد فعلت بي سماء ما فعلت..
وجعلتني أقدم لها كل ما يرضي
لأكون جديراً ولو بالهامش..
وحين كان ثامر صديقي يصافح أوراقي ويتأملها..
ويرى مشاركاتي معها وحديثي..
يتعجب من حالي ويضحك قائلاً.. أنت تسخر حياتك وجهدك وكل ما فيك للنساء.. يا أخي ارحم نفسك...!
وهنا الصفعة الأخرى..
من أقرب صديق..
اثنان وثلاثون عاماً مرت..
على غباء أمارسه بتكرار..
لا هم لي سوى تمييز الفروق الدقيقة بين الكرزة والفراولة.. وبين التفاحة والمشمشة..!
بين صوت ريم وضحكة نوف.. بين صخب لطيفة وهدوء أبرار..
بين طول تلك.. وأناقة هذه..
وأسلوب فلانة.. وطريقة علانة..
وبالنهاية..
أتعلق بسماء..
هل رأى أحدكم يوماً ما..
رجلاً متعلقاً بالسماء..؟
إن أقصى ما نفعله هو النظر إليها..
والشعور بانبساطها.. ورفع اليدين عالياً لاستشعار هبات النسيم
وإطلاق الزفرات بنشوة..
هذه هي سماء إذاً..
نقطة تحولي..
من بندر.. صاحب اللعب والغزل..
إلى بندر.. بعفويته ومرحه وعمله وجده ومزاحه وواقعيته وأحلامه وكل ما فيه..
لن أنساها.. ولن أنسى فضلها..
لكني لن أبقى أنعاها..
وأبكيها..
بل أبكي أيامي التي مضت قبل معرفتها. وقبل أن أحدد حياتي تحت ضوئها ونورها..
لا ولن أبكي الماضي أيضاً..
ففي الغد أيضاً ما لا نعلمه من مفاجآت..
ومن حياة تستحق أن نبذل الكثير لنحياها كما يجب..
للطاعة.. للعطاء.. للإحساس بالآخرين وإعطائهم فقط لأنهم قريبون منا ولأنهم رائعون.. وليس لأننا نريد أن نمضي معهم أوقاتاً وحسب..
هذه صفحة سماء طويت من حياتي..
وها هي أول صفحة في سفري الجديد.. أكتبها لكم.. لأقول أن في الحياة خيرات كثيرة.. وسماء واحدة فقط...!!
الرجل أرجوحة ..
بين ابتسامة المرأة .. ودمعتها
(جبران خليل جبران)
◽️◽️
📚 مجلة حياة العدد (٧٩) ذو القعدة ١٤٢٦هـ
📚 مجلة حياة العدد (٧٩) ذو القعدة ١٤٢٦هـ
✍ تحرير : حورية الدعوة
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « إذا دعا الرجل لأخيه بظهر الغيب قالت الملائكة : ولك بمثل »
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق