شباب يغالبون النوم ويجاهدون النفس لإرضاء الواحد القهار
في ليلة مطيرة شاتية رُسمت صورة من صور الإيمان ..
كان كل شي يغري بالنوم والقعود .. ويشجع على السكون والرقود ..
والناس في بيوت آمنة وأجواء مطمئنة ينعمون بغطاء دافئ وفراش وثير
وللنوم في تلك الأحضان طعم متميز ولذة لا تجارى ..
وبينما الناس يهيمون في واد من الراحة والمتعة .. مستغرقين في نوم جميل .. إذا بهم
حينما نادى المنادي من جنبات بيوت الله موجها دعوة من الله لعباد الله قائلا :
حي على الصلاة حي على الفلاح
وهنا يبدأ صراع داخل النفوس بين داع الرحمن الذي يعد بالفوز والفلاح
وبين مناد ابليس ..
وبين مناد ابليس ..
إنهم رجال الفجر .. قلبوهم تخفق بحب الرحمن وتتلذذ بلقائه والوقوف بين يديه
أولئك الذين أجابوا ..... وبذلوا نفوسهم وضحوا بشهواتهم في طلب الوصول إلى محبوبهم
إنهم رجال الفجر .. قوم أحبوا الله فأحبوا لقاءه واشتاقت نفوسهم إلى ذكره في بيت من بيوته
يا أهل الفجر .. ما الذي أيقظكم والناس نائمون ؟
ومن الذي حرككم والناس هامدون ؟
من الذي صرفكم عن لذيذ الفراش ؟
من الذي أخرجكم من فرش وثيرة لتواجهوا ريحا شديدة وأمطارا غزيرة ؟
أما والله لو شئتم لنطقتم ولصدقتم وقلتم : إنه الإيمان بالله ..
الإيمان إذا خالطت بشاشته القلوب يصنع المعجزات
يوم أن يعمر القلب بالإيمان تُستلذ المعاناة .. وتًسترخص الأرواح .. ويُستعذب الموت ..
إنه الإيمان وحده .. هو الذي يعطي المؤمن هدفاً أكبر من الدنيا .. ويشده إلى قيم أرفع وأبقى من شهواتها ..
إن المؤمن بالله والآخرة هو الذي يستطيع أن يعلو على شهوات الدنيا ..
وأن يطرح مغرياتها وراء ظهره..
وأن يركل متاعها بقدمه..
ويقول لها ما قال علي رضي الله عنه : إليكِ عني يا صفراء يا بيضاء غرّي غيري فقد طلقتك ثلاثا لا رجعة فيها
إنه الإيمان .... هو الذي يعطي صاحبه القدرة على مقاومة إغراء الدنيا وفتنتها ..
إنه قد يملك الدنيا ولكنها لا تملكه ..
إن المؤمن وحده.. هو الذي امتلأ قلبه يقيناً بأن الدنيا لا تزن عند الله جناح بعوضة .. وأنها قنطرة عبور إلى الحياة الباقية ..
وأن ركعتين خاشعتين لله عند الله خير من الدنيا وما فيها ..
يا رجال الفجر .. لو شئتم لقلتم ولصدقتم : أيقظنا الشوق إلى لقاء الله .. ومن أحب لقاء الله أحب الله لقاءه
وقادنا إلى بيت الله حب الله .. ولن يجد العبد حلاوة الايمان حتى يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما
وإذا غُرست شجرة المحبة في القلب .. وسُقيت بماء الإخلاص والمتابعة .. آتت ثمارها وأكلها كل حين بإذن ربها ..
وعلامة صدق المحبة طاعة المحبوب .. إن المحب لما يحب مطيع ..
يا رجال الفجر.. لو شئتم لقلتم ولصدقتم : أخرجنا من الفراش الوثير .. الطمع في موعود الرب القدير
أخرجنا وعد الله .. بأن القرآن الفجر كان مشهودا ..
أيقضنا وعد حبيب الله ورسوله بأن من صلى البردين دخل الجنة
وأيقضنا وعيد الله على لسان رسوله بأن من نام حتى أصبح فإنما بال في أذنه شيطان
يا رجال الفجر.. أما لو شئتم لقلتم ولصدقتم : أيقظنا لصلاة الفجر إسلامنا ..
فماذا يعني اسلام بلا استسلام
وما حقيقة التوحيد إذا لم تخضع القلوب والجوارح للخالق المجيد ..
حركنا من فرشنا .. رغبة بالنجاح في الابتلاء واجتياز الامتحان ..
حركنا من فرشنا .. واجب العبودية لله .. والعبودية في حقيقتها الحب التام مع الذل التام والخضوع للمحبوب
ومن أراد السعادة الأبدية فليلزم عتبة العبودية ..
يا رجال الفجر .. أما والله إني لأعلم أنه لم يخرجكم من بيوتكم في ظلمة الليل داعٍ .. داع من إنس ولكن ..
وإنما حرككم وعد الله ووعيده .. وأيقظكم محبة الله والشوق إلى لقائه ..
يا أهل الفجر .. هنيئاً لكم .. تلك القلوب الحية .. التي تخفق بحب الله .. وتنبض بالإيمان بالله
هنيئاً لكم .. يوم أن أجبتم دعوة ربكم .. واستسلمتم لأمره .. وخضعتم لشرعه ..
( ومن يطع الله ورسوله ويخشى الله و يتقه أولئك هم الفائزون )
يا أهل الفجر .. لقد تركتم لذيذ المنام .. ومشيتم في الظلام .. والبرد يؤلم الأجسام .. والأمطار تتساقط من الغمام ..
وجئتم إلى بيت ربكم ..
دقائق معدودة .. وعدتم بعدها .. تحملون ظماناً من الرحمن في الحفظ والأمان ..
( فمن صلى الفجر في جماعة فهو في ذمة الله حتى يمسي )
يا أهل الفجر .. هنيئاً لكم ..
دقائق معدودة قضيتموها .. أورثتموها قيام ليلة كاملة ..
( فمن صلى الفجر في جماعة فكأنما صلى الليل كله )
يا أهل الفجر .. لقد تعبتم قليلا .. فربحتم كثيرا .. ربحتم جنة ربكم .. بوعد ممن لا ينطق عن الهوى .. بأن من صلى البدين دخل الجنة ..
وربحتم وعداً من النبي المصطفى .. بأنكم سترون ربكم لا تضامون في رؤيته ..
وربحتم أمن من عذاب الله .. فلن يلج النار أحد صلى قبل طلوع الشمس وقبل غروبها ..
وربحتم شهادة من الملائكة لكم .. يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار ويجتمعون في صلاة الفجر وصلاة العصر .. ثم يعرج الذين باتوا فيكم فيسألهم وهو أعلم بهم : كيف تركتوا عبادي .. فيقولون : تركناهم وهم يصلون .. وأتيناهم وهم يصلون ..
وكسبتم أماناً من النفاق .. فإن أثقل الصلاة عليهم صلاة العشاء وصلاة الفجر .. ولو يعلمون مافيهما لأتوهما ولو حبوى ..
يا أهل الفجر يوم أن خرجتم من بيوتكم .. تاركين الفرش الدافئة بلا وعد ولا وعيد من بشر .. فإنكم ممن خاف الله .. وعصى هواه ..
( ومن خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى فإن الجنة هي المأوى )
( ولمن خاف مقام ربه جنتان )
يا رجال الفجر ..
ويوم أن تركتم لذة المنام .. طمعا في ثواب الملك العلام .. فأبشروا بإذن ربكم .. بجنة فيها ما لاعين رأت
ولا أذن سمعت .. ولا خطر على قلب بشر .. ومن ترك شيئا لله عوضه لله خيرا منه ..
يا رجال الفجر .. هنيئا لكم .. يوم أن كان قدوتكم سيد الورى صلى الله عليه وسلم .. والذي بلغ به الحرص على الصلاة .. أن جعلها همّه .. وهو يصارع الموت ... يشتد مرضه فيغتسل ..
ثم يغمى عليه فيفيق ويغتسل..
ثم يغمى عليه فيفيق فغتسل للمرة الثالثة ..
كل ذلك لعله يكسب نشاطاً يمكنه من حضور صلاة الجماعة
في المسجد ..
يا رجال الفجر .. هنيئاً لكم.. يوم أن استعليتم على الشهوات .. وتساميتم على الملذات .. وأرضيتم رب الأرض و السماوات ..
فبورك في تلك النفوس الأبية ..
ولله ولله درها تلك الهمم العالية ..
التي سمت فوق المغريات السفلية .. وارتقت إلى سلم الأمجاد الأخروية ..
ألا يا رجال الفجر .. فاثبتوا على هذا الطريق ولا يغرنكم كثرة الهالكين ..
فإنه عناء ساعة .. تتبعها لذة إلى قيام الساعة ..
فإن موعدكم يوم التغابن .. يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضرا ..
يوم أن يقال للعاملين : إدخلوا الجنة بما كنتم تعملون ..
-----------------------------------------------------------------
حقا أيها المسلمون ..
في ساعة الفجر تُرسم معالم الإيمان ..
وتبرز سمة من سمات أهل النفاق..
فهنيئاً لكم يا رجال الفجر ..
ويا خيبة أهل الهجر .. أهل الساعة الأخرى..
يستقبلون يومهم بالوجوه الكالحة .. والنفوس اليائسة .. والصدور الضيقة .. ذلك بأنهم بدأوا يومهم بمعصية الله
وسنة الله أن من أعرض عن ذكره فإن له معيشة ضنكا ..
أولئك القوم لهم قلوب ولكن لا يفقهون بها
الوعد
والوعيد..
ولهم آذان ولكن لا يسمعون بها
نداء الحق..
ولهم أعين ولكن لا يبصرون بها
مشاهد الإيمان .. ترسم في بيوت الله..
يا أهل الهجر .. من الذي خلفكم والناس قائمون!
من الذي أنامكم والناس يصلون!
لماذا بيوت الله تئن من هجركم .. ما هذا الجفاء .. ما لكم لا تنطقون!
أما والله لشئتم لنطقتم ولقلتم : خلفنا ضعف الإيمان .. وقلة الخوف من الرحمن .. وعدم استشعار عظمة الرب جل جلاله..
وأقعدنا عن الصلاة شهوات غالبة .. وملذات زائلة ..
يا أهل الهجر .. لو نطق الحال لقال : إنكم لم ترجو لله وقارا .. ولم تقدروا الله حق قدره ..
يا أهل الهجر .. ما لكم عن التذكرة معرضين ..
(أجيبوا داعي الله وآمنوا به يغفر لكم من ذنوبكم ويجركم من عذاب أليم)
(واستجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم)
(ومن لا يُجب داعي الله فليس بمعجزٍ في الأرض وليس له من دونه أولياء أولئك في ضلال مبين)
يا أهل القطيعة والهجر .. ألا تظنون أنكم مبعوثون ليوم عظيم .. يوم يقوم الناس لرب العالمين ..
يا أهل الهجر .. إن الذي صدكم عن اجابة نداء الله لذة المنام ..
ولكن ما تركتموه من لذة الطاعة وحلاوة العبادة خير وأبقى ..
ولذتكم وعاقبتها الإثم والعار .. ولا خير في لذة من بعدها النار ..
يا أهل الهجر .. أهان عليكم أن يغضب الرحمن .. وتقر عين الشيطان
ألا فلتشهدوا يا مسلمون .. ولتشهدي يا أرض .. ولتشهدي يا سماء ..
ولتشهد ملائكة الرحمن .. وكفى بالله شهيدا ..
بأننا قد أوصلنا الرسالة .. وبلغنا الأمانة للقاعدين .. وقلنا لهم استجيبوا لربكم من قبل أن يأتي يوم لا مرد له من الله ..
حافظوا على الصلاة .. وتغلبوا على سلطان الهوى .. من قبل أن تقول نفس يا حسرتاه على ما فرطت في جنب الله ..
حافظوا على الصلوات .. وقاموا سيل الشهوات .. فمن باع لذة دائمة في شهوة عابرة فهو المغبون ..
هذه رسالتنا إليكم .. مبعثها الحب .. ودافعها الشفقة .. ورائدها النصيحة .. ولن تغني عنكم من الله شيئا ..
اللهم اهد قومنا فإنهم لا يعلمون .. اللهم افتح قلوبهم المقفلة بالشهوات .. واغسلها من صدأ الغفلة والإعراض
اللهم صلّ وسلم على من بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة .. وارض اللهم عن صحابته أجمعين
وعمنا معهم بعفوك ورحمتك يا أرحم الراحمين
اللهم قر عيون الأمة وأسعد قلوب المسلمين بعز الإسلام ونصر المسلمين يا حي يا قيوم .. برحمتك نستغيث .. ومن عذابك نستجير .. اللهم لا تشمت بنا الأعداء ولا الحاسدين
اللهم عليك بالمنافقين الذين يصدون عن سبيلك ..ويعادون أهل دينك .. اللهم أرنا فيهم عجائب قدرتك
يا حي يا قيوم يا ذا الجلال والإكرام ..
◽️◽️
📼 تم تحريره من شريط رجال الفجر
✍ تحرير : حورية الدعوة
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « إذا دعا الرجل لأخيه بظهر الغيب قالت الملائكة : ولك بمثل »
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق