جاءني على استحياء وقال : أرجو أن تبحث لي عن عروس أتمم معها نصف ديني ،
أجبت طلبه ، واقتنع بها واقتنعت به ، وتم الزفاف ،
وبعد مضي ثلاثة أيام جاءني والحزن يلفّه ، فقال لي على استحياء : أرجو أن تعذرني فقد أتيتك في البداية ، وأنا الآن على وشك إحراجك .
فقلت : ولم ؟
فقال : لقد قررت أن أطلق زوجتي ، فأنا أشعر بضيق وقلق وعدم ارتياح .
فنصحته بأن يستعيذ بالله من الشيطان الرجيم ، وألاّ يفكر في مثل هذا الموضوع ،
فقال لي : إن الأمر قد انتهى ، ولا مجال للتراجع ،
فرجوته بعدما رأيت إلحاحه بأن يمكث معها مراعاة لخاطري ؛ لأنني أنا الذي دللته عليها ، فقبل على مضض ،
ومضى الشهر ثم الشهور ، بل السنون ولله الحمد ، وهو يعيش معها بأفضل حال ، وأنجبت منه بضعة أطفال .
وهنا يحسن أن يطرح سؤال : لماذا يستعجل الشباب بالطلاق ؟
ولماذا نلحظ أن نسبة كبيرة من المتزوجين يبادرون بالطلاق خلال الستة أشهر الأولى ؟
الأسباب كثيرة منها :
١ ـ قلة وعي الشباب بمسألة الزواج ، حيث إن النسبة الكبيرة منهم يقدمون على الزواج لهدف واحد فقط وهو الإشباع الغريزي وقد لا يجد عند الزوجة ما تخيله عن المرأة من خلال ما رآه وسمعه عبر وسائل الإعلام المختلفة ، فيصدم بذلك ويحدث مالا تحمد عقباه من الطلاق .
٢ ـ كثير من الشباب يريد أن يأخذ محاسن الزواج ، ولا يريد سلبياته ، فهو يريد مثلاً تلك المرأة المطيعة المنفّذة للأوامر ، المنظّمة للوقت ، المهيئة للطعام ، المشاركة في الفراش ، بدون أن تكون لهذه المرأة احتياجات ورعاية وحقوق وقوامة ، فهو يريد خيرها ، ويتخلّى عن مسؤوليته تجاهها ، ويريد أن يجمع إلى محاسن الزواج محاسن العزوبية التي تجعله حرّاً طليقاً ، يبيت كلّ يوم في مكان ، ويسافر كل يوم إلى مكان دون قيود أو أسرة يسعى لأن يقوم بتدبير شؤونها قبل سفره .
الزواج الناجح هو الذي يعي فيه الزوج النقلة التي يعيشها ومن أهمها : أن ينسى حياة العزوبية بحلوها ومرّها ، وإيجابياتها وسلبياتها ، وأن ينتقل إلى الزواج بحلوه ومره ، وسلبياته وإيجابياته ، أما الجمع بين مزايا العزوبية ، ومزايا الزواج ، ورفض مساوئ العزوبية ومساوئ الزواج ، فهذه أنانية مفرطة ، وتحقيق ذلك يحمل صورة من صور الاستحالة وهذا ينطبق أيضاً على من يتزوج للمرة الثانية ، وغالباً ما يكون فشله من قبل أنه يريد مزايا الأول ومزايا الزواج الثاني ، وينجو من سلبيات الزواجين .
٣ ـ ومن الأسباب أن بعض الشباب يعاني من اضطرابات وقلق قبل الزواج ؛ مما يؤثر على نفسيته ، وخاصة إذا كان الزوج لم ير زوجته فإن توتره يزداد ليلة الزفاف فيؤثر عليه ويفشل ؛ فيزداد اضطرابه ، ويعاود الكرّة فيجد أن الفشل أشد ، وعندئذ يشعر بالخجل ، ويحس بأن رجولته ناقصة ويريد أن يهرب من الواقع حتى لا يوصف بالنقائص ، فيتسرع بالطلاق ولو علم الشاب أن هذا الأمر طبيعي ويحدث لعشرات الآلاف من الشباب بل إن الفشل قد يقع من المتزوجين ، وهو فشل وإن شئت فقل : كسل مؤقت ، يزول بزوال آثاره ، وهذا الجانب يتحمله أولياء الأمور والمربون الذين عليهم أن يقوموا بتوعية الشاب وتنبيهه ، إلى أن هذه الأمور طبيعية وعلى الشاب أن يعيها جيداً .
٤ ـ هناك حقائق ثابتة من واقع التجارب ، رغم أن الكثير من المدارس الطبية لا تؤمن بها ، وذلك أن بعض النساء تصاب بما يسمى بالوحم عند حملها ، وقد يشتد الوحم عندها فترفض الزوج وتكره رائحته والاقتراب منه ، وقد يحدث الحمل عندها في الأيام الأولى من الزواج دون أن تشعر أو يشعر الزوج ثم تبدأ بإعلان رفضها لزوجها ، وتصارحه بأنها لا تطيقه ولا تطيق رائحته ، فيصدم بذلك ويبادر بتحقيق طلبها فيقوم بتطليقها .
فلا بد للشاب أن يعي هذه الأمور ، وأن يثقف نفسه بها .
٥ ـ استعجال المودة والرحمة والمحبة ظاهرة في قضايا الزواج ، حيث إن الكثير من الشباب يريد أن ينال محبة زوجته بين يوم وليلة ، والمحبة قطعاً لا بد أن تكون تراكميّة ، والمودة لا تنال إلا بعد طول عشرة قال تعالى (ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة ، إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون) ، فالمودة يجعلها الله بين الزوجين ، وهي لا تكون إلا بعد مدة .
هذه أسباب رأيت أنها مهمة ، وقد تكون هناك أسباب أهم وأكثر وأولى وأجدر ، والله أعلم وأحكم.
◽️◽️
صالح العصيمي التميمي
📚 مجلة الأسرة العدد ١٢٧
✍ تحرير : حورية الدعوة
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « إذا دعا الرجل لأخيه بظهر الغيب قالت الملائكة : ولك بمثل »
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق