الأحد، 23 أكتوبر 2016

قدمت نفسها كخادمة مقابل أن .. تحج



كانت النشأة الأولى في الريف المصري الذي يشكل أكثر من ٧٥% من ذلك المجتمع المسلم المتدين..

في هذه البيئة كان الحج وما زال محتفظاً بجلالٍ وهيبة كبيرين في نفوس المسلمين وخصوصاً البسطاء منهم.

هذه البيئة كانت تنظر إلى الحج على أنه إكمال للدين وختام لرحلة التعب والكفاح من أجل الحصول على لقمة العيش وتربية الأبناء 

وكثيراً ما ينظر إلى الحج على أنه جائزة يحصل عليها الإنسان مكافأة له على جهده في حياته الدنيا 

ومن الأمور المهمة والغريبة في أمر الحج في حياة المصريين.. أنه ولخلفيات تاريخية.. لم يكن إلا حج القرعة الذي تنظمه وزارة الداخلية فلم يكن هناك ما يعرف بالحج السياحي إلا منذ سنوات بسيطة..

وأصبح بسطاء المصريين لا يرون في الحج إلا حج القرعة ولا يعترفون بالحج السياحي- الأغلى تكلفة -


وأذكر أن أحد أقاربي وكان قد كبر سنه ولكنه ما زال يتمتع ببقية صحة تعينه على أداء الشعائر، وهذا القريب لم ينجب، فقلت له: ألا تحج وتتطهر من رحلة الشقاء في الدنيا
فقال لي: إنني أقدم أوراقي منذ ٥ سنوات في القرعة ولكن لم أوفق في القرعة.. 
فقلت له: لكنك تستطيع الحج السياحي
فقال لي: أعوذ بالله.. لن أحج إلا قرعة كما حج أبي وعمي وجدي.. إنني أعتقد أن الله سبحانه وتعالى لا يتقبل الحج السياحي 
فظللت أقنعه ولكنه لم يقتنع..
وقال في نهاية الحديث: حينما يريدني الله سبحانه وتعالى للحج فسوف ييسر لي حج القرعة.

بعد هذه المناقشة بعامين كانت المفاجأة أن اسمه كان أول اسم أثناء اختيار أسماء القرعة

يومها قال لي: ألم أقل لك أن الوقت لم يحن. وأن الله سبحانه وتعالى قد ناداني ووجب عليَّ تلبية النداء.


أما يوم قدوم الحاج عائداً إلى أهله.. فهو من الأيام الكبيرة في حياة الناس.. فالكل يتجمع ويزداد التجمع ليلاً وتملأ زغاريد النسوة الأجواء.

يصحب الأهل معهم ما يسمى النقوط وهو عبارة عن هدايا عينية من الشاي والسكر والصابون والأرز الجاف والمكرونة الجافة والفاكهة..
والسلة التي كان فيها هذا النقوط يضع فيها الحاج سجادة صلاة وعدداً من المسابح والعطور..
وأثناء المجلس يظل الحاج يحكي عن تفاصيل رحلة الذهاب ثم تفاصيل الشعائر وما حدث من مشقة ومشكلات ومصاعب وكيف تغلب عليها وكيف تعامل مع الحجاج الذين لا يتحدثون العربية،
وكم صديقاً خرج بهم من هذه الرحلة.. والمشاهد التي انهمرت فيها دموع الحاج ثم تفاصيل رحلة العودة.

ومن الموروثات في مجلس الحاج مشروب القرفة التي تشرب سادة أو بالسمسم.. وما عرفت هذا المشروب وأتناوله حتى اليوم إلا بخبرة مجالس الحجاج.


وإن نسيت فلا أنسى صورة السيدة التي حملت حقيبة بها الأغراض البسيطة وليس معها من المال إلا القليل..
لكنها كانت تحمل شوقاً إلى هذه الرحلة المقدسة ودموعاً منهمرة..
ذهبت إلى مكان تجمع الحجاج.. وظلت ساعات وساعات تعرض نفسها على الأسر التي سوف تسافر بسياراتها الخاصة لتكون خادمتهم.
ثم تشفق إحدى الأسر عليها وتقرر اصطحابها معهم والتكفل بنفقاتها مقابل خدمتهم.
وذهبت السيدة وأدت الفريضة وعادت ليتحدث الناس بقصتها إعجاباً وسروراً لما فعلته،
وأكابرهم يقولون إن الله علم إخلاصها وما في قلبها من شوق فوفقها لتحقيق أمنيتها، 


وسيدة أخرى كبرت في سنها ووجدت نفسها وحيدة وأبناءها لا يهتمون بشأنها إلا قليلاً
فباعت أرضها – إلا قليل منها- وساعدها بعض الأقارب في الإجراءات وفي اختيار الرفقة الصالحة..
وتؤدي هذه السيدة الفريضة وتعود ولم تعد تملك إلا القليل لكنها كانت تملك فرحة كبرى وذكريات ترددها على كل من يجلس إليها وتتمنى من قلبها أن تكرر هذه الرحلة العطرة.


وصورة ذلك الرجل الطيب الذي يبكي كلما سمع عن قدوم موسم الحج.. ما زالت حاضرة في ذهني.. فهو لا يستطيع الحج ولا يملك إلا الدموع
وينتظر سنوات طويلة حتى يكمل ابنه تعليمه ويتعاقد للعمل في المملكة العربية السعودية ثم يرسل لأبيه ليحج معه.
يومها انهمرت دموع الرجل وهو يقول لم يعد لي أي حلم في الدنيا بعد ذلك.. لقد كافأني ربي بخير ختام لحياتي وهو رحلة الحج.


من جانب آخر.. يكون موسم الحج فرصة لإثارة بعض القضايا الخاصة مثل:
هل الأولوية لتربية الأبناء وتعليمهم وتزويجهم أو لحج بيت الله الحرام

خاصة في ظل العسرة المادية لكثير من الأسر في بلادنا العربية والإسلامية.

فهناك أقوام سيطرت الدنيا والمادة على قلوبهم.. فلا تجد الشوق يتحرك في قلبه، إذا ذكر الحج.. ولا تلمح الدموع تنساب من عينه وإنما دائماً يتعذر بالمصالح والأشغال والمسؤوليات.

ومن ناحية أخرى ألاحظ كثيراً من الحجاج، وقد كانت التجارة هي شغلهم الشاغل ويتحدث عن ذكرياته وعن أداء المشاعر والدعاء والبكاء في الكعبة بمقدار ما يتحدث عن البضاعة والبيع والشراء.

◽️◽️

📚 حرر من مجلة شهد الفتيات العدد الثالث عشر

 تحرير : حورية الدعوة
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « إذا دعا الرجل لأخيه بظهر الغيب قالت الملائكة : ولك بمثل »

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق