الاثنين، 10 أكتوبر 2016

أوراق تروي تجربة حياة



الكاتب الشاب يحكي عن الشيء الذي جعله يصبح كاتباً في عمر مبكرة فيقول: 

رأيته وقد أنتشر على وجهه ورأسه الشعر الأبيض، رجل عجوز قد أخذ منه الزمن ما أخذ وها هو قد جلس على كرسيه المتهرئ ممسكاً بريشته القديمة في غرفته المظلمة بجانبه الشمعة المضيئة يكتب ويكتب ولا يمل. 

ترى ما الذي يكتبه؟ 

ولماذا هو منهمك هكذا في كتابته؟ 

يا له من كاتب!

ألا يمل الكتابة؟! 

تخيلت نفسي مكانه ما كنت لأصبر أبداً كل هذه المدة لأكتب شيئاً،

شعرت بالفضول يدخل إلى قلبي، تملكني شعور غريب، أردت أن أدخل الغرفة واستأذنه أن أقرأ شيئاً مما يكتبه لأتعرف على الشيء الذي يجعله منهمكاً في كتابته،

قررت أن أدخل وأفعل ما أريد ولكنني ترددت قليلاً ثم بدأت أشجع نفسي لكي أدخل،

وأخيراً استأذنت ودخلت عليه، وهكذا تواردت في بالي أسئلة كثيرة وعندما سلمت عليه بدأت فوراً بأول أسئلتي فقلت له:

أراك يا عم منهمكاً في الكتابة فشعرت بفضول شديد فهل لك أن تخبرني ما الذي تكتبه؟ 

نظر إلي الكاتب وقال لي: ولماذا تسأل يا بني؟

فقلت له: كما قلت لك يا عم إنه الفضول. 

فقال لي: أكتب عن حالي في هذه الدنيا.

فقلت له: وكيف ذلك يا عم؟

فقال لي: عندما كنت في عمرك شاباً جريئاً ذكياً كان لدي أحلامي، وكنت أسعى دائماً للأفضل
كما أنني كنت شاباً طموحاً جداً
ولكنني رغم ذلك كنت فقط أفكر في مستقبلي وكنت أضع اهتمامي كله في دنياي ولم أفكر قط في آخرتي، ونسيت واجبي تجاه ربي، حتى انتهى بي المطاف إلى أن أصبحت عاصياً لربي آمناً من مكره. 
أعترف أنني كنت جاهلاً في أمور ديني فلقد كنت أضيع وقتي الثمين في أشياء تسلبه قيمته الثمينة، حينها لم أكن مدركاً تلك القيمة
وبعد مرور فترة من الزمن أصبحت متكبراً جداً ومغروراً لدرجة أن كل أصدقائي بدؤوا يبتعدون عني لشدة تكبري وغروري
بعدها وجدت أن أحلامي بدأت تتحطم أمامي واحدةً تلو الأخرى،
فقدت طموحي وأصبحت شاباً لا يعرف غايته في تلك الحياة، ولم أدرك ما علي فعله حقاً إلا في وقت متأخر 
أصبحت أمنيتي الوحيدة أن أعود شاباً مرة أخرى لأصحح خطئي، حتى أصبح الندم جزءاً من حياتي، وها قد أصبحت عجوزاً كما ترى فلم يكن مني إلا أن أروي تجربتي في أوراقي ليقرأها كل شاب فلا يقع في الخطأ الذي وقعت أنا فيه فيصبح الندم جزءاً من حياته.

قلت له: وكيف لأحد أن يتعظ مما يكتبه وهم لم يقرؤوا شيئاً منك؟

فقال لي: يا بني أحس أن أجلي قد اقترب، عاجلاً أم آجلاً سيأتي الأناس الذين يعلمون أنني أمضي معظم وقتي هنا وحينها سيرون الأوراق المتناثرة وربما سيتعظون مما كتب فيها، 

وبعد حديث طويل أثار فضولي أكثر فأكثر سألت الكاتب (الرجل العجوز) أن أقرأ شيئاً مما يكتبه، 

فقال لي: بالطبع يا بني، ثم أعطاني بعض الأوراق لكي أقرأها. 

وبدأت بالقراءة أخذت أقرأ الكلمة تلو الأخرى وأنتقل من ورقة إلى ورقة وجدت أن تلك الأوراق تروي تجربة حياة لطالما مر بها آلاف الشباب ومن بينهم أنا، وقد جذب انتباهي جملة تحمل الكثير من المعاني وهي:
.. ما معنى أن يكون الشاب طموحاً في دنياه دون أن يحدد غابته في آخرته (الجنة)....

بعد أن انتهيت من قراءة الأوراق قررت أن أقوم بنشرها لكي يتعظ منها الشباب قبل فوات الأوان.

استأذنت الرجل العجوز أن أفعل ذلك فأذِن لي وبالفعل قمت بنشرها ولله الحمد.

ثم بعد مرور فترة من الزمن علمت أن الرجل العجوز قد توفاه الله فقررت أن أقوم بإتمام رسالته بأن أصبح كاتباً مثله

فحققت ما أصبو إليه ولله الفضل في ذلك كما أنني اتخذت غرفة منعزلة لأكتب فيها تجربتي كما كان يفعل الرجل العجوز أما عن بقية ما أكتب فكنت بالطبع آخذ آراء من هم حولي،

وها أنا في قمة النجاح والفضل يعود لله ثم إلى الرجل العجوز وأنا شاكر له طوال عمري وأدعو الله له وللمسلمين أجمعين بالمغفرة والرحمة.

◽️◽️

ريحانة الأزاهير
📚 مجلة حياة العدد (٨٢) صفر ١٤٢٨ هـ

 تحرير : حورية الدعوة
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « إذا دعا الرجل لأخيه بظهر الغيب قالت الملائكة : ولك بمثل »

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق