قال صلى الله عليه وسلم
[ من صلحت صلاته أفلح ونجح ومن فسدت صلاته خاب وخسر ]
فلم يذكر عليه الصلاة والسلام " من أداء الصلاة فقط "
بل هناك تخصيص واشارة إلى أنه [من صلحت صلاته]
قال تعالى ﴿ إن الله يدافع عن الذين آمنوا ﴾
﴿ وكان حقاً علينا نصر المؤمنين ﴾
﴿ إن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون ﴾
نتأمل في كثير من الآيات القرآنية تبين عن مدى دفاع الله وكرامته لعبده المؤمن
على اختلاف وتنوع تلك المدافعة وربما بعض صورها لا تخطر على بال أحدا ..
قال صلى الله عليه وسلم
[ احفظ الله يحفظك احفظ الله تجده تجاهك ]
وإليكم هذه القصة العجيبة والتي تبين عن نوع من أنواع الدفاع وحفظ ورحمة الله لعبده المؤمن
يرويها لنا د. محمود بن رضا مراد
📚 في مجلة الدعوة العدد ١٥٦٠
قال جل جلاله ﴿ له معقبات من بين يديه ومن خلفه ﴾
إن من رحمة الله تعالى بعباده أن يذكرهم حين يغفلون إما بواعظ أو بحادث ، أو بقارعة تحل بهم أو قريبا منهم
والناس في هذا أضراب
منهم إذا ذكروا لا يذكرون
ومنهم من يتذكر ثم ينسى ، فكأنما هو في بحر يبتعد ويقترب من البر بمقدار تذكره أو نسيانه
وضرب ثالث يبقى على صلة بمستقبله البرزخي والأخروي ساعيا من أجل اعتاق نفسه .
وقد يقع الحادث أو تحل القارعة بكيفية تثير التعجب فتتناقلها الألسن ، فأما العوام فيتخذونها مجرد مادة لأحاديثهم أو ثرثرتهم إذا انقطعت بهم سبل نوافل القول .
وأما من رزقه الله رزقاً حسنا فيقف عند هذه الحادثة أو تلك القارعة متأملاً فيها قدرة ربه وشؤونه في خلقه ، فتشده إليه ، وتزيده رهبة منه ، ورغبة إليه من جهة ، ومن جهة أخرى يربط بينها وبين آي التنزيل فيزداد فهما لها وعلماُ بها .
فلنر كيف يمكن ربط حادث من هذه الحوادث بالتنزيل :
قال تعالى ﴿ له معقبات من بين يديه ومن خلفه يحفظونه من أمر الله ﴾ .
وليس من المتعذر فهم معنى هذه الآية إذا رجعنا إلى أحد التفاسير المعتبرة ، ومعرفة أسباب نزولها إن كان ثمة سبب لنزولها .
قال ابن كثير في تأويله لهذه الآية :
( أي للعبد ملائكة يتعاقبون عليه حرس بالليل والنهار يحفظونه من الأسواء والحادثات .
كما يتعاقب ملائكة آخرون لحفظ الأعمال من خير أو شر . ملائكة بالليل وملائكة بالنهار . فاثنان عن اليمين والشمال يكتبان الأعمال ؛
صاحب اليمين يكتب الحسنات ، وصاحب الشمال يكتب السيئات .
وملكان آخران يحفظانه ويحرسانه واحد من ورائه ، وآخر من قدامه فهو بين أربعة أملاك بالنهار
وأربعة آخرين بالليل بدلاً حافظان وكاتبان
وعن ابن عباس : ( ملائكة يحفظونه من بين يديه ومن خلفه فإذا جاء قدر الله خلوا عنه ) .
فلننظر كيف يتم هذا على الصعيد العملي ..
قال لي محدثي
– ومحدثي هذا صديق لي وطبيب مسلم من ترنداد
كنت أتردد على عيادته لزمن طويل أثناء وجودي في كندا –
قال :خرجت من بيتي يوما بعد منتصف الليل لأقوم بجولة روتينية على مرضاي في أحد المشافي ..
ولما قضيت مهمتي وأنهيت جولتي خرجت من المستشفى لأركب سيارتي عائداً إلى البيت
وكان موقف سيارات الأطباء على بعد خطوات من المدخل الرئيس للمستشفى
ثم أدخلت مفتاح السيارة في بابها لفتحه فلم يتحرك المفتاح يمنة ولا يسرة
فسحبته لأتأكد أنه مفتاح باب السيارة لا غيره
وبعد أن تبين لي أنه المفتاح الصحيح أدخلته ثانية في قفل الباب وحاولت فتحه بلا جدوى ! ..
وللعلم فإن السيارة التي يتكلم عنها ( ابنة يومها ) كما يقال جديدة
ثم تابع حديثه فقال :
حاولت فتح باب السيارة مراراً دون جدوى
فرجعت إلى قاعة الانتظار لأتصل بنادي السيارات – وهو ناد يقدم لأعضائه خدمات إذا اعترضتهم مشاكل فنية أو ميكانيكية في سياراتهم وهم في الطريق .
ثم جلست انتظر قدومهم
ثم قلت في نفسي لعلي أحاول من جديد فتح باب السيارة
وما أن وصلتها حتى أصابني دوار شديد في رأسي
وكدت أعجز عن الوصول إلى قاعة الانتظار . وما أن وصلتها حتى أغمي علي ، ولم أشعر بعد ذلك إلا وأنا مسجى في سرير في هذا المستشفى .
قلت له : فما الذي حدث بعد ذلك؟!
قال : بعد أن أجريت لي الفحوصات اللازمة تبين أن عندي ثلاثة شرايين مسدودة . وها أنا أمامك بعد أربعة أيام من دخولي المستشفى أجريت لي عملية القلب المفتوح ووصلوا قلبي بثلاثة شرايين اقتطعوها من فخذي .
ثم أراني الشق الطويل في صدره .
إلى هنا انتهى كلام محدثي .
قد يعلق بعض الناس على حادثة كهذه بقولهم إن ذاك الطبيب نجا بأعجوبة
ولو تفكروا في مفتاح باب السيارة الذي أبى أن يتحرك –
علما بأن ابن الطبيب ذاك لما حضر إلى المستشفى أخذ مفتاح سيارة أبيه وأدخله في قفل بابها ففتح بابها بلا أدنى عناء !
وهنا يمكن ربط عدم فتح باب السيارة بالمعقبات أو بما سماهم الله الحفظة
إذ لو أن الطبيب فتح باب سيارته ، وأدار محركها ثم انطلق بها عائداً إلى بيته لأصيب بالإغماء وهو خلف المقود . وقد يترتب على ذلك حوادث أخرى إذاً فهو لم ينج ( بأعجوبة ) كما يحلو للبعض أن يأولوا هذا الترابط والتزامن ، بل إن الحفظة أو المعقبات هم الذين حالوا بينه وبين أمر الله ، بأمر الله .
وهذه الآية التي نحن بصددها تعضدها وتؤكدها آية أخرى : ﴿ فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون ﴾
وهذه الآيات وسواها تزيد المؤمن إيماناً بالله وبملائكته ، وهذا أمر واضح في غنية عن بيان وكذلك إيمانه برسله .
فما نزلت هذه الآيات إلا في الكتاب الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه على رسول الله وخاتم النبيين .
ثم الإيمان باليوم الآخر الذي يبدأ بالقيامة الصغرى لما ورد في قوله صلى الله عليه وسلم ( من مات فقد قامت قيامته ) وبانتقال الميت إلى البرزخ يكون قد أشرف على الآخرة ، وتزيد أخيراً ، إيمان المؤمن بقضاء الله وقدره .
وكل شيء عنده بقدر .
رغم إني ذكرت آنفاً ( لو أن الطبيب فتح باب السيارة ) إلا أني أوردت هذه العبارة لا لاعتقاد بأنه كان بمقدوره فعل كذا لو فعل كذا .
وطالما أن الحادث وقع وصار في حين الماضي فإنه يستحيل أن يأخذ مسرى سوى المسرى الذي قدره الله وسبق علمه به لما رواه مسلم في صحيحه : [ قدر الله المقادير قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة ] .
لقد أوردت تلك العبارة لبيان حكمته تبارك وتعالى ودقة قضائه .
فـ ﴿ ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها إن ذلك على الله يسير ﴾
﴿ فسبحان الذي بيده ملكوت كل شيء وإليه ترجعون ﴾. انتهت القصة
----------------------
✍ حورية الدعوة :
تعقيبنا على القصة : نجد الراوي الدكتور محمود بن رضا حفظه الله لفت الأنظار إلى قدرة الله تعالى في حفظه لعبده بعدم فتح باب السيارة فقط ..لكن هناك أمرا آخر لم يتطرق إليه .. وهو أن إصابة الطبيب المسلم كانت بعد مكالمته بنادي السيارات.. فلما وصلوا النادي حتى وجدوا ذلك الطبيب ملقى عند سيارته في إغماء وغيبوبة تامة .. وتم مساعدتهم له وحمله للمستشفى .. وكل ذلك بقدرة العزيز الجبار ورحمة منه لعبده المؤمن .. ﴿ فسبحان الذي بيده ملكوت كل شيء وإليه ترجعون ﴾
----------------------
📜 القسم العلمي بدار الوطن :
أنواع الحفظ
* وحفظ الله لعبده يتضمن نوعين : أحدهما : حفظه في مصالح دنياه / كحفظه في بدنه وولده وأهله وماله .
قال تعالى : { لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِّن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللّهِ} [١١: سورة الرعد] .
قال ابن عباس : هم الملائكة يحفظونه بأمر الله ، فإذا جاء القدر خلوا عنه .
وقال مجاهد : ما من عبد إلا له ملك يحفظه في نومه ويقظته من الجن والإنس والهوامّ ، فما من شيء يأتيه إلا قال : رواءك ، إلا شيء قد أذن الله فيه فيصيبه .
صور حفظ الله للعبد في دنياه
* ومن حفظ الله للعبد في دنياه : أن يحفظه في صحة بدنه وقوته وعقله وماله .
* قال بعض السلف : العالم لا يخرف . وقال بعضهم : من جمع القرآن متَّع بعقله .
وتأوّل بعضهم على ذلك قوله تعالى : {ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ} [ سورة التين] .
وكان أبو الطيب الطبري قد جاوز المائة سنة وهو ممتَّع بعقله وقوته ، فوثب يوماً من سفينة كان فيها إلى الأرض وثبة شديدة ، فعوتب على ذلك فقال : هذه جوارح حفظناها عن المعاصي في الصغر ، فحفظها الله علينا في الكبر.
* وعكس هذا : أن الجنيد رأى شيخاً يسأل الناس فقال : إن هذا ضيّع الله في صغره ، فضيّعه الله في كبره !!
حفظه في أولاده
* وقد يحفظ الله العبد بصلاحه في ولده وولد ولده . كما قيل في قوله تعالى : { وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا } [٨٢: سورة الكهف] أنهما حفظا بصلاح أبيهما .
* وقال محمد بن المنكدر : إن الله ليحفظ بالرجل الصالح ولده وولد ولده وقريته التي هو فيها ، فما يزالون في حفظ من الله وستر .
* وقال ابن المسيب لإبنه : يا بنيّ لأزيدن في صلاتي من أجلك رجاء أن أحُفظ فيك ، وتلا هذه الآية :{ وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا } [٨٢: سورة الكهف].
حفظه في أمواله
ومتى كان العبد مشتغلاً بطاعة الله عز وجل ، فإن الله تعالى يحفظه في تلك الحال .
* كان شيبان الراعي يرعى غنماً في البرية ، فإذا جاءت الجمعة خَطَّ عليها خطّاً ، وذهب إلى الجمعة ، ثم يرجع وهي كما تركها !!
* وكان بعض السلف في الميزان يزن بها دراهم ، فسمه الآذان ، فنهض ونفضها على الأرض ، وذهب إلى الصلاة ، فلما عاد جمعها فلم يذهب منها شيء .
حفظه من الجن والإنس
* ومن الأنواع حفظ الله لعباده في دنياه : أن يحفظه من شر كلّ من يريده بأذى من الجن والإنس .
كما قال تعالى : { وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا} [٢: سورة الطلاق] .
قالت عائشة رضي الله عنها : يكفيه غمّ الدنيا وهمها .
وقال الربيع بن خثيم : يجعل له مخرجاً من كل ما ضاق على الناس .
وكتب بعض السلف إلى أخيه : أما بعد فإن من اتقى الله فقد حفظ نفسه ، ومن ضيّع تقواه ، فقد ضيّع نفسه ، والله الغني عنه .
حفظه من الحيوانات المؤذية
ومن عجيب حفظ الله تعالى لمن حفظه أن يجعل الحيوانات المؤذية بالطبع حافظة له من الأذى وساعية في مصالحه ، كما جرى لسفينة مولى النبي صلى الله عليه وسلم حين كُسر به المركب ، وخرج إلى جزيرة فرأى السبع فقال له : يا أبا الحارث ! أنا سفينة مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فجعل يمشي حوله ويدله على الطريق حتى أوقفه عليها ، ثم جعل يهمهم كأنه يودِّعه وانصرف عنه .
* ومن ضيّع الله ضيّعه الله بين خلقه ، حتى يدخل عليه الضرر ممن كان يرجو نفعه ، ويؤذيه أخص أهله به وأرفقهم به .
كما قال بعضهم : إني لأعصي الله فأعرف ذلك في خلق خادمي وحماري .
* فالخير كله مجموع في طاعة الله والإقبال عليه ، والشرُّ كله مجموع في معصيته والإعراض عنه .
حفظ الدين
* النوع الثاني من الحفظ : وهو أشرفهما وأفضلهما : حفظ الله لعبده في دينه ، فيحفظ عليه دينه وإيمانه ؛ في حياته من الشبهات المردية ، والبدع المضلة ، والشهوات المحرمة ، ويحفظ عليه دينه عند موته ، فيتوفاه على الإسلام .
وهكذا كما حفظ يوسف عليه السلام ، قال : { كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاء إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ} [٢٤: سورة يوسف].
فمن أخلص لله خلّصه الله من السوء والفحشاء ، وعصمه منهما من حيث لا يشعر ، وحال بينه وبين أسباب المعاصي المهلكة .
* فمن قام بحقوق الله عليه ، فإن الله يتكفل له بالقيام بجميع مصالحه في الدنيا والآخرة . فمن أراد أن يتولى الله حفه ورعايته في أموره كلها فليراع حقوق الله عليه ، ومن أراد ألا يصيبه بشيء مما يكره ، فلا يأت شيئاً مما يكرهه الله منه .
وكان بعض السلف يدور على المجالس ويقول : من أحبّ أن تدوم له العافية فليتق الله.
وقال العمري الزاهد : كما تحب أن يكون الله لك ، فهكذا كن لله عز وجل .
فما يؤتى الإنسان إلا من قبل نفسه ، ولا يصيبه مكروه إلا من تفريطه في حق ربه عز وجل. كما قال بعض السلف : من صَفّى صُفِّي له ، ومن خلَّط خُلِّط عليه ..
----------------------
مذكرات الدعوة والداعية - حسن البنا :
( إن اعجب لشيء فلهؤلاء الذين يرون آثار قدرة الله في كل شيء وفي أنفسهم ثم لا يؤمنون به ولا يفهمون عنه
إن الفهم عن الله تعالى هو حقيقة الإيمان به .
وقد كنت أقرأ هذه الكلمة في الكتب فأراها غامضة حتى فتح الله على قلبي باباً من أبواب هذا الفهم فعرفت حقيقة أنه ليس الإيمان بل هو أول المعرفة وبدء طريق الوصول )
◽️◽️
✍ تحرير : حورية الدعوة
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « إذا دعا الرجل لأخيه بظهر الغيب قالت الملائكة : ولك بمثل »