في إحدى زيارتها لباكستان قالت للرئيس الباكستاني
كيف تلقى الله يا ضياء الحق وأنت لم تطبق شرع الله عز وجل؟
فبكى الرئيس الباكستاني.. وسط تصفيق الحضور 👏
هل تعلمين من هي تلك المرأة؟!
إنها أم المجاهدين (زينب الغزالي)
ولدت الحاجة زينب الغزالي الجبيلي بقرية "ميت يعيش" مركز ميت غمر في محافظة الدقهلية من دلتا مصر في ٢ يناير ١٩١٧
ونشأت في جو مفعم بالعمل السياسي والوطني من أول يوم في حياتها، فقد كانت عائلتها العريقة تضم كل ألوان الطيف السياسي من الإخوان المسلمين إلى الشيوعيين مروراً بالوفد والتنظيمات الحكومية
وتمتد جذور أرومتها إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه من طرف أبيها،
أما طرف أمها فينتهي إلى الحسن بن علي رضي الله عنهما..
كما تحتفظ بذلك العائلة، موثقاً من دواوين الأنساب.
كان والدها من علماء الأزهر الشريف
وقد حرص منذ طفولتها على تنشئتها تنشئة إسلامية
فقد درست بالمدارس الأولية بالقاهرة
ثم تلقت العلوم الشرعية والعربية على يد كبار علماء الأزهر الشريف، في دراسة منزلية خاصة، شأن أبناء وبنات الذوات في ذلك الحين
فدرست الفقه على يد الشيخ عبد المجيد اللبان وكيل الأزهر الشريف
ودرست علوم الشريعة واللغة على يد الشيخ محمد سليمان النجار رئيس قسم الوعظ والإرشاد في الأزهر الشريف
كما درست على الشيخ علي محفوظ عضو هيئة كبار العلماء ووالد المؤرخ العسكري المسلم الفريق جمال الدين محفوظ
فتمكنت من العلوم اللغوية والشرعية وهذا قد لا يتاح لطالب الأزهر المنتظم.
بداية نشاطها
عملت الحاجة زينب الغزالي بعد ذلك في الشأن العام مبكراً
فقبل أن تبلغ العشرين من عمرها، قامت بتأسيس (جمعية السيدات المسلمات عام ١٩٣٦م – ١٣٥٦هـ ، وهي جمعية أهلية تعمل على نشر التوعية والثقافة الإسلامية، بين سيدات المجتمع الراقي في مصر في ذلك الحين، وكانت هذه الجمعية من أوائل التنظيمات النسائية في العالم الإسلامي، التي وضعت المطالبة بتحكيم الشريعة الإسلامية على رأس مطالبها.
وعن طريق هذه الجمعية، أقامت الحاجة زينب شبكة من العلاقات الاجتماعية الراقية، وامتدت أواصرها إلى أشهر العائلات، وأهم الشخصيات.
وكانت حركتها الدعوية، رداً عملياً، مبكراً على دعوات التغريب والتخريب الخاصة بتحرير المرأة، ودفعها إلى هاوية التبرج والنشوز، والانقضاض على دورها الفطري في التربية والرعاية، تحت مسمى تحرير المرأة.
وبعدها بفترة وجيزة أنشأ الإمام حسن البنا قسم الأخوات المسلمات في جماعة الإخوان عام ١٩٣٧ ، وكان يشرف عليه الشيخ محمود الجوهري، والسيدة حرمه
وعرض الإمام البنا على الحاجة (زينب الغزالي) ضم النشاطين معاً، ولكنها آثرت (ألا يتم وضع البيض كله في سلة واحدة) وسخرت نفسها لخدمة هذا الدين وقامت بمبايعة الشيخ حسن البنا عام ١٩٤٨ في أثناء محنة الإخوان، وذلك عن طريق شقيقها الأستاذ محمد الغزالي الجبيلي، أمين دار الإخوان المسلمين بالقاهرة.
على طريق البيعة
بعد استشهاد الشيخ (حسن البنا) في ١٢ يناير ١٩٤٩ ، توثقت صلة الحاجة زينب الغزالي بالدعوة.. وانخرطت بكل ما أوتيت من طاقات ومواهب في العمل الدعوي، وتوطيد العلاقات بكبار الشخصيات، والوساطة في القضايا الكبرى والمشكلات الخاصة، وجمع وتوزيع التبرعات، والإنفاق بسخاء من مالها ومال زوجها الثري محمد سالم رجل الأعمال الخير، وصاحب أسطول النقل العام بالقاهرة والوجه البحري، حتى أصبحت دارها شبه (بيت المال) للدعوة الإسلامية، بمعاونة مجموعة من فضليات النساء ورائدات الدعوة في العصر الحديث.
وبعد محنة ١٩٥٤ ، قامت الحاجة زينب الغزالي بدورها، وتوثقت في أثناء هذه المحنة علاقاتها بعائلات الهضيبي وقطب والعشماوي وهذا ما جعلها محل ثقة الجميع، بل أصبحت أحد أهم العناصر النسائية في الدعوة الإسلامية المعاصرة
وعملت بدأب على عودة العمل الإسلامي إلى واقع الحياة من جديد، بعد أن ظن الفراعنة الصغار أن الدعوة قد استؤصلت، وأن من بقي من بنيها قد توارى خلف الحجاب... فأقدمت الحاجة زينب الغزالي على خطوة يقصر دونها كبار الرجال الشجعان، إذ جعلت من نفسها حلقة وصل، وجعلت من علاقاتها قنوات اتصال بين العلماء والدعاة والشباب الجسورين الذين أصروا على أن يرى فرعون وهامان وجنودهما منهم ما كانوا يحذرون، وبدأت تبحث عن هؤلاء الشباب، كما تبحث الأم الرؤوم عن وليدها المفقود، فالتقت الشيخ عبد الفتاح عبده إسماعيل في موسم الحج عام ١٩٥٧ وبدأت بذرة إعادة رفع القواعد الدعوية.
تنظيم ١٩٦٥
وفي الوقت الذي اجتمع فيه الشيخ عبد الفتاح عبده إسماعيل، وشقيقه علي عبده إسماعيل والمهندس مهدي عبد الفتاح شريف وعوض عبد العال مع الحاجة زينب الغزالي ، بدأ الشيخ إسماعيل عبد العال في منطقة شريين بالدقهلية التي شهدت نشاطاً دعوياً ملحوظاً، فقد بدأ محمد هلال العمل بمنطقة المنصورة
وكذلك بدأ أمية شاهين بمنطقة ميت غمر
كما بدأ عامر وعثمان عرفة بمنطقة المنزلة
وفي طنطا بدأ الشيخ عبد الستار فتح الله سعيد
وكذلك في المحلة الكبرى ظهر محمد فتحي رفاعي وعبد الوهاب الشاعر
وفي منطقة دمياط كان الشيخ عبد الفتاح عبده إسماعيل ومن معه..
وفي الشرقية بدأ الشاعر محمد عواد وأمين سعد والشيخ نصر عبد الفتاح ومحمد العريش
وفي الإسكندرية المهندس محمد عبد الفتاح شريف وعباس السيسي وآخرون،
أما القاهرة والجيزة فقد برز فيها النشاط الدعوي متكاملاً، ولم تخل منطقة في القاهرة من حركة دعوية.
وهنا بزع نجم (أم الدعاة).. الحاجة زينب الغزالي ، التي جمعت بين كل هذه النشاطات، وربطت بين القائمين على العمل الدعوي وخطت خطوات هادفة وبدأت هذه الأطراف تتجمع في جسد واحد
وبعد مداولات ومشاورات بزغ نجم سيد قطب وظهرت الحاجة زينب الغزالي الأم الجسور، ومحمد قطب المحاضر المثقف، والشيخ عبد الفتاح إسماعيل الدينامو، وأورقت شجرة الدعوة وامتدت فروعها من جديد.
وفي ٢٠ أغسطس ١٩٦٥ أصدر النظام حكمه باعتقال المجاهدة الصابرة زينب الغزالي
وفي بربرية وتوحش ترويه في كتابها المؤلم (أيام حياتي) عاشت خلف القضبان، في ظروف لا يطيقها بشر؛ أنياب الكلاب، وفتك الذئاب، ولسع السياط ووحشية الجلادين... والإجرام يصب من فوق رأسها صباً، فيشوي الجلد واللحم، ويفري الجسد والعظم
ومعها في هذا الجحيم الناصري، قلة من المؤمنين والمؤمنات من آل الهضيبي وآل قطب وآل العشماوي الذين ثبتوا، على رغم ما معهم من وسائل الترغيب والترهيب بدءاً من التهديد بالقتل الفاجر، وانتهاء بالتلويج بكراسي الوزارات
حتى أفرج عنها في ٩ أغسطس ١٩٧١ بعد ست سنوات أمضتها في سجون عبد الناصر.
من حصاد الخير
وإلى جانب نشاطها الدعوي الذي لم يخمد له أوار
كانت الحاجة زينب الغزالي صاحبة قلم وعقل
كما كانت صاحبة روح وقلب
فقد كان بيتها داراً للتربية
وأموالها رافداً للتمويل
وعائلتها ظهيراً ونصيراً
وقلمها سيفاً مشهراً
فقدمت للمكتبة الإسلامية عدداً من الكتب وآلاف المقالات التي سكبت فيها عصارة فكرها، وصاغتها من مداد الحق عبر عشرات الدوريات التي كتبت فيها، ولها عدد من المحاضرات التي ألقتها. ومن كتبها:
*الأربعون النبوية / شرح وتحليل لأربعين حديثاً نبوياً شريفاً.
*ملك وآمال شعب / دراسة اجتماعية سياسية عن الملك سعود.
*أيام من حياتي / وثيقة من أدب السجون والمعتقلات.
*نحو بعث جديد / مقالات منوعة في فقه الحركة والدعوة.
*إلى ابنتي "جزآن" / ردود على رسائل في التربية والإرشاد الاجتماعي.
*مشكلات الشباب والبنات في مرحلة المراهقة (جزآن) / معالجة إسلامية تربوية لأهم مراحل العمر لدى البنين والبنات.
*نظرات في كتاب الله (٣ مجلدات) / وهو أول تفسير نسائي للقرآن الكريم.
وتعددت أسفارها إلى السعودية .. وباكستان
والجزائر .. واليمن
والكويت .. وأوروبا
في مهمات دعوية
تعايش فيها قضايا الإسلام والمسلمين
من فلسطين إلى الشيشان مروراً بقضايا التحرر الإسلامي في الخمسينيات
إلى قضايا التصفية الدعوية في الستينيات
إلى البعث الإسلامي الجديد في السبعينيات
إلى الصحوة الإسلامية في الثمانينيات
إلى معركة التطويق والمحاصرة في التسعينيات التي تجلت في البوسنة والهرسك وألبانيا وكوسوفو وجنوب السودان والعراق وأفغانستان.
وكم التقت الراحلة الكريمة خلال هذه الجولات بالملوك والرؤساء والوزراء والمسؤولين
وهي تجسد صبر الخنساء وإقدام صفية وتقوى (علي) وذكاء (معاوية) رضي الله عنهم أجمعين.
وفي وسط عائلة الجبيلي التي ضمت الوزراء والساسة والقادة، كما ضمت الشيوعيين والباشوات، عاشت زينب الغزالي فوق ضغوط الأسرة، بل وظّفت كل ما آتاها الله من جاه ومال وقوة شخصية وكمال طبع في تأسيس عمل دعوي إسلامي في العائلة والقطر والديار الإسلامية
كانت فيه قطب الرحى، وبيت القصيد:
ولو أن النساء كمثل هذي ** لفُضّلت النساء على الرجال
أم المجاهدين
وبعد وفاة عبد الناصر
وتوسط جلالة الملك فيصل بن عبد العزيز رحمه الله
لدى السادات للإفراج عن المجاهدة الصابرة (زينب الغزالي)
خرجت من قبضة الشياطين
لتسخر بيتها ووقتها ومالها، وعلمها وتاريخها وجهادها في تربية جيل مؤمن بشمولية الإسلام من الأخوات الراغبات في الدعوة إلى الله والثبات على طريقه
وكأنها تعيد الجولة التي لاقت الأهوال في سبيلها بتجميع العاملات في المجال الدعوي
فالتف حولها كوكبة من الشابات المسلمات أواخر السبعينيات من القرن العشرين
منهن الإعلامية الشهيرة (كريمان حمزة) والداعية الإسلامية (هالة الجيار) والمحامية (هدى عبد المنعم) و(نادرة وعزة الجرف) و(د. مكارم الديري)
والداعية المشهورة (ياسمين الخيام) "إفراج الحصري" التي قامت على غسلها وشهدت آخر الأنفاس الطبية للراحلة، والكاتبة الصحفية (صافي ناز كاضم).
أناديك –أم الصابرين- بمهجتي ** وكلي دعاء من سناك مطيّب
سلام وريحان وروح ورحمة ** عليك وممدود من الظل طيب
فقد عشت للحق القويم منارة ** تشد إليها كل قلب وتجذب
وكنت بحق منبع الحب والتقى ** ومدرسة فيها العطاء المذهب
ودارك كانت مثل دار "ابن أرقم" ** تخرج فيها من بناتك أشهب
فرحن –أيا أماه- في كل موطن ** يربين أجيالاً على الحق أدبوا
ولا ضير ألا تنجبي، تلك حكمة ** طواها عن الأفهام سر محجب
فقد عشت أماً للجميع وأمة
بهذه الأبيات – من قصيدة طويلة- أشجى وأبكى الدكتور جابر قيمحة، وسكب عبراته على أم الصابرين زينب الغزالي :
التي نُصحت في الله فانتصحت
ونوديت إلى الله فلبت وأجابت
وأوذيت في الله فصبرت وما لانت
وبذلت في الله.. فكانت كالريح المرسلة
وعرفت الطريق.. فما بدليت تبديلاً
فإن كنت قد غادرت دنيا بزيفها ** إلى عالم الخلد الذي هو أرحب
ستلقين أم المؤمنين خديجة ** وفاطمة الزهراء فرحى ترحب
وحفصة والخنساء والصفوة التي ** تعالت شموساً للهدى ليس تغرب
عليك سلام الله في الخلد زينب ** وإن نعيم الله أبقى وأطيب
مواقف من حياتها
* أجبرها نظام عبد الناصر على التطليق من زوجها الفاضل، الحاج محمد سالم سالم
لكنها عاشت في المعتقل، وخارجه مثالاً وفياً لا نظير له، لهذا الزوج الصبور الباذل في سبيل الله
وخرجت من المعتقل، وقد رحل عن الدنيا بعد أن ترك وصية في محكمة الفيوم الشرعية يؤكد فيها أنها زوجته وأن طلاق المكره لا يقع، وأنه يموت وهي زوجته.
* في إحدى زياراتها لباكستان، وكان برفقتها الكاتب الإسلامي بدر محمد بدر، قالت لضياء الحق –الرئيس الباكستاني- كيف تلقى الله يا ضياء الحق وأنت لم تطبق شرع الله عز وجل؟
فبكى الرئيس الباكستاني وسط تصفيق الحضور جميعاً.
* في أثناء مناقشة رسالة الزميل الصديق د.إبراهيم البيومي غانم بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة، أصر أحد المناقشين العلمانيين على أن يؤكد أن جميع الأديان عند الله سواء
وعلى رغم احتشاد القاعة برموز من كبار الشخصيات الإسلامية فإن الحاجة زينب الغزالي الجريئة وقفت حين صمت الجميع وقالت ثلاث مرات: (إن الدين عند الله الإسلام)
فنزل على القاعة جلال وجمال
وقوة في الحق ليس لها مثيل، على رغم التقاليد الجامعية التي تمنع مشاركة الجمهور على الإطلاق.
◽️◽️
📚 مجلة المستقبل العدد ١٧٤ شوال ١٤٢٦ هـ
✍ تحرير : حورية الدعوة
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « إذا دعا الرجل لأخيه بظهر الغيب قالت الملائكة : ولك بمثل »
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق