البنات والمشكلات ١/٢
في كل بيت مشكلة.. وربما في كل يوم مشكلة.. لكن المشكلات تتباين، والبنات إزاء المشكلات أنواع وأصناف.
هناك من يضخم المشكلة مهما صغرت، وأكثر منه من يغفل عن دوره في المشكلة، ليجعلها من تأليف وإخراج الطرف الآخر.. لكنه – بزعمه – أُقحم في المسرحية، ولكن كمستضعَفٍ يُمارس عليه أنواع الإهانات..
وأكثر منه من ينفخ (نار) المشكلة لتطفأ فإذا هي تزداد.. أو يغمض عينيه ممنياً نفسه أن يفتح عينيه – حين يفتحهما – وقد انقشعت غمامة المشكلة، دون أن يعمل أكثر من إغماض العين،
وهناك من يلجأ حين تكاد المشكلة أن تغرقه إلى استنشاق الهواء، عبر التفريغ الكاذب، على زميلة أو صديقة أو قريبة أو شيخ!!
قلة من الناس من يجيدون عرض المشكلة، فيحددها بشكل جيد، ويستعرض تاريخها، ويرصد كيف بدأت، ويبين – بوضوح – دور كل من له صلة بها، والإيجابيات والسلبيات لدى كل منهم..
وغالب الناس يعرض المشكلة، بصفة المظلوم، وكأنه فقط يريد – ممن يتصل عليه أو يستشيره – أن يوقّع له، أو يضع له تصديقاً على تلك الشهادة!! وقد يرتاح نفسياً، ويشعر بنشوة الانتصار ولو عبر الهاتف وهو يسمع المستشار يثني على موقفه، ويثمّن عمله، ويحكم على صاحبه بعدم العدل والحكمة، ولا يشعر المسكين أنه يضحك على نفسه، فهو أخطأ في العرض، والمستشار أعطاه (حلاً) بمقاس العرض الذي قدمه، لا بمقاس المشكلة الحقيقية، وهو يشبه من يعاني من مرض، ويذهب لطبيب، ويتحدث معه عن أعراض يحس بها بعيدة عن الأعراض الحقيقية.. ترى لو كان الطبيب غاية في الجودة والشهرة هل سيستطيع الوقوف على مرضه؟ أو صرف العلاج الشافي له؟!
وأكثر منه من ينفخ (نار) المشكلة لتطفأ فإذا هي تزداد.. أو يغمض عينيه ممنياً نفسه أن يفتح عينيه – حين يفتحهما – وقد انقشعت غمامة المشكلة، دون أن يعمل أكثر من إغماض العين،
وهناك من يلجأ حين تكاد المشكلة أن تغرقه إلى استنشاق الهواء، عبر التفريغ الكاذب، على زميلة أو صديقة أو قريبة أو شيخ!!
قلة من الناس من يجيدون عرض المشكلة، فيحددها بشكل جيد، ويستعرض تاريخها، ويرصد كيف بدأت، ويبين – بوضوح – دور كل من له صلة بها، والإيجابيات والسلبيات لدى كل منهم..
وغالب الناس يعرض المشكلة، بصفة المظلوم، وكأنه فقط يريد – ممن يتصل عليه أو يستشيره – أن يوقّع له، أو يضع له تصديقاً على تلك الشهادة!! وقد يرتاح نفسياً، ويشعر بنشوة الانتصار ولو عبر الهاتف وهو يسمع المستشار يثني على موقفه، ويثمّن عمله، ويحكم على صاحبه بعدم العدل والحكمة، ولا يشعر المسكين أنه يضحك على نفسه، فهو أخطأ في العرض، والمستشار أعطاه (حلاً) بمقاس العرض الذي قدمه، لا بمقاس المشكلة الحقيقية، وهو يشبه من يعاني من مرض، ويذهب لطبيب، ويتحدث معه عن أعراض يحس بها بعيدة عن الأعراض الحقيقية.. ترى لو كان الطبيب غاية في الجودة والشهرة هل سيستطيع الوقوف على مرضه؟ أو صرف العلاج الشافي له؟!
د. عبد العزيز المقبل
📚 مجلة حياة العدد (٧٩) ذو القعدة ١٤٢٧ هـ
البنات والمشكلات ٢/٢
من حق الإنسان (الممشكَل) أن ينفَّس..
لكن يفترض أن يكون ذلك بطريقة صحيحة، وألا يكون (تنفيسه) ذاك هو العلاج الذي ينتهي عنده.
لابد من جرأة حين عرض المشكلة، ولكن بعد حسن اختيار من يمكن أن يساعد في حل المشكلة، وهو من يتميز بالعقل والدربة والتجربة والعلم وعدم حداثة السن!!
لابد من جرأة حين عرض المشكلة، ولكن بعد حسن اختيار من يمكن أن يساعد في حل المشكلة، وهو من يتميز بالعقل والدربة والتجربة والعلم وعدم حداثة السن!!
لابد أحياناً أن يَعُدّ صاحب المشكلة الطرف الثاني مريضاً، وألا يردد كيف أعمل له كذا.. وهو يعمل معي كذا!! فلو أن إنساناً عزيزاً ارتفعت عليه درجة الحرارة، إلى حد الهذيان، فإنه مهما سبّ من حوله لن يتخلوا عنه، لأنهم يدركون أنه في وضع غير طبيعي.
ليس أسوأ من الشعور بالعجز، حتى من يعمل (أي) عمل وهو يحمل أثناء ممارسته شعوراً بأنه لن يفيد فهو غالباً لن يفيد، لأنه يهمه أن يؤديه حتى يُعذَر أمام الناس، أما مستوى الأداء فلا تسأل عنه، برودٌ وتراخٍ، والتمثيل فيه ظاهر، والإقلاع عنه سريع، أليس الشخص قد قال بأنه لا يظن أنه يجدي.. إنه متأكد أنه لا يجدي.. وبالتالي من المؤكد أنه لن يجدي حين تشكو الفتاة مشكلة، ويُقترح عليها (سلوك) معيّن ربما تهربتْ الفتاة من فعل ذلك، لقناعتها بعدم جدواه، وهي تمارس سلوكاً معيناً ربما من سنين، ومع ذلك لم يخطر ببالها أن تقلع عنه رغم أنه قد يكون من يسهم في ارتفاع لهب المشكلة!!
ليس أسوأ من الشعور بالعجز، حتى من يعمل (أي) عمل وهو يحمل أثناء ممارسته شعوراً بأنه لن يفيد فهو غالباً لن يفيد، لأنه يهمه أن يؤديه حتى يُعذَر أمام الناس، أما مستوى الأداء فلا تسأل عنه، برودٌ وتراخٍ، والتمثيل فيه ظاهر، والإقلاع عنه سريع، أليس الشخص قد قال بأنه لا يظن أنه يجدي.. إنه متأكد أنه لا يجدي.. وبالتالي من المؤكد أنه لن يجدي حين تشكو الفتاة مشكلة، ويُقترح عليها (سلوك) معيّن ربما تهربتْ الفتاة من فعل ذلك، لقناعتها بعدم جدواه، وهي تمارس سلوكاً معيناً ربما من سنين، ومع ذلك لم يخطر ببالها أن تقلع عنه رغم أنه قد يكون من يسهم في ارتفاع لهب المشكلة!!
اللغة سحر (إن من البيان لسحراً)، وإجادة فن اللغة يجعل الفتاة تترك أثراً غير عادي في نفوس الصديقات أو الأهل. وليس من الجيد أن تتحول
(كلمات) الفتاة إلى رصاصات، قد يُوجّه إليها ما هو أكثر (حدة) منها.. مما يمكن أن يقتلها!
د. عبد العزيز المقبل
📚 مجلة حياة العدد (٨٠) ذو الحجة ١٤٢٧ هـ
حيوان في ثوب إنسان
هناك أثر يقول: (إن الله خلق الملائكة عقلاً بلا شهـوة، وخلق البهائم شهـوة بلا عقل، وخلق بني آدم من عقل وشهـوة؛ فمن غلبت شهـوته عقله أشبه البهائم، ومن غلب عقله شهـوته أشبه الملائكة)
صراع الشهوة والعقل صراع أزلي، وهناك عوامل تتدخل أحياناً لحسم الصراع لصالح أحد الطرفين. في دنيا الواقع هناك دراسات علمية أشارت إلى أن نسباً مروعة ممن يدخلون الإنترنت لدينا، من الفئات الشبابية، يرتادون مواقع غير نظيفة. والكثيرون يدركون كم تحوي غرف المحادثات الإنترنتية من المحادثات الجنسية، وأتى الجوال فسهّل أمر (المعاكسة) – جداً – عن طريق البطاقات، المجهولة الاسم، من الجنسين. وهناك من يذكر أن نسبة من الأزواج يمارسون الغزل، مع نساء أخريات.
تحولت أشرطة الرسائل في بعض القنوات إلى وسيلة جديدة للتعارف، لأهداف جنسية!
وراحت بعض القنوات تحاول جذب أكبر عدد من المشاهدين عن طريق (طرق) موضوعات جنسية صريحة.
هناك من يشكو أنه شرب من (ماء) المواقع الإباحية (المالح)، فلا هو شعر بالري، ولم يعد يستطيع الانفكاك، إذ وصل حالة الإدمان.
إن ذلك يثبت – دون ريب – أن الإنسان إذا لم يصعد في (سُلّم) إنسانيته، فيستثمر عقله، وعمره فيما يرجع عليه، وعلى أسرته، ومجتمعه ووطنه، بالخير .. فإنه سيتحول إلى (حيوان)، تغلب عليه الغريزة، وإن لبس (ثوب) الآدمية!
د. عبد العزيز المقبل
📚 مجلة حياة العدد (٨١) محرم ١٤٢٨ هـ
بين البنات والفراشات..!!
فتاة جامعية اتصلت علي تخنقها عبرتها، قائلة: إنها كانت عند طبيب، ترددت عليه ثلاثة أيام للعلاج، وأنه في آخر يوم، اقترب منها، وهمس لها: أحبك!
وأنها ما إن رجعت للبيت حتى جلست تبكي، وسط شفقة أهلها، الذين يظنون أنها تعاني من الألم! بينما هي تعاني من (ألم) الحب!
لم تصبر، فاتصلت على الطبيب (كان أعطاها رقم جواله!)، فرد عليها من المطار، وتمنى أن تكون أخبرته مبكراً بشعورها!
وهي تعترف بأنه كان يلمس وجهها لمسات مريبة، بل اعترفت أنها كانت تدرك أنه كان ينوي فعل (شيء)، حين أمر الممرضة بالخروج، لكنها (البنت) خافت، فصاحت على أختها لتدخل!!
البنت وهي تتحدث إلي كانت شبه سكرى!
وقبلها اتصلت علي فتاة، قائلة: معي بنت خالتي، لديها مشكلة، ولا تستطيع أن تتصل من بيت أهلها، ونحن الآن في مناسبة، واقترحت عليها أن تتصل عليك.
قلت لها: وما مشكلتها؟
قالت: إنها تحب رجلاً!! وهو مسافر لمدينة (...) للخضوع لدورة، واتصلتْ عليه قبل أن نتصل عليك من بطاقة، وقالت له: (...) أحبك! وردّ عليها: أنا أموت فيك!! قالت: أنا أصيح كل ما تذكرتك! ردّ عليها: ليتني بجنبك أمسح دموعك!!
قلت لها: وما مشكلتها؟
قالت: إنها تحب رجلاً!! وهو مسافر لمدينة (...) للخضوع لدورة، واتصلتْ عليه قبل أن نتصل عليك من بطاقة، وقالت له: (...) أحبك! وردّ عليها: أنا أموت فيك!! قالت: أنا أصيح كل ما تذكرتك! ردّ عليها: ليتني بجنبك أمسح دموعك!!
أعطت السماعة لصاحبة المشكلة، العاشقة المتيمة، قلت لها: كم عمرك؟ قالت: ١٧ سنة،
قلت: وأين تدرسين؟ قالت: في ثاني ثانوي،
قلت: من متى أحببت (...)؟! قالت: من يوم كنت برابع ابتدائي!
قلت: ومن أين تعرفت عليه؟ قالت: ولد جيراننا.
قلت لها: ولماذا أحببته؟ قالت: أصله مزيون!
قلت لها: طيب تدرين إنه يغازل كثيرات؟ قالت: إيه!
قلت لها: هو يحبك؟ قالت: ما أدري!
قلت: هل سبق إنك قابلتيه؟ قالت: لا .. بس شفته من عند الباب بالشارع!
للعلم فالشاب معه الابتدائية.
هاتان حكايتان من عشرات الحكايات، التي سمعتها أنا من صاحباتها!
هل فعلاً هذه عقلية البنات؟ قد يكون الأهل مقصرون في (كمية) الحب المقدم للبنت، لكني أعتقد أن تقصيرهم في تربية (عقل) البنت أعظم، ثم ما هذه الرؤية للحب؟ هل ترون الحب واضحاً في ذهن مثل هؤلاء البنات؟ أتذكر مع هذه النماذج تلك الفراشات التي يعجبها لون النار، فتأتي مسرعة من بعيد لترمي نفسها وسط اللهب!
المضحك أنه عندما طرحت سؤالاً يقول: عندما يبدي شاب لشابة الحب من خلف السماعة، هل تراه صادقاً؟! جاءت إجابات طلابي – في الجامعة – كلها تقول: (لا)!!
د. عبد العزيز المقبل
📚 مجلة حياة العدد (٨٣) ربيع أول ١٤٢٨ هـ
أيهما أقوى !!
صرخ ولدي الصغير في وجه أخيه الكبير، رد الكبير بصرخة مماثلة، ولكن بصوت أرفع. نظرت إليه قائلاً: كان يمكنك أن تتجاهل!
ردّ علي قائلاً: كان يمكنه ألا يبدأ الصراخ!
قلت: كلامك صحيح، لكن هل يعني أن نصبح (صدى) نردّ كلام الآخرين بمثله؛ إنْ خيراً وإنْ شراً؟
تلعثم قليلاً، ثم مضى محاولاً (تبرير) موقفه: لكني أظن أن أخي كان يدرك أن عمله خطأ؟!
قلت: حين يحدث لنا مثل هذا الموقف أمامنا موقفان؛
أحدهما نثبت فيه قوة (برانية)، ولو استدعى أن (نخلع) ثوب أخلاقنا، والثاني: أن نبدي قوة (جوانية)، فنحني رأسنا للعاصفة، ونتجاهل، ونبقي على أخلاقنا.. ونكون قد (انتصرنا) على أنفسنا.. أيهما يختار العقلاء؟
قال: وأي قوة، ونحن نبدو منهزمين أمام خصمنا؟!
قلت: الكل يستطيع أن (يهارش)، إذ لا يتطلب ذلك سوى أن (نفتح) شفتينا، لتتسابق الكلمات (الخشنة)، يدفعها (إعصار) النفس الأمارة بالسوء، لكن من (يصرف) قوته في مدافعة ذلك الإعصار، هو القوي حقاً؛ وهو بذلك ينال احترام الناس، ورضا رب الناس، سبحانه وتعالى، وفوق ذلك يبقى على أخلاقه وصحته!
قال: كلامك صحيح، لكن من يقوى؟!
× قال رجل للأحنف: والله لو قلت لي واحدة لسمعت مني عشراً، فقال: لكنك والله لو قلت لي عشراً ما سمعت مني واحدة.
× وقال رجل لأبي بكر – رضي الله عنه-: والله لأَسُبَّنك سباً يَدْخل القبرَ معك؟ قال: معك يَدْخل لا مَعي.
× وشَتم رجلٌ الشَعبَيّ، فقال له: إن كنتَ صادقاً فغَفر الله لي، وإن كنتَ كاذباً فغفر الله لك.
د. عبد العزيز المقبل
📚 مجلة حياة العدد (٨٤) ربيع ثاني ١٤٢٨ هـ
أين يكمن الجمال.. ؟!
يعجبك إنسان حريص على (أناقته)، فهو دائم المحافظة على جماله ونظافته، ولكنك تشعر بالاشمئزاز من الشخص ذاته حين يتناول منديلاً ورقياً (ينظف) به وجهه، ثم لا يلبث أن (يوسخ) به المكان، الذي يجلس، أو يقف فيه! لتتساءل: هل (حدود) النظافة تنتهي عند (أسوار) ذاته؟
والشيء نفسه حين ترى إنساناً يتباهى بـ(جماله)، ولكنك تفاجأ – حين يحدث بينه وبين زميل له (احتكاك) – بسيل كلمات (قبيحة)، تنطلق – في سباقٍ – من فمه!
وربما جلست مع إنسان، وأعجبتك روحه (المرحة)، وحين وقعت معه في خطأ، غير مقصود، ثارت براكين (غضب)، تكاد تدفنك، لم تصدق معها أن صاحبك هو (صاحبك).
هل الأخلاق ثوب (جميل) يلبس لـ(المناسبات)، أو لبعض اللقاءات (الهامة)، ثم يخلع؟ هناك من هي مع صديقتها (أحلى) من العسل، ولكنها مع أختها الشقيقة (أمرّ) من الحنظل! من المؤكد أنها ستقدم (قائمة) أسباب عدة ليعذرها الآخرون، في خشونتها مع أختها، ولكنها بذلك (تعترف) بأن الأخلاق لعبة (شد الحبل)، وهي تلعبها مع من يكون (أقوى) منها، أي مع من يتحمل (ثقل) دمها، أو ترجو أن تستفيد منه، وهي – مرة أخرى- تعترف بأن الأخلاق لديها لها مدة (صلاحية)، تنتهي بعدها!
قال أحد الحكماء: ينبغي للعاقل حين يصبح أن ينظر إلى وجهه في المرآة، فإن كان حسن الوجه جعل عنايته أن يضم إلى جمال وجهه كمال خلقه وكمال نفسه، وإن رأى صورة سمجة تحرّز من أن يكون دميم الخلق والخلق.
د. عبد العزيز المقبل
📚 مجلة حياة العدد (٨٥) جمادي الأول ١٤٢٨ هـ
(٢٧)
حددي موقعكعلى مسرح الحياة يتباين سلوك الناس، لكن هناك أموراً قد تلفت نظرنا، وتجعلنا نمتلئ بالتعجب.
فقد نرى فتاة، تنتمي إلى أسرة فقيرة، وحين نراقب سلوكها نلحظ أن البسمة لا تكاد تفارق شفتيها، وأن الروح المرحة تملأ جوانبها، وسلوكها يمثل الفتاة الاجتماعية، بأوضح صورها.. وقد تكون تلك الفتاة (عادية) في جمالها ومظهرها ودراستها!
وفي مقابل تلك الفتاة (الفقيرة) نجد فتاة تنتمي إلى أسرة غنية، لكن يلفت نظرنا الحزن الذي يلون نظراتها، وابتسامتها تمثل هلال آخر الشهر، تكاد تغيب قبل أن تبدأ .. مع أن تلك الابتسامة تدفعها المجاملة، وقد تكون بذلت جهداً لصناعتها!!.. مع أن هذه الفتاة – إلى جانب ثراء أسرتها – أفضل من الأولى جمالاً ومظهراً ودراسة.
فما السرّ يا ترى؟
إن السر يكمن في النافذة التي نطل منها على الأشياء، وفي الأشياء، التي نصوّب لها نظراتنا؛ فإذا كنا ننظر من (نافذة) التفاؤل، ونضع نظرنا على الجوانب (الإيجابية) من حياتنا – مهما كانت قلتها – انعكس ذلك على حياتنا وسلوكنا؛ حيوية وابتسامة وانطلاقاً.
وإذا اعتدنا الإطلال من (نافذة) التشاؤم على الأشياء، واعتدنا أن نضع بصرنا على الجوانب (السلبية) – مهما كانت ضآلتها- فإن ذلك سينعكس على حياتنا وسلوكنا؛ حزناً وجموداً وتقييداً.
مساكين أولئك الذين يغضون طرفهم عن (الكثير) من الإيجابيات، التي تحيط بهم، ويظلون – دوماً- يفكرون بسلبية (صغيرة)، تمثل (نقطة) حبر في (ثوب) الإيجابيات (الفضفاض)، الذي يدثر حياتهم.
إنهم قد لا يستطيعون التخلص منها أو تخطيها، لكن أسوأ من ذلك أن حبسهم أنفسهم في (قفص) التفكير بها جعلهم لا يستمتعون بالجوانب الإيجابية، مع كثرتها.
ولعلنا هنا نتذكر قوله تعالى: (ولئن شكرتم لأزيدنكم)، وذكرنا لإيجابياتنا (الصغيرة)، وشكر الله عليها؛ ما يستوجب توفيق الله لنا لتصبح (كبيرة)!
قال ابن المقفع: إذا واجهك أمر؛ فإن كان مما يمكن إدراكه فلا تعجز، وإن كان مما لا يمكن إدراكه فلا تجزع..!!
د. عبد العزيز المقبل
📚 مجلة حياة العدد (٩٧) جمادى الأولى ١٤٢٩ هـ
(٢٨)
حتى في قاعة الامتحان ابتسمي
حين كنت في المرحلة المتوسطة التحقت بمركز صيفي في الإجازة.. ومع مرور الزمن نسيت أشياء كثيرة، من تلك المرحلة، لكن شيئاً واحداً بقي (محفوراً) في ذاكرتي.. فقد كان أحد مشرفي المركز الصيفي حين يدخل المركز، ويقبل على الطلاب تملأ وجهه ابتسامة عريضة.. ثم يظل يصافح الطلاب؛ واحداً واحداً، صغيرهم وكبيرهم، مع كلمات مرحة تشجيعية، يرميها على كل واحد بما يناسبه.
حين أغمض عيني، وأسمح لخيالي أن يرسم صورة لذلك المشرف، لا يلبث سوى ثوانٍ ليظهر لي وجه ذلك المشرف (المشرق)، وابتسامته العذبة، التي كان يغرقنا فيها في بحيرة من الراحة والسرور.. لقد كنا نتطلع لحضوره بلهفة، ونأسى لتأخره فضلاً عن غيابه. لقد استطاع بتلك الابتسامة أن يحفر له مكانة (عميقة) في نفوسنا؛ كباراً وصغاراً.
وقدّر لي أن أراه بعد خمسة وعشرين عاماً، ولفت نظري أن صورته لم تتغير؛ ابتسامته ونضارته وحيويته.
أنا متأكد أن صاحبنا لو كان يفتعل تلك الابتسامة لم تبق مشتعلة على شفتيه، ولانطفأت بعد أيام، أو على الأقل لكان (يفصلها) حسب (مقاس) من يقابلهم من الأشخاص، ولا يجعلها للجميع بذلك المقاس الفضفاض.. ولو كانت مفتعلة لم تستطع أسر حبنا له، وإعجابنا به.. ولو كانت مفتعلة لشاخت تبعاً لعمره ولم تبق شابّة، تضفي عليه روح الشباب!!
إن هناك أشخاصاً يفتعلون الابتسامة، بعد أن جعلوها جزءاً من (الإتيكيت) لا أكثر، وكأن التقنية أثرت فيهم؛ فهم يغيرون (الوجه) حسب المناسبة.. لكنهم يتعبون من الداخل، ولا يصعب أن يكتشف من يقابلهم أن الابتسامة - مهما عرضوها – هي (صناعية)، بعدة نكهات!!
إن أولئك الذين يوزعون الابتسامات في كل مكان، وعلى كل أحد، تصبح الابتسامة عادة لديهم؛ وبذلك تصبح أذهانهم – دائما – صافية، وتفكيرهم – دائماً – متوقداً، ومن ثمَّ (ينتقون) أحسن السلوك، وأفضل القرارات؛ فعلماء النفس يؤكدون أن هناك صلة قوية بين العمليات العقلية، والانفعالات النفسية؛ فمتى استقرت الانفعالات النفسية، اعتدلت العمليات العقلية واتّزنت.
ولذا إذا فوجئت بأن معلوماتك في قاعة الامتحان قد هربت، وشككت أن ذاكرتك قد أثقبت؛ فأغمضي عينيك قليلاً وابتسمي؛ فستفاجئين أن المعلومات قد تسابقت راجعة إليك!!
د. عبد العزيز المقبل
📚 مجلة حياة العدد (٩٨) جمادى الآخر ١٤٢٩ هـ
كلنا مفطورون على حب الثناء.. وهي طبيعة بشرية، بل إن الأذكياء يتخذون من مديح الآخرين (باباً) واسعاً يدخلون معه إلى نفوسهم، دون أي حواجز، ومن ثم يمكنهم التأثير فيهم، ونقل الأفكار إليهم.. وربما وصل الحال بمن اعتدنا منه الثناء علينا أن نعجب به، ومن ثم نتخذه قدوة، نرى الجمال في سلوكه!
وكما أننا مفطورون على حب الثناء؛ فنحن مفطورون على (بغض) النقد.. ولأننا ندرك ذلك من أنفسنا، فإننا نستأخر – كثيراً- عن تقديم الملاحظات على سلوك أصدقائنا وأحبائنا، حتى لو كانت تلك الملاحظات تؤثر سلباً، في سلوكهم أمام الآخرين.. ويكون حظنا الأسى، على ما في سلوكهم من سلبيات محدودة، تؤثر في سلوكهم العام.. ويظل التردد يصاحبنا، كلما هممنا أن نتقدم لهم بملاحظاتنا على سلوكهم.. والهاجس الذي يطاردنا، بحكم معرفتنا بالأمور السابقة، أن أولئك الأصدقاء والأحباب قد يغضبون منا، وقد تمتلئ نفوسهم علينا، وقد يفسرون نقدنا على أنه غيرة، وقد يدفعهم ذلك على البحث عن عيوب، يرونها في سلوكنا، ليردوا علينا بالمثل، وربما وصل الهاجس إلى تخوفنا من معاداتهم لنا!!.. ومن الطبيعي، مع محاصرة تلك الهواجس الضخمة، ألا يقدم على تقديم الملاحظات إلا من يمتلك سيف شجاعة يرفعه – بقوة – أمام جيوش تلك الهواجس.
ولا غرابة – فعلاً – أن نجد من تزهد في صديقتها؛ لأنها انتقدت شيئاً من سلوكها، أو قدمت لها ملاحظة عليه. وربما لم ينته الأمر عند مجرد الترك، وإنما انقلب الأمر إلى عداوة مكشوفة أو مخفاة!!
ولأن خصومنا ليسوا مثل أصدقائنا؛ فإنهم يفرحون أن يروا في سلوكنا بعض الثغرات؛ فيسارعون إلى نقدنا، ونحن – في المقابل – يؤثر في نفوسنا ذلك؛ فنسارع إلى التغيير!
فهل – يا ترى – يصبح أعداؤنا أكثر فائدة لنا من أصدقائنا؟! أم نحن بسلوكنا من جعلناهم كذلك؟!
إن أكثر الناس حساسية من النقد هم أكثرهم ضعفاً في ثقته بنفسه، وأولئك هم من يترك النقد أثراً (حاداً) في نفوسهم؛ لأنهم يفسرون أي نقد يوجه لهم تفسيرات سلبية.. لكن الواثقين بأنفسهم، لا ينتظرون أعداءهم ينتقدونهم ليعدلوا سلوكهم، ولكنهم يشجعون أصدقاءهم على تقديم النقد، وأكبر تشجيع على ذلك هو الابتسامة التي يستقبلون بها ذلك النقد، والثناء على أولئك الأصدقاء بقدر نقدهم.. وهو ما ينعكس شعوراً إيجابياً لدى أولئك الأصدقاء..
لقد كان الخليفة العبقري، عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، يدفع إخوانه لتقديم النقد، بالدعاء لهم، وإشعارهم أن نقدهم ذلك، هو خير (هدية) يقدمونها له، فكان يقول: (رحم الله امرأً أهدى إلي عيوبي)!!.. وذلك لإدراكه القيمة (الفعلية) لذلك النقد.
د. عبد العزيز المقبل
📚 مجلة حياة العدد (٩٩) رجب ١٤٢٩ هـ
حين أخرج لصلاة الفجر، وتلامس وجهي نسمات الهواء اللطيف، التفت إلى حوض الشجيرات أسفل السور، فأرى (عرساً) للزهور؛ أتخيّل معه أنهن في مباراة، في (الابتسام)، بل تبدو كل واحدة كما لو كانت تمدّ يدها، بكل قوة ونشاط، لمصافحة من يمرّ بجوار الحوض!
أخرج الساعة الثامنة صباحاً فأرى خمولاً يحيط بتلك الزهور، حتى لكأنها تتثاءب، وتفتح أجفانها بصعوبة، وكأن النوم يغالبها وتغالبه، وقد بدا عليها الشحوب، وانطفأت جذوة الحماس المشتعل، وقت الفجر.
أرجع من العمل ظهراً فأبحث عن تلك الزهور، ويأخذني العجب، ويخيّل لي أن طفلاً شقياً قام بخنقها ورميها.. وحين أقترب من الحوض أكثر، وأحدّق أراها وقد انقلبت خلقاً (آخر)؛ انكفأت على نفسها، وتغيّر لونها، وانطفأ بريقها، وصار الشحوب هو الغالب عليها، حتى ذابت فيما حولها.
وبعد مدة أضحى المنظر مألوفاً لديّ، وأدركت أن هذه الزهور ذات حساسية (مفرطة) لا تحاول المقاومة، وإنما تنتظر من الجو أن يعتدل، لتمتد وتتفتح.. ولأنها أصبحت رهن العوامل الخارجية فقد توقعت ألا تصمد حين ترتفع حرارة الجو أكثر.. وهو ما حدث بالفعل، حين أصبحت أثراً بعد عين!!
كم هم الذين يعيشون بيننا، يمتلكون الطاقات، ويختزنون المواهب، لكنهم ينتظرون أن يدعوهم الآخرون، أو أن (يشغّلهم) الآخرون، وربما أن الآخرين لم يدركوا – أصلاً – أن هؤلاء يملكون شيئاً من المواهب.
ومع الجمال الذي كانت تمثله لي تلك الزهور، وجدت أن إعجابي ينتقل منها إلى شجرة الصبار!!
أما لماذا.. فلأنها مع التجهم الذي قد يوحي به مظهرها، ومع ابتسامتها التي قد تبدو باهتة، إلا أن لونها يظل مخضراً، مهما شحب، وابتسامتها الباهتة تلك ترتسم على شكلها في كل زمان ومكان!!
د. عبد العزيز المقبل
📚 مجلة حياة العدد (١٠٠) شعبان ١٤٢٩ هـ
حين كنت في المرحلة المتوسطة التحقت بمركز صيفي في الإجازة.. ومع مرور الزمن نسيت أشياء كثيرة، من تلك المرحلة، لكن شيئاً واحداً بقي (محفوراً) في ذاكرتي.. فقد كان أحد مشرفي المركز الصيفي حين يدخل المركز، ويقبل على الطلاب تملأ وجهه ابتسامة عريضة.. ثم يظل يصافح الطلاب؛ واحداً واحداً، صغيرهم وكبيرهم، مع كلمات مرحة تشجيعية، يرميها على كل واحد بما يناسبه.
حين أغمض عيني، وأسمح لخيالي أن يرسم صورة لذلك المشرف، لا يلبث سوى ثوانٍ ليظهر لي وجه ذلك المشرف (المشرق)، وابتسامته العذبة، التي كان يغرقنا فيها في بحيرة من الراحة والسرور.. لقد كنا نتطلع لحضوره بلهفة، ونأسى لتأخره فضلاً عن غيابه. لقد استطاع بتلك الابتسامة أن يحفر له مكانة (عميقة) في نفوسنا؛ كباراً وصغاراً.
وقدّر لي أن أراه بعد خمسة وعشرين عاماً، ولفت نظري أن صورته لم تتغير؛ ابتسامته ونضارته وحيويته.
أنا متأكد أن صاحبنا لو كان يفتعل تلك الابتسامة لم تبق مشتعلة على شفتيه، ولانطفأت بعد أيام، أو على الأقل لكان (يفصلها) حسب (مقاس) من يقابلهم من الأشخاص، ولا يجعلها للجميع بذلك المقاس الفضفاض.. ولو كانت مفتعلة لم تستطع أسر حبنا له، وإعجابنا به.. ولو كانت مفتعلة لشاخت تبعاً لعمره ولم تبق شابّة، تضفي عليه روح الشباب!!
إن هناك أشخاصاً يفتعلون الابتسامة، بعد أن جعلوها جزءاً من (الإتيكيت) لا أكثر، وكأن التقنية أثرت فيهم؛ فهم يغيرون (الوجه) حسب المناسبة.. لكنهم يتعبون من الداخل، ولا يصعب أن يكتشف من يقابلهم أن الابتسامة - مهما عرضوها – هي (صناعية)، بعدة نكهات!!
إن أولئك الذين يوزعون الابتسامات في كل مكان، وعلى كل أحد، تصبح الابتسامة عادة لديهم؛ وبذلك تصبح أذهانهم – دائما – صافية، وتفكيرهم – دائماً – متوقداً، ومن ثمَّ (ينتقون) أحسن السلوك، وأفضل القرارات؛ فعلماء النفس يؤكدون أن هناك صلة قوية بين العمليات العقلية، والانفعالات النفسية؛ فمتى استقرت الانفعالات النفسية، اعتدلت العمليات العقلية واتّزنت.
ولذا إذا فوجئت بأن معلوماتك في قاعة الامتحان قد هربت، وشككت أن ذاكرتك قد أثقبت؛ فأغمضي عينيك قليلاً وابتسمي؛ فستفاجئين أن المعلومات قد تسابقت راجعة إليك!!
د. عبد العزيز المقبل
📚 مجلة حياة العدد (٩٨) جمادى الآخر ١٤٢٩ هـ
(٢٩)
مع مرارته .. سترحبين بهكلنا مفطورون على حب الثناء.. وهي طبيعة بشرية، بل إن الأذكياء يتخذون من مديح الآخرين (باباً) واسعاً يدخلون معه إلى نفوسهم، دون أي حواجز، ومن ثم يمكنهم التأثير فيهم، ونقل الأفكار إليهم.. وربما وصل الحال بمن اعتدنا منه الثناء علينا أن نعجب به، ومن ثم نتخذه قدوة، نرى الجمال في سلوكه!
وكما أننا مفطورون على حب الثناء؛ فنحن مفطورون على (بغض) النقد.. ولأننا ندرك ذلك من أنفسنا، فإننا نستأخر – كثيراً- عن تقديم الملاحظات على سلوك أصدقائنا وأحبائنا، حتى لو كانت تلك الملاحظات تؤثر سلباً، في سلوكهم أمام الآخرين.. ويكون حظنا الأسى، على ما في سلوكهم من سلبيات محدودة، تؤثر في سلوكهم العام.. ويظل التردد يصاحبنا، كلما هممنا أن نتقدم لهم بملاحظاتنا على سلوكهم.. والهاجس الذي يطاردنا، بحكم معرفتنا بالأمور السابقة، أن أولئك الأصدقاء والأحباب قد يغضبون منا، وقد تمتلئ نفوسهم علينا، وقد يفسرون نقدنا على أنه غيرة، وقد يدفعهم ذلك على البحث عن عيوب، يرونها في سلوكنا، ليردوا علينا بالمثل، وربما وصل الهاجس إلى تخوفنا من معاداتهم لنا!!.. ومن الطبيعي، مع محاصرة تلك الهواجس الضخمة، ألا يقدم على تقديم الملاحظات إلا من يمتلك سيف شجاعة يرفعه – بقوة – أمام جيوش تلك الهواجس.
ولا غرابة – فعلاً – أن نجد من تزهد في صديقتها؛ لأنها انتقدت شيئاً من سلوكها، أو قدمت لها ملاحظة عليه. وربما لم ينته الأمر عند مجرد الترك، وإنما انقلب الأمر إلى عداوة مكشوفة أو مخفاة!!
ولأن خصومنا ليسوا مثل أصدقائنا؛ فإنهم يفرحون أن يروا في سلوكنا بعض الثغرات؛ فيسارعون إلى نقدنا، ونحن – في المقابل – يؤثر في نفوسنا ذلك؛ فنسارع إلى التغيير!
فهل – يا ترى – يصبح أعداؤنا أكثر فائدة لنا من أصدقائنا؟! أم نحن بسلوكنا من جعلناهم كذلك؟!
إن أكثر الناس حساسية من النقد هم أكثرهم ضعفاً في ثقته بنفسه، وأولئك هم من يترك النقد أثراً (حاداً) في نفوسهم؛ لأنهم يفسرون أي نقد يوجه لهم تفسيرات سلبية.. لكن الواثقين بأنفسهم، لا ينتظرون أعداءهم ينتقدونهم ليعدلوا سلوكهم، ولكنهم يشجعون أصدقاءهم على تقديم النقد، وأكبر تشجيع على ذلك هو الابتسامة التي يستقبلون بها ذلك النقد، والثناء على أولئك الأصدقاء بقدر نقدهم.. وهو ما ينعكس شعوراً إيجابياً لدى أولئك الأصدقاء..
لقد كان الخليفة العبقري، عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، يدفع إخوانه لتقديم النقد، بالدعاء لهم، وإشعارهم أن نقدهم ذلك، هو خير (هدية) يقدمونها له، فكان يقول: (رحم الله امرأً أهدى إلي عيوبي)!!.. وذلك لإدراكه القيمة (الفعلية) لذلك النقد.
د. عبد العزيز المقبل
📚 مجلة حياة العدد (٩٩) رجب ١٤٢٩ هـ
(٣٠)
ما أجمل الصبار!!حين أخرج لصلاة الفجر، وتلامس وجهي نسمات الهواء اللطيف، التفت إلى حوض الشجيرات أسفل السور، فأرى (عرساً) للزهور؛ أتخيّل معه أنهن في مباراة، في (الابتسام)، بل تبدو كل واحدة كما لو كانت تمدّ يدها، بكل قوة ونشاط، لمصافحة من يمرّ بجوار الحوض!
أخرج الساعة الثامنة صباحاً فأرى خمولاً يحيط بتلك الزهور، حتى لكأنها تتثاءب، وتفتح أجفانها بصعوبة، وكأن النوم يغالبها وتغالبه، وقد بدا عليها الشحوب، وانطفأت جذوة الحماس المشتعل، وقت الفجر.
أرجع من العمل ظهراً فأبحث عن تلك الزهور، ويأخذني العجب، ويخيّل لي أن طفلاً شقياً قام بخنقها ورميها.. وحين أقترب من الحوض أكثر، وأحدّق أراها وقد انقلبت خلقاً (آخر)؛ انكفأت على نفسها، وتغيّر لونها، وانطفأ بريقها، وصار الشحوب هو الغالب عليها، حتى ذابت فيما حولها.
وبعد مدة أضحى المنظر مألوفاً لديّ، وأدركت أن هذه الزهور ذات حساسية (مفرطة) لا تحاول المقاومة، وإنما تنتظر من الجو أن يعتدل، لتمتد وتتفتح.. ولأنها أصبحت رهن العوامل الخارجية فقد توقعت ألا تصمد حين ترتفع حرارة الجو أكثر.. وهو ما حدث بالفعل، حين أصبحت أثراً بعد عين!!
كم هم الذين يعيشون بيننا، يمتلكون الطاقات، ويختزنون المواهب، لكنهم ينتظرون أن يدعوهم الآخرون، أو أن (يشغّلهم) الآخرون، وربما أن الآخرين لم يدركوا – أصلاً – أن هؤلاء يملكون شيئاً من المواهب.
ومع الجمال الذي كانت تمثله لي تلك الزهور، وجدت أن إعجابي ينتقل منها إلى شجرة الصبار!!
أما لماذا.. فلأنها مع التجهم الذي قد يوحي به مظهرها، ومع ابتسامتها التي قد تبدو باهتة، إلا أن لونها يظل مخضراً، مهما شحب، وابتسامتها الباهتة تلك ترتسم على شكلها في كل زمان ومكان!!
د. عبد العزيز المقبل
📚 مجلة حياة العدد (١٠٠) شعبان ١٤٢٩ هـ
✍ تحرير : حورية الدعوة
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « إذا دعا الرجل لأخيه بظهر الغيب قالت الملائكة : ولك بمثل »
📂
🔗 ملف متجدد : مقالات د. عبد العزيز المقبل (١/٣)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق