المتأمل في بديع صنع الله لاسيما في كيانه البشري يرى العجب العجاب مما يجعله يلهج بالشكر والثناء لهذا الخالق العظيم، وقد قال سبحانه (وفي أنفسكم أفلا تبصرون) [الذاريات: ٢١].
فالإنسان مسؤول عن هذه النفس وعن هذا الجسد فـ (لا تزول قدما عبد حتى يسأل عن جسمه فيما أبلاه..) .
وإذا كان على كل عضلة في الجسم صدقة
فإن صدقة عضلات الوجه والابتسامة كما يبين ذلك المصطفى صلى الله عليه وسلم بقوله: (تبسمك في وجه أخيك صدقة)
وقد ثبت أن الابتسامة تحرك ١٧ عضلة من الوجه
بينما العبوس ٤٣ عضلة
ومن هذه المفارقة يتضح أن العبوس يحرك من العضلات أكثر بكثير مما يحركه الابتسام،
فلماذا نبدد طاقتنا ونرهق عضلاتنا في العبوس لماذا لا نبتسم ونطلق لوجوهنا العنان كي نملأ الدنيا بشراً وسروراً.
ثم إن بشاشة الوجه تزيد صاحبها جمالاً وإشراقاً
فالوجه المبتسم جميل، والمبتسمون للحياة هم أقدر الناس على العمل، وأكثرهم احتمالاً للمسؤولية، وأصلحهم لمواجهة الشدائد ومعالجة الصعاب.
والابتسامة والرضى خير من كل متاع الدنيا ولذائذها إذا صاحبها العبوس والسخط
يقول أحمد أمين في فيض الخاطر: ( لو خيرت بين مال كثير أو منصب خطير، وبين نفس راضية باسمة.. لاخترت الثانية، فما المال مع العبوس؟! وما المنصب مع انقباض النفس؟!.. وما كل ما في الحياة إذا كان صاحبه ضيقاً حرجاً كأنه عائد من جنازة حبيب؟! وما جمال الزوجة إذا عبست وقلبت بيتها جحيماً؟! لخيرٌ منها – ألف مرة – زوجة لم تبلغ مبلغها من الجمال وجعلت بيتها جنة).
وما فائدة إكرام الضيف إذا قرَّب له المضيف أنواعاً من الطعام وهو عابس في وجهه
وخير منه ذلك الذي يبش في وجه ضيفه دون أن يقدم له شيئاً
وفي هذا المعنى قيل:
بشاشة وجه المرء خير من القرى .... فكيف بمن بأتي به وهو ضاحك
ولا يعني هذا أن الرجل قد يكون بشوشاً ولا يكون كريماً.. كلا.. بل إن طلاقة الوجه سمة من سمات الكرماء فصاحب الوجه البشوش كريم
وفي المقابل نرى كثيراً من البخلاء لا يمكن أن يجود أحدهم على الناس بكلمة طيبة أو ابتسامة حانية فضلاً أن يجود عليهم بشيء من ماله.
ويكفينا من شؤم العبوس أن الله تعالى عاتب فيه المصطفى صلى الله عليه وسلم في عبوسه مرة في وجه رجل أعمى فكيف بالعابس دائماً في وجوه المبصرين
والابتسام بلا ريب لغة جميلة يفهمها كل الناس فلا تجعله يفلت من شفتيك حتى إذا كنت لا تشعر برغبة حقيقية إليه.
ولا يعني ذلك أن يكون ابتسامك زائفاً مفتعلاً، ولكن عود نفسك عليه واحرص أن يكون صادقاً نابعاً من القلب وقد يكون عليك في البداية كلفة لكنه سيكون فيك سجية وطبيعة وألفة.
ولأن ملامح الوجه مرآة صادقة للقلب والبشاشة دليل على سعادته
فإن الواحد منا إذا احلولكت به الظروف فملأ قلبه بالرضى ووجهه بالابتسامة انشرح صدره وسعد قلبه
ومما يؤكد صحة ذلك أنك قد ترى السعادة والرضى ظاهرة في وجوه كثير من الفلاحين البسطاء بينما لا تجد ذلك الإحساس واضحاً في كثير من المجتمعات الغنية
فقد قيل: ابتسم للأيام مهما اسودت، وللشدائد مهما قست واشتدت، تجدها هانت ولانت
وهنا تظهر عظمة الرجال حين يبتسمون في أحلك المواقف وأقسى الظروف
وما أجمل أن يبتسم المرء حين ينتظر منه الآخرون أن يبكي.
والتبسم يفيدك أيضاً من الناحية الاجتماعية فهو يساعدك في تطوير علاقتك بالآخرين
فالابتسامة الحلوة المنبعثة من القلب النقي لها تأثير قوي على الناس
فإنك عندما تتحدث معهم وأنت باسم الثغر فإن ذلك يقرب المسافة بينك وبينهم وتكسب بذلك حبهم وتقديرهم وثقتهم بك
فأطلق لوجهك العنان وتعلّم فن الابتسام
فالوجه البشوش يستولي على القلوب وجرب بنفسك ترى ذلك جلياً.
وكما تستفيد أنت فإن ابتسامك في وجوه الآخرين يفيدهم أيضاً
وابتسامتك في وجه شخص متعكر المزاج يمكن أن يعيد إلى نفسه الإشراق ويشعره بأن الدنيا لا تزال بخير
فابتسم أخي العزيز رحمة بنفسك وبالآخرين
فهذا رسول الرحمة صلى الله عليه وسلم كان يطيل التبسم في وجوه أصحابه ويكثر منه
حتى إن الصحابي الجليل عبد الله بن الحارث قال: ما رأيت أحداً أكثر تبسماً من رسول الله صلى الله عليه وسلم)
وكان صلى الله عليه وسلم يحب الابتسام وينصح به ولما قال له أحد أصحابه واسمه جابر بن سليم: يا رسول الله اعهد إلي: أوصاه بقوله: (وأن تكلم أخاك وأنت منبسط إليه وجهك) .
◽️◽️
عبد الله حزام البهلولي – صنعاء
📚 مجلة الأسرة العدد ١٣٤
✍ تحرير : حورية الدعوة
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « إذا دعا الرجل لأخيه بظهر الغيب قالت الملائكة : ولك بمثل »
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق