الثلاثاء، 31 مايو 2016

( حكاية خمار ) قصة لامرأة مسلمة مع الخمار في بلد عربي

حدثتني ذاكرتي بمشهد قديم، ظل مطوياً سنوات طويلة لكنه بدأ يلح علي بالبواح، منذ أن عصفت بالأمة تيارات الفتن، وصار يضيق علي الخناق ليجبرني على إحياء سيرته.

هو مشهد حزين، لامرأة مؤمنة، لبست الحجاب رغماً عن أهلها، ثم أسدلت خمار العفة على وجهها، ومضت تحث أبناءها نحو مستقبل يرفل بالإيمان والصدق والإخلاص.

كان الخمار صلة بينها وبين الصحابيات، وقمة الامتثال لأوامر الله، فكانت سعادتها به لا توصف.. إلى أن جاء اليوم الذي نزع منها هذا الدرع انتزاعاً، وكأنما سلبت فلذة من كبدها معه.. كان يوماً أسوداً قمطريراً، قعد لها عدو الله بالمرصاد وقال: أميطي اللثام لأرى وجهك يا امرأة
 أجابته بصلابة: لم؟ ألم تر نساءً من قبل؟
فرد بدناءة وخسة: بلى ولكني أود أن أراك أنت،
فرفضت وأبت أن تكشف عن وجهها لهذا الخنزير
وأصرت إصراراً ملأه غيظاً،
فما كان منه إلا أن أخرج رشاشه وغرزه في كتفها. عندئذ، لم يكن بينها وبين الموت إلا طلقة رصاص..
لكن زوجها ارتعد لهذا الموقف وصرخ في زوجته: فلترفعيه هيا! فلما أبت مدّ يده ورفعه.. ليرى ذاك الخنزير وجهاً مضيئاً بنور الله، وتكتحل عيناه بالظفر..
بعد ذلك، مضت السيارة محشرجة مسرعة. فرمته المرأة المغلوبة على أمرها: قبح الله وجهك!.
فصرخ بأعلى صوته: انقلعوا، انقلعوا، وأطلق رشاشه في الجو معبراً عن ثورته العمياء.

كل هذا، وأولادها الأربعة يراقبون المشهد دون تعليق سوى دموع خائفة اغتالت قلوبهم حين رأوا أمهم مهددة بالسلاح!

وعادت المرأة المنكسرة إلى بيتها، دامعة المقل، دامية الفؤاد، وألقت بالخمار على الكرسي مقسمة ألا تعود إليه أبداً، ما دام الباطل يتبختر على الطرقات ويذل الناس ويملي عليهم أوامره المتغطرسة، وليس من الصواب أن تعرض حياتها للخطر لا لأجلها، بل لأن أولادها وزوجها بحاجة ماسة إلى إرشادها وحنانها.

هذه قصة امرأة مسلمة مع الخمار في بلد عربي يعتز بكفره، ويخجل من حقه.

◽️◽️

بشرى غوارني – طرابلس
📚 مجلة الأسرة العدد (١٢١) ربيع الآخر ١٤٢٤ هـ

 تحرير : حورية الدعوة
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « إذا دعا الرجل لأخيه بظهر الغيب قالت الملائكة : ولك بمثل »

تحاشي غضب الزوج


لا يوجد بيت يخلو من المشكلات، وليس هناك زوج لا يغضب ولا يثور، لكن المرأة الذكية هي التي تعرف كيف تتصرف لتمتص غضب زوجها بهدوء ومحبة، ولا تلح عليه بالسؤال عما به من ضيق إلا إذا صرح هو بذلك. ولا تفكر بأن الحب بينهما قد فتر، فغضب الزوج ليس دليلاً على نهاية الحب، والمحافظة على استمرارية هذا الحب يتوقف على مقدار التفاهم بين الزوجين والاحترام المتبادل، وعلى مقدار حسن تصرف الزوجة وفطنتها وذكائها.

ولتحاشي غضب زوجك اتبعي الخطوات التالية:

*احرصي على رضاه قال صلى الله عليه وسلم (أيما امرأة ماتت وزوجها عنها راض دخلت الجنة) رواه ابن ماجه.
فمعايشة هذا الحديث الجليل واستشعاره وتطبيقه بسعادة واقتناع كفيل بأن يجعلك تتحملينه وتصبرين عليه.

*تخيري الوقت المناسب لطلباتك منه، والصباح هو أفضل الأوقات للتحدث مع الرجال، لذا تنصح السيدات باغتنام هذه الفترة لإجراء حديث بناء مع الشريك إذا رغبن في الحفاظ على علاقة زوجية متينة وهادئة. فلقد أوضح اختصاصيو العلاقات الإنسانية في جامعة جورج ماسون بولاية فيرجينيا، أن الهرمون الذكري (تستوستيرون) يكون في أعلى معدلاته عند الرجل في فترة الصباح، وهذا يجعله أكثر استعداداً لسماع الآراء وتلقي المعلومات، وأكثر انفتاحاً لسماع الرأي الآخر وإن كان معارضاً.

* الوقاية خير من العلاج... حاولي أن تلبي رغباته، وتقومي بحقوقه وتسرعي في قضاء حاجاته واجتنبي إحساسك بالذنب والحسرة.

* لا تدخلي معه في نقاش يتحول إلى شجار.

* لا تحاولي أن تفحميه، أو تبيني له أن تقصيرك إنما جاء نتيجة لتقصيره، أو أن تقصيرك لا يعد شيئاً أمام تقصيره في حقك.

* أكثري من الدعاء له.. وليكن في ثنايا اعتذارك (الله يوفقك ، الله يسعدك ، أسأل الله أن يغفر لك ويثيبك على صبرك).

* أغريه.. وأنسيه ما حصل.. أحسني اختيار لباسك ورتبي فراشك، وتعرضي له، وتقربي منه، ومدي يدك له!!

* عاهديه بعدم تكرار الخطأ.

* غيري مكانك إذا لم يهدأ غضبه فحاولي أن تبتعدي عن مكان النقاش حتى يهدأ غضبه ثم أقبلي عليه وقبّلي رأسه.

* أكثري من الاستغفار.

كيف تتصرفين لحظة غضب زوجك

من أشد الزوجات ذكاء تلك التي تعرف كيف تتصرف لتمتص غضب زوجها في ظل الظروف الحالية التي لا تترك بيتاً خالياً من أسباب النزاع والغضب والشقاق، ونقدم هنا مجموعة نصائح للراغبات في امتصاص غضب أزواجهن:

* حين ترين زوجك غاضباً ومتضايقاً حاولي أن تمتصي غضبه، ولا تستقبليه بالشكوى من الأطفال وهموم البيت.

* حين تكونين مخطئة بعمل ما، كتأخرك في تنفيذ بعض الأمور بسبب انشغالك، قومي بمناداة زوجك بأحب الأسماء إليه، وقدمي له اعتذارك وسبب التأخر مع التأثر الشديد، ولا تظهري عدم الاهتمام واللامبالاة، وهكذا يشعر بأنك فعلاً قد أدركت أن هذا العمل خطأ، واحتملي ما قد يقوله لك من عبارات لأنه بهذه الحالة سيفرغ جزءاً من غضبه.

* إذا تحدث وهو غاضب فإياك أن تقاطعيه، وأيديه ببعض الكلمات الرقيقة مثل: أعرف أنك مرهق، لا تتعب نفسك. فمثل هذه الكلمات ستلين قلبه وستشعره بأنك تهتمين به وبهمومه.

* حاولي تهدئته، واضبطي انفعالك إذا كان الحق معك، وتحدثي معه بأسلوب لبق.

* لا تستفزيه عندما يغضب، ولا تثيريه بكلمات وعبارات تبين له مدى استهانتك بشخصيته.

* لا تنامي وهو غضبان منك، فبعد أن تهدأ الأمور، وتتأكدي من هدوء زوجك، حاولي المبادرة إلى رضاه، فالواجب الشرعي يقول: إن المبادرة تكون من خيرهما ديناً وعقلاً، أو من أقدرهما في الغضب والرضا، كما قال الصحابي الجليل أبو الدرداء لأم الدرداء رضي الله عنهما (إذا غضبت فاسترضيني وإذا غضبت أسترضيك وإلا لم نجتمع).

* تذكري أن البيت المملوء بالحب والهدوء والتقدير المتبادل والاحترام والبساطة في كل شيء خير من بيت مليء بما لذ وطاب ومليء بالنكد والخصام.

* لا تجعلي العبوس رفيقك، وحاولي ألا تفارق وجهك الابتسامة المشرقة المضيئة والفكاهة والبشاشة لكي تمنحي زوجك السعادة وتنعمي بحياة طيبة.

◽️◽️

منى السعيد الشريف – مصر
📚 مجلة المستقبل العدد ١٧٥ ذو القعدة ١٤٢٦ هـ

 تحرير : حورية الدعوة
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « إذا دعا الرجل لأخيه بظهر الغيب قالت الملائكة : ولك بمثل »

‏( امرأة تنكشف ) قصص عجيبة أثناء عملي في إحدى المرافق الخدمية بالمشاعر المقدسة

يقــــــــــول أحدهم........

من سنين طويلة مضت كنت أعمل في إحدى المرافق الخدمية بالمشاعر
المقدسة، وقد رأيت حينها أموراً عجباً .. لصقت في ذهني وفهمت منها دروساً لا تُنسى .. 


وكان الحدَث الأوّل حين حصلت حادثة نفق المعيصم في منى ومات فيها مئات الحجاج إختناقاً ودهساً معظمهم من النساء والعجائز ، ..
 وكنت مُكلفاً يومها بالإشراف على نقل الموتى الحجاج من تريلات مُكدسة بالمئات منهم إلى مستشفى عرفات ليتم دفنهم هناك ..
ولاحظت أن كثيراً من النساء اللواتي ينقلهن الُعمال لم يُكنّ مُتسترات بالملابس الداخلية تحت ثيابهن ( غفر الله لهن وكتبهن من الشهيدات عنده ) .. حتى إن إحداهن بانت عورتها الُمغلّظة بعدما أنكشف ثوبها الوحيد الذي عليها من جرّاء تكديس الُجثث على بعضها البعض في التريلات ..!! 

لكن الغريب في الأمر هو ما رأيته من شأن فتاة أظنها لم تتجاوز السابعة عشرة من عمرها ، فقد كانت عند نقلها من تحت الجثث ( وياللعجب ) مازال الحجاب يُغطي شعرها بالكامل .. بل حتى ثوبها مازال يغطي كل جسمها كأنها واقفة رغم أنها كانت تلبس تحته بيجامة طويلة لأسفل قدميها ..  فلم يظهر منها إلاّ كفيها وقدميها ووجهها البريء الخالي من علامات الفزع المعروفة في هذه الحالات .. 

قُلت في نفسي يومها : سُبحانك ربي ما أعدلك ، النساء اللاتي أهملن حجابهن وتسُترهن في الدنيا لم تُبالي بما انكشف منهن في موتهن ...
والفتاة التي حَرصت على تضمين حجابها وما يسترها في حياتها .. لم تخذلها في مماتها حتى في أسوأ الظروف فسترتها ولم تُري منها إلاّ ما سمحت هي به في حياتها ... سُبحانك ما أعدلك وأعظمك .. 

وقد تذكرت حينها تلك الصحابية الجليلة التي أبتلاها الله بالصرع ، فجاءت الرسول عليه أفضل الصلاة والسلام تطلب منه الدعاء لها بأن لا تتكشف حين تأتيها النوبات .. كانت صادقة في طلبها وتوجهها فصدقها الله وسترها ، حتى في نوبات صرعها لم ينكشف منها شيء ..!! 


أمّا الحدث الثاني فقد رأيته بعد حريق ِمنى الشهير الذي أحترقت فيه ألآف الخيّام في مُسطحات كبيرة لم ينجُ منها شيء .. ومات حينها أيضاً مئات الحجاج ..
لكن الشاهد هنا هو دكان وسط مئات الدكاكين وألآف الخيام التي أحترقت عن بكرة أبيها .. هذا الدكان المبني من صاج خفيف وخشب مثل غيره من الدكاكين الُمحيطة به لم يحترق أبداً .. فقد توقفت النار العظيمة الهائلة بأمر من ربها عند حدوده فسلم وسلمت البضاعة التي فيه ..
وصاحبه المسلم العادي جاء بكل هدوء وطمأنينة بعد إنتهاء الحريق ليعيد ترتيب بعض البضائع التي تأثرت من الريح أو من ماء الإطفائيات ..!! 

قُلت حينها سُبحانك ربي ما أعدلك وأرحمك وأعظمك ، وتذكرت قصة الخِضر والجدار الذي يريد أن ينقضّ فأقامه عليه السلام بأمر منه عزوجل لأنه كان تحته كنزٌ لولدين يتيمين كان أبوهما صالحاً .. 

وتذكرت ذلك الصحابي الجليل المُطمئن لحفظ الله له ولبيته بعد ما عوّذ نفسه وأهله وماله صباحاً واستودعهم الله الذي لا تضيع حوائجه قبل خروجه .. وقال لمن جاء يُحذره ويخبره بأن بيته إحترق : لا .. لم يحترق بيتي فهو في حفظ الله .. وفعلاً رجعوا فوجدوا بيته توقفت عنده النار ولم تدخله أبداً ..!! 

لا أحب أن أكون في موقف الواعظ ، فأنا أوّل المُقصرين .. لكنها حقيقة أبدية كونية عادلة خَلقَ اللهُ الكون عليها تتحدث عن نفسها ويراها كل ذي بصيرة في حياته اليومية : وهي ماورد عن المصطفى صلى الله عليه وسلّم بأنّ : 

"‏ البر لا يبلى والإثم لا يُنسى والديان لا يموت وكُن كما شئت ..... كما تدين تُدان ‏"‏ 

اللّهم ياربُ يا ديّان يا خالق الأكوان ومُبدعها طهّر قلوبنا من الخبائث ، واجعلها نقيةً بيضاء لا ضغينة فيها على أحد ، واكتب لنا الإخلاصَ والصدقَ في أعمالنا المستترة عن أعين الناس واجعلها خيراً من أعمالنا الجليّة الظاهرة ، وكُن معنا في حياتنا ومماتنا ويوم عرضنا عليك يا ستّار يا عظيم يا منّان .. يارب العالمين .

 تحرير : حورية الدعوة
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « إذا دعا الرجل لأخيه بظهر الغيب قالت الملائكة : ولك بمثل »

الأحد، 29 مايو 2016

أين أنتم من هؤلاء؟

في جامعة كاليفورنيا ظهر اكتشاف مذهل يدل على أن الإنسان مفطور على الاعتراف والإيمان بوجود الخالق عز وجل حتى وهو جنين في بطن أمه.

فقد بدأت دراستهم بتركيب أجهزة على الرأس ومن خلالها استنبطوا وجود خلية عصبية لا تتحرك إلا إذا ذكر الله عز وجل فهي تظل ساكنة حتى يتم ذكر الله أو التفكير به،

وأثبتت الأبحاث أن الدين أمر صحي 

وأن الشخص المتدين أكثر شفاء والعكس صحيح،
ففي دراسة ضمت ٢١٢١ فرداً عن علاقة الالتزام الديني والوضع الصحي تبين أن ٧٥% كان التدين عندهم مفيداً للمشاكل الجسدية والنفسية.

نحن نقول جرت الدراسات والأبحاث في جامعات أجنبية حتى تحظى بالتصديق من بعض أبناء جلدتنا الذين لا يصدقون إلا أبحاث العرب ودراساته، وهؤلاء يصبون جام غضبهم إن سمعوا عن مدارس التحفيظ أو محاضرات توعية موجهة للأطفال والشباب فمسائل الدين والتدين يجب أن تكون حكراً على كبار السن.

إحدى هؤلاء شحذت قلمها في إعلان الحرب على مدارس التحفيظ وعلى الندوات والمحاضرات فهي كما تقول تخاف عليهن وعلى طفولتهن من أن تسحقها دروس الدين، وتخاف أن يأتي اليوم الذي لا تستطيع أن تسمع صوت مطربتها المفضلة؟ إذا وصلت أفكار هؤلاء إلى رأس بناتها من أين تأتي كل تلك القوة في محاربة كل ما هو طيب وكل ما هو نافع (صدق الفاروق عمر حين قال: اللهم إني أعوذ بك من جلد الكافر وعجز الثقة).

نعم الكثيرون عاجزون يشكون البطالة والفراغ والأمة تحاك ضدها الدسائس من الأبناء قبل الأعداء، الفضائيات جعلت مشاهد العري وكأنها واقع لا استنكار أو حتى شجب وتنديد ننتقد المنظر يوماً ثم نكسل عن المتابعة ثم يظهر ملبس ونسلم به كواقع لابد من التعايش معه.
 من يصدق أن ترتدي فتيات من عائلات مسلمة تلك الملابس الممزقة في حضور أمهاتهن بل تكون الابتسامة من الأم كبيرة وعريضة، ولسان حالها يقول: والله البنت كبرت وصارت اسم الله عليها تفهم في الموضة والأزياء وتفهم أن الموضة هذه السنة أن تظهر السرة.

لو كانت الغيرة والجلد لدينا كما هي لدى أولئك الخائفين على أولادهم من حلقة تحفيظ وعلى فتياتهم من غطاء رأس وعلى مجتمعهم من مولود سمي باسم قائد أو فاتح أو مجاهد لغيرنا الدنيا، ولكنه عجز أهل الحق وتبجح أهل الباطل.

أين أنتم يا أصحاب الحق والفضيلة لماذا نشكو غيابكم؟
 لماذا تركتم الساحة لهؤلاء؟
لماذا نشكو المطبوعات غيابكم إلا على استحياء
لماذا تركتم الفضائيات تصول وتجول في عقول أبناء الأمة
 الميدان ينتظركم وأنتم – رجالاً ونساءً- تشكون البطالة والفراغ صباح مساء.

◽️◽️

فتحية عبد الكريم هزاع – اليمن
📚 مجلة الأسرة العدد (١٥٨) جمادى الأولى ١٤٢٧ هـ

 تحرير : حورية الدعوة
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « إذا دعا الرجل لأخيه بظهر الغيب قالت الملائكة : ولك بمثل »

حين عاتبتني عيناه المرهقتان

..غلبني النوم.. وشعرت بصوت مفتاح زوجي في الباب كحلم.. وسمعت صوته يردد دعاء الدخول، ويلقي السلام، لكنني تمطيت وواصلت النوم، ولسان حالي يقول: الطعام في الثلاجة يحتاج إلى تسخين فقط ، وملابس زوجي معلقة على المشجب.. والحمام معد.. إذن فلأنم.

كل يوم أتنفس الصعداء حين ينام الصغار وأبوهم ما زال في عمله المسائي – الذي التحق به ليزيد دخله- فأدخل غرفتنا ويتملكني سلطان النوم اللذيذ ولا أستقبل زوجي عند عودته من عمله المرهق معتقدة أنه لا يحتاج مني شيئاً، ولما كان إنساناً طيباً دمث الأخلاق، فإنه لم يتعود إيقاظي منذ بدأ عمله الجديد.

في بداية زواجنا لا أذكر أن زوجي عاد من الخارج يوماً فوجدني نائمة مهما كان الوقت متأخراً، عدا مرة واحدة لم أستطع فيها مقاومة النوم – وكنت حاملاً في الأشهر الأولى- لكنني لم أنم إلا بعد أن تركت له وريقة أستحلفه فيها بالله أن يوقظني عندما يعود لأعد له عشاءه، ونستمتع بوقت جميل معاً، وأتذكر أنه فعل وقال برقته المعهودة: لولا أنك أقسمت عليّ لما أيقظتك، فراحتك تهمني يا حبيبتي أكثر من راحتي.

أنجبت صبياً، ثم بنتاً ثم توءمين وتضاعفت مسؤولياتي، وصرت أستسلم للنوم قبل عودة زوجي من عمله، وبعد أن أجهز له العشاء، أو أعد له بعض الشطائر وكوب عصير، أدخل تحت الغطاء وأنسى كل الدنيا!!

استمر الحال هكذا حتى استيقظت يوماً لأشرب.. فوجدت زوجي نائماً بملابسه، ووجهه مزروع إرهاقاً.. وجوربه ما زال على قدميه، وأزرار قميصه مفكوكة وكأنه كان يخلع ملابسه فغلبه النوم. وضعت أذني على صدره جزعاً، فسمعت دقات قلبه المتعب، تنهدت اطمئناناً وقبلت جبينه وواصلت النوم دون أن أشرب جرعة ماء واحدة، فقد عز عليّ أن أرتوي وهو نائم على جوع وظمأ.. واصلت النوم ولكنني لم أنم، فقد تسلط عليّ ضميري.. وجلدني الإحساس بالذنب، وشعرت بأن وجه شريكي المكدود يرسل إليّ نظرات عتاب صامتة تخرج من عينيه المطبقتين إرهاقاً.

بكيت وسألت نفسي: لماذا نظل غافلين حتى يحدث ما يجعلنا نفيق.. لماذا استمرت غفلتي واستهانتي بواجباتي البديهية نحو زوجي حتى ذكَّرني هو بها دون أن يتعمد ذلك، فسكب على رأسي دلو ماء بارد.

أدركت أن مسؤولياتي المرهقة ليست محلاً للاختيار بينها وبين حقوق زوجي عليّ، وأنني لو وضعت كلتيهما في كفة لرجحت حتماً كفة الحقوق، وأن التفريط في هذه الحقوق يرهق ضميري فلا يهدأ مهما استراح جسدي المنهك.

في اليوم التالي عاد الحبيب من عمله فوجدني في انتظاره بكامل زينتي.. متلهفة للقائه، أضع أمامه أحلى وأرق المشاعر، وأقوم على خدمته بعيني اللتين أغمضتهما كثيراً.. كثيراً.. غفلة عن حقوقه، واستسلاماً لراحة زائفة.

◽️◽️

نور الهدى سعد
📚 مجلة الأسرة العدد (٤٤) ذو القعدة ١٤١٧ هـ

 تحرير : حورية الدعوة
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « إذا دعا الرجل لأخيه بظهر الغيب قالت الملائكة : ولك بمثل »

السبت، 28 مايو 2016

أمك الآن .... قبل فوات الأوان

تناديك أمك .. وتطلب منك ما تريده.. بني.. أحضر لي ما في هذه الورقة..

 أمي عذراً أنا مشغول ..

 أتعلم أي يدٍ هذه اللي أعدتها من حيث أتت إليك؟ ..
أي قلب تحمله يحمل كل هذه القسوة؟ ..
 أي حياة .. ستوفق فيها بعد عصيانك لطلب أمك؟ ..

تعود من شغلك .. تجد أمك ومع كل ما قسوة عليها أعدت لك العشاء .. ومع ذلك تتذمر من طعمه .. وتطلب غيره .. أمي عشاؤك هذا لا تكرريه .. تخلد للنوم ولا تبالي بأمك .. ومع كل هذا .. تحبك ..

تصحوا من نومك .. ليقال لك أمك ماتت .. تقوم وأنت فاقد عقلك .. وتصرخ منادياً أمك .. تحاول أن تناديها وتطلب منها أن تسمعك.. لكن قد فات الأوان ولا أمل لك بذلك ..
تذهب للمسجد لتصلي على أمك .. والدموع تنهمر من عينيك .. لا تستطيع إيقافها بسبب أفعالك وأقوالك إليها .. تذهب للمقبرة ليكون آخر لقاء لك مع أمك ..

أجزم أنك لا تريد الفراق

بل تتمنى الموت على ما فعلت .. تجلس على القبر .. تطلب الرحمة من الرب .. والمغفرة من الذنب ..

تعود للبيت .. تبقى وحدك .. لا عشاء يعد لك .. ولا كلمة جميلة تقال لك .. ولا يوجد من يهتم بك

أمك.. رحلت عنك .. دموعك تنهمر.. لا فائدة .. أين أنت يوم أنها بجانبك؟.. ترد ما تطلبه منك؟.. تسمع ما يجرح شعورها منك؟.. ومع ذلك فإنها تحبك .. إنه قلب الأم ..

وقفت على قبر جدي ولم أستطع الحراك .. فما هو الحال إن كان قبر أمي.. بعد عمر طويل بإذن ربي.. جميعنا مقصرون في حقوق أمهاتنا .. ووالله لن يندم أحد منّا إلا بعد ما يفارق أمه ..
 أسأل الله تعالى أن يطيل أعمارهم وأن يرحم ويغفر من مات منهم

◽️◽️

فهد عبد الله – الرياض
📚 مجلة القمة العدد (١٣) محرم ١٤٢٧هـ

 تحرير : حورية الدعوة
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « إذا دعا الرجل لأخيه بظهر الغيب قالت الملائكة : ولك بمثل »

المتسابقون إلى أبغض الحلال (الطلاق)


المشايخ يوضحون أسباب كثرة وقوع الطلاق

المتسابقون إلى أبغض الحلال

شرع الله النكاح لمصالح عظيمة وشرع سبحانه من الأسباب ما يكفل له الاستمرار والدوام وجعل حلولاً شتى لما قد يقع بين الزوجين من خلاف بحيث لا يصار إلى الطلاق إلا بعد أن تنفد جميع الحلول ويعجز أهل الإصلاح عن رأب الصراع وإزالة أسباب الخلاف.

ولكن المتأمل في حال البعض من الناس يجد لديهم استخفافاً بعقد النكاح فيبادر إلى الطلاق بلا سبب أو بسبب أوهى من خيط العنكبوت متناسياً قوله تعالى (ولا تنسوا الفضل بينكم) وقد التقينا مجموعة من المشايخ الذين بينوا خطر الاستعجال لإيقاع الطلاق والآثار المترتبة على ذلك.

بادئ ذي بدء تحدث فضيلة الشيخ سالم بن مبارك المحارفي (الداعية في القاعدة الجوية بالرياض وإمام وخطيب جامع ابن عساكر)، فقال: يحكي واقع كثير من الناس اليوم صوراً شتى من اللامبالاة بقيم الألفاظ ودلالات الكلام. وأثر المعاني وثمراته ونتائجه المترتبة عليه، تسمع الكلمة تخرج من فم المرء لا يلقي لها بالاً، ربما هوت به في مسالك الضياع والرذيلة وأقحمته في دهاليز الهموم والغموم، وفقدان الشعور، وأعقبته حسرة وندامة.. ولات حين مندم.

إن كلمة من الكلمات قد تكون معولاً يهدم به صرح أسر وبيوت ترتعد الفرائض بوقعها، وتقلب الفرح حزناً، والبسمة عبوساً، والأمل يأساً.. إنها كلمة (طالق).. فلله كم قطعت من أواصر الأرحام والمحبين.. وكم قصمت وشائج المحبة والعشرة سنين غابرة.

الطلاق كلمة لا ينازع أحد في جدواها، وحاجة كل من الزوجين إليها حينما يتعذر العيش تحت ظل سقف، وإذا بلغ النفور بينهما مبلغاً يصعب معه التودد، فالواجب والحالة ما ذكر، أن يتفرقا بالمعروف والإحسان، كما اجتمعا بهذا القصد أول الأمر (وإن يتفرقا يغن الله كلاً من سعته وكان الله واسعاً حكيماً) إن الله عز وجل لم يخلق الزوجين بطباع واحدة، والزوجان اللذان يظنان أن مشاعرهما ورغباتهما واحدة لا تتصادم يعيشان في أوهام، ويسبحان في أحلام النيام. إن النسيم العليل لا يهب داخل البيت على الدوام.. فقد يتعكر الجو، وقد تثور الزوابع، وتدلهم الأمور وإن ارتقاب الراحة الكاملة نوع من الوهم، ومن العقل توطين النفس على قبول بعض المضايقات (فإن كرهتموهن فعسى أن تكرهوا شيئاً ويجعل الله فيه خيراً كثيراً) وقال صلى الله عليه وسلم: "لا يفرك مؤمن مؤمنة إن كره خلقاً رضي منها آخر" (رواه مسلم).

لقد كثر الطلاق اليوم حتى أصبحت أرقام نسب الطلاق تنافس أرقام نسب الزيجات ولذلك حين فقدت قوامة الرجل في بعض الأزواج، إبان غفلة وتقهقر عن مصدر التلقي من الكتاب والسنة، وركن فئام من الناس إلى مصادر مريضة، قلبت عليهم مفهوم العشرة وأفسدت الحياة الزوجية، وتولى كبر تلك المفاهيم المغلوطة الإعلام بشتى صوره من خلال مشاهدات متكررة، تقعد فيها تصورات خاطئة ومبادئ مقلوبة في العشرة الزوجية.

الحياة الزوجية حياة اجتماعية، ولابد لكل اجتماع من رئيس يرجع إليه عند الاختلاف في الرأي والرغبة، والرجل أحق بالرياسة لأنه أخبر بالمصالح، وأقدر على التقيد، بما أودع الله فيه من الخصائص والقدرات التي لا توجد في المرأة.. وإن ما تتلقفه المرأة من الأجواء المحيطة بها على منازعة الرجل قوامته، لمن الانحراف الصرف، والضلال البين، ومصادمة الواقع الذي هو دليل على ما نقول وزيادة. وإن قوامة الرجل في بيته لا تعني منحه حق الاستبداد والقهر، فعقد الزوجية ليس عقد استرقاق، ولا عقد متعة ينتهي بمدته. إنه أزكى من ذلك وأجل، فوجب الحق للمرأة حتى مع قوامة الزوج (ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف) ولا غنى للزوج عن امرأته، والزوجة عن بعلها (هن لباس لكم وأنتم لباس لهن).

وقد كثر الطلاق اليوم، لما صار المطلق أحد رجلين، إما رجلاً أعمل سلطته، وأهمل عقله وعاطفته، فكان في منزله عسكرياً يسود فيه نظام الدكتاتورية، قد ينجح في جعل البيت يسير وفق ما يريد، ولكنه لا يذوق طعم المحبة والسعادة، ولا يعرف الصفاء والهناء فيه.
وإما رجلاً تبع عاطفته فأطاعها، وأهمل سلطته فأضاعها، فعاش في داره عبداً رقيقاً يوجه من غيره فينساق، تقوده امرأته حيث أرادت ولربما أودت به مهالك ومهازل.

لقد كثر الطلاق اليوم لما كثر الحساد والوشاة، فصيروا أسباب المودة والوئام عللاً للتباغض والانقسام، ولربما كان لأهل الزوجين مواقف ظاهرة بدت سبباً مباشراً في كثير من الخلافات، فأذكت نارها، وقطعت أواصرها، وأعانت الأحمق على حمقه.

إن العلاقات الزوجية عميقة الجذور، بعيدة الآماد، فرحم الله رجلاً محمود السيرة، طيب السريرة، سهلاً رفيقاً، رحيماً بأهله، لا يكلف زوجته من الأمر شططاً، وبارك الله في امرأة لا تطلب من زوجها غلطاً، ولا تحدث عنده غلطاً قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن شر الناس عند الله منزلة يوم القيامة الرجل بفضي إلى امرأته وتفضي إليه ثم ينشرها) (رواه أبو داود)،
وقال عليه الصلاة: (إذا صلت المرأة خمسها، وحصنت فرجها وأطاعت بعلها دخلت من أي أبواب الجنة شاءت) (رواه ابن حبان)،
وقال عليه الصلاة والسلام: (استوصوا بالنساء خيراً). (متفق عليه).
وسئل صلى الله عليه وسلم: (ما حق امرأة أحدنا عليه؟ قال: تطعمها إذا طعمت، وتكسوها إذا اكتسيت، ولا تضرب الوجه ولا تقبح، وتهجر إلا في البيت) (رواه أبو داود).

وعلى الرجل ألا يصدر هذا الحكم القاسي إلا بعد تفكير عميق، وروية كافية، فإذا تعذرت الحياة الزوجية، وفشلت جميع أسباب الإصلاح بين الزوجين، فإن الإسلام جعل للطلاق وقتاً يوقع فيه، ولم يجعله تنفيساً لثورة غضب ولحظة اندفاع، فإذا عزم فليطلق في طهر لم يجامع فيه، فلا يطلق إلا بعد طول نظر وتفكير، إذ يحتمل أن يغير رأيه وهذا من مقاصد الشرع المطهر، والله الموفق.

* *

ثم تحدث فضيلة الشيخ صالح بن إبراهيم الدسيماني قائلاً: إن الله قد شرع الطلاق كما شرع الزواج وجعله حلاً ونهاية للمشاكل الزوجية وهذا من كمال الشريعة ويسرها وقد تندرج عليه الأحكام كاملة فتارة يكون مباحاً وتارة يكون مكروهاً وتارة يكون مستحباً وتارة يكون واجباً وتارة يكون حراماً، فتأتي عليه الأحكام الخمسة.

فيكون مباحاً إذا احتاج إليه الزوج، لسوء خلق المرأة والتضرر بها مع عدم حصول الغرض من الزواج، ويكره إذا كان لغير حاجة بل كانت حال الزوجين مستقيمة، وبعض العلماء يحرمه لحديث: (أبغض الحلال إلى الله الطلاق) ولكن الحديث ضعيف فلا يؤخذ به.

ويستحب الطلاق في حال الحاجة إليه بحيث يكون في البقاء على الزوجية ضرر على الزوجة كما في حال الشقاق بين الزوجين أو في حال كراهتها له.

ويجب الطلاق على الزوج إذا كانت الزوجة غير مستقيمة في دينها أو كانت غير نزيهة في عرضها ولم يستطع أن يقومها فيجب عليه الطلاق في هذه الحالة.
وكذلك إذا كان الزوج غير مستقيم في دينه وجب على الزوجة طلب الطلاق منه ومفارقته ولا يجوز أن تبقى معه وهو بهذه الحال من تضييع دينه.
وكذلك يجب الطلاق على الزوج إذا آلى من زوجته بأن حلف على ترك وطئها ومضت أربعة أشهر، وأبى أن يطأها ويكفر عن يمينه فإنه يجب عليه إما أن يطأها أو يطلق.

ويحرم الطلاق على الزوج في حال حيض الزوجة أو نفاسها، وفي حال طهرها الذي جامعها فيه حتى يتبين حملها.

ومع الأسف الشديد فإن كثيراً من الناس اليوم جعل الطلاق سلاحاً يهدد به الزوجة وأخرجه عن الحكمة التي من أجلها شرعه الله تعالى، فالإسلام العظيم أباح الطلاق ووضع له ضوابط تتحقق بها المصلحة وتندفع بها المفسدة وبعض الرجال لا يراعي تلك المصالح بل إذا أراد أن يكرم أحداً قال: علي الطلاق، وإذا أراد أن يفعل أو يذر شيئاً قال: علي الطلاق، ثم يذهب بعد ذلك ليبحث عن مخرج من كلامه الذي قال وتلفظ به. فعلى الجميع أن يتقوا الله ولا يعبثوا بحدوده فيعاقبوا بسبب ذلك، فكم هدمت من أسر وضاع من أولاد وشردوا وخربت بيوت بسبب الطلاق، أسأل الله أن يصلح أحوال المسلمين ويرزقهم الفقه في الدين إنه ولي ذلك والقادر عليه والله تعالى أعلم.

* *

من جانبه حذر فضيلة الشيخ محمد بن سليمان البرقان (مدير إدارة محكمة الضمان والأنكحة بالرياض وإمام وخطيب جامع التركي بحي الغرابي بالرياض) حذر من استخفاف بعض الأزواج بالطلاق وذكر عدداً من الأسباب التي تودي إلى كثرة وقوع الطلاق، قال حفظه الله: إن لكثرة الطلاق في المجتمع أسباباً عديدة لعلنا أن نذكر بعضاً منها:

١ ـ استعمال المخدرات: فإن استعمالها سبب كبير لكثرة المشاكل بين الزوجين مما يؤدي إلى الطلاق وهذا واضح وجلي.

٢ ـ الاختلاف الفكري والعلمي بين الزوجين.

٣ ـ انشغال الزوج وتقصيره في حقوق الزوجة.

٤ - الاستعجال في اختيار الزوجة وعدم الدقة في ذلك: فنرى الزوج يستعجل اختيار زوجته من غير معرفة لسلوكها والتزامها وأخلاقها، فإذا عرفها عن قرب كرهها وصار الطلاق.

٥ - عدم التفاهم والتشاور بين الزوجين.

٦ ـ عدم الإنجاب بسبب المرض عند أحدهما.

٧ - عدم التعاون على البر والتقوى والتقصير في أداء الواجبات.

٨ - الملل وعدم التجديد في الحياة الزوجية.

٩ - تقصير الزوجة في حقوق زوجها فتراها لا تتجمل ولا تلبس أفضل الملابس فيأنفها ويأباها.

١٠ ـ الجهل بحقوق الزوجية من الطرفين.

◽️◽️

📚 مجلة حورية العدد (٨) جمادى الأولى ١٤٢٧ هـ

 تحرير : حورية الدعوة
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « إذا دعا الرجل لأخيه بظهر الغيب قالت الملائكة : ولك بمثل »

سنة أولى زواج >> لقد مللت منه.. فهل أطلب الطلاق؟


اكتب لك يا مجلتي الحبيبة.. ما لا أستطيع أن أبوح به إلى غيرك...
أبكي في صمت.. وأتجرع الضيق لوحدي..
بعد زواجي بأيام لاحت لي بعض الطبائع الخفية..
لا أحبها ولم أتخيل في يوم أن تكون في رفيق دربي..!
صحيح أنها لا تغضب الله ولكن.. نفسي تأباها.. ولم أتعود عليها..
لقد سقط مذ عيني.. أشعر بالحزن الشديد على تهاوي تلك الصورة الرائعة التي
رسمتها لفارس أحلامي..


ترى هل كل البنات يعانين مما أعانيه ؟!!
دارت في ذهني أفكار رديئة.. أطلب الطلاق؟.. فليس هو زوجي الذي تمنيت.. ومن الآن قبل أن يكون لدي طفل يربطني به..!
لكني أتراجع.. ماذا أقول لوالدي حين يسألني عن السبب؟!!
لأنه تافه.. بل وتافه جداً..
كنت رومانسية وخيالية، وأرسم صورة في عالم الأحلام وفوق الغيوم وبين الزهور..
لكن الواقع مختلف تماماً..
ترى هل سأعيش عمري كله مع زوج لا يهتم بنظافته الشخصية؟! كذلك بعض عاداته اليومية ترفع ضغطي وتؤلمني.. خرجت من بيت يحرص على آداب الطعام، بينما أجده لا يمتثل لها، بما يجعله يسقط من عيني.. كذلك هو غير منظم في حياته.. يخلع ثوبه ويرميه على الأرض!! أغراضه هنا وهناك.. كنت أرسم صورة مبهرة له.. وسألنا عنه كثيراً.. ولكن لم يخبرنا أحد أنه يتصف بهذه الصفات.. لقد مملت منه.. ولكن حتى لا أظلمه فهو حريص على دينه، رقيق في معاملته معي، يحبني كثيرأ.. فما رأيكم؟

أسماء.ع - الرياض

الجواب:

أختي الحبيبة.. أحيي فيك عقلك وحكمتك حين لم تتسرعي في أمر قد يقوض حياتك الزوجية، ويفسد الود بينكما..

غاليتي.. أما علاج مشكلتك فيبدأ بالدعاء أن يجعل الله كلاكما قرة عين لصاحبه.. ثم اعلمي أن الناس يتباينون في طبائعهم ونظرتهم للأمور.. كذلك في طريقة تربيتهم وما تعودوا عليه.. لذا توقعي وجود اختلاف بينكما وبين كل زوجين بحكم اختلاف البيئات، وليس أنت فقط!.. فما ترينه قلة ذوق قد يراه شيئاً طبيعياً.. وهذا أمر عادي..
أما الغير عادي هو أن يخالف الذوق العام وما تعارف عليه الناس فيكون ملفتاً للنظر ومثاراً للحديث فهذا يحتاج إلى علاج..

عزيزتي.. الحياة الزوجية رحلة عمر.. وليست سنة أو سنتين وينتهي الأمر.. وزوجك هو رفيق حياتك والد أطفالك وشجرتك الوارفة التي تستظلين تحتها.. ومادام أنك ارتحت لدينه وأخلاقه وعقله.. فتستطيعين ببعض الصبر أن تصلي إلى حل يرضيك..

- أحضري ورقة وقلماً واكتبي فيها مميزات زوجك وعيوبه لتري بعينك كيف ضخمت هذه الصغائر حتى صرت لا ترين غيرها..

- يجب أن لا تظهري لزوجك تضايقك من هذا الأمر فتحرجيه.. 

- بالنسبة للنظافة الشخصية يمكنك حثه عليها بطريق غير مباشر، كأن تخبريه أن اليوم حار وعرقت كثيراً لذا ستأخذين حماماً.. واستعملي في ذلك ذكاءك.. فمرة اطلبي منه أن يجرب الشامبو الجديد ويعطيك رأيه فيه، ومرة تجهزي له حماماً دافئاً..الخ

- أما الآداب الذوقية فبقليل من الصبر وكثير من الذكاء تجدين نفسك وصلت إلى مرحلة مرضية فالحديث الغير مباشر، وتلقينك للأطفال أمامه أن هذا عيب وهذا مناف للذوق يجعله ينتبه لنفسه.. كذلك يمكنك نقد هذا التصرف بعد دعوة عدت منها فتحدثينه عن بعض السلوكيات الخاطئة التي رأيتها في بعض الحاضرات..الخ

- احرصي أن تكوني قدوة في الترتيب والنظافة سواء الشخصية أو بيتك وما حولك.. وليكن بيتك مرتباً دائماً وغرفتك نظيفة ولا تخرجي من بيتك إلا وهو مرتب ومنظم فمع الوقت سيتعود على النظام، وسيتضايق من الفوضى، وبهذا تكونين ضربت عصفورين بحجر واحدة!!

- خذي الأمر ببساطة.. وصدقيني أن هذا سيتحسن بمرور الوقت وتنوع الطرق..

- انتبهي أن تحدثي أحداً عما تعانيه.. فأنت ترين منه الجيد والسيئ وحسناته تنسيك سيئاته القليلة.. أما الناس فيظل عالقاً في أذهانهم أبداً ما أخبرتهم به حتى لو تغير زوجك.. 

- وأخيراً.. تأملي في أحوال من حولك واقرأي عما تعانيه بعض الزوجات من إدمان أزواجهن أو تركهم للصلاة.. أو انحرافهم أو سوء خلقهم.. أو ضحالة تفكيرهم.. الخ
لتعرفي قدر زوجك وتتضاءل في عينك هفواته الصغيرة، واحمدي الله دائماً أن هذا فقط ما تشكينه في رفيق عمرك وليس أكثر.. وفقك الله لحياة زوجية سعيدة..

◽️◽️

📚 مجلة حياة العدد ٣٥ ربيع الأول ١٤٢٤ هـ

 تحرير : حورية الدعوة
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « إذا دعا الرجل لأخيه بظهر الغيب قالت الملائكة : ولك بمثل »

رجل من التاريخ يمشي الآن!!

رجل من التاريخ يمشي الآن!!

مشهد من مشاهد رحلتي في الصيف الماضي أنقله لك أيها القارئ الكريم.. كان آخر عهدي بتلك الديار قبل خمس سنوات.. أشياء كثيرة تغيرت خلال هذه المدة، لعلي أذكرها في مشهد آخر.

تأخرت في كتابة هذه القصة بسبب مشاغلي، لكني في النهاية عقدت العزم على كتابتها، لسبب سأذكره في نهاية المقال.

بعد أسبوع من وصولي إلى تلك الديار مرضت أختي الصغيرة وارتفعت درجة حرارتها، في المساء بحثت عن مستشفى قريب لكن يصعب الوصول إليه في المساء، ذُكر لي أنه يوجد في الجوار عيادة لطبيب متميز وماهر اسمه: د. أبو الخير – اشتهر باسم أسرته، ذهبت فوجدت غرفة صغيرة بها كراسٍ متواضعة للانتظار وحاجز يقسمها لتصبح غرفتين الثانية هي ما تسمى عيادة الطبيب (سرير ومكتب صغير وكرسيان)، السقف هو خشب وحديد (شنكو) وهي جزء من بيت الطبيب المتواضع.

لم أجلس في الانتظار لكثرة النساء والأطفال، كل طفل يخرج مبتسماً، جاء دوري، فحص الطبيب أختي الصغيرة دعا لها بالشفاء، تأثر كثيراً عندما شاهد درجة الحرارة، كتب لها العلاج أعطاها إبرة فبدأت بالبكاء ناولها بسرعة حلوى لتخرج مبتسمة كغيرها من الأطفال، سألته: كم قيمة الكشف يا طبيب؟ قال لي: إذا كان معك ثمن الحقنة فقط، كم هو يا طبيب – عذراً لست من هنا -؟ فقط ما يساوي ريالاً ونصف..

خرجت وأنا في حيرة لعله أخطأ، أين ثمن الكشف، أصبح لغزاً بالنسبة لي، شفيت أختي بفضل الله، ابنتي الصغيرة ما لبثت أن مرضت، ذهبت إلى الطبيب فعيادته بعد مغرب كل يوم، حصل لي كما حصل في المرة الأولى، ولكني قلت له: يا طبيب أنا عندي مقدرة على أن أدفع لك ما تريد، قال: ألا تعرف ما يسمّى بالأجر عند الله، أُحرجتُ كثيراً.

سألت عنه.. عرفت قصته.. ولكني أيضاً مرضت وذهبت إليه فعالجني، وقال: ألم تسافر بعد؟ قلت: سفري بعد يومين إن شاء الله، هذه المرة رفض أخذ قيمة الكشف وثمن الدواء أيضاً وطلب مني الدعاء.

أظنك في شوق لمعرفة قصته!!، حسناً.. طبيبنا الفاضل – نحسبه كذلك والله حسيبه ولا نزكي على الله أحدا – يعمل في الصباح إلى الظهر في عيادة حكومية ويأخذ راتبه منها، وبعد المغرب يستقطع من بيته هذه الغرفة لتكون عيادة يعالج المرضى فيها مجاناً وإنما يأخذ ثمن الحقن فقط، وإن كان المريض لا يستطيع دفعه فلا يأخذه بل قد يدفع له ثمن الدواء الذي يكتبه له، فعيادة المساء أوقفها لوالده – رحمه الله – كصدقة جارية، إذاً طبيبنا (ولد صالح يدعو له).

أما سبب كتابتي لهذه القصة، فإن هذه الديار هي فلسطين.. نعم.. فلسطين الحبيبة..

قلت في نفسي ما دام فيك مثل أبي الخير فأنت صامدة وأنت عزيزة وأنت منتصرة بإذن الله، وكأني بك تغبط هذا الطبيب لا على عمله فحسب بل على زمانه ومكانه أيضاً.

... لمت نفسي كثيراً فإخواننا يبذلون الغالي والنفيس وحالي: (يَا وَيْلَتَى أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَذَا الغُرَابِ) [المائدة: ٣١]، ألا يمكنني أن أنقل لإخواني مشهداً من المشاهد التي رأيتها، (اللهم إني أعوذ بك من العجز والكسل والجبن والهرم).

وفي الختام لا تنسوا أن تدعوا لأولئك المرابطين اللهم انصر الرجال والنساء والولدان المستضعفين في تلك الديار.

◽️◽️

طارق مجاهد
📚 مجلة الأسرة العدد (١٧٧) ذو الحجة ١٤٢٨هـ

 تحرير : حورية الدعوة
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « إذا دعا الرجل لأخيه بظهر الغيب قالت الملائكة : ولك بمثل »

مغامرات داعية - ١ - يوميات في أدغال نيجيريا


لم يخطر ببالي أن أدخل موسوعة جينس للأرقام القياسية في يوم من الأيام حين صرت أول داعية عربية تدخل أدغال نيجيريا للدعوة إلى الله كما أفادنا بذلك الدعاة هناك.

كانت مغامرة لم يخبرني زوجي بمدى الخطورة فيها حتى لا أتراجع، مغامرة حقيقية لم أندم عليها، فهي جميلة ممتعة وشيقة مفيدة نرجو فيها الأجر إن شاء الله.

بدأت الفكرة حينما دُعيَ زوجي لملتقى دعوي في نيجيريا من قِبَل دعاتها وألحوا كثيراً في الطلب لمدة سنة تقريباً، ثم وافق على الرحلة وقرر الذهاب لوحده، ثم خطر في باله أن يصطحبني معه في الرحلة، فشاور الدعاة هناك فلقي منهم ترحيباً حاراً وأكدوا عدم وجود أي خطر، وبينوا له فائدتها العظيمة على الداعيات هناك 

ثم عرض عليَّ الفكرة فترددت في البداية ثم توكلت على الله ووافقت مع علمي ببعض المخاطر، حيث أدغال إفريقيا المشهورة بالأمراض والملاريا، كنت متخوفة من بعد المسافة والبعد عن أطفالنا أيضاً، فأنا لم أتعود السفر بدونهم وخاصةً ابنتي الصغيرة ذات الأربع سنوات، كما تخوفت من النصارى والوثنيين الموجودين هناك، وكذلك الوحدة والبعد عن الأقارب إضافة إلى حاجز اللغة وغير ذلك من المخاوف التي تبين لي فيما بعد أنها أوهام وتخيلات ووساوس من الشيطان ليصد عن ذكر الله وعن نشر الدعوة. 

كان المطلوب من زوجي أن يقيم ملتقاً دعوياً لعدد من الدعاة، وطلب مني أن أقيم أيضاً ملتقاً دعوياً للداعيات فأجبت: ولكني لا أحسن الإلقاء فقال: لاعليك فأنت بالنسبة لهم عالمة كبيرة فأقنعني ورتّب لي دروساً لإلقائها عليهم.

بدأت الاستعدادات للرحلة، ثم بدأنا السفر عن طريق دبي إلى لاغوس العاصمة التجارية البحرية، ركبنا الطائرة إلى دبي فلم أستغرب شيئاً، لكن لما ركبنا الطائرة المتجهة إلى لاغوس تغيرت الوجوه ورأيت أشياء غريبة من الركاب في اللباس والتصرفات فهم من نصارى نيجيريا يعلقون الصلبان ويرتدون اللباس العاري وكانت أشكالهم مخيفة فقلت في نفسي: (هذا أول خير. . . هونت برجع. . . ولكن. . !!).

في الطائرة أدركتنا صلاة المغرب والعشاء لكن تبين أن الطائرة غير مجهز للصلاة فوجدت حرجاً في أداء الصلاة إذ لا يوجد مكان مناسب والعدد الكثير من الركاب من النصارى والأجانب فلم أر أحداً يصلي، لكن ذلك لم يمنعنا من أداء الصلاة مع ضيق المكان، حيث حشرت نفسي في بعض ممرات الطائرة وصليت، والحمد لله شجع ذلك بعض المسلمين فاقتدوا بنا وصلّوا بعدنا في نفس المكان.

في مطار لاغوس

وصلنا إلى مطار لاغوس فكنت أشعر بالخوف والرعب في بلد غريب ومن أناس يتكلمون بلغة لا نفهمها، وهم يجيدون اللغة المحلية والإنجليزية، وكان زوجي يتكلم معهم بالإنجليزية – وللعلم يوجد في نيجيريا أكثر من مائتي لغة مختلفة غير اللهجات- وكنت كالبكماء لا أفهم ولا أتكلم، فقط أتفرج وأشاهد مخلوقات الله، وكنا غريبين حقاً في المطار بحجابي وثوب زوجي الأبيض الناصع البياض، بينما الناس هناك يلبسون الملابس الملونة الغريبة.

خرجنا من المطار وكان في استقبالنا سيارتان فيها عدد من الدعاة لكنهم كانوا يتكلمون مع زوجي بالإنجليزية ولا يجيدون العربية، ثم انطلقنا ودخلنا شوارع لاغوس فرأيت عالماً غريباً، فتحت عيني بكل قوة لأنظر إلى عالم مختلف جذرياً عما تعودت عليه، وكنت أشير لزوجي كلما رأيت شيئاً غريباً، وكذلك كان يفعل، أدركت كم هو ممتع التعرف على العالم من حولنا، كم هو جميل أن تكسر (الروتين) الذي تعودت عليه لترى ما لم تر عينك من قبل من العجائب والغرائب.

نزلنا وكانت السماء ملبدة بالغيوم والجو لطيفاً فقلت في نفسي: (الله يرحم حالنا في تنور الرياض وسمومه الحارق).

سارت بنا السيارة إلى مسجد ليس بالبعيد من لاغوس فوجدنا جمعاً من الدعاة الأفاضل في استقبالنا ومعهم إحدى الداعيات لاستقبالي – وكانت تلك المرأة تجيد العربية بطلاقة – وهذا من حسن أخلاقهم وجميل أدبهم.

دخلنا إلى مصلى النساء فأصرت عليّ الأخت الداعية أن أصلي بها جماعة فصليت بها وأدينا الصلاة جمعاً وقصراً في المسجد ثم انطلقنا إلى مقرنا فمررنا بمدينة (إيبادان) وتوقفنا فيها قليلاً، وهي أكبر المدن الإفريقية في غرب إفريقيا حيث يزيد سكانها على عشرة ملايين نسمة بل قد يصل إلى خمسة عشر مليون – يعني باختصار حارة من حاراتها تساوي عدد سكان بعض الدول- توقفنا فيها لصرف النقود وشراء بعض الحاجيات لأن القرية قد لا نجد فيها بعض الضروريات مثل المكرونة والشطة التي تعودنا عليها.. مدينة غريبة يصعب وصفها لكن باختصار هي مدينة الرياض قبل خمسين سنة لكن وسط طبيعة خلابة ساحرة وأدغال كثيفة، كانت الأغنام مختلطة في الشوارع مع البشر، ولا تدري هل الشارع ممر أغنام أم طريق سيارات؟.. حتى أغنامهم كانت غريبة فهي صغيرة جداً وقصيرة وتزاحم السيارات لكنها محترفة في تفادي الاصطدام بالسيارات لخبرتها الطويلة والتي كانت مثار إعجابي بها! مما يدل أنها تعمل عقولها أكثر من بعض الناس.

صرف زوجي مبلغ أربعمائة دولار مبدئياً كمصروف يومين أو ثلاثة فيما كنا نظن، ولكن لم يخطر ببالنا أنه سيكفي لمدة الإقامة كلها بل ويبقى أكثر من نصفه، حيث بلغ المبلغ سبعة وخمسين ألف نيرة وهو مبلغ كبير يكفي لشراء عشرة هكتارات زراعية أي أكثر من مائة ألف متر مربع، باختصار شراء حي كامل هناك في ضواحي المدن المتوسطة، والمصيبة أن المبلغ كبير إلى درجة أنه إذا وضع في (كيسة) لا يتسع الجيب العادي لإخفائه وحمله، وذكرني ذلك بصورة كنت رأيتها لنقود ألمانيا حينما هزمت وفرضت عليها غرامة تكاليف الحرب فانخفضت عملتها إلى درجة أن شراء بعض الخبز يتطلب حمل سلة كبيرة مملوءة بالنقود يحملها شخصان.

توجهنا من (إيبادان) إلى مدينة (إيوو) مقر إقامتنا ومكان إقامة الملتقى الدعوي، وفي الطريق كنت أتبادل مع زوجي كلمات الإعجاب بالطبيعة الساحرة والمناظر الخلابة التي كانت في الطريق الذي يشق الأدغال والمزارع بصورة جميلة بشكل يجعل المسافر لا يمل من السفر بل يستمتع بالسفر فيها، فالأشجار والأنهار والعشب والزروع والثمار وغيرها تتكلم بلغة لا يفهمها إلا من رآها، وتجعلك تعجز عن الكلام وتقول سبحان الخالق، وهذا هو الفرق بين إفريقيا وبلاد الغرب فإفريقيا: الطبيعة على حالها بدون تدخل الإنسان إما في الغرب والشرق فقد شوه الإنسان الطبيعة الخلابة، هناك حيث الأدغال والغابات الطبيعية التي لا تستطيع المشي فيها من كثافتها وتشابكها وكثرة أغصانها وأشجارها.

أردنا الحصول على بعض المشروبات الغازية فاكتشفنا أنها عملية معقدة وصعبة حيث لا توجد المشروبات التي تعودنا عليها وتحرّج الإخوة معنا كثيراً لأنهم لم يجدوا من يبيعها بسهولة ثم عثروا على أشياء تشبه المشروبات فأخذناها مجاملة ونسينا أمر المشروبات إلى أجل غير مسمى، ثم بعد عدة أيام عثرنا على بعضها ففرحنا بها.

في الطريق – (وكالعادة ناس ما شافوا خير)- كنا نصور كل شيء كالمجانين، ومن فرط اللقافة صورنا رجال الشرطة الذين كانوا يستوقفون الناس في الطريق فغضب الشرطي وأوقفنا – ثم تكلم معه الإخوة وبعد فترة هداه الله وفك أسرنا وعلمنا فيما بعد السبب حيث أن (كاميرتنا) الفضولية صورتهم وهم يستلمون الرشوة من سيارات الأجرة كما هي عادة الشرطة هناك فظن أننا نريد إيذاءه. 

في إيوو مدينة العلماء

وصلنا مدينة إيوو التي تشتهر بأنها مدينة العلماء والدعاة والمحجبات لكثرتهم فيها وانتشار النشاط الدعوي بقوة وظهور التيار السلفي هناك على يد الشيخ المجدد عبد الباقي محمد ذي التسعين خريفاً أمد الله في عمره وأحسن خاتمته، وكان الإخوة والدعاة في استقبالنا أيضاً، وكانوا قد رتبوا لنا دوراً كاملاً في منزل الدكتور سراج الدين بلال الأسرع حفظه الله، حيث أن الفنادق هناك خمسة نجوم تحت الصفر ولا تليق بمقام الضيوف في نظرهم وفيها خمور وعربدة ومخاطر السرقة فكان البيت هنا أحسن وأكثر أمناً وفيه حراسة من باب الاحتياط فقط ، كما يسكن الدكتور وأهله وعدد من الدعاة في الدور الأرضي، وكان مكاناً مناسباً ونظيفاً، لكن الترف الذي اعتدناه لم يتقبل بعض مظاهر البساطة التي كانت عندهم، حيث لم يصل الماء للمسكن بعد فيضطرون لجلب الماء ووضعه في براميل، وهذا يعني أنه لا توجد حنفيات ولا صنابير ماء.. يا إلهي، في البداية صدمت وقلت كيف؟: يعني نغرف الماء؟! ولا يوجد مكيف! نعم الهواء عليل لكن داخل البيت يحتاج إلى مكيف نظراً لطبيعة الجو الاستوائي، ثم قالوا توجد مروحة ففرحنا بها قلنا (تمشي الحال)، ثم صدمنا حين انقطع التيار الكهربائي علينا فجأة فعلمنا أنّ مشكلة الكهرباء من المشاكل العويصة عندهم، لكن كم هو غني من يوجد عنده مولد احتياطي يعمل عند الحاجة، وهو ما حصل لنا ذلك اليوم حيث عمل المولد وسارت الأمور لكن ليس على ما يرام.

مشكلة الكهرباء هذه أوقعتنا في مشاكل كثيرة، منها أنها أحرقت الأجهزة التي وضعها لنا المضيف من مسجل وفيديو وتلفزيون وغيرها فاضطررنا إلى الاستغناء عنها إلى نهاية الرحلة، وكنا نستمتع ببعض برامجهم وأفلامهم المفيدة لكن حرمنا منها بسبب الكهرباء.

اشترينا بعض الحاجيات وعدنا للبيت لكنّنا لم نجد الثلاجة! فأحضروا ثلاجة للدعاة الزائرين، وكانت ثلاجة من بقايا الدولة العثمانية الغابرة لكنها تفي بالغرض.

كان استقبالهم رائعاً لي ولزوجي فشعرنا أننا لا نستحق بعضه، حيث حضر عدد كبير من الدعاة للسلام على زوجي، وكذلك الحال معي، وقد أظهروا من الحفاوة والتكريم ما ينم عن طيب قلوبهم وكرمهم، ولسان حالهم يقول إن كانت بيوتنا متواضعة لا تليق بمقامكم فإن قلوبنا لكم مسكن وأفئدتنا لكم بيت ومأوى فاعذرونا، وهذا جهد المقلّ الفقير المعدم فسامحونا، فجزاهم الله خير الجزاء.

قدموا لنا الأكل في البداية كعشاء وهو عبارة عن كبدة طازجة مع شيء مع الإدام، لكن المعدة التي تعودت على الوجبات السريعة وعلى (المفاطيح) الحارة وتدسيم الشوارب لم تتقبل الكبدة الباردة – ومن عادتهم أكلها باردة وهذا من الكرم عندهم- كما أن الإدام البارد لم تستسغه معدة الدعاة المترفة، فبتنا طاوين وأجرنا على الله وفي سبيل الله ما لاقينا.

في الصباح الباكر كانت عصافير أمعائنا تزقزق وتحلم بالبيض والجبن والحليب الدافئ والفول والعسل والفول السوداني والزيتون الذي اعتدنا عليه، وسال اللعاب حين طرق الباب وقالوا: الفطور جاهز.

فتحنا صحن الإفطار فإذا كبدة الأمس تأتينا مرة أخرى فكاد يغمى عليّ وقلت: يا إلهي كبدة أمس تلاحقنا، وماذا معها؟. فول مدمس بارد كأنما خرج من الثلاجة، فقلنا إنّا لله وإنّا إليه راجعون، وفي سبيل الله ما أحلى المنون وأصبحنا أيضاً طاوين.

قلت لزوجي: هذا وضع لا يطاق ويظهر أن هذه الكبدة ستلاحقنا لمدة أسبوع إلى أن نأكلها. فقال: ما الحل؟. فقلت نذهب إلى أقرب (سوبر ماركت) ونشتري كل ما نحتاج. فقال: فكرة رائعة: وسألناهم: هل يوجد سوبر ماركت فقالوا: نعم. ففرحنا وقلنا نحتاج شراء بعض الحاجيات وحملنا معنا (كيس) النقود، فلما ذهبنا إلى (السوبر ماركت) الكبيرة إذا بها مغلقة. فقلنا: لماذا؟ فقالوا: إنها تفتح حسب الطلب حيث تقيم السيدة اللبنانية مالكة السوبر ماركت فوق المبنى وتخرج عن طريق نداء العميل لها بأعلى صوته كل مرة عند الحاجة، نزلت السيدة وفتحت السوبر ماركت.. ويا للهول.. صدمنا وقلنا أين السوبر ماركت وظننا أنها في الدور العلوي فقالوا: هذه التي بين يديك ولم نصدق، وقلنا هذه بسطة البائعات عندنا (فرقنا) أو بالكثير كشك في زاوية سوق... لكن الشكوى لله... لننظر ماذا عند السيدة فوجدنا ولله الحمد وبفضل من الله أكلتنا المفضلة المكرونة والأرز وشيئاً يشبه الشطة وشيئاً يشبه الجبن وأخذنا حبات من البيض لأنها تباع بالعدد وليس بالطبق ولا ندري هل هو بيض دجاج آو ديك رومي، المهم أنه يشبه بيض الدجاج، لكن كنا متأكدين أنه ليس بيض تماسيح، وأخذنا المشتريات كلها في السيارة ولم نجد عربة لحملها فحملناها بالطرق التقليدية وتمت العملية بسلام، ورجعنا إلى البيت وكانت إحدى الأخوات حفظها الله تساعدنا في أمور الطبخ فأخبرتها بطريقة طبخنا وساعدتها حتى حصلنا على طبخنا المعتاد بحمد الله واستطعنا إسكات بطوننا الجائعة، ومر اليوم الثاني بسلام.

كلام العرب دليل شرعي !!

كان سكننا في وسط المجتمع النيجيري سبباً في تعرفنا عليهم عن قرب، وحين اقتربنا منهم اكتشفنا فيهم مظاهر جميلة وعادات حميدة نفتقدها في بعض مجتمعاتنا: فمنها أن قلوبهم طاهرة بسيطة خالية من الحسد، والعجيب أنهم لا تنتشر عندهم العين (النضل) بل لا يكادون يعرفونها، وذلك لطهارة قلوبهم وبساطتهم وحب كل منهم الخير للآخر، ومنها التقديم والاحترام فيما بينهم عند التحية والسلام والخضوع والتذلل إلى درجة زادت عن الحد المشروع حيث ينحني الواحد منهم للآخر حتى يكاد يركع من باب التقدير والاحترام مع حسن خلق وتواضع وابتسامة صادقة، وقد بينا لهم أن هذا لا يجوز وأن الركوع لا يجوز إلا لله، لكن هكذا اعتادوا على تقدير الكبير واحترامه بصورة كبيرة بحيث لا يخرج الصغير عن أمره مهما كان مع حسن خلق وتواضع وخضوع، ومنها حبهم للخير وسرعة تقبلهم بصورة عجيبة وسيرد ذلك أمثلة إن شاء الله.

ومن جوانب الخير في هذا المجتمع أن المسجد يكتظ بالمصلين في صلاة الفجر أكثر من غيرها، ولأجل هذا تعودوا أن يكون هناك موعظة بعد الفجر - وليس بعد العصر كما هو عندنا- حيث يستيقظون باكراً ثم يذهبون لطلب الرزق بعد الفجر.

والمجتمع النيجيري يحب العرب بصورة منقطعة النظير ويرون أنهم أولاد الصحابة بل ويرون أن كل عربي من أهل البيت، ولذا تجدهم يقبلون منه بلا حدود بصورة عجيبة، ومن الطرائف أننا لما ذهبنا إلى إحدى القرى لإلقاء محاضرة هناك وتكلم زوجي عن بعض النصائح، قال لنا الدعاة: إن كلامكم سوف يظل نبراساً لهم عشرات السنين يذكر بعضهم بعضاً به ويقولون ألا تذكر ما قال العربي في يوم كذا!! وكأنه دليل شرعي يحتجون به، وهذا يزيد من المسؤولية على الدعاة العرب.

ومن صفاتهم حبهم للأسماء العربية، فحينما وزعنا الشهادات على الأخوات وجدنا الأسماء عربية من أسماء الصحابيات مثل خديجة وعائشة وفاطمة وسمية ونحوها، ويسمون الرجال بأسماء الأنبياء والصحابة، فقلت أين هؤلاء من بعض المسلمات اللاتي يكرهن هذه الأسماء ويتقززن منها ويبحثن عن الغريب الأجنبي أو المشابه للأجنبي وكأن اسم ابنة إحداهن علبة عطر لابد أن يكون مميزاً على غرار أرقام الجوال ولوحات السيارات المميزة!!.

في اليوم الثالث ذهب زوجي لإلقاء بعض المحاضرات والقيام بزيارات دعوية، وبالنسبة لي حضر بعض الأخوات فطلبن مني إلقاء درس عليهنّ فألقيت أحد الدروس الجاهزة التي أعدها زوجي وكنت أتوقف بعد كل مقطع وأشرحه وتقوم إحدى الأخوات بترجمته.. كانت عملية معقدة وصعبة بالنسبة لواحدة تلقي درساً لأول مرة في حياتها.. لكن العملية نجحت وأعطتني دفعاً كبيراً للأمام، وأحسست ببعد نظر زوجي وخبرته، وقد فرحت الأخوات بالدرس واحتفين به كثيراً ولله الحمد والمنة، حيث حضر أكثر من عشرين امرأة في الدرس الأول، والدرس الثاني وصل قُرابة الأربعين وهن يزددن حماساً وكتبن فيّ القصائد بالعربية - ممن يحسنّ العربية منهنّ- تعبيراً عن شكرهن وامتنانهنّ بالفائدة التي حصلن عليها.

الأغنام والدجاج تتلقى المحاضرات !

بدأ الملتقى في اليوم الرابع لحضورنا في مكان معد لإلقاء المحاضرات للدعاة وآخر للداعيات، وكان المكان أخضر جميلاً يحيط به العشب من كل جهة فسبحان من حباهم هذا الجمال والخضرة في كل مكان.

حضر من الرجال أكثر من مائة وأربعين داعية من نخبة الدعاة في نيجيريا، وألقى عليهم زوجي لمدة خمسة أيام خمس عشرة محاضرة في التربية والدعوة وأمور الشريعة وتطوير الملكات والمهارات، وانتفعوا بها كثيراً كما أوضحت الاستبانات التي ملئت في نهاية الملتقى.

وكان لنا أيضاً ملتقى نسائي للداعيات اللاتي يتكلمن العربية وقد بلغ عددهن في حدود ثلاثين إلى أربعين داعية، وكنتُ المحاضرة الوحيدة فيه لمدة خمسة أيام، حيث كنت ألقي يومياً محاضرتين في الصباح، تبدأ المحاضرات من الساعة التاسعة إلى الساعة الواحدة ظهراً، مع استراحة بين المحاضرات لمدة نصف ساعة يتخللها الشاي وبعض الأناشيد والقصائد الترحيبية.

ومن الطريف أن الأغنام والدجاج كانت تحضر معنا الدروس وتستمتع بأكل الأعشاب مع الاستماع للدرس في الوقت نفسه، ومن الطريف أيضاً أنني عند نزولي من السيارة يحملون عني حقيبتي - من حسن أخلاقهم- ثم يصطفّون في استقبالي وينشدون نشيداً ترحيبياً جميلاً طريفاً، ثم يجلسون للاستماع للدرس.

كنت أجهّز الدرس مع زوجي بعد رجوعه من الملتقى عند الساعة التاسعة أو العاشرة ليلاً كل ليلة فكنا نسهر سوياً على التحضير ومراجعة الدروس حيث أقرأ عليه وأسأله عما يشكل عليّ، ونجحت بحمد الله، وقد دل على ذلك الاستبانات التي وزعت على الداعيات في نهاية الملتقى حيث كتبن فيها من الإعجاب والثناء ما لا أستحقه، ومن الطريف أن بعضهن أصبح ينادينني (الشيخة) وبعضهن ينادينني (الدكتورة) لأنني زوجة الدكتور فقلت: الحمد لله شهادة دكتوراه مجاناً وبلا تعب!، ومن الغريب أنهن يحببن العربية وأدبها وخاصة الشعر وقد كتب عدد منهن قصائد ثناء في الدروس وفي شخصي، حتى كدت أصدق ما يقلن، لكن حينما رجعت أفقت من أحلامي وعرفت قدري.

كانت فترة الملتقى بما فيها من أجمل أيام حياتي، وكنت فيها في غاية السعادة، كان لها لذة غريبة لم أجدها هي متع الدنيا كلها، إنها لذة الطاعة والعبادة والدعوة إلى الله، لا تعدلها لذة ولن يحس بها إلا من جربها، اللهم لا تحرمنا منها، وارزقنا الإخلاص في القول والعمل.

وفي نهاية الملتقى أقيم حفل ختامي للرجال وآخر للنساء اشتمل على افتتاح بقراءة للقرآن الكريم من قِبَلِ إحدى الداعيات ثم كلمة شكر وثناء لي ولكل من شارك في الملتقى، ثم كلمة لضيفة الملتقى – حضرتنا-، ثم توزيع الجوائز على المتفوقات، ثم قمت بتوزيع شهادات حضور الدورة على الحاضرات، ثم الختام بالقراءة، وتخلل ذلك بعض الأناشيد الجميلة والطريفة.

◽️◽️

هيا الدوسري
📚 مجلة الأسرة العدد (١٦٣) شوال ١٤٢٧ هـ

 تحرير : حورية الدعوة
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « إذا دعا الرجل لأخيه بظهر الغيب قالت الملائكة : ولك بمثل »