الأربعاء، 17 أغسطس 2016

المخرج العالمي مصطفى العقاد (مخرج فيلم عمر المختار) في آخر حديث له مع المستقبل


كان يريد إخراج أفلام عن
عز الدين القسام وعبد القادر الجزائري
لكن يد الإرهاب لم تمهله


لم أغير اسمي أبداً ولو استهجن الجميع
اسم مصطفى فهو رمز لديني وجنسيتي..


لن تفيدنا دباباتنا ولا طائراتنا
بقدر ما يفيدنا إعلامنا..!!


* * *


توفي المخرج السينمائي العالمي المعروف مصطفى العقاد
عن عمر ٧١ عاماً في أحد مستشفيات عمان متأثراً بجروح أصيب بها في أحد التفجيرات التي استهدفت ثلاثة فنادق فيالعاصمة الأردنية، 
وقد كان العقاد في بهو الفندق يستقبل ابنته لحظة وقوع الانفجار 
وقد تعرض لإصابة في رقبته توفي على أثرها في حين توفيت ابنته على الفور.

والعقاد من مواليد حلب بشمال سوريا عام ١٩٣٤م 
انتقل لدراسة السينما عام ١٩٥٤ في الولايات المتحدة
 ودرس الفنون المسرحية في جامعة لوس إنجلوس في كاليفورنيا
وتخرج فيها عام ١٩٥٨م.


المخرج العالمي مصطفى العقاد في آخر حديث له مع المستقبل الإسلامي:


عرفت بطريقتي الخاصة
ما هو الإسلام..


إنه صاحب الشخصية العصامية والعنيدة، قادتها روح المغامرة – في البداية – إلى عالم شبه مغلق، أو طريق مسدود، ليثبت – في النهاية – كفاية كبيرة وعبقرية فذة، مكنته من أن يقارع أكبر مخرجي عصره في مدينة السحر والخيال والجنون (هوليوود).
ذلكم هو المخرج السوري الكبير مصطفى العقاد، إنه العربي الوحيد الذي استطاع أن يبرع في مكان صار حكراً على مخرجي الغرب بسيطرة مالية يهودية واضحة المعالم والقسمات، لكنه استطاع أن يخرج من (هوليوود) بأضخم عملين يذودان عن حياض العروبة والإسلام هما: فيلما (الرسالة) و (عمر المختار) .
التقيناه لمعرفة آخر مشواره الثقافي والفني ، واستلهام رأيه حول بعض القضايا الثقافية والنقدية المطروحة للنقاش.

أين أنت الآن؟

* بداية بعد فيلمي (الرسالة) و(عمر المختار) أين أنت الآن؟!

- أنا ما زلت في الولايات المتحدة، أقدم أفلاماً أمريكية فأنا لم أهب نفسي للأفلام التاريخية فقط، بل أعمل كأي مخرج عادي، أما الأفلام التاريخية والتراثية التي تعني بالوطن والقومية والتراث، والتي أعشقها وربما أجد فيها نفسي كثيراً فهي أمور (محرمة) في هوليوود تماماً، وتحتاج أيضاً إلى تمويل من عالمنا العربي كما حصل بالنسبة إلى فيلمي (الرسالة) و(عمر المختار).


يظنون أنهم أصحاب الحضارة

* لكن ما هو الجديد عندك أو الذي أنت بصدد إنجازه؟

- بصراحة، أنا أخطط الآن لعمل فني رائع عن (صلاح الدين) بعد أن بات توقيته مهماً جداً، وعمل آخر لا يقل عنه أهمية عن (الأندلس) وهي حضارة نجهلها نحن العرب حتى المثقفون، ولذلك لابد أن نعرّفها لمدعي الحضارة هؤلاء في أوروبا وأمريكا الذين يظنون أنفسهم أصحاب الحضارة، في حين أننا نحن الذين علمناهم أبجديات الحضارة وطقوس التمدن، وقدمناها لهم، على كل المستويات، في العلم والرياضيات والفلك والكيمياء والفن، ولكن لا يعوقني إلا التمويل، فإذا لم أجد التمويل فلن أستطيع أن أنجزهما.


تمويل مشروط!

*هل المشكلة أو العقبة الآن هي التمويل فقط؟

- مع الأسف، هناك تمويل ولكنه دائماً مشروط ، وأنا أبتغي خدمة تراث أمة، من دون أي علاقة بالسياسات الحالية.


عدم الاستسلام

* ألهذا السبب تلجأ دائماً إلى الرموز التاريخية مع العلم أن واقعنا الحديث مليء بالرموز القوية ولاسيما ما يحدث في الأراضي المحتلة؟

- القضية الفلسطينية ليست بالتأكيد قضية محلية بل هي قضية مصيرية، وفيلم (عمر المختار) يروي قضية فلسطين، فمثلاً، عندما نزل الرئيس المصري أنور السادات في القدس شعرنا نحن في الغربة بروح الهزيمة والاستسلام، لذلك قررت أن أقدم موضوعاً يرمز إلى عدم الاستسلام ومواصلة النضال، طبعاً فكرت في (عز الدين القسام) أو (عبد الكريم الخطابي) أو (عبد القادر الجزائري) وغيرهم، وهم كلهم ناضلوا نضالاً مشرفاً، إلا أن (عمر المختار) كان أطولهم جهاداً أمام العدو الحضاري، وأصر أن يستشهد في أرضه الحرة، لذلك قدمته بإسقاط معاصر.
وكذلك، سيكون (صلاح الدين) – من وجهة نظري – لأن هناك عدة عوامل لإسقاطه:
أولاً: الإعلام الصهيوني الآن صبغ الإسلام بالإرهاب، وحين أتواجه مع المفكرين في أمريكا أقول لهم: إذا أردنا أن نتحدث عن الإرهاب الديني فليس هناك أكثر من الحروب الصليبية إرهاباً باسم الدين.
ثانياً: وضع المنطقة الآن أشبه بوضعها أيام صلاح الدين، دويلات بعضها يتعاون مع العدو – سراً أو جهراً – لذلك عندما جاء صلاح الدين نظف وطهر، ووحد وجمع، ثم غزا، وبعد ذلك أكد مبدأ (إسلامية القدس). أضف إلى كل ذلك الأخلاقيات الإسلامية التي تمتع بها صلاح الدين.
وإذا أردنا أن نكلم الغرب فيجب أن نكلمهم بلغتهم وممثليهم وبمنطقهم.


صراع الحضارات

* وماذا عن عمل (الأندلس)؟؟

- عندما ذهبت إلى أمريكا لم يكن الأمر عملية عبقرية من قبلي ولا نظرة متعالية، بل مجرد مغامرة من شاب عربي مليء بمركب النقص. ولكن عندما وجدت نفسي في مقاعد الدراسة نداً للألماني أو الفرنسي أو الأمريكي شعرت بثقة بالنفس فتحت أمامي المجالات كلها، وهذه التجربة أريد أن أنقلها إلى شباب أمتي فكلنا نشعر وكأننا عالم تاسع أو عاشر.
أما أنا فعرفت على طريقتي ما هو الإسلام وأنا اليوم أسعى لأصور صراعنا مع الحضارات الأخرى ولكن قدمت الثاني على الأول لظروف تمر بها أمتنا الآن.


الغربة كبيرة

* يقال: بعد أحداث ١١ سبتمبر حدث انقلاب في النظرة الغربية إلى الإسلام، فهل أنت بصفتك مخرجاً عربياً في هوليوود، شعرت بهذا الانقلاب؟!

- طبعاً شعرت بانقلاب خطير، لأن الضربة كانت كبيرة. اليهود نشيطون، ونحن موزعون ومفرقون نأتي من دولنا العربية بخلفية لا تعرف التكتل أو التضامن، ونقلنا معنا أمراضنا الحزبية والطائفية والمذهبية وغيرها.
أما اليهود فلأنهم ذاقوا المرارة في أوروبا في القرون السابقة قرروا أن يسيطروا على عقول العالم عبر الإعلام، وذلك في بروتوكول صهيون السري ونفذوا ذلك، ووصلوا بالفعل؛ لذا، يلزمنا نحن برتوكول مماثل. أما أنا ففي وجودي بأمريكا أعتبر أن الجنسية وثيقة، ولكني أمارس قوميتي وأنافح عن ديني. في أمريكا نعيش على أساس دستور يحمي كل الأديان، ولكن سيطرة اليهود على الإعلام تترك تأثيرها البالغ. مشكلتنا الأولى والأخيرة هي الإعلام الخارجي. فلا دبابات ولا طائرات تفيد بقدر ما يفيد الإعلام، ونحن إذا قدرنا ميزانيات الدفاع في العالم العربي وجدناها مذهلة جداً. لكني أنا أطلب فقط عشرين بالمائة من هذه الميزانيات للإعلام، ونستطيع من خلالها فعل المعجزات في أمريكا والعالم كله عن طريق الفن.
كما أننا نقع في خطأ إضافي ، فعندما نفكر في الإعلام المباشر وعندما نقول إننا نريد أن ننشئ فضائيات عربية ناطقة باللغات الأجنبية، لا نريد أن نقدم أنفسنا إليهم بشكل مباشر ولكن نريد أشخاصاً منهم وفيهم يتكلمون عنا كما يفعل اليهود. يجب أن نتعلم منهم، إن سيطرتهم مالية وليست إبداعية، وبإمكاننا أن نضع في الواجهة الأمريكيين أو الألمان أو غيرهم وندعمهم، هذه هي الطريقة الوحيدة التي يمكن أن نعد فيها لإعلام خارجي غير مباشر لا يكون فيها أي اسم عربي ظاهر.


بلا مضمون

* هذا يعني أنك بصفتك مشاهداً عربياً في أمريكا لا تشعر بأن الفضائيات تخدم القضايا العربية؟!

- بالطبع لا، فأنا في أمريكا أرى الفضائيات العربية كلها بلا مضمون أو رسالة، فلم تستطع أن تعرض الإسلام بصفته رسالة عالمية لهداية البشرية، وإخراج البشرية من الظلمات إلى النور، ومن عبادة الطواغيت إلى عبادة الواحد الديان، وإن كانت هذه الفضائيات تؤدي دورها في مجال ربط المغترب العربي ببلده الأم فقط، ولكن إذا أردت أن أدعو أياً من أصدقائي الأمريكيين فإنهم لا يفهمون اللغة العربية، وإذا كانت البرامج ناطقة بلغتهم فإنهم سيعرفون مسبقاً الخلفيات السياسية العربية. وفي رأيي أن هناك شركات إعلامية يمكن أن تكون لنا فيها أسهم نسيطر من خلالها على توجهاتها، ولكن للأسف – (رأس المال العربي) لم يدخل بعد مجال الإعلام، وربما إذا تعرضنا لمزيد من الضغوط نشعر بأهمية الأمر أكثر فأكثر.


لو لم أكن عربياً..

* تحدثت عن ضغوط يمارسها اللوبي الصهيوني ، فما هو نوع هذه الضغوط التي يمكن أن تشعر بها أنت – عل سبيل المثال - ؟!

- في العمل العادي لا أواجه أي ضغط ، ولكن الخط الأحمر يبرز فوراً بالنسبة إلى الأوضاع السياسية أو أي شيء يقدم صورة إيجابية عن العرب أو القضية الفلسطينية، الآن اسمي صار معروفاً ولي حضوري في هوليوود وفي النقابات الفنية وغيرها. ولا يمكنهم منعي أو توقيفي... لكن لو لم أكن عربياً مسلماً لربما كنت وصلت بشكل أسرع.


* ترى هل لهذا السبب – وحده- لا نرى مخرجين من الشباب العرب في هوليوود؟!

- نعم، فربما ليست لديهم الشجاعة، نحن لدينا فنانون يمكن أن يصبحوا عالميين، فالعالمية هي اللغة والتقنية، وأي فنان موجود في العالم العربي لا يختلف عن أي فنان عالمي. هذا ما برهنا عليه في فيلم (الرسالة) عندما وضعت أكبر ممثل في العالم (أنطوني كوين) مع (عبد الله غيث) وعندما أعطيتهم نفس التقنية أعطوني نفس النتيجة.
لذلك أتمنى من الشباب العرب أن يتجهوا أكثر نحو العالمية، والحضور هناك ليس عملية عبقرية ولا تحتاج إلا إلى الجدية فقط.
ومما يؤسف له أن العديد من الشباب العرب يأتون إلى أمريكا ولكن جذورهم ضعيفة فنراهم سرعان ما يقلدون الأمريكيين ويغيرون أسماءهم. أنا لا أغير اسمي أبداً، ولو استهجن الجميع اسم (مصطفى)، لأنه رمز لديني وجنسيتي معاً، وهما مصدر فخري واعتزازي دائماً.

◽️◽️

📚 مجلة المستقبل الإسلامي العدد ١٧٥
ذو القعدة ١٤٢٦ هـ

 تحرير : حورية الدعوة
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « إذا دعا الرجل لأخيه بظهر الغيب قالت الملائكة : ولك بمثل »

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق