السبت، 27 أغسطس 2016

أسماء الزوجة الراضية الزاهدة + صبر أسماء وعفّة نفسها


أسماء الزوجة الراضية الزاهدة


محمد رشيد العويد


سمية: وعدتني يا أمي أن تذكري لي سبب تسمية أسماء رضي الله عنها بـ ((ذات النطاقين)).

الأم: تقول أسماء رضي الله عنها: صنعت سفرة النبي صلى الله عليه وسلم في بيت أبي حين أراد أن يهاجر؛ فلم أجد لسفرته ولا لسقائه ما أربطهما، فقلت لأبي: ما أجد إلا نطاقي، قال: شقّيه باثنين فاربطي بهما. قالت أسماء: فلذلك سميت ذات النطاقين.

سمية: وماذا عن حسن تبعُّل أسماء لزوجها الزبير وصبرها عليه رضي الله عنهما؟

الأم: أجل يا سمية، لقد كان زوجها الزبير شديداً عليها، فأتت أسماء أباها الصديق تشكو إليه ذلك، فقال لها: يا بنيّة اصبري فإن المرأة إذا كان لها زوج صالح ثم مات عنها فلم تُزوَّج بعده جمع بينهما في الجنة.

سمية: هل كان الزبير فقيراً؟

الأم: نعم وتتحدّث أسماء عن ذلك فتقول: تزوجني الزبير رضي الله عنه وما له في الأرض مال، ولا مملوك ولا شيء غير فرسه، فكنت أعلف فرسه، وأكفيه مؤونته، وأسوسه، وأدق له النوى، وأعلفه، وأسقيه الماء، وأعجن، ولم أكن أحسن أخبز فكان يخبز جارات لي من الأنصار وكنّ نسوة صدق. وكنت أنقل النوى من أرض الزبير على رأسي وهي على ثلثي فرسخ.

سمية: حياة صعبة فيها كدّ وتعب أين نحن منها اليوم منعّمات مرفّهات لا ننقل ولا نخبز ولا نعجن ولا نفعل شيئاً متعباً.. ومع هذا نكثر الشكوى وقلّما نرضى.

الأم: لهذا يحسن أن تقرأ بنات اليوم عن صبر الصحابيات الجليلات وزهدهنّ ورضاهنّ حتى يرضين مثلهن ويحمدن الله تعالى على ما هنّ فيه من نعم كثيرة.

سمية: وماذا عن زهدها أيضاً يا أمي؟

الأم: قدم ابنها المنذر من العراق فأحضر لها معه ثياباً فاخرة رقيقة بعدما كُفَّ بصرها، فلما لمستها بيدها قالت: أفّ! ردوا عليه كسوته. فشقّ عليه ذلك فقال لأمه: يا أمه، إنه لا يشفّ. فقالت: إنها إن لم تشف فإنها تصف.

سمية: رضي الله عنها وأرضاها ما أزهدها.

الأم: وما أتقاها، فرغم بلوغها من العمر ما بلغت فإنها لم تقبل ما أحضره لها ابنها المنذر من ثياب رقيقة لأنها تصف شكل الجسم.

سمية: ليت بنات اليوم اللواتي أخذتهن الدنيا وأهملن الحرص على اللباس الساتر السابغ الفضفاض يقرأن هذا ليتعلمن من أسماء زهدها وتقواها.

الأم: بقي أن أختم حديثي اليوم عن أسماء رضي الله عنها بموقفها الخالد في تثبيت ابنها عبد الله حتى استشهد.

سمية: تفضّلي يا أمي.

الأم: لما مات يزيد بن معاوية بويع لعبد الله بن الزبير في جميع البلدان الإسلامية، لكنّ مروان بن الحكم عارضه، وأخذ الشام ومصر من ولاّة ابن الزبير، ومات فتولّى بعده عبد الملك بن مروان الذي أرسل إلى الحجاج فحاصر مكة قُرابة سبعة أشهر. يقول عروة أخو عبد الله رضي الله عنهما: دخلت أنا وأختي على أمنا –أسماء- قبل أن يُقتل أخي عبد الله بعشر ليال، وكانت وجعة، فقالت لولدها عبد الله: والله ما أشتهي أن أموت حتى تأتي على أحد طرفيك: إما أن تقتل فأحتسبك، وإما أن تظفر فتقرّ عيني. وإياك أن تعرض عليّك خطة فتقبلها كراهية الموت. ولما أراد أن يودّعها نادته إليها وقبلته وضمّته فأحست بدرع على صدره فقالت: ما هذا؟! ليس هذا لمن يريد الشهادة.

سمية: ماذا حدث بعد ذلك؟ لماذا توقّفت يا أمي؟

الأم: سأواصل الحديث فيما بعد يا سمية. قومي الآن فنامي.

◽️◽️

صبر أسماء وعفّة نفسها

سمية: وعدتني يا أمي أن تحدثيني مزيداً عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما؟

الأم: سأحدثك عن صبرها، فالصبر تكرّر ذكره ما يقاربُ من تسعين مرة في القرآن الكريم؛ ما يدلّ على مكانته حتى وصفه صلى الله عليه وسلم بأنه ضياء.

سمية: تفضلي يا أمي فإني منصتة إلى حديثك عن صبر أسماء.

الأم: عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما قالت: كنت مرة في أرض أَقْطَعَها النبيُّ صلى الله عليه وسلم لأبي سلمة والزبير في أرض بني النضير. فخرج الزبير مع رسول الله صلى الله عليه وسلم. ولنا جار من اليهود، فذبح شاة فطُبختْ، فوجدتُ ريحها فدخلني ما لم يدخلني من شيء قط، وأنا حامل بابنتي خديجة فلم أصبر، فانطلقت فدخلت على امرأة اليهودي أقتبس منها ناراً لعلها تطعمني، وما بي من حاجة إلى النار. فلما شممت الريح ورأيته ازددت شرها فأطفأته، ثم جئت ثانياً أقتبس. ثم ثالثة، ثم قعدت أبكي وأدعو الله. فجاء زوج اليهودية فقال: أدخل عليكم أحد؟ قالت: العربية تقتبس ناراً. فقال: لا آكل منها أبداً أو ترسلي إليها منها. فأرسل إليَّ بقدحة – يعني غَرْفَة – فلم يكن شيء في الأرض أعجب إليَّ من تلك الأكلة.

سمية: إني أجد خلقاً جميلاً آخر فيما روته رضي الله عنها عمّا أحست به من جوع زاد في شدته ما شمته من رائحة طبخ جارتها للحم الشاة.

الأم: يعجبني فيك هذا يا سمية. قولي ما الخلق الذي وجدته؟

سمية: إنه كرم نفسها وحفظ وجهها عن السؤال فرغم جوعها الشديد واشتهائها المضاعف للطعام وهي حامل تشم رائحة اللحم المطبوخ فإنها لم تطلب من جارتها أن تطعمها.

الأم: أحسنت يا سمية، ولقد بلغت معاناتها مبلغاً عظيماً جعلها تقعد متألمة تبكي وتدعو الله فأجاب الله دعاءها على الفور.

سمية: بأن جعل الله زوج جارتها اليهودية يعود إلى بيته سائلاً: أدخل عليكم أحد؟ ثم ليقسم بعد أن علم بدخول أسماء ألاّ يأكل من الشاة شيئاً قبل أن ترسل زوجته إليها منها، فكان أن أرسل إليها بتلك الغَرْفة التي جاءت استجابة لدعائها وقد أغناها الله عن السؤال.

الأم: مع أنّ حديث أسماء شاهد على صبرها فلعلك لاحظت يا سمية قولها ((فلم أصبر)) حين شمّتْ رائحة طبخ لحم الشاة.

سمية: أجل يا أمي.. كيف يكون هذا؟

الأم: عدم الصبر هنا يشير إلى شدّة جوعها ومن ثمّ إلى عظم صبرها؛ لأنها لم تطلب من جارتها أن تطعمها بل طلبت منها ناراً، وهذا يؤكّد صبرها إذ لم تصرّح بجوعها.

سمية: ألا يشير إلى عفّة نفسها أيضاً يا أمي؟

الأم: بلى يا ابنتي، ويؤكد هذه العفة أنها لم تقبل هدايا جاءتها بها أمها حين كانت مشركة وهذا يشير أيضاً إلى اعتزازها بإسلامها.

سمية: أرجوك يا أمي أن تحكي لي هذا مفصّلاً.

الأم: لقد قدمت عليها أمها، واسمها قُتيلة بنت عبد العزّى، وكانت مشركة بهدايا منها لحم وسمن، فأبت أسماء أن تقبل هديتها وتدخلها بيتها.

سمية: ألم يأمر ربنا سبحانه بمصاحبة الوالدين المشركين ما لم يجاهدا أبناءهما على الشرك؟

الأم: بلى يا سمية، ولكن لم يكن نزل قرآن بهذا، وكانت أسماء معتزّة بإيمانها فلم تقبل هدايا أمها ولم تدخلها بيتها لكونها مشركة، فسألت أختها عائشة النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك فأنزل الله تعالى (لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين) فأمر النبي صلى الله عليه وسلم أسماء أن تقبل هديّة أمها وتدخلها بيتها.

◽️◽️

📚 مجلة الأسرة العدد (١٧٦) ، (١٧٨)

 تحرير : حورية الدعوة
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « إذا دعا الرجل لأخيه بظهر الغيب قالت الملائكة : ولك بمثل »

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق