الاثنين، 19 نوفمبر 2018

شذرات من قـلم .. د. محمد رشيد العويـد


شذرات من قـلم .. د. محمد رشيد العويـد




كيف أوقف
جلسات الأقارب المختلطة؟

مشكلتي تكمن في هذه اللقاءات الأسرية الواسعة التي تتم في البيت الكبير!
قد تقولون : وأين المشكلة؟ إنما هذه اللقاءات صلة للأرحام!

وأقول : هذا صحيح، وهذا ما كنت أراه في هذه اللقاءات الواسعة التي تتم في إجازة نهاية الأسبوع، ويحضرها جميع أفراد العائلة : رجالها ونساؤها، صغارها وكبارها.
بل كنت أنتظرها طوال الأسبوع بشوق ولهفة.

لكن هذا كان قبل التزامي التام، وانشراح صدري لنهج الله القويم، فما كنت أضيق بتلك اللقاءات المختلطة كما أضيق بها اليوم، ولم أكن أنفر منها كما أنفر منها بعد أن ملأ حب الله ورسوله كياني كله.

لعل مشكلتي باتت الآن واضحة، وهي أن التقاليد الأسرية التي تجمع الأقارب جميعهم لا أرتاح إليها
لأنني أشعر أن الإسلام لا يرضى عنها.
صحيح أن النساء ملتنزمات الحجاب، ولكن أي حجاب ذاك مع الأحاديث والابتسامات والنظرات؟!

لقد بذلت جهدي في تغيير هذه الحال، لكن ( الأم العودة ) – الجدة – تحب أن يلتف حولها الجميع، كما أنني أجد نفسي وحدي – تقريباً – في رفض هذا الاختلاط، فحتى الرجال يميلون إلى هذه اللقاءات.

يدق جرس الباب، وبعد فتحه يسمع القادم من يقول له : ادخل .. ليس هنا أحد غريب .. أختك وزوجة أخيك وبنت خالك!
تضع كل واحدة خمارها على رأسها .. ولا بأس بعد ذلك من الجلوس والأكل والمزاح!

لا أستطيع أن أترك أهلي، ولا أستطيع أن أستمر على هذه الحال، ولا أستطيع التغيير .. فماذا أفعل؟
أرشدوني جزاكم الله خيراً.

أختكم : ام عبد الرحمن – البحرين


اسمحي لي أولاً، يا أخت أم عبد الرحمن، أن أثني عليك، وعلى فطرتك السليمة، وعلى ورعك وتقواك، فبارك الله فيك، وحفظك، وأكثر من أمثالك.

ما تحدثت عنه من اختلاط منتشر، وللأسف الشديد، في كثير من البيوت، حتى لدى بعض الأسر المتدينة التي لا ترى بأساً في جلوس الرجل مع ابنة خالته أو خاله، أو ابنة عمته أو عمه، أو مع زوجة أخيه، دون اكثراث بما يحدث – كما ذكرت في رسالتك – من تبادل الضحكات والنظرات، وقد تصطدم الأيدي على مائدة الطعام، أو حين تقديم الضيافة!

وما نشير به عليك، أختنا الفاضلة، هو ما يلي :

١ – حاولي أن تصطحبي الفتيات والنساء الزائرات إلى غرفة أخرى لتطلعيهن على ثوب جديد اشتريته، أو إلى المكتبة لتقرأي عليهن من كتاب وجدت فيه ما تجدر معرفته، أو إلى الحديقة لأن الهواء فيها أنقى .. وهكذا فإنك لن تعدمي – بتوفيق الله – وسيلة تبتعدين فيها عن مجالسة الرجال .. وتبعدين معك من تستطيعين من الفتيات والنسوة.

٢ ـ إذا لم تنجحي في ذلك، واضطررت للبقاء في الصالة، فحاولي أن ترتبي مقاعد الجلوس، بحيث تجلس النساء والفتيات في زاوية، والرجال في زاوية أخرى من الصالة لينشغل الرجال بحديث غير حديث النساء، ويبتعد كل فريق عن الفريق الآخر.

٣ – جربي أن تقنعي القريبات الزائرات برفضك الاختلاط، واضربي لهن الأمثلة المقنعة : هل لا حظتن ماذا حدث حين قالت فلانة كذا؟ أو عندما ضحكت فلانة ضحكة غير لائقة؟
أو كيف تعثرت فانكشفت ساقها؟ أو كيف نظر فلان إلى فلانة؟ .. هل تجدن هذا لائقاً؟
ألستن معي في أن علينا أن نفارق الرجال في جلساتنا؟!
أليس هذا أسلم لنا ولهم؟ ألا تلاحظن أننا نأخذ حريتنا أكثر حينما نستقل في جلساتنا؟! .. وهكذا ..

٤ - ولعلك تجدين أباك، أو أحد إخوتك، يميل إلى ما تميلين إليه من رفض هذا الاختلاط، وتستطيعين أن تصارحيه بذلك، فتتعاونين معه على تحقيق الفصل بين الرجال والنساء في هذه الجلسات المختلطة.

٥ – حتى جدتك، التي تميل إلى هذه اللقاءات الواسعة، رغم ما فيها من اختلاط، تستطيعين أن تنقلي لها ملاحظاتك على ما يحدث فيها، وعدم ارتياحك لها، وأن الإسلام لا يرضى عنها وعما يحدث فيها، فلعلك – مع الدعاء إلى الله تعالى – تنجحين في إقناعها بتخقيق الفصل بين الرجال والنساء، أو تخصيص يوم لزيارة الرجال، ويوم لزيارة النساء.

٦ – لم أجد في رسالتك ما يشير إلى أنك متزوجة، ولعلك بعد زواجك – إن شاء الله تعالى – تنجحين مع زوجك في تغيير هذا الواقع، أو على الأقل عدم المشاركة فيه، وزيارة الأهل في يوم غير اليوم الذي يجتمعون فيه.

وليس لي، أخيراً، أختي الفاضلة، إلا أن أدعو الله لك بالثبات، والتوفيق، والنجاح في مسعاك النبيل الجليل.

__________________


هل أبدي محاسني لأتزوج؟

ترددت كثيراً قبل أن أكتب إليك بمشكلتي، ولكني توكلت على الله وكتبت راجية أن ترشدني إلى ما يمكن أن أفعله.

أعرّفك بنفسي أولاً، فأنا متدينة ولله الحمد، أكملت دراستي وتخرجت في الجامعة.

قبل عامين تزوجت ابن خالتي، ولم يستمر زواجنا سوى عام واحد، فقد اكتشفت أنه تزوج علي خادمة فلبينية، على الرغم من أنني لم أقصر نحوه في أي أمر، وكنت له مثال الزوجة المطيعة .. لكنه لم يقدّر هذا كله، فطلبت منه الطلاق، وحصلت عليه.

مضى الآن عام على انفصالي عن زوجي دون أن يتقدم أحد للزواج مني، وبعض من حولي يقلن لي : لا بد أن تظهري محاسنك حتى يراها الرجال فيتقدموا إليك، أو لا بد أن تقيمي صلة مع شاب لتشبكيه بك فيتزوجك.

وأنا غير مرتاحة للتخلي عن شيء من حجابي، أو من التزامي بديني، لكني مع هذا أخشى أن أضعف وأنساق وتزل قدماي.

أريد مدداً نفسياً ومساندة معنوية لمقاومة ذاك التيار وعدم الانسياق معه .. فماذا أفعل؟ أرشدوني إلى الحل السليم.

م.م
الإمارات العربية المتحدة

دعيني أولاً أثني على حرصك على أن تحافظي على دينك، ومنه حجابك، وفي الوقت نفسه أثني على واقعيتك وعدم إنكارك ما في النفس من ضعف قد يتسلل من خلاله شيطان إنس أو شيطان جن.

وأحب أن أذكرك بالأمور التالية :

١ ـ لا شك في أنك مؤمنة بأن الزوج المقدّر لك سيأتيك به الله سبحانه، ولن يأتي به كشفك محاسنك.
وهذا ابن خالتك خطبك وتزوجك وأنت ملتزمة بدينك وحجابك.

٢ ـ الزوج الذي سيرضى بالزواج من فتاة كشفت له محاسنها لا خير فيه، والزوج الذي سيرضى بالزواج من فتاة أقامت معه علاقة أو خرجت برفقته دون عقد زواج .. لا خير فيه أيضاً.

٣ ـ أكثري من الاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم كلما حاولت شيطانة من شيطانات الإنس أن تزين لك فعل ما يغضب الله، من كشف ما أمر الله بستره، أو بارتكاب ما نهى سبحانه عنه.

٤ ـ كوني واثقة بأن الرجل يحرص على التي تحافظ على نفسها، ويزهد وينصرف عن التي تبذل نفسها، فهو يقول: إذا خرجت معي اليوم .. فمن يضمن ألا تخرج مع غيري غداً؟!
أجل. ثقي أن حفاظك على نفسك يزيد في حرص الرجال على الزواج منك.

٥ ـ لا تنسي الدعاء إلى الله، إنه سلاح المؤمن، فادعي الله تعالى في السجود، وعقب الصلوات أن يرزقك الزوج الصالح.

وكذلك توجهي بالدعاء إلى الله سبحانه أن يحفظك ويثبتك ويقويك، وستجدين في نفسك قوة وعزماً وإرادة صلبة إن شاء الله تعالى.

وفقك سبحانه إلى كل خير ..
وحفظك من كل سوء ..
ورزقك الزوج الصالح الذي تسعدين معه في الدنيا والآخرة.

__________________


زوجي تزوج عليَّ

منذ أشهر أربعة وأنا ألاحظ أن زوجي يخفي عني شيئاً، دون أن تتغير معاملته الحسنة لي، ودون أن تنقص مودته نحوي.

حين كنت أسأله إن كان هناك شيء يخفيه عني .. كان يبتسم ويقول: إن كان هناك شيء فستعرفينه في الوقت المناسب إن شاء الله.

وذات يوم أخبرني أنه سيصحبني إلى بيت الله الحرام لنؤدي العمرة معاً، ففرحت بهذا، وسررت لهذه الرحلة الطيبة مع زوجي.

وهناك، في الفندق المطل على الكعبة، وبعد أداء العمرة، قال لي: لقد حان الوقت المناسب لأخبرك بما أخفيته عنك وسألتني عنه.

تيقظت جميع مشاعري وأحاسيسي وأنا أستمع إليه وهو يقول لي: لقد تزوجت .. ولكن تأكدي أن مكانتك في قلبي لم تنقص، وحبي لك ما زال كما هو.
قلت له: صدقني أن هذا ما توقعته. ولكن منذ متى؟ قال: قبل شهرين. قلت: ولمَ لمْ تخبرني لأبارك لها؟ هل في بيتها هاتف؟

عقدت الدهشة لسانه، فقد فرح لاستقبالي هذه المفاجأة برضا ودون غضب .. وأملى عليَّ رقم الهاتف وهو لا يعرف بما سأحدث شريكتي. أعطاني رقم هاتفها واسمها.
اتصلت بها وباركت لها وهي لا تصدق أن زوجة زوجها الأولى هي التي تبارك لها.

وفور عودتي إلى الكويت زرتها في بيتها، وباركت لها، ففرحت فرحاً شديداً، وقبّلت رأسي، وقالت لي كلاماً طيباً. وطوال الشهرين اللذين أعقبا علمي بزواج زوجي وأنا وهي كأعز صديقتين، بل أختين متفاهمتين متفقتين.

لقد جعلني حبي لزوجي راضية بما رضيه هو لنفسه، ما دام هذا الذي رضيه حلالاً.

ستسألني، أخي الفاضل، أين المشكلة إذن؟

وأجيبك قائلة : إنهن قريباتي وصديقاتي وزميلاتي اللواتي اتهمنني بالجنون لأنني رضيت بزواج زوجي، وزيارة شريكتي، وملاطفتي لها، واتفاقي معها.
إنهن يتصلن بي يومياً، ويحرضنني على عدم الرضا، وإعلان الغضب، ومقاطعة شريكتي، والطلب من زوجي أن يطلقها.

فهل كنت مخطئة في إرضاء زوجي، وهل كان يمكن أن يطلقها لو أنني أعلنت سخطي على زواجه؟

أرشدوني .. أرشدكم الله.

أم الهوادي


أختي الفاضلة :
لا والله لم تخطئي، ولم يجانبك الصواب في جميع ما أقدمت عليه، بل وإنك لَمَثَل ينبغي أن تقتدي به الكثيرات ممن يتزوج عليهن أزواجهن.
لقد تلقيتِ خبراً، لا يسر كثيراً من الزوجات تلقي مثله، بالرضا بقضاء الله، فكسبت بهذا رضا ربك، إن شاء سبحانه، ثم رضا زوجك – لا شك – زاد حبه لك وتقديره لموقفك.

صدقيني إن مثيلاتك قليلات جداً، بل نادرات في هذا الزمان، فبارك الله فيك، وزادك من فضله، وأجزل لك الأجر والثواب.

وأحب أن أخبرك بشيء عرفته من زوجك ( وتربطني به صداقة وأخوّة في الله ) وهو أنه حين تقدم إلى خطبة من صارت زوجة له؛ قال بصراحة ووضوح: أنا لا أتزوج لأني لا أحب زوجتي الأولى، أو لأنها مقصرة في شيء.
وقال لزوجته الثانية : يجب أن تكوني واثقة أن أم الهوادي غالية عندي، عزيزة عليَّ، أثيرة لدي .. وزواجي منك لن يكون على حساب حق من حقوقها.

وأشهد الله على أنه لم يذكرك إلا بخير، في جميع المجالس التي جمعتني به، وهذا يؤكد رضاه البالغ عنك، وهو رضا يجعلك – بإذن الله – تدخلين الجنة من أي أبوابها شئت.
وأغبطك على مفاخرة زوجك بك، واعتزازه بأخلاقك، ودعائه الدائم لك، وحدثيه المستمر عن موقفك الذي يثير إعجاب كل من يسمعه ويعرفه.

أختي أم الهوادي :

لا تصغي إلى كلام المغرضين، الذين يريدون تحطيم حياتك، فأنت ميزانك شرع الله وحده، فهو الذي نُخضع له كل أفعالنا وتصوراتنا ومواقفنا.

اثبتي على موقفك، ولا تحيدي عنه، واستعيني بالله على كلام القريبات والزميلات وغيرهن، والجئي إلى الدعاء.
لقد كان صلى الله عليه وسلم إذا غضبت السيدة عائشة رضي الله عنها عرك بأنفها وقال: ( يا عويش قولي: اللهم رب محمد اغفر لي ذنبي، وأذهب غيظ قلبي ، وأجرني من مضلات الفتن ) .

أهنئك على هذا السمو، فلقد ضربت مثلاً لكل امرأة، ولكل زوجة، ولو كانت النساء على مثل رضاك وحلمك وحسن تبعلك لزوجك .. لكانت البيوت في خير عظيم.

__________________


والدتنا تحاصرنا

والدتنا امراة متدينة، ولله الحمد، ملتزمة بالصلاة والصيام وبكل ما يأمرها به إسلامها، لكنها تغالي كثيراً في ذلك.

وهي، في الوقت نفسه، تشدد علينا، كما تشدد على نفسها؛ فتأمرنا بالصلوات النوافل جمعيها، وتمنعنا من الخروج من البيت خوفاً علينا
من كل شيء : من رفاق السوء، من السيارات المسرعة، من المجرمين الذين يخطفون؛ مما جعلنا نشعر كأننا في سجن كبير اسمه البيت.
مع العلم بأن والدي يعيش بعيداً عنا لظروف خاصة.

ثم هي تتدخل في كل شأن من شؤون حياتنا، وتشك في أي شيء، وترتاب في أي كتاب نقرؤه، وهمسة نهمسها، ومكالمة هاتفية يتحدث فيها أحدنا.

ولقد دفع هذا الحال أخانا الكبير إلى ترك البيت والعيش في بيت مستقل، هرباً من وصاية أمنا عليه، وتدخلها في جميع شؤونه، ورقابتها الشديدة على جميع حركاته وسكناته.

والدتي تقرأ مجلة (( النور )) وأخبرناها أننا سنكتب إليكم محتكمين لرأيكم في ذلك، فنرجو أن توجهوا خطابكم مباشرة إليها، وجزاكم الله خيراً.

أبناء الأم التي نحبها وتحبنا

أيتها الأم الفاضلة :
لا شك في أن شدتك التي شكا منها أبناؤك نابعة من حبك لهم، وحرصك عليهم، ورغبتك في ألا يمسهم أي سوء، وألا يصيبهم أي مكروه.

أنا مطمئن إلى نيتك في أن يصبح أبناؤك كما يرضى لهم الله تعالى، ملتزمين أوامر دينهم، مقتفين سنّة نبيهم صلى الله عليه وسلم، يتمسكون بكل فضيلة، ويتجنبون كل رذيلة.
ولعل عيش والدهم بعيداً عنهم، جعل مسؤولياتك مضاعفة، فأنت تحملين مسؤوليات الأب ومسؤوليات الأم معاً، وهذا بدوره جعلك أكثر حرصاً، وأكثر تشدداً، وأكثر متابعة ومراقبة.

ولا يمكن لأي إنسان منصف إلا أن يقدّر هذا فيك، ويحمده منك، ويشكرك عليه، وبخاصة أن أمهات كثيرات هذه الأيام ينصرفن إلى اهتمامات أخرى على حساب اهتمامهن بأبنائهن، مثل اهتمامهن بالزيارات والسهرات، أو الأسواق والأسفار، وغير هذه وتلك.

وإني لأرجو أن تكون تربيتك لأولادك من العمل الصالح الذي لا ينقطع أجره – إن شاء الله – بعد الوفاة، مصداقاً لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له ) .

ولكن، مع هذا كله، أرجو أن تسمحي لي بأن أدعوك إلى أن تتذكري أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان رفيقاً في دعوته، يأمر الصحابة أن يرفقوا بالناس، حتى في العبادات، فحين أطال معاذ رضي الله عنه في صلاته، وهمّ أحد المصلين خلفه بالانسحاب وترك الصلاة، وبلغ هذا النبي صلى الله عليه وسلم، خاطب معاذاً بقوله: ( أفتّان أنت يا معاذ ) ؟!

وكذلك إذا وجدت الأم أنها بموعظتها أولادها تنفّرهم، أو تضايقهم بتكرارها، فإن عليها أن تنظر وتتدبر، وتختار الوقت المناسب، والظرف المناسب، حتى تدخل موعظتها قلوبهم.

عن أبي وائل شقيق بن سلمة قال: ( كان ابن مسعود رضي الله عنه يذكّرنا في كل خميس، فقال له رجل: يا أبا عبد الرحمن، لوددتُ لو أنك ذكرتنا كل يوم، فقال: أما إنه يمنعني من ذلك أني أكره أن أُمِلَّكم " من الملل " وإني أتخولكم بالموعظة، كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتخولنا مخافة السآمة علينا ) حديث صحيح متفق عليه.

وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
( إن الدين يُسر، ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه، فسددوا وقاربوا وأبشروا، واستعينوا بالغدوة والروحة وشيء من الدلجة ) رواه البخاري.
ومعنى الحديث : استعينوا على طاعة الله عز وجل بالأعمال في وقت نشاطكم، وفراغ قلوبكم، بحيث تستلذون العبادة ولا تسأمون، وتبلغون مقصودكم، كما أن المسافر الحاذق يسير في هذه الأوقات، ويستريح هو ودابته في غيرها؛ فيصل إلى الغاية بغير تعب.

وعن ابن مسعود رضي الله أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( هلك المتنطعون ) قالها ثلاثاً. رواه مسلم
والمتنطعون: المتشددون في غير موضع التشديد.

وعنه صلى الله عليه وسلم قال: ( روّحوا قلوبكم ساعة فساعة ) رواه أبو داود.

وهكذا، أختنا الفاضلة، فإنك تجدين أن الإسلام دين يسر لا عسر، وتبشير لا تنفير ؛ 
ومن ثم فإني أقترح عليك ما يلي :

١ ـ ازرعي في نفسك الثقة بأولادك، وأحسني الظن بهم دائماً، واجعلي هذه الثقة تظهر في تصرفاتك معهم، وحسن الظن أساس علاقتك بهم.
وهذا يعني ألا تقفي منهم دائماً موقف الاتهام، والشك، والريبة.

٢ ـ إذا صارحوك بتقصيرهم فلا تعنّفيهم، ولا تصرخي فيهم، ولا تلوميهم .. لأنك إذا فعلت ذلك فإنك ستدفعينهم إلى عدم مصارحتك بعد ذلك وإخفاء كل شيء عنك.

٣ ـ لا تأمرينهم بالنوافل، ولا ترغميهم عليها، لأنه سيأتي اليوم الذي يسعون فيه إلى هذه النوافل، ويسألون عنها، ويحرصون عليها إن شاء الله.

٤ ـ غًضّي الطرف عن كثير من أخطائهم إذا علمت أنهم نادمون عليها، وتجاهلي بعض عثراتهم إذا لم يقصدوا إليها، ولا تكثري اللوم حتى لا يضيقوا بك وبما توجهينهم إليه..

٥ ـ لا تكوني مثل السيف المصلت فوق رقابهم، تكتمين أنفاسهم، وتحصين حركاتهم وسكناتهم، فيكرهون وجودك معهم، ويحبون ابتعادهم عنك وابتعادك عنهم.

٦ ـ لا تستعجلي نضجهم ومغادرتهم مرحلة الطفولة .. دعيهم يلعبوا، ويفرحوا، ويمزحوا ... لأن من أسباب نمو الشخصية السوية .. اكتمال مرحلة الطفولة وعيشها في هناءة وسعادة.

وفقك الله إلى تربية أولادك أفضل تربية، وسددك في وسائلها وأساليبها، وحقق أمانيك في أبناء يرضي الله عنهم، وتقرّ بهم العين.

__________________


كيف أقنعهن بالالتزام ؟


انفصلت أمها عن أبيها وهي طفلة صغيرة.
عاشت مع أمها تسع سنوات. ثم انتزعها أبوها بعد أن بلغت السن التي يحق له فيها أن يأخذها لتعيش عنده.

لم يكن الأب متديناً، كذلك كانت زوجته الأخرى، فلم تنشأ الفتاة ملتزمة بما يأمرها به إسلامها من حجاب وقرار في البيت.

كبرت الفتاة وتزوجت، ورزقت بالأبناء والبنات، وهي على ما هي عليه من انخداع بالعادات غير الإسلامية، والدعوات الانفلاتية.

ويقدر الله سبحانه الهداية لها حين يقع في يديها كتاب يتحدث عن التبرج وأخطاره، وتدرك، بعد قراءته، أنها كانت تسير في طريق خاطئ.
ندمت ندماً شديداً على ما ضاع منها من أيام بعيداً عن الله وذكره، صارت تعوض ما فاتها بكثرة الاستغفار والتسبيح.
غيّرت ما كان مخالفاً أمر ربها ؛ فارتدت الحجاب الشرعي، وهجرت كل ما يغضب الله تعالى.
واهتدت إلى إذاعة القرآن الكريم في المملكة العربية السعودية، فجعلت منها مرشداً لها، تستفيد من كل ما تبثه إلى مستمعيها، وانصرفت عما كان يلهيها ويشغلها مما تبثه الإذاعات والتلفزيونات الأخرى.

وعجب مَن حولها بهذا الانقلاب الهام في حياتها، وصاروا يعلقون تعليقات، بعضها كان ساخراً هازئاً، ولم تكن تملك جرأة الرد عليه.

وانتقلت إلى أولادها توجههم وتنصحهم : ما أنت عليه لا يرضى الله عنه. هذا مخالف لإسلامنا. رضا الله غاية الغايات.
ومن بعد أولادها، انتقلت إلى زميلاتها وجاراتها وقريباتها، تحبب إليهن الالتزام، وتزينه في قلوبهن، وتشجعهن عليه.

لكنها فوجئت، وخاصة في دعوتها إلى الحجاب، بعدم استجابة الكثيرات.
واحدة تقول : كيف أتحجب وأنا رئيسة قسم هام؟!
وأخرى تزعم أن مركزها الاجتماعي لا يسمح لها، والثالثة تعتذر بأنها سكرتيرة مدير عام شركة،
ورابعة تخشى تسريحها من وظيفتها، وخامسة .. وسادسة .. كلها أعذار واهية، وحجج باطلة

قيل لها : ( عملت ما عليك والهداية من الله ) وهذا صحيح، لكنها تخشى أنها لم تحسن دعوتهن، ولم تنجح في كسب قلوبهن، وإقناع عقولهن..

فماذا عليها أن تفعل؟ هل تعتزلهن وتتوقف عن دعوتهن؟
إنها ترجو أن نجيبها عن سؤالها.

هذا هو اختصار لرسالة الأخت التي اكتفت بتوقيع " أختكم في الله ".

**

ويسر "مؤمنة" أولاً أن تبارك للأخت الفاضلة نعمة الهداية التي منَّ بها الله عليها، وأن تشكرها على هذه الثقة التي أولتنا إياها ؛ راجين الله تعالى أن يلهمنا السداد في ما نشير به عليها.

أختنا الفاضلة :

أولاً : كوني مطمئنة إلى أن سعيك الذي تبذلين، وجهدك الذي تقدمين، وحرصك الذي تبدين، فيه جمعيه أجر لك، سواء اهتدت من تعظينها أم لم تهتد، فنيتك خير ، وعملك صالح.

ثانياً : لا تيأسي، فإن المؤمن لا ييأس من روح الله، وإذا لم تستجب من تنصحينها اليوم فقد تستجيب غداً، وإذا لم تستجب هذه فقد تستجيب تلك ... المهم ألا تتوقفي عن الدعوة، ولا تحبطي نفسك في العمل فيها.

ثالثاً : قد لا يسعفك لسانك في حسن العرض، وبيان الحجة، وسَوْق الدليل، فلا تقنع بكلامك .. وهنا يمكنك اللجوء إلى الكتابة .. اكتبي لها، واختاري لها المواعظ وانقليها .. فلربما يكون هذا أيسر لك .. وأكثر تأثيراً فيها.

رابعاً : قد لا يسعفك حتى قلمك في حسن الدعوة ؛ فلا بأس عندها من أن تختاري الكتيبات التي تؤثر في قارئاتها، وتهديها إلى من تريدين دعوتها، وتتمنين هدايتها، ولا تنسي أنك ذكرت لنا أن هدايتك تمت بسبب كتيب عن التبرج .. قرأته فتأثرت به.

خامساً : لا يكفي أن يكون ما ندعو إليه حقاً حتى يؤمن الناس به، ويحرصوا عليه، وذلك ما نستفيده من قوله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم ﴿وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ 
فهذه الآية توجهنا إلى أن الناس كانت ستنفض من حول النبي صلى الله عليه وسلم، حتى مع أن الذي يدعو إليه هو الحق، لو كان فظاً غليظ القلب.

وعليه، فإن ما تبدينه من مودة، وما تظهرينه من رفق، وما تُشعرين به المدعوة من رحمتك بها، وخوفك عليها، وحبك لها .. هام جداً في استجابتها لك.

وفقك الله، أختنا، في هذه الرسالة الجليلة، رسالة الدعوة إلى الله، وإلى الالتزام بما تأمر به، واجعلي شعارك قوله تعالى ﴿ وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ ﴾.

__________________


أشعر بأني في التسعين من عمري


تحية تقدير وإعجاب ومحبة لشخصك لكريم، فهذه ليست المرة الأولى التي أكتب لك فيها.
كم أنا سعيدة للقائك بعد غياب طويل .. وفقك الله في المرة الأولى لمساعدتي، وكلي أمل في هذه المرة..

أخي العزيز عمري ٣٢ عاماً. أعاني من مشاكل بعد الطلاق الذي مضى عليه ٦ سنوات ونصف. ما عدا مشكلتي مع أمي فهي لا تعرف الكلام الحلو، ولا حتى التصرف الرقيق الذي يترجم ما بداخلها من مشاعر الحنان والود .. بعد الطلاق زادت مشاعرها جفافاً .. تطالبني بأن أتحمل جميع الأعباء المادية عن كل الموجودين في البيت على الرغم من أنهم قادرون مادياً، ولا مسؤوليات عندهم، ومرتباتهم أعلى من مرتب بكثير .. وإذا تقربت منها بالكلمة الطيبة أو التصرف الحنون تبدأ بوضع شروطها بطريق غير مباشر، يعذبني بل يكاد يقتلني الحب المشروط..
أمي لا تشعر بي ولا تساندني. أمي تفرق بيننا : الذكور أولاً ثم الإناث..
والإناث أيضاً درجات.
وهذه النقطة تثير أعصابي وتجعلني لا أهتم بها وأكرهها، فأنا لا أثق بها، لذلك دائماً أتوقع الشر منها .. موضوع حب أمي لي لا يهمني كثيراً، المشكلة أنني أعيش معها في نفس البيت وهي تنغص علي حياتي بكثرة الكلام الجارح والطلبات التي لا تنتهي .. ولا يربطني بها سوى مقولة ( الجنة تحت أقدام الأمهات ) ، ( الإحسان للأم حتى لو ظلمت ) فأنا أعيش في صراع.

على فكرة أنا تحدثت معها عن هذا الموضوع ولكن دون فائدة، أنا أكرهها وهي تعرف ذلك من كثرة المشاكل.
أصبحت عصبية جداً، وهذا أثر على علاقتي مع الناس، لذلك أنا الآن وحيدة، مزاجي متعكر، لا أستطيع التحدث مع أحد، أتمنى أن يكون عندي صديقات لكني عاجزة، بداخلي حاجز يحول دون تحقيق هذه الأمنية .. حاولت من فترة لكنني فشلت.
أنا لا أذهب إلى أي مكان فيه تجمع إلا العمل .. وهذا المكان لا يوجد فيه النوع الذي أريده .. وأنا على يقين أن وجود الصداقة في حياتي سيخفف عني كثيراً، ولكن كيف وأنا دائماً متعكرة المزاج وعصبية وأفكر دائماً بمشاكلي :

- الشعور بالحزن مهما حاولت إدخال السعادة إلى قلبي فهو لا يشعر، أريد أن أرجع كما كنت متفائلة .. عندي أهداف في الحياة .. أتحدى المشكلات.

- أشعر بأن عمري ٩٠ سنة.

- أجد صعوبة في اختيار الزوج .. أريده حنوناً، خفيض الصوت، يستطيع التعبير عن مشاعره، يعرف ما له من حقوق وما عليه من واجبات .. قادراً على حل مشاكله، يستشعر الجمال، ويعرف كيف يتذوقه، كيف أعرف أن كل هذه الصفات موجودة في الشخص المتقدم .. أريد أن أختار صح ..

وأتمنى من الله العلي القدير أن يحفظك ويرحمك ويحفظ ويرحم من تحب .. وأن ينير قلبك بالإيمان كما أنرت لي الطريق سابقاً، وأن يكون ذلك في ميزان حسناتك يوم القيامة.

أشكرك لأنك دللتني على مجلة " النور "، هذا النوع من المجلات كنت أبحث عنه من زمان.

أختك : رابعة
ملاحظة : اختصرت كثيراً من المشكلة، لم أستطع أن أعبر عنها بالقلم والورقة لأنها أكبر بكثير من أن تكتب .. صدقني أنني أشعر بانقباض قلبي عندما أتكلم عن مشكلتي .. أرجوك ادعُ لي أن يرحمني الله ويفرجها عليّ ( لأن دعاء المسلم لأخيه بظهر الغيب مستجاب )
وأنا متأكدة أنك سوف تشعر بمدى حجم المشكلة على الرغم من اختصاري الشديد.

**

أختي الكريمة :
أشكرك أولاً على ثقتك، وحسن ظنك، وأدعو الله أن يعينني على إرشادك إلى ما يخرجك مما أنت فيه، وما يصلح بينك وبين والدتك، فهذا مفتاح ذاك، أي أن رضا أمك عنك سبب في انتهاء معاناتك التي تعيشين فيها.

لقد اعترفت، أختي، أنك أصبحت "عصبية جداً " ، وذات "مزاج متعكر جداً "، وعاجزة عن التحدث مع الآخرين .. أليست هذه الصفات كافية لتبعد أمك عنك، وتبعدك عن أمك؟!

لم تعجبني عبارتك عن أمك "لا أهتم بها، وأكرهها، فأنا لا أثق بها "!
ثم تقولين "موضوع حب أمي لا يهمني كثيراً " !
وأرى أن العلة هنا، في إخفاقك في كسب رضا أمك عنك، أي أن مشكلاتك الكثيرة، ومعاناتك الطويلة، لن يوقفها إلا رضا أمك عنك.

وأقول مطمئناً : إن الشيطان نجح في بثّ مشاعر الكراهية في نفسك تجاه أمك، وجعلك تتوقعين الشر منها، حتى صرت تتهمينها بأنها هي التي تنغص عليك حياتك.

لكني، من جهة أخرى، لا أعفي والدتك من مسؤولياتها تجاهك، ولا يعني نصحي لك .. أن الحقَّ معها، لأن الإسلام كما يدعو الأبناء إلى بر آبائهم وأمهاتهم .. يدعو الآباء والأمهات إلى أن يعينوا أبناءهم على برهم.

ووالدتك أخطأت في أمور ؛ منها قسوتها، وأنها" لا تعرف الكلام الحلو " كما وصفتها في رسالتك.
وكذلك إيثار أبنائها، وهذا غير جائز في الإسلام، لا بل إن الرسول صلى الله عليه وسلم يذكر أنه لو كان مفضلاً أحداً لفضَّل الإناث على الذكور.
ثم إن والدتك، كما تقولين، تؤثر أخواتك عليك، وهذا أيضاً لا يجيزه الإسلام.

إذن ، أقول، إن على أمك أن تقدر حالك، وبخاصة بعد انفصالك عن زوجك، وكونك مطلقة، فهذا جرح تبقى آثاره في النفس، ويحتاج من يداويه ويعالجه، ولعل أمك خير من يعالجه ويداويه.

وعليك أيضاً أن تتقربي من أمك، وتتوددي إليها، حتى وإن صدتك في المرة الأولى، والثانية، والثالثة ...
فإنها، أخيراً، لا يمكن إلا أن تفتح صدرها لك، وتعطيك من حبها وعطفها ما أنت بحاجة إليه .. وإن كنت زعمت في رسالتك أن حبَّ أمك لك ما عاد يهمك.

ولاحظي أنك فقدت حتى صديقاتك، ومن غير المعقول أن تكون صديقاتك جميعهن على خطأ .. وأنت على صواب!
لا شك في أنك تحتاجين إلى صداقة – كما ذكرت في رسالتك : الصداقة في حياتي ستخفف عني كثيراً – وأرى أن والدتك ينبغي أن تكون في مقدمة صديقاتك .. بعد إصلاح ما بينكما طبعاً.

ولكنك لن تستعيدي صداقاتك قبل أن تنجحي في استعادة شخصيتك القديمة، ثقتك بنفسك، هدوءك ورباطة أعصابك، مزاجك الرائق الصافي، حديثك الباسم اللطيف.

وقبل أن تبدأي بهذا كله ؛ استعيني بالله تعالى، فإذا لم يعنك الله فإنك لن تنجحي في فعل شيء، كما قال الشافعي رحمه الله :

إذ لم يكن من الله عون للفتى = فأول ما يقضي عليه اجتهاده

يبقى أن أقف قليلاً عند الصفات التي تريدين توفرها في زوجك، وهي( حنون، خفيض الصوت، يستطيع التعبير عن مشاعره، يعرف ما له من حقوق وما عليه من واجبات، قادر على حل مشاكله، يستشعر الجمال ويعرف كيف يتذوقه .. )!

ولا أخفي عنك أنني كنت أبتسم وأنا أقرأ هذه الصفات، فهي جميلة عظيمة، بلا شك، ولكنها، يا رابعة، قلما تجتمع في رجل، ولو انتظرت رجلاً تجتمع فيه هذه الخصال الحسنة .. لا نتظرت طويلاً.

إن صفة واحدة، ذكرتها من ضمن الصفات، لو توفرت في الرجل، لأغنت عن كثير غيرها، وهي قولك "يعرف ما له من حقوق .. وما عليه من واجبات" ، فلو عرف كل زوج ما عليه من واجبات وأدّاها، وعرفت كل زوجة ما عليها من واجبات وأدتها .. لاستقرت الأسر ، وقلّ الخلاف، وأصبح الطلاق نادراً.

على أي حال، فلا أريد أن تتخلي عما تتمنينه، لكني أريدك أن تكوني واقعية بعض الشيء، تحمدين الله على ما يتوفر في زوجك من صفات ترضينها، وتصبري على ما في زوجك من صفات لا ترتاحين إليها .. فهذا حال معظم الزوجات.

وفقك الله، وأصلح ما بينك وبين أمك، وشرح صدرك، ورزقك بالزوج الذي يسعدك، ويعينك على أمر دينك.

__________________


أشعر أني ضائعة


أنا فتاة غير متزوجة، أقترب من العشرين، أفتقد التركيز في تفكيري وحديثي، بل في حياتي كلها،
ففكري مشتت، وكلامي متناثر، وقلما أثبت على عمل.

إذا ضايقتني واحدة بكلمة، أو تصرف، اشتعل عقلي بالأفكار الملتهبة للانتقام منها.
وإذا شاركتُ في حديث بين نساء قاطعتهن مراراً بكلمات عاجلة تثير استنكارهن وامتعاضهن.
وإذا مالت نفسي إلى عمل فإني أسأمه سريعاً، مثل القراءة .. فأنا لا أذكر أني أتممت قراءة كتاب واحد في حياتي .. مهما كان صغيراً.

كثيراً ما تقول لي أمي : "اعقلي .. ما عدت صغيرة" . وتصفني بـ "الهوجاء" و "الطائشة" وتصرخ فيَّ أحياناً فتزيدني بصراخها تشتتاً وضياعاً.
أريدها صديقة لي، أشكو إليها همي، وأبثّها ما في نفسي، لكني أراها مشغولة عني بأخواتي وإخوتي الصغار.
يخطر في بالي أحياناً أن الحل الوحيد لما أنا فيه هو الزواج، حيث يكون لي بيتي المستقل، والرجل الذي يحبني ويصادقني ويفهمني ويعلمني.

إذا أردت أن أختصر لك مشكلتي فإني أقول لك إني ضائعة .. ضائعة .. ضائعة لا أهتدي إلى ما ينقذني من ضياعي هذا.

ابنتك (......)

**

أحب أن أطمئنك أولاً إلى أن ما تعانينه تعانيه فتيات كثيرات في مثل سنك، لكن بدرجات متفاوتة، وبنسب مختلفة، فمنهن من يأتيها مثل حالتك يوماً أو يومين في الأسبوع، أو ساعات متفرقة فيه، ومنهن من تسيطر عليهن هذه الأحاسيس سيطرة شبه كاملة، مثلك أنت.

كنت أتمنى لو حدثتني عن التزامك بدينك، وما ينتج عن هذا الالتزام من أداء خاشع للصلوات، وارتداء تام للباس الإسلامي، وغير هذا وذاك.
لأن أكثر الفتيات غير الملتزمات يعانين ذاك الضياع الذي تعيشين فيه، بل ويعيش فيه، أو ما يشبهه، كل من أعرض عن ذكر الله تعالى :
﴿ وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا 
﴿ وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ 

إن أداء الصلوات بخشوع وتفكر وتدبر يملأ القلب طمأنينة، والنفس رضا، ويمنح العقل سداداً وحكمة.
فإذا امتلأ قلبك طمأنينة، ونفسك رضا، واستفاد عقلك سداداً وحكمة، ذهب ما بك من ضياع، وثقب تفكيرك، وهدأت ثورة نفسك.

لن يستطيع أحد أن يخرجك مما أنت فيه إلا الله سبحانه وتعالى، فاقتربي منه، واستعيني به، وتوكلي عليه، واعملي بما يأمرك به، وانتهي عما ينهاك عنه ؛ فإنك إن فعلت هذا ذهب عنك الضيق والضياع والتشتت.
ثم، بعد ذلك، اقتربي من أمك، وأحسني صحبتها، وتتوددي إليها – وهذا مما يأمرك به إسلامك أيضاً – وستجدين أمك صديقة لك كما تتمنين، ناصحة مرشدة كما تأملين.

ومع الأيام، ستجدين تغيراً كبيراً، ويزول عنك ذاك التشتت في التفكير ويتحول إلى سداد وحكمة، ويستقر لسانك فلا يخرج منه إلا الكلام الموزون المبين، وستتمين ما تبدأين من أعمال بعون الله تعالى.
ولا تنسي أن تكثري الاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم، لأنه سيقى مترصداً بك، متحيناً الفرص التي يتسلل فيها إليك، ليحبطك ويحزنك ويبعث في نفسك اليأس والضعف.

شرح الله صدرك، ويسّر أمرك، وأعانك على التزام إسلامك التزاماً يرضي عنه الله.

__________________


بم أنصحها ؟



من منطلق الأخوة والتناصح لجأت إليّ تعبر عما يثور في داخلها من مشاعر قلق وهم وحزن، وحكت لي ما في نفسها في صراحة تامة.
قلت لها : دعيني أنقل ما تعانينه إلى أخ ناصح مؤتمن، وها أنا أكتب إليك لعلك نرشدها إلى ما يشفي صدرها، ويفرج أمرها.

هي في ربيع العمر، ذاقت المر باكراً، حتى تمنت لو أنها رحلت عن هذه الدنيا فأراحت واستراحت.
تحطمت صِلاتها مع الآخرين، حتى مع أهلها لا تجد الأنس والراحة.

في التاسعة عشرة من عمرها، لكنك، إذا رأيتها، حسبتها في الأربعين. بدأت معاناتها قبل سنوات من خلاف والديها الدائم، وشجارهما المستمر، لكنها تسلحت بالتقوى، وواصلت دراستها، حتى صارت في الجامعة، وهي الآن في سنتها الأولى.
لا تدري ما الذي صرفها عن الصلاة فهجرتها، وصارت تشعر بأنها نجسة، لا تحسن قراءة الفاتحة في الصلاة، وصوتها يؤذي من حولها، وقالت إن هذه وساوس من الشيطان، فصبرت .. لكن صبرها لم ينفعها.

تعرفت في الجامعة إلى شاب دعاها لتكون صديقة له، فوافقت، وبررت موافقتها بقولها لنفسها : هروب من الواقع، ومحاولة لنسيان الآلام وما درت أنها وضعت قدمها في طريق السقوط.
ألقت طريق الانحراف، وقطعت فيه شوطاً، ثم صحت قليلاً، وصارت في حيرة بين العزلة والانطواء ثم الجنون، أو الاستمرار في طريق الانحراف والسقوط، وهي تشعر أن عقلها لا يعمل في الاتجاه الصحيح.

لقد طلبت مني مساعدتها للنجاة من غضب الله وعقابه، وإنقاذها من الطريق الذي سارت فيه، فكيف أفعل؟ وبمَ أرشدها؟

**

أحمد الله تعالى أن هذه الفتاة عازمة على تصحيح سيرها، راغبة في النجاة من غضب الله ومن عقابه، وكنت أتمنى لو كتبت هي بنفسها عن مشكلتها بدلاً من أن تكتب لها عنها صديقتها، وما أحسبها عاجزة عن الكتابة وهي الطالبة الجامعية، لكنه الضعف الذي تملكها، والخضوع الذي أسلمت نفسها إليه.

على أي حال ؛ فإني أنصحها بأن تصدق في توبتها، وتعقد العزم على عدم العودة إلى أخطائها، وليكن التوجه الخالص إلى الله تعالى هو أول ما تفعله، ثم لتدعوه سبحانه بقلب منيب خاشع أن يقوّيها على نفسها، وعلى الشيطان، وأن يعينها على قهره وإبعاده.
ولا بأس أيضاً من أن تدعو لها أخواتها في الله، فالدعاء سلاح لا يفطن إليه كثير من الناس.

ثم لتحرصي أنت، أيتها الأخت التي كتبت لها مشكلتها وعبّرت عن حالها، أن تلازمينها مع مجموعة من الأخوات، فلا تذهب إلى مكان دون أن تكنَّ معها، ولا تفارقنها إلا حينما تذهب إلى بيتها، بل حتى حين تذهب إلى بيتها لا تقطعن الاتصال بها عبر الهاتف.

وخلال وجودها معكن، أو اتصالكن بها عبر الهاتف، ذكّرنها بالله تعالى، وكررن لها الموعظة، وتابعن معها صلاتها التي يجب أن تلتزم بها هذا الهجران الطويل.

وما دمت قد ذكرت أن عقلها لا يعمل في الاتجاه الصحيح فإن عليكن أن تكنَّ لها عقلها، ترشدنها، وتوجهنها، وتحذرنها وتبعدنها عن كل سلوك خاطئ، أو طريق معوج.

__________________


هل أتزوجه ؟

أنا فتاة أبلغ من العمر ٢٨ سنة. متدينة، وعلى خلق، ومثقفة، وجميلة جداً، والحمد لله.
تقدم إلى خطبتي رجل متزوج له ثلاثة أبناء، وهو من أقاربي. ولا أخفي عليك أنني أحببته حباً ملك عليَّ مشاعري وأحاسيسي، وصارحت أمي بذلك.
وعندي إحساس بأنه يبادلني هذه المشاعر، إلا أنه ليس بيننا غير السلام، فهو إنسان متدين، وأرى أن أمثاله قليلون هذه الأيام.
وعلى الرغم من أن شباباً كثيرين تقدموا إلى خطبتي فإني لم أجد فيهم ما يشدني إليهم ويرضيني عنهم.
أهلي موافقون على من أوافق عليه وأرضى به، وبخاصة والدي الذي يحترم رأيي ويقدر اختياري ولله الحمد.
أريد رأيك في أقرب وقت، مع شكري الجزيل لك مسبقاً، على ما ستشير به علي، وعلى ما تبذلونه من جهود في "الفرحة".
أختك سعاد

**

نعم .. بعد أن لا تنسي أموراً

إذا أردت أن أجيبك بعبارة واحدة فإني أقول لك : 
ليست هناك مشكلة. ولكنك طلبت رأيي، ولا بد من أن أوضح لك الأمر من مختلف جوانبه :

الإيجابيات في ما ذكرته متعددة :

- إعجابك به ورضاك عنه.
- إعجابه بك ورضاه عنك.
- موافقة أهلك.
- دينه وخلقه ( وهما أهم الإيجابيات )

وعليه فإني أقول لك توكلي على الله تعالى، واقبلي به، بعد أن تصلي ركعتي سنّة الاستخارة وتدعي بدعائها الذي علّمنا إياه الرسول صلى الله عليه وسلم.
يبقى أن أذكرك بأمر قد يراه بعض الناس سلبياً، وهو كونه متزوجاً، وعنده ثلاثة أبناء ( لم تذكري كم يبلغ كل منهم من العمر ).
إذ ينبغي أن لا تنسي أنه لن يستطيع أن يمنحك كل وقته واهتمامه وحبه، فزوجته الأولى لها عليه حقوق، وأولاده لهم عليه حقوق، وهذه الحقوق وتلك ستأخذ من وقته واهتمامه وماله وجهده، فإذا كنت قد وضعت هذا في اعتبارك، وهيّأت نفسك له، فلن تُصدمي إن شاء الله،
أما إذا كنت تحلمين به وحده لك، متناسية زوجته وأولاده، فقد تندمين بعد ذلك.

لا بد من أن تخاطبي نفسك من الآن : لن يكون معي دائماً. عليَّ أن لا أفاجأ إذا كان جالساً معي وجاءه هاتف من أحد أولاده يطلبه في أمر طارئ.
هناك ليال كثيرة سيبيت فيها مع زوجته الأولى .. هذا ما يأمره به الإسلام : أن يعدل في المبيت بيننا.
فهل أنا مستعدة للبقاء وحيدة في البيت لياليَ كثيرة؟
لن تفرح زوجته الأولى بي، وستغار مني، وستحدث مشكلات تحدث عادة بين الضرائر ... فهل سأحتملها؟

إذا نجحت في تهيئة نفسك لهذا كله، وأجبت على جميع الأسئلة السابقة بـ : " نعم " .. لقد هيّأتُ نفسي لقبول بقائه ليلة عند زوجته الأولى وليلة عندي، وأنا متوقعة انشغاله بأولاده عني، وأعلم أن قسطاً كبيراً من دخله سيذهب إليهم، وأن الحياة لن تكون صافية دائماً، ولا بد من بعض المشكلات التي تحدث بين الضرائر .. إذا امتلكت هذا الاستعداد، فلن تفاجئي إن شاء الله، وستتكيفين مع الوضع لذي شرحته لك.

وفقك الله إلى ما فيه سعادتك، وسددك إلى اختيار ما هو خير لك.

__________________


قد ترى مشكلتي تافهة !

لا أدري إن كنت ستتضايق من رسالتي ؛ فأنا أريد أن أبوح لك بكل ما يعتلج في نفسي من مشاعر طالما حاولت البوح بها .. لكن لمن؟
قد تستغرب فتقول: أضاقت بك الدنيا من أن تجدي من تبوحين له حتى تكتبي إلي؟
أجيبك: إي والله، لقد ضاقت بي الدنيا، بل ضاقت نفسي المنغلقة حتى عن البوح لأمي، أعظم مخفف للآلام وكاتم للأسرار.
ولكن أنى لي ذلك وأنا لا أكاد أتكلم حتى أتلعثم.

أكتب أحياناً بعض الخواطر التي تنفّس عني، وأسجل أحياناً آرائي في كتابات أخرى، وقد أودعت هذه وتلك دفتراً خاصاً بي. ولا أخفيك أنني أجد المتعة في الكتابة، وأجد نفسي أتنفس فيها بحرية.
وأنا أحب القراءة جداً، خصوصاً قراءة القصص الاجتماعية التاريخية من مثل " طلائع الفجر " لنجيب الكيلاني، وغيرها من قصص الطنطاوي والرافعي والزيات.
ولم تقتصر قراءاتي على القصص، فقد قرأت كثيراً من الكتب الدينية والتاريخية، ومن أجمل ما قرأت كتاب " حادي الأرواح إلى بلاد الأفراح " لابن القيم الجوزية. وهو كتاب مميز بالفعل، فيه وصف رائع لصفة أهل الجنة والنعيم الذي يعيشون فيه.
ولقد استفدت منه كثيراً في تقوية الدافع في نفسي للمضي في طريق النور والإيمان .. وأرجو أن أكون من هؤلاء السالكين وألا يحرمني سبحانه من النظر إلى وجهه الكريم.

يبدو أني أثقلتك بحديثي. وأعلم أنك ستقول إنني مجرد إنسانة تبحث عمن يستمع إليها، ولعل هذا صحيح، فأنا حقاً بحاجة إلى من أحدثه.

ولأبدأ بعرض مشكلتي عليك: أنا لا أقدم على شيء بسهولة، ولا أجرؤ على اتخاذ قرار ما .. بل أحياناً أضطرب عندما يسألني أحد عن رأيي في شيء يخصّه، وأسأل نفسي: هل سيوفق رأيي رأيه؟
إنني أحرص على موافقة آراء الآخرين ومسايرتها وإن لم ترق لي .. فماذا بعد هذا البلاء من بلاء؟
الحمد لله على كل حال، فأنا لست يائسة، وما زالت فيَّ قوة أستعيد بها ثقتي بنفسي، لكن الذي يعوق مسيرتي أنني لا أجد من يساعدني في مشواري الطويل هذا، أو بالأحرى، لا أجد من ينقذني ويخرجني مما أنا فيه.
كان عزائي الوحيد – وما زال – أن أحادث نفسي، وقد تشاركني دموعي فأجد في ذلك بعض الراحة والسكينة.

قد ترى مشكلتي تافهة وموجودة لدى كل فتاة في مثل سني الصغير ( قريباً من العشرين ) وأنا معك في هذا، ولكن مهما كان الألم صغيراً فلا بد من معالجته حتى لا يستفحل إلى داء خطير. هل أنت معي في ذلك؟

أرجوك تحمَّلني قليلاً، فلدي الكثير والكثير مما أود إخبارك به، فأنا أحدثك وكأنني أعرفك من سنين طويلة.

لقد قرأت كتباً تخص ضعف الشخصية والانطواء، وصحيح أن فيها نصائح قيمة وإرشادات هامة أفادتني كثيراً، إلا أن فائدتها لم تكون كاملة إن لم تجد التطبيق المستمر لها.
كما أنني ما زلت أنشد معيناً غير الكتب، تسمع مني وأسمع منها، تتفاعل معي وتتفهم آرائي، ولا أظن أن الكتاب يفعل ذلك.

من أكثر ما يؤلمني عدم قدرتي على مصارحة الآخرين بما يجوب عالمي من شتى الأفكار والمشاعر على الرغم من أن صديقاتي لا يخفين عني صغيرة ولا كبيرة، ومع هذا فإني أشعر أنني أفتقد الصديقة المخلصة.

ولعلي على معرفة تامة بالحل الأمثل لمشكلة مثل مشكلتي المتمثلة بضعف الثقة بالنفس والخوف من مواجهة الآخرين، وعدم القدرة على التفاعل معهم، والإسراف في استخدام المشاعر!
أعلم أنني بالأمل والإقدام والتجرد والشجاعة والتحمل أصل إلى بغيتي. كل قطع الغيار جاهزة، المشكلة تكمن في عدم وجود القوة التي تسير بي في طريق الحل، ولا أحسب أن هذه القوة معدومة ولكنها في حاجة إلى من يفك قيدها ويتعهدها بالرعاية. فما الحل يا ترى؟
هل في إمكانك مساعدتي؟

المسترشدة

**

أطمئنك أولاً إلى أنني لم أتضايق من رسالتك كما خشيت، بل سعدت لثقتك في نصحي، وحرصك على سماعك رأيي في الأحاسيس والمشاعر التي تمور في نفسك، وفي كل ما كتبته في رسالتك بصورة عامة.
واسمحي لي ثانية أن أبدي إعجابي بأسلوبك فأنت تملكين قلماً في الكتابة يشير إلى موهبة نادرة، فأرجو ألا تتوقفي عن الكتابة، وجربي أن تكتبي قصصاً ومقالات وغيرها، وابدئي بنشرها في الصحف والمجلات، وسيكون لك مستقبل ناجح في الكتابة إن شاء الله.
وواضح أن قراءاتك الكثيرة ومطالعاتك القديمة نفعتك وصقلت موهبتك، فكان هذا الأسلوب الجميل.
وهي فرصة لأنصح القارئات الكريمات بعدم إهمال القراءة، ومنحها الأوقات الكافية.

أعود إلى رسالتك لأقول لك إنك قلت لنفسك كثيراً مما كنت أود أن أقوله لك، وهذا يُظهر كم أنت بصيرة بنفسك، ذكية، وعاقلة.
أجل، فمشاعرك وأحاسيسك متكررة في نفوس الكثيرات من البنات، لكن رهافة حسك الزائدة، وعقلك الدائم التفكير، جعلاك ناقدة لنفسك، شديدة اللوم لها، غير راضية عنها.
كأنك تريدين أن تكوني قوية الشخصية، حتى إنك قرأت كتباً تساعدك على بلوغ ذلك، وأقول لك: هل صاحبة الشخصية القوية محبوبة؟
هل يُقبل الناس على صاحب الشخصية الطاغية؟
ليس دائماً، بل كثيراً ما يكون أصحاب الشخصيات المشابهة لشخصيتك محبوبين أكثر، ويسعى من حولهم إلى مصادقتهم ومجالستهم لأنهم يشعرون أن أصحاب تلك الشخصيات لا يطمعون في ما في أيدي الناس .. ولا يريدون السيطرة على أحد.

ولأقف معك عند الكتاب الذي قرأته لابن قيم الجوزية وأعجبك، وهو كتاب "حادي الأرواح إلى بلاد الأفراح" ، وأجعل من هذا الكتاب منطلقاً إلى الخروج مما تعانينه، بل من كل ما يعانيه كل إنسان:

اجعلي همَّك محصوراً في غاية رئيسية: إرضاء الله سبحانه، والوصول إلى جنته، دون أن يعني هذا انصرافك عن الدنيا ﴿وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الآخِرَةَ وَلا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا.
إذا نجحت في ترسيخ هذا في نفسك، وقلبك، وعقلك .. هان عليك كل شيء، وصغر في عينك كل كبير في الدنيا، 
وما عاد أي همّ أو كرب يقوى عليك.

حين تضيق بك الدنيا إلجئي إلى الله تعالى، ناجيه مناجاة محب، تقربي إليه أكثر فأكثر ؛ ستجدينه سبحانه أقرب إليك من كل قريب، وستجدين في مناجاته الأنس والرضا والسعادة.

وفقك الله، وشرح لك صدرك، وأعانك دائماً.

__________________


مشكلتي هي .. أمي !!

هل أختصر لكم مشكلتي في كلمة واحدة؟
مشكلتي هي: أمي! وبكلمات أخرى: في علاقتي بها أو علاقتها بي.

أليس على الأم أن تفهم أبناءها وبناتها، ويتسع صدرها لهم، وتعطف عليهم وترحم ضعفهم، وتجبر كسرهم؟

إذا قلتم : بلى، هذا ما ينبغي أن تكون عليه الأم ؛ فإني أقول لكم بصدق: ليس في أمي أي صفة من هذه الصفات!
أمي لا تفهمنا، ولا يتسع صدرها لنا، ولا نجد منها العطف الكافي، ورحمتها بنا ضعيفة، وهي بدلاً من أن تجبر كسرنا تزيده كسراً!
ستتهمونني بالمبالغة. ستقولون إنني أتجنى على أمي وأظلمها! ما رأيكم في أن أمي لم تضمني إلى صدرها قط! لا أذكر أنها قبّلتني! لم أسمع منها ما تسمعه البنات من أمهاتهن من كلمات رقيقة، حانية.
كلمات تفتح بها قلبي لها .. كل ما أسمعه منها كلمات اتهام بالإهمال أو التقصير، كلمات تنال مني ومن أحاسيسي ومشاعري.

لقد تجاوزت العشرين من عمري بسنوات عدة، وأنا غير متزوجة، غير أن أمر عدم زواجي لا يهمني قدر ما تهمني علاقتي بأمي، فلو كانت هذه العلاقة ناجحة، وقوية، لما همّني شيء في الدنيا كلها.

ومع تديني والتزامي بما يأمرني به ربي سبحانه، ورسوله صلى الله عليه وسلم، فإني أحس بقلق شديد لعدم نجاحي في بر أمي، وأرى أبواب السماء مغلقة في وجهي، وموصدة أمامي.

أحرص كثيراً ، حينما أرجع من عملي، على تقبيل رأس أمي، واسترضائها، لكن الجدال الذي يثور بيننا بعد ذلك، يفجر الغضب الكامن في نفسي، فأثور رافضة إهمال أمي لي، وقسوتها علي، وعدم اكتراثها بي.
تصور أنها تزور أخواتها المتزوجات ( خالاتي ) أربع مرات في الأسبوع، فأقول لها: نحن أولادك أهم من أخواتك، وواجبك تجاهنا أكبر من واجبك تجاههن! فترد علي بالقول: أريد أن أصل الرحم، وخالاتك من رحمي.
ضيقي من والدتي يكاد يوصلني – إن لم يكن قد أوصلني – إلى كراهيتها، وهذا يخيفني كثيراً، إذ ماذا ينفعني كل عملي وعبادتي إذا لم تكن أمي راضية عني!
أرشدوني إلى ما ينبغي عليَّ أن أفعله ... وجزاكم الله عني كل خير.

الفتاة الحائرة

**

الحمد لله أنك صاحبة نفس لوّامة، يقظة، حريصة على أن لا تخسر رضى والدتها عنها، وأنك تدركين أن العبادة والعمل لا يكفيان إذا لم يكسب الإنسان معهما رضى والديه عنه، كما قال صلى الله عليه وسلم: ( رضى الرب في رضى الوالدين، وسخط الرب في سخط الوالدين ) رواه الحاكم.
ولا شك في أن والدتك لا تعينك على أن تبريها، فأيّ أم هذه التي لم تحتضن ابنتها قط؟! لم تقبّلها! لم تُسمعها الكلمات التي يُسعد الفتاة سماعها من أمها، وتفتح لها مغاليق قلبها؟!
حدثتني إحدى الأمهات أن جارتها وابنتها كانتا في زيارة لها، وبينما هما جالستان خاطبت الأم صاحبة البيت بنتها الصغيرة بـ ( يا حبيبتي ) ... فصاحت ابنة الجارة الزائرة في وجه أمها: ( شايفة شلون الأمهات ينادين بناتهن!! عمري ما سمعتك تقولين لي يا حبيبتي ) !
هذه الحادثة الحقيقية تشير إلى عمق تأثير الخطاب الرقيق في النفس الإنسانية عامة، وفي نفوس الأبناء خاصة، وهي تؤكد على أهمية عدم إهمالها في المخاطبة.
لكنها، في الوقت نفسه، تشير إلى أن والدتك ليست وحدها المقصرة في هذا الأمر، فكثيرات من الأمهات يغفلن عنه، ويهملنه، ولعل هذا يخفف عنك تقصير أمك.
وأذكّرك بأن أجرك على برك أمك أكبر من أجر غيرك التي تعينها أمها على برها، فأنت تصبرين وتحتملين، فإذا احتسبت صبرك واحتمالك عند الله، وراغمت نفسك من أجل أن تبري بأمك، زاد أجرك إن شاء الله تعالى.
جرّبي أن تخفضي جناحك لأمك أكثر ؛ تذللي لها أكثر، توددي إليها أكثر ؛ ولا بد أن تجدي أثر هذا كله إن شاء الله.

__________________


بناتي .. كيف أربيهن

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .. تحية طيبة وبعد ...

يطيب لي أن أشكر جميع القائمين على إصدار مجلة " النور " والتي أفادتنا كثيراً وفتحت أذهاننا لما هو جديد ومفيد.
بارك الله في جهودكم، وجعل ما تقومون به في ميزان أعمالكم، وأبلغكم بما بذلتم الجنان، وأوصلكم به إلى رضا الرحمن.

أما بعد

أبعث إليكم برسالتي هذه محدثةً نفسي أن المسلم ضعيف بنفسه، قوي بإخوانه، فعندما تعترضني أي مشكلة فأول ما أفكر فيه أن أبعث إلى مرشدتي " النور " حفظها الله من كل مكروه.
عزيزي المسؤول عن زاوية " أرشدوني " أبعث إليك برسالتي هذه وأرجو أن ترشدني إلى الطريق الصحيح.

لقد قرأت موضوعاً في مجلة " الأسرة " العدد ٤٤ في زاوية ( أوراق خاصة ) وكان الموضوع عن ( مشكلتي: طموحي الزائد ) ولما قرأته أحسست كأنه يحكي بعض واقعي، وخصوصاً عندما ذكر الدكتور الصغيّر ( المشرف على الزاوية ) أن مرد ما ذكره الأخ في رسالته راجع إلى الخطأ الذي يرتكبه بعض الآباء والأمهات، هداهم الله، في تربيتهم لأبنائهم، حيث إنهم يمدحون الآخرين ويذمون أبناءهم، فنجدهم يقولون أحياناً : أنتم لستم كأولاد فلان أو فلانة، هؤلاء متفوقون، هؤلاء أذكياء، هؤلاء يعرفون كل شيء، ويستطيعون تدبير أمورهم بحكمة، أما أنتم فلا. مع أننا ننبهكم ونعلمكم ولكن لا جدوى! .
ولأنني عشت مرارة هذا الوضع ؛ فأنا لا أريد أن تعيش بنياتي ما عشته، فأنا لدي بنات، ولأني أدركت خطأ الوالدين سامحهم الله في تربيتهم وحسن نيتهم في ما يقولون، فإنني أرى نفسي تفرط أحياناً مع بنياتي عندما أغضب منهن فأقول لهن: أنتن غير نظاميات، غير مرتبات، سأعاقبكن، سأحرمكن من المصروف، سأضربكن. أنا لا أدري كيف أتعامل معكن!؟
أقول هذا وأنا غضبانة، ولكني لا أنفذ ما أقول إلا نادراً، وعندما تهدأ أعصابي وأذكر وضعي السابق أرحم بنياتي، وأحاول تطييب خاطرهن، مع المحافظة على اتزاني وثباتي على موقفي منهن، ولكني أذكرهن أنني آمل منهن أن تعرف كل واحدة ما يجب أن تعمله.

ولكني في تصرفي هذا ؛ أخشى أن يكنَّ مذبذبات :
مرة سأعاقبكن، وعندما أذكر وضعي أرحمهن وأحاول تغيير الموضوع. فهل هذا تصرف سليم أم لا؟

أ . هـ ع .

**

أشكرك أولاً على ثقتك بمجلة " النور "، وثنائك عليها، ورضاك عن باب " أرشدوني "، وحرصك على الكتابة إليه بمشكلتك.
وأخفف من قلقلك بإخبارك أن ما تقومين به تقوم به أمهات كثيرا، وقليلات جداً هن اللواتي لا يقارن بين أطفالهن وأطفال الجيران أو الأقارب أو الأصدقاء، بل يقع في هذا كثير من الآباء أيضاً.
لكن هذا الأسلوب، على كل حال، يبقي غير صحيح تربوياً، وينبغي أن يبتعد عنه الآباء والأمهات جميعاً.

أختي الفاضلة
١ ـ في الملاحظة التي كتبتها في آخر رسالتك ذكرت أعمار بناتك، وأنهن جميعاً دون العاشرة من العمر، أي أنهن صغيرات، يحتجن مزيداً من الحلم، وسعة الصدر، والحب، والعطف.

٢ ـ هذا الحلم عليهن لا ينفي الحزم معهن، الحزم الرفيق الليّن، الذي لا يرافقه ضرب، فقد استدل العلماء على أنه ما دام الطفل لا يُضرب من أجل تركه الصلاة إلا بعد بلوغه العاشرة فلا يضرب على غير ذلك إذا كان دون العاشرة.

٣ ـ ابتعدي عن الأحكام المطلقة من مثل قولك لبناتك: " أنتن غير نظاميات، غير مرتبات" ،
بل قولي لابنتك: " إذا تكررت هذه الفوضى منك فستكونين غير مرتبة، وأنا لا أريدك أن تكوني غير مرتبة، لا أريد أن يقول الناس إن بنتي فلانة غير مرتبة" .
وإذا كانت قد رتبت أشياءها في مرة ماضية فذكّريها بها، وشجعيها على تكرارها بقولك " أريدك أن ترتبي لعبك وتعيديها إلى الخزانة كما فعلت في المرة الماضية عندما ..." .

٤ ـ العقاب بالحرمان جيد، على أن لا يبالغ فيه مع هُنَّ في مثل سن بناتك، وحتى يكون العقاب بالحرمان مجدياً يجب أن تنفذيه، لا كما تفعلين مع بناتك، لأنهن سيتعودن منك تهديدك، ولا يحسبن له حساباً، مع تكراره دون تنفيذ.
ويراعى أن لا يكون الحرمان من أساسيات، كطعام أو شراب، إنما يكون حرماناً من الخروج في نزهة اعتدن عليها، أو في شراء لعبة رغبن في شرائها.

٥ ـ المقارنة بتفضيل بنات الآخرين على بناتك لها أثر نفسي محبط لهن، ولا تفيد تربوياً، والأفضل منها أن توجهي عقولهن ونفوسهن إلى الله تعالى في ما تربينهن عليه، من مثل قولك " إن الله نظيف يحب النظافة " ،
" إن الله يحب الصادقين "
" ألا تريدين أن يحبك الله .. ينبغي أن تطيعيني وتفعلي ما أطلبه منك" .. وهكذا.

٦ ـ حكاية القصص عن بنات مرتبات، غير مهملات، يشجعهن ويساعدك على حثهن على أن يكنَّ مثل بطلة القصة " فلانة " التي كانت مرتبة .. أو مطيعة .. أو نظيفة .. وهكذا.

وفقك الله وسددك، ولا شك في أنك مستبشرة بحديثه صلى الله عليه وسلم: " ما من مسلم تدرك عنده ابنتان فيحسن صحبتهما إلا أدخلتاه الجنة" رواه البخاري، فكيف وعندك أربع بنات! .

__________________


توفي والدي
فرعيت أمي وإخوتي
وبقيت من غير زوج

أبعث إليك رسالتي هذه وكلي أمل في أن تقرأها بعناية، وتعيش معي مأساتي من خلال سطورها.
أنا فتاة في الثامنة والعشرين من عمري، كبرى إخواني وأخواتي. توفي والدي في السنة التي تخرجت فيها من الجامعة، فلم أحس بالفرحة التي يحس بها كل من يحصل على الشهادة الجامعية.
برزت المسؤوليات في وجهي كبيرة: إخوتي وأخواتي الصغار، وأمي المريضة، كلهم محتاجون إلى رعايتي وإنفاقي وحبي.
ومضت السنوات وأنا أعطي وأعطي على حساب سعادتي؛ إذ أني لم أتزوج من أجل أن لا أترك أمي وإخوتي وأخواتي دون راع أو معيل.
وها أنا الآن في التاسعة والعشرين من عمري، لا زوج ولا أولاد، لا بيت ولا أسرة، وما أحسب أن أحداً يقبل بي زوجة له بعد الآن.
ابنتك الحزينة

اختصرت رسالتك الطويلة إلى تلك الأسطر القليلة؛ وأقول لك: لا تحزني، بل افرحي لما قمت به، وارضي بما كتب الله لك – لا عليك – من خير. أجل ((خير)). وخير عظيم سيثيبك الله عليه – إن شاء سبحانه – ثواباً وأجراً، وخيراً وفضلاً، في الدنيا والآخرة.
يكفيك دعوات أمك لك، ورضاها الكبير عنك. وكذلك دعاء إخوتك وأخواتك الذين رعيتهم، ولم تبخلي عليهم من مالك ووقتك وجهدك.
أما قولك بأن أحداً لن يقبل بك زوجة بعد الآن فليس صحيحاً، بل إن كثيراً ممن سيعرفون تضحيتك سيتمنى أن تكوني له زوجة وسكناً.
وسنك الذي أنت فيه ليس كبيراً إلى الحد الذي يصرف الأزواج عنك، وسيرزقك الله تعالى – إن شاء – زوجاً صالحاً تسعدين معه بقية حياتك.
وبما أننا مأمورون بالأخذ بالأسباب فإني أنصحك بالاتصال بلجنة العثمان، وسيعينك الإخوة هناك – بعد عون الله تعالى – في ترشيح رجل مناسب لك.
وأؤكد مرة ثانية، أن كثيراً من الرجال يتمنى الزواج من فتاة مثلك. وفقك الله وأعانك وأسعدك في الدنيا والآخرة.

__________________


أبحث عن الصداقة

أخبركم أولاً أنني، ولله الحمد، سعيدة في حياتي إلى حد كبير، ولا تواجهني سوى مشكلة واحدة هي أنني أفتقد الصديقات.
متزوجة منذ تسع سنوات، ورزقت من زوجي بثلاثة أبناء، وهو وأنا متفاهمان ومتفقان على كل شيء تقريباً.. ولا نختلف إلا على أمور يومية عابرة.
زوجي عسكري، ولا أدري إن كان عمله هذا هو سبب قلة كلامه؛ فهو لا يتكلم إلا عن ما هو ضروري... كلمات قليلة وينتهي كل شيء.
أريد أن أقيم صداقات مع نساء أخريات، من الجارات والقريبات، لكنني أخشى إن صادقت واحدة أن تبتعد عني ... وخشيتي هذه ليست بعد زواجي، إنما هي معي منذ الصغر.
أحب الله تعالى، وأحب زوجي وأمي، وجميع أهلي وأبنائي، وأكاد أن لا أكره أحداً ولو أساء إلي.
كثيراً ما أخلو إلى نفسي لأبكي وحدتي، وانصراف الناس عني، حتى أمي التي أحبها لا تفهمني.
زوجي يغيب عني كل سنة شهرين، بحكم عمله، ويتركني مع أولادي، وأنا لا أشكو منه ولكني أريد أن يحادثني.
لا أدري إن كان مهماً إخبارك بأنني أعمل، وأنني أصطحب أولادي إلى المدرسة وأعود بهم منها، وأتسوق ما يحتاجون إليه من الجمعية، ومن أسواق السمك والخضروات، بينما زوجي يأكل وينام ويخرج إلى أصدقائه.
أريد أن أقيم صداقات، ولكن كيف؟ لا أعرف!
أخاف إذا زرت جارة أو قريبة أن أثقل عليها.
ماذا أفعل؟ أشيروا علي.

أم مشعل
المالكة لكل شيء سوى الصداقة

أحب، قبل كل شيء، أن أثني على قناعتك بعيشك، ورضاك بزوجك، ووصفك نفسك بأنك سعيدة في حياتك إلى حد كبير.
هذا أمر إيجابي طيب ينبغي عليّ أن أكبره فيك، وأحثك على مواصلة التمسك به، والاستمرار في شكر الله تعالى عليه. ذلك أن كثيرات من الزوجات يفتقدن ما تتمتعين به من استقرار معيشي ونفسي مع زوج هادئ، مسالم، لا يضن عليك بشيء، كما يمكن أن أفهم من حديثك عنه، وإن كان هذا لا ينفي بعض الصفات السلبية فيه، وهو ما سأعرض له بعد قليل.

وعلى الرغم من هذا الرضا الجميل الذي تتميزين به؛ فإنك ضعيفة الثقة بنفسك، كثيرة التردد، إضافة إلى أنك تحمّلين نفسك مسؤوليات قد لا تضيقين بها الآن، لكني أرجح أنك ستتذمرين منها في المستقبل، وقد تكون سبباً في ضجرك وتوتر أعصابك.

من الأمور التي تبدو حسنة فيك، لكنها في الواقع غير حسنة، أو غير مفيدة؛ جنوحك للمثالية؛ إلى درجة لا تتصورين فيها أن تكون أي صداقة تقيمينها مع أي امرأة؛ غير ناجحة، أو غير كاملة! .

لماذا يا أم مشعل؟ أي صداقة لا بد أن تمر بها ساعات فتور، أو تصادفها مشكلات، صغيرة أو كبيرة، أو يحدث بين الصديقات خلافات في الآراء أو وجهات النظر.
هذا أمر طبيعي ولا يدعو إلى القلق، ولا يمنع من أن تبدئي بإنشاء هذه الصداقات مع الجارات والقريبات وغيرهن.
واضح أيضاً أنك طيبة القلب، مرهفة الحس إلى درجة كبيرة، وهما صفتان لا شك في أنهما حسنتان، لكنهما تتعبان صاحبتهما، وتحمّلانها ضغطاً نفسياً كبيراً.

على أي حال فإني أوجز حديثي إليك فيما يلي:

* كما ذكرت لك فإن في زوجك بعض الصفات السلبية، وأهمها قلة حديثه، وإلقاؤه بعضاً من مسؤولياته عليك، مسؤوليات حملتها أنت راضية.
عليك أن تكلفي زوجك، شيئاً فشيئاً، بما ينبغي عليه القيام به، واجعلي لذلك مدخلاً مقنعاً ومثيراً لاهتمامه وحرصه؛ من مثل قولك له: (لا تعجبني نظرات الرجال إليَّ وأنا أتسوق الفاكهة والخضار).. إن مثل هذه العبارة تثير غيرته وتدفعه لأن يفكر قليلاً – إن لم يكن كثيراً – في مسؤولية ليست من مسؤولياتك أو واجباتك؛ إنما هي من مسؤولياته وواجباته.

* لتنجحي في إخراج زوجك عن صمته؛ ابدئي بسؤاله عن عمله، ودعيه يتحدث عن نفسه، وأحسني الاستماع إليه، وأظهري اهتمامك بما يقول، وعبري عن تعاطفك معه، ولو لم يكن حديثه يشدك كثيراً.
بعد أن تجديه قم أتمّ حديثه، ولم يبقَ في نفسه شيء يريد محادثتك عنه، بادري أنت إلى محادثته فيما ترغبين فيه، وستجدينه – إن شاء الله – مستمعاً جيداً، ومتعاطفاً معك في كثير من كلامك.

* وأصل معك إلى ((الصداقة)) التي تفتقدينها، وتبحثين عنها، لأقول لك: أبعدي عنك ذاك الخوف والتردد وعدم الثقة بالنفس، وأحلي مكانها الإقدام والجرأة والثقة بالنفس.
وإذا نجحت في أن تجعلي من أمك صديقة، ومن زوجك صديقاً، ومن أولادك (إذا كانوا كباراً) أصدقاء، فإنك ستنجحين بعد ذلك في كسب صداقات غيرهم من الجارات والقريبات.
وأنصحك بصديق آخر من غير البشر، وأعني به الكتاب، فهو خير جليس كما قال الشاعر: (وخير جليس في الأنام كتاب).
وفقك الله، وشرح صدرك، وأتمّ عليك نعمته.

__________________


مشكلة.. ليست من حواء

عندما سمعت من أحد الشباب المشتركين بمجلة النور – الغرَّاء – أنك تقوم بنصح من لديه مشكلة خاصة، كادت الدموع أن تنحدر من عينيَّ، وما ذلك إلاَّ لأن النصح المتكرر في بعض المجلات اللاأخلاقية تزيد مشاكلنا اشتعالاً. أما وقد فتحت مجلتنا الحبيبة ذراعيها لتلقّي مشاكلنا، ووضع الحلول الإسلامية الناجعة والتي أثبتت جدارتها، وذلك لأنَّ القائمين عليها لا يبغون سوى الأجر والمثوبة من رب العالمين سبحانه والذي قال: ﴿فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى صدق الله العظيم.
أخي الحبيب، إن مأساتي فريدةٌ من نوعها – وهذا قضاءٌ أراده الله – فالحمد لله على ما قضى.
إنني لا أنام الليالي الطوال.. إنني لا أهتمُّ بمذاكرتي رغم أنني في المرحلة الثانوية الأخيرة.. إنني لا أذوق طعم الأكل ولا يهدأ لي بال طوال اليوم.
أعيش كنصف مجنون.. بل أحياناً أغضب لأبسط الأمور غضباً شنيعاً لم أعهده في حياتي السابقة.. وقد تسألني أخي الحبيب لماذا كل هذا؟ فأقول لك: إنني أرغب في الزواج.. أرغب في فتاةٍ مسلمةٍ أسكن إليها.. لماذا هذا العذاب؟ والدي سامحه الله قادر على تزويجي لأنه يملك المال.. لكنه يرفض بحجة أنه عصامي كوَّن نفسه بنفسه.. وأن عليّ أن أفعل كذلك.. لكن يا أخي الحبيب النار داخلي تزداد اشتعالاً. أكثرت من الصلاة.. أكثرت من الصوم.. انكببت على مذاكرتي.. لكن – ولا حول ولا قوة إلاَّ بالله العظيم – لم أستطع كبح جماح مطلبي الضروري كالماء للشرب.. والهواء للتنفس.
إنَّ الزنا – والعياذ بالله – يعرض عليَّ ليل نهار، إنَّ بنات الهوى – وهنَّ قلة – سرعان ما يلبين نداء الطالب للمتعة الحرام. إنني أخشى العاقبة الوخيمة.. أخشى النار التي أُعدّت لكل متكبر لا يؤمن بيوم الحساب.
أخي الحبيب إنني أعرض عليك مشكلتي فعلَّ الله جعلك سبباً في حلَّها.. وإني لفي الانتظار؟!
وإنا لله وإنا إليه راجعون.
أخوك
أ. ع.

مشكلتك، أخي الكريم، ليست فريدة من نوعها، كما ذكرت في وصفها، فكثير من الشباب يعانون من تأخر زواجهم، ويحارون في جماح الغريزة كيف يفعلون إزاءه.

لكن مشكلتك تكتسب بعض الخصوصية في أن والدك قادر مالياً على تزويجك لكنه لا يفعل، وتبريره أنه يريدك أن تكون عصامياً كما نشأ هو.

والحل الذي أقترحه عليك أن توسط مِنْ أقاربك مَنْ يسمع لهم والدك ولهم في نفسه مكانة، مثل أعمامك، أو حتى مِنْ غير أقاربك، واشرح لهم معاناتك وحاجتك الملحة إلى الزواج، ورغبتك فيه لإعفاف نفسك، ولاتقاء الوقوع في ما حرم الله، وبيّن لهم تبرير والدك في عدم تزويجك، حتى يكون ردهم حاضراً وإجابتهم له مقنعة، مِنْ مثل: جميل أن ينشأ ولدك معتمداً على نفسه.. ولكننا الآن أمام خطر وقوعه في الحرام.. حتى لو استعصم وثبت باعتباره متديناً.. فإنك تتركه نهباً لغريزة جامحة.. تؤثر في دراسته.. وتؤخره فيها.

ولا بأس أيضاً من توسط والدتك، عساها تجد مدخلاً إلى قلب أبيك، وإلى عقله أيضاً، فتقنعه بضرورة تزويجك.. لإعفافك أولاً.. وليريا (والدك ووالدتك) أحفادهما منك.. وأنه (ليس أعز من الولد.. إلا ولد الولد) كما يقولون.
وقلب الأم مهما قسا.. رقيق عطوف، يحدب على أولاده ويعطف عليهم، ولا شك في أنه سيقدر – أخيراً – حاجتك الشديدة إلى الزواج.. فيساعدك فيه.

وإذا لم يُجْدِ هذا، فلم يقنع والدك ممّن وسّطتهم، ومن والدتك، فأعلمهم أنك قررت البحث عن عمل في غير أوقات دراستك لتجمع من دخله صداق زواجك.. وأنك ستستمر في العمل للإنفاق على زوجتك فيما بعد.
وابحث عن العمل فعلاً، وابدأ به، واطلب من أهلك أن يبحثوا لك عن فتاة مناسبة، ترضى بالقليل، لأنك عزمت على الزواج معتمداً على نفسك، بعد توكلك على الله.
ولا يمكن أن يتجاهل والدك هذا كله، وينصرف عن مساعدتك بل سيسارع إلى معونتك، وهو القادر مالياً على هذه المعونة، وربما يتحرج أمام الناس حين يتحدثون عن أن ابنه يعمل على الرغم من ثرائه.
ولتطمئن إلى أن الله تعالى لن يتخلى عنك ما دمت تريد إعفاف نفسك، كما وعدنا الرسول صلى الله عليه وسلم في الحديث الشريف الذي رواه الترمذي عن أبي هريرة (ثلاثة حقٌّ على الله عونهم: المجاهد في سبيل الله، والمكاتب الذي يريد الأداء، والناكح الذي يريد العفاف).
وريثما يجعل الله لك مخرجاً، أخي الكريم، أوصيك بما أوصى به الرسول صلى الله عليه وسلم الشباب الذين لا يجدون الباءة، وأعني الصيام، وقد أشرت في رسالتك إلى أنك تصوم، ولكن لا بأس من الزيادة حتى يأذن الله لك بالزواج الذي أتفاءل بقربه إن شاء الله.
دعائي لك بالتوفيق والسداد.

__________________


بخيل وعصبي

أنا متزوجة منذ ثماني سنوات، وأعمل مدرّسة، ورزقت من زوجي بثلاثة أبناء، هم بالنسبة لي الدنيا بل كل الدنيا وما فيها، ولكنني أحس في هذه الأيام أن زوجي يخلق المشاكل بل يختلقها ومن دون سبب، ودائماً أنا التي أعتذر منه وأتأسف له حتى ولو كان هو المخطئ، وعندما أفعل ذلك يقول: (أنا لستُ طفلاً كل مرة تعتذرين مني) وأحياناً يطول السكوت بيننا مدة طويلة قد تستمر أربعة أيام، لا يكلمني وكأنني قطعة أثاث أمامه، وإنني لا أدري لماذا يعاملني هذه المعاملة القاسية!! ودائماً أتجمل له وأهتم بمظهري والكل يشهد عليّ بذلك.. وأحياناً أشعر عندما تأتيه تلك الحالة كأن إنسانة أخرى غيري في قلبه.
(....)

ذكرت في بداية رسالتك، أختي الفاضلة، أنك رزقت بثلاثة أطفال هم عندك كل الدنيا وما فيها، وأنك، في هذه الأيام، تجدين زوجك، يختلق المشاكل. وذكرت خلال رسالتك أنك مدرّسة.
هذه الأمور الثلاثة التي جاءت في رسالتك تساعدني على معرفة ما يضايق زوجك وينفّره منك، وأعيد ذكرها مع بيان تأثيرها على زوجك:

١ ـ ثلاثة أطفال هم عندك كل الدنيا، ولم تذكري بينهم زوجك. أيْ أن الدنيا كلها لأطفالك الثلاثة وحدهم.. أفلا يعني هذا أنك أخرجت زوجك منها بانشغالك بهم، وإعطائهم كل حبك واهتمامك ووقتك؟!!

٢ ـ تعملين مدرّسة، أي أن ثلث يومك تمنحينه لتلميذاتك في المدرسة، وقد تحملين دفاترهن إلى البيت، وقد تجلسين لتحضّري الدروس وزوجك ينظر إليك!! أليس لي أن أتساءل: ماذا يبقى لزوجك بعد مدرستك وأطفالك؟ امرأة متعبة، مهدودة، أفرغت عاطفتها كلها في أولادها، وطاقتها بذلتها مع تلميذاتها وفي بيتها. . .؟ فما بقي لزوجها منها؟

٣ ـ مضى على زواجك ثماني سنوات، وذكرت أن التغيرات طرأت على زوجك (هذه الأيام)، ولنفترض أن هذه الأيام تعني السنة الثامنة الأخيرة هذه. . . أفلا يعني هذا أن زوجك في السنوات السبع الأولى كان على ما يرام؟ أي أن تغيره عليك إنما كان بسبب تغيرك أنت؟

لهذا أقترح عليك أمرين:

أ ـ أدخلي زوجك في دنياك، اجعليه واحداً من أطفالك الذين ترعينهم وتهتمين بهم.

ب ـ استقيلي من التدريس فزوجك وبيتك أهم من عملك.

هل يعني ما سبق أني أبرئ زوجك؟
لا. وإني أخشى أن تكون امرأة أخرى – كما ذكرت في رسالتك – تحاول أن تملأ الفراغ الناشئ عن انشغالك عنه بمدرستك وأطفالك.

ولا أخفي عليك أنني لا أؤيد اعتذارك المتكرر منه، فهذا يدفعه إلى الانصراف عنك، وملله منك.
والأفضل من هذا الاعتذار باللسان.. الإقبال بالجنان، أي القلب، أي باهتمامك الخاص به.
ولعل في صفحات (الفرحة) بعض ما أريد نصحك به، وما لا يخفى عليك إن شاء الله.
وفقك سبحانه إلى إرضاء زوجك، ووفقه إلى إسعادك وعودته إليك كما كان في سنوات زواجكما الأولى.

__________________


أصبحت لا أرى شيئاً

تحية شكر أبعثها لك على ما تقدمه لنا من نصائح وإرشادات نسترشد بها في حياتنا. ربما تظن أنها المرة الأولى التي أكتب فيها لكم، ولكنها المرة الثالثة والعشرون، وكنت حين أصل إلى مكتب البريد أتردد ولا أرسل ما أكتب، ولكن هذه المرة قررت ألا أتردد لأن مشكلتي لا أستطيع أن أبوح بها لأحد سواكم، وهي – بمعنى أدق – مصيبة أهلكتني وقتلت كل حياء في وجهي، وكل راحة في قلبي، ولم يعد لحياتي معنى إلا أنني أحيا لأن الله يريد لي ذلك. فكرت ملياً في الانتحار لكنني جبانة لا أقوى على ذلك كلما فكرت في ما سألقاه من عذاب جزاء معاصٍ ارتكبتها في حق نفسي.

لا أريد أن أطيل عليكم أكثر، مشكلتي هي في كلمة واحدة ((الأصيل))، ولكنها جرّت وراءها مصائب وآثاماً لا حدود لها. أحببت شاباً هو من خيرة الشباب، لم أعهد منه أي سوء، ولم يكن يربطني به إلا كل حب واحترام، بعد ذلك تقدم إليّ فصدمت إلى درجة أذهلتني، حين رأيت والدي يهدد ويسب ويشتم، فأردت أن أفهم ما هي الحكاية؟ فقال لي: أنا بدوي حُرّ ما أزوج بنتي لعبد. قلت له: إنه ليس كذلك. فقال: هو أصله ولن يتغيّر. واسودّت الدنيا في عيني لموقف والدي. تصور حين قلت لأبي: كلنا عبيد لله، قال: لا، هو نعم، الناس طبقات. ولا أكذب أنني حاولت أن أتزوجه من دون علم أهلي ورغماً عنهم، ولكن ذلك مستحيل لأنه لا يجوز إلا بإذن ولي أمري. سخطت على الدنيا وعلى كل شيء. تركت الصلاة وأصبحت أصحو وأنام على سماع الأغاني بعدما كنت لا أنام إلا وأنا أقرأ جزءاً من القرآن. سخطت على الإسلام بعدما أحسست أنه ظلمني وظلم المرأة، ولم يظلمني وحدي. فالرجل يحق له أن يتزوج دون إذن ولي، أما نحن فلا، وكأننا جوارٍ نُساق كالماشية. صرت أجاهر بمعصيتي.
مارسنا السحر على والدي ولكن دون فائدة. فقدت عذريتي بعدما استسلمت لحبيبي بكامل إرادتي، أي مارست الزنا بمعنى أصح. والآن أنا حطام امرأة لم تكمل الثالثة والعشرين من العمر، ولا أعرف السبيل إلى خلاصي. وعلى الرغم من كل شيء فإنني أشعر أحياناً بالندم وأتوضأ وأجلس أصلي وأنا أجهش بالبكاء إلى أن أصبحت لا أرى شيئاً، ولكن ذلك لا يستمر فأعود إلى ما كنت عليه.

أردت من حضرتكم أن ترشدوني ماذا أفعل؟
وكيف أتوب؟ وأنا لا أقدر أن أتخلى عن حبيبي؟
أرشدوني جزاكم الله خيراً.

* *

الإسلام، يا ابنتي ، ليس وراء ما حدث لك، لأن أباك، بما فعله معك، لم يكن يصدر عن الإسلام في ما فعل، ومن ثم فقد أخطأت حين حوّلت نقمتك من أبيك إلى الإسلام الذي حفظ لك حقوقك كاملة في قبول أو رفض من يتقدم إلى خطبتك.

هذا إذا كان سبب رفض أبيك لهذا الذي أراد أن يتزوجك اختلاف قبيلته عن قبيلتك، أو نسبه عن نسبك، ولم يكن هناك سبب آخر لم تذكريه!

أريد أن أقول: ألم يجد والدك خلقاً لم يطمئن إليه في ذاك الرجل؟ أتراه سأل عنه فلم بجده كفؤاً لك؟ فكان الدافع إلى رفض والدك هو الحرص عليك وعلى سعادتك، ونجاح زواجك؟!!

اسمحي لي أن أقول: إن والدك كان على حق في رفضه زواجك من مثل ذاك الرجل الذي لم يتقِ الله فيك، ولم يحافظ على من يحب، إن كان حقاً يحبك.

ولقد اعترفت بما فعله معك، وما فعلته بحق نفسك فوصفته بأنه (معصية) وبأنه (ممارسة للزنا) وأعلنت ندمك عليه، أفليس هذا شهادة منك عليه وعلى نفسك.

وها أنت تقولين أيضاً ((مارسنا السحر على والدي. . . ولكن دون فائدة))، فتعترفين بممارسة ما نهى عنه صلى الله عليه وسلم، وتذكرين أن ما فعلته من سحر لم يضرّ والدك، وهذا يؤكد حفظ الله له لأنه على حق.

استغفري الله تعالى، وتوبي إليه توبة صادقة، واعقدي زواجك على ذلك الرجل في المحكمة، وإن كنت أشك في أنه سيرضى بك زوجة بعد الآن، لأنه سيخاطب نفسه: إذا أسلمت نفسها لي اليوم. . فما أدراني أنها لن تسلم نفسها لغيري غداً!؟

على أي حال جرّبي أن تعرضي عليه عقد زواجكما، فإذا وافق، فإنك تستطيعين مواجهة أهلك بالحقيقة، وإخبارهم أنك سترت على نفسك، وأنقذتهم من الفضيحة بهذا الزواج.

وابدئي بوالدتك، وأخبريها هي لتخبر والدك.

__________________


زوجي يحب أهله

أكتب لكم عن مشكلتي مع زوجي على الرغم من أنه ما يهون علي أن أتكلم عنه.

مشكلتي هي أن زوجي يحب أهله جداً ولا يمكن أن يرد لهم طلباً ودائماً يجرحني ويقول لي: أهلي أولاً ثم أنت بعدهم، وعندما يكون معي لا يتكلم ويكتفي بالصمت، وعندما أتكلم معه يحادثني بشؤون التقليل من النفقة ويقول: أنت سبب إفلاسي وشقائي، ويشهد الله أنني لا آخذ منه ولا فلساً واحداً، وإذا طلبت منه فإنه يذكرني بالنفقة ويبخل عليّ، وفي الوقت ذاته يشتري هو كل ما تشتهي نفسه، وإنني حامل والمرأة الحامل تشتهي الكثير من الطعام أما أنا فإن تمنيت شيئاً يبقى كالحلم أحلم به.

ومشكلة زوجي أنه عصبي جداً، يغضب حتى لأتفه الأسباب وإن قلت له: هذا خطأ يغضب ويحمر وجهه من شدة الغضب ويتمادى في ضربي.. لقد ضاقت نفسي به وعيناي تذرفان الدموع.. فلم أذق طعم السعادة معه لأنه أصبح كالأسد المفترس يفعل ما يريد بلا إحساس حتى أصبحت عديمة الثقة بجنس الرجال..

أرشدني إلى الصواب فالأمل موجود طالما الإيمان بالله تعالى موجود وكل هذا مكتوب وعلينا أن نرضى حتى ولو بالقليل... عفواً إن تماديت في كتابة ما يريح صدري.. وشكراً.

المعذبة ح

* *

((. . ما يهون عليَّ أن أتكلم عنه)). هذه العبارة التي جاءت في مقدمة رسالتك أعجبتني وأظهرت كيف أنك حريصة على زوجك، وعدم غيبتك له، وأنك من اللواتي قال الله فيهن: ﴿حافظات للغيب، فبارك الله فيك.

لقد ذكرت، أختي المعذبة، ثلاث صفات لم ترتاحي إليها في زوجك وهي:
١ ـ يحب أهله ويقدمهم عليك.
٢ ـ سريع الغضب.
٣ ـ عنيد.

وأبدأ معك بالصفة الأولى، وهي حب أهله وتقديمهم عليك، وأرى أن هذه صفة ليست سيئة، فحب أهله واجب عليه، من برّ لأمه وأبيه، ورعاية إخوته وأخواته، وصلتهم وزيارتهم.

لاشك في أن لك حقوقاً عليه، ولابد من أدائها لك، لكن هذا لا يعني أن يتخلى عن أهله ليكون لك وحدك أنت فقط..

وكنت أود لو أنك حدثتني عن أهلك، وصلتك بهم، هل تحبينهم أكثر من زوجك أيضاً، فتكونان متعادلين، أم أنك تحبين زوجك أكثر من أهلك، وهذا ما لم أجده في كلماتك!

ثم تتهمين زوجك بالبخل عليك، وتقسمين أنك لم تأخذي منه فلساً واحداً بينما هو يتهمك بأنك سبب إفلاسه وأن عليك الاقتصاد في الإنفاق... وهذا تناقض محير.. وإذا صحّ أنك لم تأخذي منه شيئاً ورغم ذلك يتهمك بإفلاسه.. فلا شك في أنه متحامل متجن عليك. وليتني كنت أستطيع سماع دفاعه عن نفسه في ذلك، فلربما قال كلاماً آخر مخالفاً.

لا أخفي عليك أنني لمست بعض التناقض في رسالتك، ففي حين تقولين في بدايتها أنك تحبين زوجك ولا يهون عليك أن تتكلمي عنه، تذكرين في نهايتها أنك لم تذوقي طعم السعادة معه، وأنك أصبحت لا تثقين في جنس الرجال!

لقد قلت أن زوجك يغضب إذا قلت له: ((هذا خطأ))، وأحب أن أقول لك إن أكثر الرجال لا يحبون أن تقول لهم زوجاتهم بصورة مباشرة ناقدة ((هذا خطأ))، وهذا لا يعني أن تهملي في نصحه، لا، لكنك تستطيعين أن تنصحيه بأسلوب ألطف، من مثل قولك له في صيغة استفهام: أترى من الأنسب أن تفعل كذا بدلاً من كذا؟ أو: ما رأيك في أن تفعل ذلك؟ أليس خيراً من أن تفعل كذا؟ وهكذا.. توصلين له رسالة التنبيه والتحذير دون استثارته أو استفزازه.

على أي حال فلقد أعجبني ما جاء في آخر رسالتك كما أعجبني ما جاء في أولها، وذلك قولك ((الأمل موجود طالما الإيمان بالله تعالى موجود. وعلينا أن نرضى حتى بالقليل)) هذه قناعة لو انعكست على تعاملك مع زوجك لارتحت كثيراً، ولتغير زوجك نحو الأفضل إن شاء الله.

وفقك الله إلى الصواب، وأصلح زوجك لك، وأصلحك لزوجك، وأصلح ما بينكما.

__________________

 تحرير : حورية الدعوة
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « إذا دعا الرجل لأخيه بظهر الغيب قالت الملائكة : ولك بمثل »

رابط الموضوع بصفحة صيد الفوائد
شذرات من قـلم .. د. محمد رشيد العويـد

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق