الاثنين، 9 يناير 2017

لو كان الدين بنكا


فهو كلما التقى بي ودارت بيننا الأحاديث أعادني إلى عجلة حديث مكرر للمرة الألف وقال لي:
يا دكتور! مالك وللقشور! لا يهتم بالقشور رجل حصل على أعلى الشهادات العلمية والجامعية مثلك، عليك بالجوهر واللب، ودع القشور لأهلها من ذوي الثقافة المحدودة، والعقول المغلقة.. أما أنت .. فهذا ليس بمكان يليق بك.

ومما زاد حيرتي أن صديقي هذا رجل مكافح، يكد ويتعب من أجل أي صغيرة أو كبيرة في العمل، وهو موظف مرموق في بنك كبير، وهمته عالية وطموحة وثاب في وظيفته، وهو لا يقبل من موظفيه التقصير أو التهاون في أمور العمل، ويسعى دوماً للأفضل، ويحب أبداً أن يرتقي، ويفعل ما في وسعه لكي يكون عمله كاملاً، وأداءه متميزاً، وقد كان يكفيه أن يقوم بالواجب فحسب، دون أن يسعى إلى الكمال في العمل والتميز في الأداء،

وكنت كلما رأيته يلومني على تمسكي بأمور الدين التي يراها قشوراً، أسأل نفسي فأقول: عجباً لأمر صديقي هذا! هل السعي للكماليات ممنوع في الدين مباح في البنك.

ومما زاد في حيرتي أيضاً أنني لست أفهم حتى اللحظة لماذا يفخر صديقي هذا بأنه مقصر؟

نعم هو يفخر بتقصيره في أمور الدين، ولكي تقبل نفسه هذا التقصير في أداء ما خلق لأجله أو همها بأن الدين لب وقشور، والمهم هو اللب، أما القشور فلا قيمة له، وبإمكان الإنسان أن يعفي نفسه منها.

مسكين هو صديقي، لست أفهم لماذا لا يريد أن يسعى للأفضل؟
ولماذا لا يطلب الكمال في أمور دينه ويطالب بها في أمور العمل؟
ولماذا يكون عمله مركز اهتمامه وتركيزه الكامل بينما لا يلقي بالاً إلى أمور الدين،
ولماذا يكره التقدم وهو الذي سوف يوصله إلى رضا الله عز وجل؟

ثم ما له بي؟ ألا يتركني في شأني، أنا أريد أن أكون عبداً شكوراً مطبقاً لديني حسب طاقتي.. فلماذا يحاول منعي؟
أريد الالتزام بسنة نبيي محمد صلى الله عليه وسلم وسع استطاعتي، فلماذا يحاول عرقلتي؟
أستطيع أن أمارس ما يدعيه قشوراً براحة وطمأنينة فلماذا يريد منعي؟

لست أدري! لو كان الدين بنكاً هل كان سيبقى صديقي العزيز كما هو مقصراً في هذه القشور معرضاً عنها محتقراً لها نافراً منها؟! يا الله.. أحياناً يتمنى المرء لو كان الدين بنكاً!

يا صديقي:

بإمكانك أن تحرم نفسك من السعي لما تعتقد أنه كماليات في الدين، وأن تمنع نفسك من الرقي للأفضل والطموح العالي، أما أنا فإني ساع إلى مرضاة ربي وطاعة مولاي واتباع سنة الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم حسب طاقتي وقدرتي، وعسى ربي أن يغفر لي ولك، ويرحمني وإياك، ويعفو عني وعنك، والدنيا والناس أجمعين.

صديقك المحتار منك

◽️◽️

بقلم / د خالد احمد الجابر
📚 مجلة حياة العدد (٩٦) ربيع ثاني ١٤٢٩هـ

 تحرير : حورية الدعوة
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « إذا دعا الرجل لأخيه بظهر الغيب قالت الملائكة : ولك بمثل »

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق