الجمعة، 6 يناير 2017

الباحثون عن الذات المفقودة

قبل فترة تم إجراء استفتاء كبير على آلاف الشباب والشابات في دولة عربية حول الشخصية التي تمثل القدوة بالنسبة لهم.. وقد ظهرت النتائج معلنة بخجل.. أن أكثر شخصية اعتبرها الشباب والشابات قدوتهم كانت .. راقصة استعراضية..!

توقفت برهة عند الخبر.. حاولت أن أتأكد من المكتوب.. لكنها الحقيقة.

نعم.. إنها مثلهم الأعلى وقدوتهم التي يطمحون لتقليدها..

وقبل فترة كنت – مع مديرة التحرير – في زيارة لأحد المعاهد لإلقاء محاضرة حول مشاكل الفتيات، وفي نهاية المحاضرة.. وصلتنا ورقة صغيرة على استحياء.. تقول فيها صاحبتها أنها مخطوبة.. لكنها ترفض الزواج.. لأنها معجبة بمطرب شاب وتحلم بالزواج منه..!!

شعرت بتعاطف كبير مع هذه الفتاة المسكينة.. لأن حالتها تجاوزت الإعجاب الطبيعي ووصلت للإعجاب المرضي.. فهي ستغير مسار حياتها من أجل حلم بعيد.

وهكذا تماماً شعرت حين رأيت صورة بعض الفتيات.. وهن يصحن رافعات عليها عبارات الحب والإعجاب.. في حفل شارك فيه المطرب نفسه.

تعاطفت معهن من كل قلبي..

لأني موقنة أنهن ضحايا الفراغ الروحي.. وفراغ الوقت.. وجفاف الأهل.. وفوق هذا .. ضحايا انعدام الهدف في الحياة..

الإنسان حين يعيش بلا فكرة ولا هدف يصبح.. فارغاً.. هشاً.. ضائعاً.. فاقداً لذاته.. 
وبالتالي.. حزيناً من الداخل.. وهذا ما يثير في نفسي الشفقة تجاه هؤلاء..
لقد حرموا الهدف .. والهمة والشعور بعزة المسلم وفخره.. وحماسه لدينه.
ذلك الشعور المشتعل بالحماس والنشاط والرغبة في خدمة هذا الدين.
الشعور الذي يمنحك السعادة والرضا عن النفس والاعتزاز بها.

يعتقد الكثيرون أن الفنانين هم أشخاص عظماء سعداء.. ولا يعلمون مقدار الحزن والضياع الذي يعيشونه.. لأنهم لم يمتلكوا الهدف الذي يستحق أن يعيشوا من أجله..

ملكة أغاني الروك بريتني سبيرز تم تصويرها قبل أسابيع تتناول كميات كبيرة من الأقراص المنحفة في مطار لوس أنجلوس.. وقد كاد أن يغمى عليها عدة مرات بسبب حميتها القاسية.. لأن الرشاقة في مفهومها هي وسيلة الحفاظ على الشهرة.

والممثل الأمريكي جولي ديب ثائر هوليوود يقولها بصدق: (لم يكن لدي يوماً إحساس الهدف والسلام الداخلي).. وحين سئل عن طريقة تربية طفليه قال: ( أريد أن يحظيا بأسهل طريقة ممكنة للعيش، وأن يكونا أقرب للحقيقة، فلا أريد أن يكبرا في هوليوود، أو أن يفكرا في المال.. أريدهما أن يربيا حصان البوني الصغير، وأن يشاهدا الزهور وهي تتفتح على التلال، أي حياة بسيطة وجميلة).

لقد بقي جوني ديب يشعر بالتعاسة لسنوات طويلة رغم أنه قد توفرت لديه كل أسباب الرفاهية.. لكنه أدمن الخمر والمخدرات لفترة من حياته.. وكان يقول دائماً أنه لا يعرف لأي هدف يعيش في هذه الحياة!

هذه التعاسة أدت بالكثير من المشهورين للإصابة بالأمراض النفسية.. وأحياناً قادتهم لدخول المصحات العقلية.. وكما يقول مارلون براندو: (الفائدة الأساسية التي حققها لي التمثيل هي المال الذي يؤمن لي كلفة العلاج النفسي).. ويكمل: (عشت بؤساً كبيراً في حياتي بسبب شهرتي وثرائي).. وكانت عقدة حياته التي سببت له القلق والمرض النفسي هو ذات السؤال الذي أفاق غيره: (لماذا أعيش؟).. حتى مات وهو لم يعرف بعد لماذا يعيش؟

سبحان الله.. كم هو الفرق شاسع بين الإنسان الذي يحوي في جسده روحاً ذات همة.. تتطلع للمعالي.. وبين الإنسان الذي لا يحوي جسده سوى الخواء والفراغ وسفاسف الأمور.

الذي يحمل في جوانبه هدفاً سامياً تجده دائماً باحثاً عن النجاح لتحقيق هدفه.. أما الفارغ الذي لا يعرف لأي هدف يعيش فيدور في مكانه، ويتعلق بالآخر بكل استجداء بحثاً عن ذاته المفقودة..
فأي الصنفين أنتِ يا ترى؟

◽️◽️

بقلم / نوف الحزامي
📚 مجلة حياة العدد (٥٣) رمضان ١٤٢٥ هـ

 تحرير : حورية الدعوة
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « إذا دعا الرجل لأخيه بظهر الغيب قالت الملائكة : ولك بمثل »

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق