الجمعة، 6 يناير 2017

إلى من أغلق الأبواب

مثل كثير من الشباب بدأ يبحث عن زوجة تناسب طموحه وترضي ذوقه وتنجب أبناءه، إلا أن صاحبنا اشترط شرطاً لافتاً للنظر. فقد أصر على أن تكون الزوجة المطلوبة داعية تقيم الدروس، وتلقي المحاضرات، وتكتب المقالات، وتشارك في الأنشطة الدعوية!

اشترط هذا الشرط مع شروط أخرى قل أن يجتمع بعضها في امرأة واحدة.

وكان هذا الشرط المحبب للنفوس والمحرك للقلوب مثار فخر واعتزاز له حتى سارت الركبان إلى الفتيات بشرطه، وأن فلاناً يريد داعية تخدم الدين وتسعى في رفعته، وتسعى إلى نشره، فهفت قلوب الكثيرات له وتطلعت أعناقهن إليه.

حتى قالت إحداهن : وهل مثل هذا يرد.

وبعد بحث وعناء وأخذ ورد وسؤال وتحر كان له ما أراد، ويسر الله أمر زواجه من فتاة صوامة قوامة عرفت بالدعوة والهمة والنشاط مع ما حباها الله عز وجل من علم شرعي يؤهلها لذلك، لا تنزل منزلاً ولا تقصد مكاناً إلا وتركت فيه أثراً، وأسهمت فيه بسهم من سهام الخير، فكان مثلها مثل حبات المطر تنبت وتزهر بإذن ربها! مع سمو في خلقها ورفعة في نسبها.

دخل الزوج الشاب بهذه الفتاة وجد فيها من صفات العقل والأدب وحسن المظهر ما قرت به عينه، وآنست وحشته وملكت لبه!

ومرت الأيام الأولى تلتها الشهور وبدت الداعية مكبلة من الزوج لا تستطيع الحراك، وخشيت أن تثقل عليه بأمر الدعوة فهي ما زالت في بداية الحياة الزوجية!

لكن الأيام تطاولت بها، والهموم أقضت مضجعها، فلقد أسفر الصبح عن الشاب الطموح الذي يبحث عن الداعية أنه أول من يحارب الدعوة ويقف في وجهها!

فهو منان بخيل، إن ذهب بها يوماً بقي أسابيع يذكرها بجميله، وإن أنفق ريالاً منَّ به وآذاها فيه!

وإن ذكرت له موقفاً دعوياً أطرق برأسه، بارد الحس، قليل الشكر، كثير التذمر.

تعجبت وتساءلت : أين من كان يجدُّ في طلب الفتاة الداعية؟
وأين من ترك الكثيرات سواي ليجد بغيته؟!
ماذا دهاه وماذا أصابه؟!

وتساءلت مرة أخرى : أين من سعى يبحث عن الداعية والمحاضرة والموجهة، لقد خبت ناره، وأطفئ سراجه ، وأظلم ليله!

فكان الخيار الأخير لها إما الدعوة إلى الله عز وجل، وإما الزوج فحسب!

لقد كان شرطه حين الزواج خدعة براقة من شروط الوجاهة، وسهماً يصيد به قلوب المحبات للخير المتعطشات لري القلوب ممن يحترقن لخدمة هذا الدين، ويرغبن في الإسهام لرفعته.

فإذا وقعت في حباله وأصابتها سهامه فمكانه آخر الركب، كثير الحديث، قليل العمل.

ينسب عمل غيره إليه ويتمنى أن تنسب الأعمال إليه.

لقد أشقاه حب الذات ورغبة الظهور ولو على حساب دينه!

وكانت الطامة التي قتلت طموحها وبرأت ساحتها أمام الله عز وجل: لقد أقسم عليها ألا تلقي محاضرة ولا تذهب لدرس ولا تكتب مقالاً.
اشترط بقاءها حبيسة البيت.

وبرر كل ذلك بأعذار واهية تسقط أمام سير الصحابة والتابعين في نشر الدعوة والقيام بها!

بئس الضجيع من أهلك مثل هذه، وخاب من خذل الدين وأوصد الأبواب وقتل الفرحة!

ولا يزال ذلك الشاب الآخر: نضر الله وجهه – يذهب بزوجته الداعية إلى كل ما أرادت، ويحثها على الإعداد والمثابرة وترك الخمول والفتور، يأتي إليها بجدول المحاضرات، ويجلب إليها الكتب والمراجع، ويشتري من أمواله القليلة الجوائز، ومع هذا يردد بين الحين والآخر هذا يا أم عبد الله طريقنا إلى الجنة.

وكلما اعتذرت له بطول الطريق ومشقة الأمر قال لها : كلما تذكرت أن الرسول صلى الله عليه وسلم سار وصحبه من المدينة إلى تبوك في حمرة القيظ وشدته وهي مسافة طويلة تزيد على السبعمائة كيلة متر تضاءل عملي، وسألت الله الإخلاص. وأدعو الله عز وجل أن يبارك في قليل عملنا ويتقبله!

هنيئاً لأبي عبد الله ولأم عبد الله،
وأحسن الله عزاءكم في ذلك الآخر الذي أغلق القلوب وأوصد الأبواب ..
ولكل امرئ ما نوى.

◽️◽️

عبد الملك بن محمد القاسم
📚 مجلة الأسرة (العدد ٩٠) رمضان ١٤٢١ هـ

 تحرير : حورية الدعوة
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « إذا دعا الرجل لأخيه بظهر الغيب قالت الملائكة : ولك بمثل »

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق