في سنة 1934 ساق الله تبارك وتعالى المطر الغزير على أرض الكويت. . . الذي انهمر كأفواه القِرَب. . . حتى أطلقوا على هذه السنة. . . سنة الهدّامه. . . لأن كثيراً من البيوت تساقطت. . . والبيوت في الكويت كان أغلبُها من الطين.
والبيت هو المكان الذي يأوي إليه الإنسان ليستقرّ فيه. . . فيحميه من حرارة الشمس ويقيه من برد الشتاء.
وفي تلك السنة سافر بعض الرجال للتجارة، وحدث أن تهدم بيت أحدهم في أثناء غيابه، وهو البيت الذي يؤوي زوجته وأولاده؟
فأين تأوي الزوجة؟ . . وأين يلجأ الأولاد؟!
إنها مشكلة لا يشعر بها إلا من عاصرها.
يا أحبتي في الله. . . حقاً إنها مشكلة في وقتنا الحاضر.
ولكنها ليست مشكلة في الزمن الماضي.
لأن سماءَهم كانت مضيئة بسلوك التآلف والتآزر.
فالأسرة الواحدة مترابطة.
والجار محبته لجاره كمحبته لأخيه.
والمجتمع الكويتي متماسك كاليد الواحدة.
وبداية انطلاقهم هي تقوى الله تبارك وتعالى.
فعلم الجار بسقوط بيت جاره. . فلم يتوانَ ولم يتكاسل.
وهبّ مسرعاً لنجدة أهل جاره. . . فاستضاف أولاد جاره وأمهم. . وقام باستدعاء البنائين لبناء البيت. . فقَدِم البناؤون وبدأ العمل على قدم وساق، وأشرف عليهم كما لو كان بيته.
وبعد فترة اكتمل بناء ذلك البيت على نفقة الجار. . . وبعد ذلك طلب إلى زوجة جاره وأولادها أن يعودوا إلى بيتهم. الذي أصبح أفضل من القديم.
وأخيراً. . . عاد صاحب البيت إلى بيته، وعند وصوله إذ به يجد بيتاً غير الذي تركه قبل رحيله فانتابه العجب.
فالموقع، موقع بيته، ولكن الشكل مختلف فأخذته الدهشة والغرابة عندما طرق الباب، ففتح أهله الباب. . . وسأل عن سر تجديد بناء البيت فأخبرته الزوجة بصنيع جاره الذي حركته النخوة والشهامة ففرح صاحب البيت بهذا الصنيع.
وهذا العمل ليس غريباً على آبائنا.
فالأيادي متماسكة
والقلوب نظيفة بيضاء لا يفسدها الحسد والحقد.
والابتسامة تعلو الوجوه الطيبة.
إذا أصبح أحدهم لا تسمع منه إلا كلمة التوحيد: لا إله إلا الله
ينامون مبكرين. . . ويستيقظون مبكرين لصلاة الفجر.
وبعد الصلاة لا ينامون بل يخرجون ساعين لابتغاء رزقهم.
كانت بيوتهم بسيطة أغلبها من الطين. . ولكن بداخلها رجال
رجال. . . انتزعوا لقمة عيشهم من أفواه سمك القرش.
كانوا يغيبون أربعة شهور أو ستة.
يبحثون عن الرزق. . . فيجوبون البحار شرقاً وغرباً وشمالاً وجنوباً
منهم من يعودون بلقمة عيشه.
ومنهم من تلتهمه أسماك القرش.
ومنهم من يبتلعه البحر.
ومنهم من يُتوفى مريضاً.
ومن يُتوفى يصلون عليه صلاة الميت، ثم يربطون رجله بثقل، وينزلونه من السفينة إلى البحر، حتى يستقرّ في القاع.
مودعاً الدنيا بما فيها.
وبرغم وجود كل تلك الحاجة
الفاقة
والحياة البسيطة.
إلا أنهم لم يشتكوا. . . ولم يهاجروا تاركين بلدهم الكويت المسلمة
بل فضلوا البقاء على الهجرة.
لأنهم ارتضوا بما قسم لهم الله من الرزق.
وتوكلوا عليه وكان ولاؤهم لله ورسوله، جعلهم يدافعون عن الأرض التي نشأوا عليها وترعرعوا فيها.
ولم تكن أجسادهم في الكويت وقلوبهم خارجها.
بل الأجساد في الكويت والقلوب في الكويت أيضاً. .
واستمرت حياتهم على ذلك.
ولتقواهم وصدقهم. . . ونواياهم الطيبة، أفاء الله عليهم الرزق الذي لم يكن يحلم به أحد.
وهذا الرزق هو النفط. . . فتدفق النفط نتيجة لتقوى وصبر آبائنا. . . تدفق نتيجة لصبر الصابرين في البأساء والضراء.
﴿ فإنَّ مَعَ العُسْرِ يُسْراً * إنَّ مَعَ العُسْرِ يُسْراً ﴾.
. . . . . . . . . . . . . . . . ولكن . . . . . . . . . . . . . . . .
نظراً لوجود هذا الرزق، تهافت الناس من الخارج. . . فهم من كل حدب ينسلون. . . فتشابك المجتمع الكويتي بعد دخول العناصر المختلفة. منهم ذوو النوايا الحسنة. . . ومنهم ذوو النوايا السيئة.
والمال فتنة عظيمة
وأيضاً توافدت الأفكار الغربية المنحلة التي غيرت النفوس، وغيرت من مجرى الأخلاق. . . فبدلاً من أن نحمد الله على ذلك الرزق أخذنا نتخبط به هنا وهناك.
فتعالى الناس بعضهم على بعض.
وبدأت الانشقاقات تعتري المجتمع الكويتي.
والأخ ينتهز الفرصة لابتلاع أخيه.
والولد يعق والديه. . . - واسألوا دار العجزة إن كنتم لا تعلمون-
والجار لا يعرف اسم جاره.
وتلاشى التعاون على البر والتقوى. . . وبرز التعاون على الإثم والعدوان
وظهرت بطانة السوء.
التي تمتص المادة وتتآمر على الأرض.
وحاولت أن تزعزع النفوس. . وإن ربك لبالمرصاد.
ولعل الله حفظ الكويت وشعبها من كل مكروه.
لوجود عمار المساجد. . والجباه الساجدة.
والأيادي المنفقة في سبيل الله.
ولوجود الدعاة إلى الله تعالى.
الدعاة الذين ينشدون كلمة الخير.
وينتشلون الناس من الهاوية.
الدعاة الذين أنشأوا كثيراً من اللجان. .
فهذه :
لجنة إغاثة مسلمي أفريقيا.
ولجنة الدعوة لإغاثة مجاهدي أفغانستان.
ولجنة المناصرة الخيرية لمسلمي فلسطين ولبنان.
وكثير من لجان الزكاة التي أعانت ولا تزال تعين مئات العائلات الفقيرة. . . ولا تنس بيت الزكاة.
وهذا أحد رجال الكويت من الرعيل الأول. . . ينظر إلى السيارات الكبيرة التي كانت تحمل البطانيات. . والأحذية. . . والملابس لتوصيلها إلى مخيمات اللاجئين في الأردن. . نظر إليها وهتف قائلا:
حفظ الله الكويت بتلك الأعمال
إنها كلمة صادقة من قلب عاش ذلك الزمان.
زمن تقوى الله. . . المحبة. . . التعاون. . . نقاء السريرة
فيا أحبتي في الله، فلنتعاون لإحياء ما افتقدناه.
** والآن من يضع يده بيدي لإحياء جيل الأجداد؟ **
** والآن من يضع يده بيدي لإحياء جيل الأجداد؟ **
- أحكم الناس من صمت فادكر، ونظر فاعتبر ووعظ فازدجر -
◽️◽️
📚 من كتاب : مواقف إيمانية – الكتاب الثاني
الشيخ نجيب خالد العامر
✍ تحرير : حورية الدعوة
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « إذا دعا الرجل لأخيه بظهر الغيب قالت الملائكة : ولك بمثل »
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق