السبت، 4 يونيو 2016

وهي متضرجة بدمائها تناجي ربها [ يا جبار السموات والأرض أنت أعلم بحالي ] فتنزل عدالة السماء


يا جبار السموات والأرض
أنت أعلم بحالي


عائلة فقيرة مادياً وغنية نفسياً . . . . مكونة من رجل وزوجته وخمسة أولاد وابنتين ووالدة طاعنة قي السن ، وكانت سكناهم في دارٍ خربة . . . . حياتهم تتسم بالبساطة . . . . رب الأسرة يعمل في حانوت يبيع به الخضار المختلفة وعند غروب الشمس يغلق محله ويعود لبيته ومعه بعض الخبز والخضر واللحم أحياناً فتستقبله العائلة بفرح وسرور.

وفي أحد أيام الخريف ، كانت العائلة تنتظر قدوم رجُلها مساءً على باب الدار، فإذا بهم برون بعض الشرطة يحملون شيئاً!!

ما هو هذا الشيء ؟

إنه نعش . . . . فنظر أحدهم في النعش فإذا هو المعيل الوحيد وقد سكنت نفسه ، وتوقف قلبه ، وأُغمضت عيناه ، وهو مسجى لا يعلم من أمره شيئاً . . . . لقد فارق الدار الدنيا ، لقد مات رحمه الله ، لقد قُتِل المعيل بحادث سيارة .

والسؤال الآن ـ من يعيل هذه الأسرة؟

كان الابن الأكبر في الصف الرابع المتوسط ، وهو لم يتجاوز الخامسة عشرة من عمره . . . . فهل يترك الدراسة؟

هذا هو الحل الوحيد . . . . نعم لقد ترك الدراسة ، وعمل في حانوت أبيه لكي يعيل هذه العائلة المسكينة.

وتمرّ الأيام . . . . الأشهر . . . . وبعد ثلاث سنوات دُعي الولد الكبير إلى الخدمة الإلزامية بعد أن استكمل الثامنة عشرة من عمره ، فبرزت عند ذلك مشكلة أخرى ، وهي :

من ينفق على هذه العائلة ؟

هل يضحّي الابن الثاني بالدراسة كما ضحى أخوه . . . . والله إنها مشكلة ، لا يدركها إلا من عايشها . . . . ولكن هناك حلاً واحداً فقط لإعفاء الأخ الأكبر من الخدمة الإلزامية ، وهو دفع البدل النقدي . . . . ولكن من أين يأتون بالمال 

واجتمعت العائلة . . . . وخرجت برأي جديد . . . . ما هو

نابع معي بهدوء . . . . لقد استقر الرأي على رهن البيت

نعم . . . . لماذا تعجبت؟ . . . . البيت رهنوه بأربع مائة دينار ، وبعد إجراء عملية الرهن انطلقت الأم إلى محطة تجمع سيارات الأجرة لكي تسافر إلى المدينة التي يقطن بها ولدها التي تبعد عن مكان سكناهم مائتان وأربعون كيلومترا ، لدفع البدل عن ولدها قبل انقضاء مدته بيوم واحد ، وعند المحطة لم يكن هناك مسافرون كثيرون ، وانتظرت ما يقرب من الساعة ، فلم يأت أحد ، وأشرفت الشمس على الغروب ، فكان لابد لها أن تستأجر سيارة خاصة لتوصيلها.

واستأجرت السيارة ، ثم انطلقت بها بعد أن قبض السائق أجرته كاملة. وكانت الطريق بين المدينتين تمر بين جبال ووديان . . . . وبعد ابتعاد السيارة عن المناطق المأهولة واقترابها من المناطق الخالية ، تحدث صاحب السيارة مع المرأة . . . . ولعله سألها عن سر استعجالها في هذا الوقت ، فقصت عليه قصة بيع البيت وقصة دفع البدل النقدي عن ولدها وبعد ذلك لعب الشيطان دوره في تحطيم ضمير ذلك الرجل ، وكأني أراه وهو يوسوس قائلاً : يا لها من فرصة ثمينة . . . . المال الذي عند المرأة قد لا تستطيع أن تجمعه من عملك خلال عدة شهور . . . . ولكنك تستطيع الحصول عليه في عدة لحظات . . . . وصدق رب العزة عندما قال عن الشيطان ﴿ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا ﴾ .

ورسم الرجل الخطة . . . . والمرأة المسكينة لا تعلم ما يكن لها ذلك السائق . . . . فهو في تفكير وهي في تفكير آخر.

وشتان بين النور والظلام .

وبدأ بتنفيذ الخطة ، أوقف السيارة على الجانب الأيمن بقرب وادٍ سحيق . . . . ونزل وفتح الباب على المرأة ، فسحبها من السيارة قسراً ، ولم تستطع المسكينة أن تقاوم . . . . طبيعة المرأة ضعيفة جسدياً ، كما وصفها الله تعالى قائلا :

﴿ أَوَمَنْ يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ ﴾

ونعود إلى موقفنا . . . .

سحب المرأة وذهب بها بعيداً عن الطريق وأخرج سكيناً وأوسعها طعناً ثم أخذ ما معها من مال.

ماذا فعلت بك هذه المسكينة؟
هل ضربتك بشيء؟
هل هناك ثأر قديم بينك وبينها؟

سبحان الله ، لقد غاب ضمير ذلك الرجل

وسقطت المرأة متضرجة بدمائها وهي تئن . . . . وبعد ذلك سلب منها المال وعاد أدراجه إلى السيارة ، وتصور معي هذا المنظر الآن . . . . امرأة تنزف الدماء ليس بقربها مخلوق في هذا المكان المنقطع . . . . وأدَعُ الباقي لخيالك . . . .

ركب الرجل سيارته ، لكي يكمل المسير إلى المدينة . . . .

وصل المدينة وعاد محملاً . . . . وعندما اقترب من مسرح الجريمة أوقف السيارة وادعى أنه سيقضي حاجته . . . . ولم يكن الركاب يعلمون ما اقترفت يداه . . . . لقد أراد أن يتأكد من موت المرأة. لأنه تركها وهي تئن فها هو ذاهب إلى المكان ، ونظر إلى ضحيته ، . . . . آه . . . . إنها ما زالت على قيد الحياة . . . . سبحان الله ، . . . . انظر إليه  . . . . ماذا يفعل؟ لقد انحنى . . . . ها هو يرفع يديه إلى أعلى وبيده حجرٌ ويصيح قائلاً (( ملعونة أنت ألا زلت على قيد الحياة حتى الآن؟ ))

وجمدت المرأة . . . . وكأنها تنظر إلى أجلها

وماذا حدث بعد ذلك ؟

اهدأ . . . . اهدأ . . . . يا أخي . . . . قلت لك اهدأ . . . . إني أعلم أن قلبك مع تلك المرأة . . . . أتسمع شيئا إنها صرخة في الوادي . . . . رباه ماذا حدث ؟

نزل الركاب من السيارة ، . . . . ها هم يسرعون في اتجاه الصوت . . . . لقد وصلوا . . . . ما الأمر؟ . . . . ماذا حدث ؟

. . . . لقد شاهدوا . . . . ماذا شاهدوا . . . . فاندهشوا مما شاهدوا !!!

. . . . وإليك المنظر . . . .

الرجل ملقى على الأرض مغمىً عليه . . . . المرأة تتمتم بكلام غير مفهوم. ذهبوا إلى المرأة وأسعفوها، وحملوا الرجل وهو في اللحظات الأخيرة من حياته . . . . وقصت عليهم المرأة القصة.

. . . . وأسعفوا المرأة والرجل . . . .

ووقفوا ينتظرون سيارة أخرى . . . . وجاءت السيارة وذهبوا إلى المدينة . . . . وفي الطريق فارق ذلك المجرم الحياة . . . . وفي المستشفى جاءت الشرطة وحققوا في الأمر وأخذوا الأموال منه، وأعادوها للمرأة.

نعم ستقول . . . . ستنتهي القصة.

ولم نعلم ماذا حدث؟

إليك يا أخي الحبيب ما تريد!!

عندما حمل الرجل الحجر لكي يرمي به المرأة ليقضي عليها في تلك اللحظة لدغه ثعبان فصرخ من شدة الألم ، فسمعه الركاب ، فهرعوا إليه مسرعين . . . . وفي المستشفى طلبت المرأة ولدها . . . . وراحت في غيبوبة طويلة . . . . فظن الممرضون أنها تعاني من سكرات الموت.

وفي ضحى اليوم التالي . . . . أفاقت المرأة من غيبوبتها ، ثم قالت لولدها. ادفع البدل سريعاً ، وأغمضت عينها . . . . لا لم تمت . . . . لكنها في غيبوبة . . . . ويوما بعد يوم تحسنت حالتها شيئاً فشيئاً . . . . وبمرور السنين وبفضل الله تبارك وتعالى تحسنت حالة العائلة مادياً . . . . وهناك على ضفاف نهر دجلة قرب الجسر الكبير في بغداد ، دارٌ عامرة بالوفاء والحب ، هي الدار الجديدة التي انتقلت إليها العائلة ، والتي صبرت واحتسبت حتى فرّج الله عنها.

وها هو اللواء الركن (( محمود شيت خطّاب )) راوي القصة ذاهب إلى تلك الدار لكي يقابل هذه المرأة المثالية . . . . ويتحدث إليها من وراء حجاب . . . . فيسألها ما الذي كانت تقوله وهي ملقاة في الوادي؟
فترد : كنت أقول : (( يا جبار السموات والأرض أنت أعلم بحالي فهيئ لي بقدرتك القادرة أسباب دفع البدل النقدي عن ولدي ، ليعود إلى أهله ويعيلهم . . . . يا رب ))

يا لها من مناجاة . . . . يا لها من تضحية . . . . لم تفكر في غزارة الدم الذي يسيل منها ، ولم تفكر إنها قد ترحل عن الدنيا بعد ثوان معدودة . . . . ولكنها فكرت في كيفية إعالة الباقين!!

وبعد المناجاة . . . . فرج الله كربتها وكرب أبنائها

أعلمت كيف تشفق علبك والدتك؟ . . . . ووالدك؟ . . . . "أدعوك بقلب خالص أن تبرَّ والديك ، وترفع يديك بالدعاء لهما فالمخلوق يحتاج إلى الخالق .

فليصدق المخلوق لكي يكسب رضا الخالق .

والآن انهض لزيارة والديك . . . . لأنني أعتقد أنك لم تذهب لهما هذا اليوم . . . . فسارع بالزيارة وأنت تردد هذه الآية الكريمة :

﴿ رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ ﴾

◽️◽️

📚 من كتيب : مواقف إيمانية (الكتاب الثاني)
للمؤلف نجيب خالد العامر

 تحرير : حورية الدعوة
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « إذا دعا الرجل لأخيه بظهر الغيب قالت الملائكة : ولك بمثل »

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق