تتوالى الأيام، وتنقضي القرون، ويبقى هذا الدين شامخاً بثوابته
التي يذود عنها رجال في كل عصر لا يخافون في الله لومة لائم
يضربون الأمثلة بصبرهم
ويكونون القدوة الحسنة لمن بعدهم
ويثبتون للناس أنهم على خطا الرعيل الأول، وأن هذا الدين لا تزال تنبت فيه نابتة من أبنائه، تدلل على عمقه في القلوب، وأثره في النفوس
وأن أمثال العز بن عبد السلام، وسعيد بن جبير والإمام أحمد وابن تيمية يتكررون في كل زمان ومكان،
في كل أرض تخفق فيها راية التوحيد وتتردد في جنباتها كلمة (الله أكبر)!!
وأن علماء هذه الأمة قد أخذوا بحظ وافر في الوقوف على ثغر الإسلام، وإذا كان لهؤلاء جرأة على كلمة الحق أمام سلطان جائر، فإن في علمائنا حديثاً من له مواقف في مواجهة خصوم الإسلام وأعدائه.
فهذا رحمة الله الهندي يتصدى للقسيس (فندر) الذي كان يعد نفسه من أبرع المنصرين وأعلمهم وأقدرهم على التكلم بالعربية والفارسية، وأخذ ينشر باطله في الأسواق والمجتمعات والشوارع، ويعقد لذلك الندوات، فلما استفحل أمره وكثر شره وخشي المسلمون الفتنة، دعاه الشيخ رحمة الله بن خليل الرحمن إلى مناظرته في محفل مشهود، ومجلس عام،
وبعد تردد وتمنُّع من هذا القسيس، تم الاتفاق على اللقاء، وعقدت بينهما المناظرة بحضور القضاة والمفتين وكبار رجال الدولة الإنجليزية وكتاب دواوينهم في الهند، وجمهور كبير في بلدة (أكبر آباد) في شهر رجب سنة ١٢٧٠هـ
وابتدأت المناظرة في مسألة النسخ والتحريف، فظهر تفوق الشيخ رحمة الله، وتخاذل القسيس فندر، ولم يجد بداً من الامتناع عن إتمام المناظرة في المسائل الثلاث الأخرى!!
إن المرء ليشعر وهو يقرأ كتاب (إظهار الحق) الذي يدور حول مسائل هذه المناظرة، بأن الرجل عميق الإيمان بدينه، واسع الاطلاع على ديانات غيره، متمكن كل التمكن من موضوعه، وكان من أبلغ حججه تلك الاستشهادات التي أوردها من أقوال مؤرخيهم ومفسريهم ومن نصوص كتبهم.
وهذا الشيخ عبد الوهاب النجار يواجه المنصرين وهو ما يزال طالباً، يقول:
كنت في سنة ١٨٩١م طالباً في الجامع الأحمدي، وكان بطنطا قسيس بروتستانتي يرسل باعتراضات له على الإسلام والقرآن،
فطلب إلي أحد العلماء أن أرد على القسيس
وجرت المساجلات الشفهية، وكان صدى تلك المجادلات الدينية ينقل إلى القاهرة، ثم إلى لندن،
فتضج التايمز والصحف الإنكليزية، وتجأر بالشكوى من التعصب الديني في مصر! مبرقة، ومرعدة، ومنادية بالويل والثبور"
ثم جاءت البعثة التبشيرية الإنكليزية مدعومة من اللورد كرومر، واتخذت مقرها في المدرسة الإنكليزية بالقاهرة وكان القسوس من المبشرين يدعون المسلمين للدخول في دينهم،
فذهب الشيخ التلميذ مع اثنين من أصدقائه إلى دار التبشير، وجادل المبشرين وناقشهم حتى أفحمهم، ثم انبرى يدعوهم إلى الإسلام مبيناً عقائده ومحاسنه،
فكان الشيخ النجار بحق أول مبشر بدين الإسلام في صفوف القساوسة الذين يدعون إلى النصرانية، وتكرر ذلك منه، حتى برموا به وضجوا بالشكوى إلى جهات الحكومة التي أرسلت الجند مشاة وفرساناً لمنعه من الدخول إلى المكان الذي يدعون الناس إليه دعوة عامة، وحين حيل بينه وبين ذلك وقف منادياً جماهير المسلمين قائلاً: إلي عباد الله. فلما أحاطوا به خطب فيهم يبين محاسن الإسلام، ويزهدهم فيما يدعونهم إليه، إلى أن جاءت عناصر الشرطة، وفرقت ذلك الجمع بالقوة!!
فذهب الشيخ التلميذ مع اثنين من أصدقائه إلى دار التبشير، وجادل المبشرين وناقشهم حتى أفحمهم، ثم انبرى يدعوهم إلى الإسلام مبيناً عقائده ومحاسنه،
فكان الشيخ النجار بحق أول مبشر بدين الإسلام في صفوف القساوسة الذين يدعون إلى النصرانية، وتكرر ذلك منه، حتى برموا به وضجوا بالشكوى إلى جهات الحكومة التي أرسلت الجند مشاة وفرساناً لمنعه من الدخول إلى المكان الذي يدعون الناس إليه دعوة عامة، وحين حيل بينه وبين ذلك وقف منادياً جماهير المسلمين قائلاً: إلي عباد الله. فلما أحاطوا به خطب فيهم يبين محاسن الإسلام، ويزهدهم فيما يدعونهم إليه، إلى أن جاءت عناصر الشرطة، وفرقت ذلك الجمع بالقوة!!
ويقول الشيخ النجار: كان من عواقب استمراري على خدمة الإسلام، وبذل النصح للمسلمين أن تبرم بمكاني من لهم أسماء المسلمين، وألقاب الموحدين في نظارة المعارف – بعد أن صار مدرساً – فعاقبوني بإبعادي إلى أسوان، فقدمت استقالتي لأشتغل حراً لا أتقيد بشيء سوى ديني وضميري ووجداني.
وفي عام ١٩٣٣م كان الشيخ محمد جميل العقاد، يدرس في الأزهر وهو سوري من حلب، وقد استدعاه وزير الداخلية وعنده وفد من الأقباط يطلبون ترحيله عن مصر، لأنه يفسد أبناءهم، ويفتنهم عن دينهم،
فتوجه الأستاذ العقاد إلى الوزير قائلاً: سلهم – يا معالي الوزير – عن الوسيلة التي ألجأ إليها في دعوتي لأبنائهم، هل أغريهم بالمال؟ هل أغريهم بالنساء؟ هل أهددهم بالعصا أوبالسلاح؟ هل أستخدم معهم السحر أو الخزعبلات؟
ولما كان جوابهم بالنفي عن أسئلته، التفت إلى الوزير وقال: إنهم يا سيدي يستخدمون كل هذه الوسائل في حملاتهم التبشيرية، ولم يطلب أحد من المسلمين إخراجهم من مصر،
فاقتنع الوزير وصرف الجميع!
وكان يدرس في إحدى حلقات الحرم المكي، فقام رجل، وبدأ يجمع المال من الحضور، فأمره الشيخ بالجلوس،
فقال له الرجل: يا سيدي! إنما أجمع المال لك،
فغضب الشيخ، وأخرج محفظة نقوده، وجعل بنثر ما فيها على الحضور قائلاً: نحن جئنا إلى هنا لنعطي، لا لنأخذ!!
وسجل للأزهر كثير من المواقف المشرفة على أيدي أبنائه وعلمائه،
فقد كان الشيخ مصطفى المراغي قمة في العزة والعلم، وكان ذا رؤية ثاقبة في قضايا الإسلام والمسلمين،
وقد سئل عن موقف الإسلام من الحرب العالمية الثانية، فقال: إن هذه حرب لا ناقة للمسلمين فيها ولا جمل،
ففزعت بريطانيا، ومعها حلفاؤها من هذه الكلمة التي يمكن أن تغير سير الحرب! واحتجت عند رئيس الوزراء حسين سري باشا، الذي اتصل بالشيخ وطلب منه ألا يدلي بتصريح قبل أن يراجعه شخصياً،
فأجابه الشيخ: من أنت حتى تراجع كلامي؟!! إنني أستطيع أن أسقطك بخطبة واحدة من فوق منبر الحسين أو الأزهر!!
تلك صفحات ناصعات تكتب بحروف من نور لتضاف إلى تاريخ الدعوة والدعاة، في فصل الثبات على الحق والمنافحة عن الإسلام في عصر تحتاج فيه الأمة إلى قراءة تاريخها البعيد والقريب لتعلم كيف تكون المواقف والرجال.
◽️◽️
يحيى بشير جاج يحيى
📚 مجلة المستقبل الإسلامي العدد ١٧٥ ذو القعدة ١٤٢٦ هـ
✍ تحرير : حورية الدعوة
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « إذا دعا الرجل لأخيه بظهر الغيب قالت الملائكة : ولك بمثل »
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق