الاثنين، 4 يونيو 2018

تحرير أم تجرير

بعد الاحتفالات في شتى أصقاع العالم الغربي، رجع القوم بلا خفي حُنين ولم يعد الأمر كونه استعراضاً نصرانياً عالمياً يعبر عن مدى الخواء الروحي الذي وصل إليه القوم، ولئن تحدث الغرب عن إنجازاته العلمية والحضارية عبر قرن مضى فإنه – وبلا شك – لن يستطيع حصر إخفاقاته الأخلاقية والدينية ونكساته الاجتماعية والروحية، والتي بدا بها وجه حضارتهم كوجه عجوز أبت تحافير السنين أن ترحل عنه رغم ما تراكم عليه من الأصباغ والمساحيق.
والمرأة الغربية أعظم ضحايا المدنية ضرراً. فبعد مرور أكثر من قرن من تحريرها، لم تعد ملايين النساء تعرف العمل الشريف بدل الاعتماد على الجسد، فانتشرت الوظائف الجنسية كانتشار النار في الهشيم، فظهرت فتاة الملهى وبائعات الهوى وأصبحت المرأة في بلاد كثيرة مصدراً للتجارة الرابحة باسم السياسة والكرنفالات والرقصات التي تدور كلها حول جسد المرأة العاري الذي يجذب السواح لتلك المدن الآسنة، ناهيك عن الاستغلال الصارخ لجسد المرأة في مسابقة ملكات الجمال وعارضات الأزياء، بل إن الأمر تعدى إلى صورة أرذل وأتفه، حيث أصبحت تُقدَّم للنزلاء في بعض الفنادق وتعرض في قائمة الخدمات.

هذا هو حال المرأة الغربية بعد قرن من التحرير، يكرمونها في الصباح ويهينونها في المساء يقبلون يدها في المحافل ويصفعونها في البيوت، فماذا بعد.

إنها الجاهلية الأولى تعود للبشرية بثوب جديد، جاهلية لا يمتلك فيها الأسياد رقاب العبيد بنقودهم ويسخرونهم رغماً عنهم لما يشاؤون، بل انساق إليهم هؤلاء طواعية باسم الحرية المدنية دون أن يشعر أحدهم بعبوديته أو يسعى لخلاصه منها فضلاً عن أن كثيراً من هؤلاء الرقيق يستمتع بعبوديته ويفخر بها.

أما في بلاد الإسلام فإن المرأة المسلمة – بحمد الله – ليست كذلك، لكنهم لم يتركوها تسعد بشريعة ربها، فأشغلوها بالموضات المتجددة المتلاحقة، وقدموا لها الأدب الفاضح في شكل قصص وروايات وثقافة فضاء، وأشغلوها بسفاسف الأمور ليسهل انقيادها ويتيسر سقوطها، واجتهد أدعياء تحرير المرأة في بلاد الإسلام وما زالوا ليخرجوها من حصنها ويقحموها في كل ميدان، وشوهوا شريعة ربها في ناظريها لتسخط على ما أمر الله به من أمور شرعت لها لا عليها فتتمرد وتثور.

لكن الأمر ليس بعجيب من هؤلاء فقد جرت العادة أن يحاول الذئب جر فريسته وإبعادها عن حصنها ليفترسها، لكن العجيب حقاً أن تسعى الفريسة خلف الذئب لترتمي في أحضانه، وأعني بذلك مطالبة بعض النساء المسلمات بتحرير المرأة على الطريقة الغربية.

وإذا كان طابور التحرير من الرجال والنساء في بلادنا يزعمون أننا نتنفس برئة واحدة حيث لم نقحم المرأة في كل ميدان، فإن أسيادهم في الحرية في بلاد الغرب يتنفسون بالأجهزة الصناعية حيث انهدت لديهم الأسرة التي هي قوام كل كيان اجتماعي سليم مما يهدد بزوال حضاراتهم وضياع مكانتهم بين الأمم.

فمن ينصف المرأة من دعاة التجرير الذين يجرونها إلى الهاوية؟

لا شك أنه أنا وأنت وأسماء وحفصة وعائشة.

فاطمة عبد العزيز

 تحرير : حورية الدعوة
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « إذا دعا الرجل لأخيه بظهر الغيب قالت الملائكة : ولك بمثل »

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق