قلت له قف . . تفحص نفسك للحظات هل أنت أنت؟ . . أم غلبتك عوامل التعرية وتغيرت معالم قلبك على حين غرة منك . .
إننا نركض حتى اللهاث ، دون أن نعطي لأنفسنا فرصة الحوار مع الذات.
تستهلكنا إذا صح التعبير متغافلين عن القطع التي تقدم وتهترئ فينا، وبعد مرور سنين، تنظر إلينا في المرآة، فنشعر بالذعر . . ما عدنا نحن! . .
العيون غير العيون، والقلب غير القلب، والملامح بدت مستهلكة جامدة، باردة كألواح السنين التي نهبتنا واختلست منا أجمل ما كنا، وأروع ما عشنا..
لذا أقول لكم قفوا.. أقول لي قفي، راجعي ما كنت عليه، وما صرت إليه، انظري ما الفرق وعودي إلى الوراء بعض الشيء، إذا كان الوراء هو الذي يحملك بين طياته، ليس من العار أن تعودي إلى الخلف إذا كان فيه بعضك الجميل وأنفاسك الرائعة..
إننا نسقط في ركضنا المرعب قطعاً منا، أجزاء حالمة فينا تضيع في مهب الحياة، مشاعراً جميلة، أحلاماً براقة.. أحاسيساً نابضة بالصدق والإنسانية، معاملة مخلصة مع بشر مثلنا وحتى حيوانات وجماد، عيوناً براقة.. قلوباً بيضاء واسعة كالسماء.. محبة، براءة، جنوناً، تهوراً، انفعالاً.. ضحكاً.. بكاء..
أشياء كثيرة نغفل عن صيانتها بين حين وآخر، فتنضب وتهترئ وفي لحظة ما نكتشف أننا أصبحنا بلا شيء، جثثاً تتحرك فقط.. أجسامنا جامدة، (ريموت كنترول) يحركنا بلا حياة ولا حب.. لا أصدقاء.. لا مبادئ ولا نبض.. دفء.. وطن رمزي يحتوينا.. أشخاص يحبوننا عن بعد.. أناس نخدمهم بلا مصالح.
حكايات تافهة نرويها لبعضنا البعض على سبيل الدعابة.. (مشاوير) عادية نقضيها مع أناس يهمهم البقاء معنا ولو للحظات..
حكايات تافهة نرويها لبعضنا البعض على سبيل الدعابة.. (مشاوير) عادية نقضيها مع أناس يهمهم البقاء معنا ولو للحظات..
تفاصيل صغيرة تعطي لحياتنا الرمادية لوناً آخر زاهياً..
لقد قتلتنا الحياة يوم أن علمتنا كيف نستقبل بعضنا نحن البشر بوجوه جليدية .. باردة لا تشف مما ورائها.. يوم أقتنعنا بأن نكون أكثر حذراً مع الغرباء.. وأكثر تجرداً من إنسانيتنا ذاتها..
دمرتنا الحياة يوم علمتنا أن نغلق كتبنا المفتوحة حتى لا يقرأنا أحد .. ونخفي تفاصيل حياتنا التافهة والعادية حتى لا يشغلها ضدنا أحد.. ونتخفى وراء مسميات ليست مسمياتنا، وأشكالاً ليست لنا.
لقد جعلتنا نستقبل بعضنا بسوء الظن، ونقطع اليقين بالشك.. قتلنا الشهامة والمروءة والكرم باسم الحذر والحرص والفطنة، وغادرنا باسم الحياة .. الحياة ذاتها.. لأن الحياة الحقيقية ليست التي نعيشها لأجلنا فقط، بل تلك التي نعيشها لأجل الآخرين.
رحم الله سيد قطب .. عاش ومات وهو على عهده بنفسه.. عاش سيد ومات سيد .. دون أن يخلف أجزاءه الرائعة وراءه .. ودون أن يسقط إنسانيته من حساباته..
قلت له قف.. ووقف لكي نعود إلى الوراء قليلاً.. قليلاً.
◽️◽️
نجلاء العمري
📚 مجلة حياة العدد (٣٩) رجب ١٤٢٤ هـ
✍ تحرير : حورية الدعوة
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « إذا دعا الرجل لأخيه بظهر الغيب قالت الملائكة : ولك بمثل »
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق