السبت، 31 ديسمبر 2016

لقاء مع الشيخ ((صبر))


ذهبت إلى المسجد لأداء صلاة الجمعة، وبينما المصلون يتلون كتاب الله إذ صعد الخطيب على المنبر، وكان موضوع خطبته الصبر.

وعندما أسهب الإمام في ذكره بالآيات والأحاديث الدالة على عظمته نظرت إلى الصبر بعين المتأمل وكأنه شيخ وقور, في وجهه سمة الصلاح، يوجد في قمة جبل الإيمان، وتحت سماء الإحسان. يصعد إليه أصحاب الهمم الذين لا يهزهم كيان الابتلاء، بل يثبتون كثبوت الجبل الواقف عليه.

صعدتُ إليه ولستُ من أصحاب الهمم وإنما هالني أمره، وأذهلتني هيبته وعظيم شأنه.

سلمت عليه فرد عليَّ السلام.

قلت له: أيها الشيخ الفاضل أريد أن أتعلم منك دروساً وعبراً لأستعين بها على المحن وقت الشدائد.

قال لي: استعن بي وبالصلاة يصلي عليك الله ويرحمك. قال تعالى: (واستعينوا بالصبر والصلاة إن الله مع الصابرين).

وقال سبحانه: (ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقصٍ من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين. الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون. أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون).

- ما أعظم المعاني التي تحملها بقلبك النابض بالخير!

- عندما تحبس نفسك عن التردي في هاوية التصخّب والتضجر وتمنعها من التكبر والتجبر، وتقف جوارحك تعظيماً لربنا الرحمن، حينئذ يرفعك الله في عليين مع النبيين، والصديقين، والشهداء، والصالحين. واعلم أن كبح النفس عن الانتقام سمة خير الأنام.

- ما العلاقة بين مرض الجسد ومرض النفس؟

- الصبر على مرض الجسد تطهير لمرض النفس.

- أنت والجزع خصمان لدودان لا يقبل أحد منكما الآخر.

- إن بذرة الصبر الحلم، وساقه الحق، وأغصانه الخير، وأوراقه طاعة الله، وثمرته النصر، وإن بذرة الجزع الجهل، وساقه الباطل، وأغصانه الشر، وأوراقه معصية الله، وثمرته الهزيمة.

- هل الفرج حلة يُلبسها الله للصابرين المحتسبين؟

- نعم لمن استكان، وخضع، وتذلل لله، يفرّج الله عنه بحلمه على قضاء ربه ودعائه والتبتل إليه. قال تعالى: (واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه....) الآية.

- ما مرتبة الصابرين ودرجاتهم عند الله؟

- أنا سلم الارتقاء للدرجات العلا. (إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب).

- صف لي نفسك ينفعني الله بك، وهل الفرج قريب منك؟

- أنا قِدر، فاسكب فيّ ماء القضاء، وأضف عليّ عسل الرضا، وضعني تحت نار الإبتلاء، عند ذلك يفيض زبد الذنوب فتنطفئ النار.

- أعطني أملاً في الفرج.

- من صبر على الكرب، رأى الفرج نوراً على الدرب.

- دلني كيف يكون بثي وحزني إلى الله؟

- المؤمن إذا حزبه أمر، وتجسد فيه الصبر، كان كقارورة يفوح منها العطر.

- أنت كنز يعرف قدرك وقيمتك المبتلون الصادقون.

- أنا كنزٌ في قاع البحر يصل إليه ذو الصدر الرحب.

- أيها الشيخ الفاضل قل لي قبل مفارقتك مثلاً أذكرك به.

- مثل الابتلاء والصبر والفرج، كمثل الرحيق، والنحل، والعسل، فالابتلاء الرحيق، والصبر النحل، والفرج العسل.

حينئذ نبهني المؤذن وهو يقيم الصلاة.

◽️◽️

عبدالواسع بن شيهون / جدة
📚 مجلة الأسرة العدد (٦٠) ربيع الأول ١٤١٩ هـ

 تحرير : حورية الدعوة
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « إذا دعا الرجل لأخيه بظهر الغيب قالت الملائكة : ولك بمثل »


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق