الإنسانية الأمريكية
أوقفت سيارتي على عجل وهرعت إلى مبنى السفارة الأمريكية في الرياض ومعي أوراقي التي تثبت أن أخي في حالة خطيرة وأنه بحاجة ماسة إلى زراعة كبد عاجلة ، ولابد له من السفر فوراً إلى الولايات المتحدة الأمريكية لإجراء العملية هناك وفي أسرع وقت ممكن
قدمت أوراقي إلى مسؤول الأمن في السفارة للحصول على فيزا لدخول الأراضي الأمريكية
فاعتذر إلي وأخبرني بأن أعضاء السفارة لا يعملون يوم الخميس
وبينما كنت أتلهف له للاتصال على موظف التأشيرات نظراً للخطر الذي يهدد حياة أخي
إذ أقبل رئيس قسم التأشيرات بالسفارة
ففرحت واتجهت إليه ، شارحاً له الوضع الصحي لأخي ومقدماً له الأوراق والتقارير التي معي
إلا أنه لم يعرني أي اهتمام وقال بوجه مكفهر : نحن لا نعمل الخميس ولا الجمعة كما أن يوم السبت والأحد القادمين لدينا مناسبة وطنية ولن نعمل فيهما .. تستطيع مراجعتنا يوم الإثنين !!
فذهلت لما سمعت وقلت له : إن طائرة الإخلاء الطبي سوف تقلع غداً الجمعة صباحاً ولا يمكننا التأجيل يوماً واحداً
ثم أخذت الاستمارة الرسمية للتقديم على الفيزا ، وقرأت عليه القانون الذي وضعته السفارة الأمريكية للحالات الطارئة والتي من أبرزها الحالات الصحية المستعجلة وأنه يجب على موظفي السفارة إخراج الفيزا للمريض ومرافقه في أي ساعة من ليل أو نهار في وقت دوام أو عطلة
وشكرت الحكومة الأمريكية التي أصدرت مثل هذا القرار ، مما يدل على الرقي الحضاري والإنسانية المرهفة – كما ظننت –
وبعد أن أنهيت حديثي والاهتمام يبدو على جوارحي
نظر إلي ببرود وقال : إنما وضعنا هذا القانون لمن يحمل الجنسية الأمريكية فقط !
فرددت عليه في تعجب : والذي لا يحمل الجنسية الأمريكية وحياته في خطر هل تتركونه يموت لأنه لا يحمل جوازكم ؟!
ذاك ليس من شأننا ، هكذا ردّ عليّ
ثم أردف قائلاً : أنتم معاشر العرب فوضويون ، لا تخططون لمستقبلكم ولا تدرسون واقعكم ولذلك لا نهتم بكم ، ولا نأبه إلا للنفط الذي عندكم
عندها على الدم في عروقي ، واحتشدت كل كلمات التحقير والازدراء لهذا الشخص الواقف أمامي
ولما كاد لساني ينطق بهذا تذكرت حال أخي المريض فخشيت أن ينعكس ذلك سلباً على طلب تأشيرته
فانصرفت وقد بدا لي واضحاً أن الذي لا يملك روحاً تتصل بخالقه وتستشعر مراقبته لا يمكن أن يتمثل المبادئ العليا من العدل والرحمة والإنسانية وإن تبجح بها أمام العالم ، وأثبتها على أوراق دستوره ، وصدّرها في خطاباته الرسمية ، فالذي يفقد المبدأ النبيل في نفسه لا يمكن أن يعطيه لغيره أبداً .
حدث ذلك الموقف في شهر يونيو من عام ٢٠٠١ م أي قبل أحداث ١١ سبتمبر
فلما وقعت الأحداث وكنت حينها في أمريكا ورأيت كيف تتم مصادرة الحريات بإسم الاحتياطات الأمنية ، وكيف يشوه الإسلام بمكر وخبث في وسائل إعلامهم بإسم محاربة الإرهاب
أدركت بجلاء أن أحداث الحادي عشر من سبتمبر لم تصنع جديداً على وجه الحقيقة غير أنها أبرزت ذلك الوجه الكالح للسياسة الأمريكية بوضوح أكثر .
◽️◽️
عادل بن عبد العزيز المبرد
📚 مجلة السمو العدد العاشر
✍ تحرير : حورية الدعوة
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « إذا دعا الرجل لأخيه بظهر الغيب قالت الملائكة : ولك بمثل »
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق