الثلاثاء، 7 مارس 2017

لا تنسي فضل أمك

حين تمادت البنت في الكلام مع والدتها –معترضة على قوانين البيت، ومتمردة على ما يزعجها-، حاولتْ أمها تذكيرها بما تقدمه لها من حب وتضحية وتفهّم وعطاء بلا حدود –لتسكن وتعلم أنها بخير ونعمة وإن عانت من بعض المنغّصات-، وبدل أن ترضى البنت وتقنع راعني أن قالت لأمها: (أنت تقومين بواجبك نحوي من العطاء ولم تفعلي أي شيء مميّز، فكل الآباء والأمهات يحبون أولادهم ويبذلون الغالي والرخيص من أجلهم، فما الجديد الذي قدّمته لي؟ وبم تمنّين عليّ؟).

دهشت وانزعجت إلاّ أنّي تنبّهت لأمر مهمّ: لقد فقد العطاء قيمته لدى الأبناء لأن البذل والتضحية مشهد يتكرر كل يوم ومن جميع الأمهات نحو أولادهنّ، وبذلك صار العطاء نهجاً عاماً فظنه الأبناء حقاً لهم ولا يجوز لوالديهم التقصير فيه!.

ولْنجار قليلاً هذه البنت المخطئة ونفترض أن عطاء الوالدين عام ومتكرر، فهل يزهد الابن فيما أولته أمه إيّاه من الحب والرعاية؟ :

جعل الله لأكثر البشر (وللحيوانات أيضاً) سمعاً وبصراً أفلا نشكره إذن لأنه أعطانا ما أعطى الجميع ولم يخصنا بشيء متفرد؟! هل يصحّ أن نقول: (السمع والبصر أصل في تكوين كل مخلوق) فإذن لا ضير ألاّ نكبرهما وألاّ نشعر بعظمهما وأهميتهما في تسهيل حياتنا؟ هل هذا المنطق مقبول شرعاً؟


وإذا أحسنت إليك صديقتك فأعارتك دفترها.
كلّما تغيّبتِ- لتنقلي ما فاتك من الدروس، فهل ينفي التكرار فضلها ويمحق عملها؟ وهل من المقبول عرفاً: ألاّ تقدّري صنيعها ولا تشكريها؟ فأين الوفاء أين المروءة؟


كيف يظن الأبناء أنّ ما تقدمه أمهم واجب مفروض عليها؟!
فالشرع أوجب عليها أموراً محددة (إطعامهم وتنظيفهم وصيانة فطرتهم وتعليمهم أمور دينهم...) ولكن الأم تقوم بأكثر من ذلك بكثير وتتطوع بما لم يُفرَض عليها؛ فهي تعمل على خدمة صغيرها ليل نهار وعلى تحقيق رغباته، وتُؤْثِرُهُ على نفسها وتعطيه وقتها بلا حساب وتقطع أكلها وتصحو من أعماق نومها من أجله، وتنفق عليه ما يصلها من مال، وإذا مرض نسيت الدنيا وما فيها من شدة قلقها، وتكون مستعدّة لِتَهَبَهُ كليتها إذا احتاجها، وتتحمّلَ عنه الآلام والأحزان، وتنسى آمالها وطموحها في سبيل أن ينجح في مناحي الحياة ويتفوّق... فَمَنْ أوجبَ على الأم كل هذا؟

إنها المحبّة الصادقة. أفلا يحقّ للأم أَنْ تُذَكّرَ أبناءها بحقها عليهم إذا نسوا فضلها أو جحدوا تضحيتها؟

إني أرى تذكيرهم واجباً عليها، لكيلا يظنّوا أنّ تَفَضُّلَ والديهم عليهم أمر طبيعي كما رأت هذه البنت، فإذا تذكّروا قدّروا واحترموا وتحمّلوا وبذلوا، وكان عوناً لهم على تجنب العقوق المفضي إلى النار.

◽️◽️

عابدة المؤيد العظم
📚 مجلة الأسرة العدد (١٧٦) ذو القعدة ١٤٢٨هـ

 تحرير : حورية الدعوة
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « إذا دعا الرجل لأخيه بظهر الغيب قالت الملائكة : ولك بمثل »

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق