الأحد، 31 يوليو 2016

[٣] ~*¤ ღ♥ღ(* قصص من هموم الفتيات *)ღ♥ღ ¤*~

١٧ ـ زوجي لا يأبه بمشاعري

روت حكايتها والدمع يملأ عينيها:

فتاة في مقتبل العمر تنظر للمستقبل نظرة أمل وتفاؤل. لا يمر شهر إلا وقد طرق باب منزل ذويها خاطب، أو أكثر. سئم الأهل من كثرة الخطاب. كل شاب أفضل من الآخر وأكثر وسامة وجاهاً ومركزاً وهي رافضة فكرة الزواج. وأخيراً قرر الوالدان أن يحسم الأمر وهي أيضاً ملت كثرة الرد على الخطاب بالنفي. اتخذت قراراً لا رجوع فيه هو الموافقة على الخاطب القادم مهما كلف الأمر.

لقد سبب لها كثرة رفض الخطاب نوعاً من الحرج أمام الأهل والأقارب، وأيضاً كان فيه نوع من الحرج لوالدها وأهلها. فلم يمض إلا وقت قصير حتى تقدم لها خاطب جديد، يتسم بالخلق الحميد ويعمل بوظيفة مرموقة وليس فيه شيء يمنع من الموافقة عليه. ففيه من الصفات ما تتمناها كل فتاة فتمت الخطبة، فعقد القران، ولم تطل مدة الخطبة كثيراً فتم الزواج. انتقلت لتعيش معه في شقة صغيرة أعدها لتكون لهما عشاً هانئاً فتحول العش الهانئ إلى جحيم قاتل كما روت قصتها بنفسها فتقول:

أول قطعة أثاث دخلت من باب الشقة وهي أجهزة زوجي (السجا) و(البليسنتيشن) والكمبيوتر التي اعتبرتها بمكانة الضرة لها.

تبكي وتصرخ وتقول لم ولن ويستحيل أن أقدر إبعاده عن تلك الأجهزة اللعينة على الرغم من قدوم طفلها، وبلوغه عامه الأول وهي لا تزال صابرة على العذاب والألم. الزوج منصرف تماماً عن المنزل مع أصدقائه تارة ولا يعود من السهر مع الأصدقاء إلا في الساعة الثالثة أو الرابعة فجراً، وإن حضر للبيت حضر جسده فقط. أما الروح والعقل والكيان والوجدان فليس لها، نصيب بها فجميعها متعلقة بتلك الأجهزة التي يعشقها عشقاً منقطع النظير وليس طبيعياً وليس له حدود إن لم يكن لديه دوام رسمي في عمله فهو إما سهران خارج المنزل مع الربع، أو في الدواوين إلى طلوع الفجر، أو سهران طوال الليل مع أجهزته يلعب ويلهو بها كالطفل الصغير. أما الصباح فيقضيه نائماً كله وهذه حاله على الرغم من مرور ثلاث سنوات على هذا الزواج.

لقد جعل من الزوجة إنسانة محطمة معذبة صابرة ساكتة لا تستطيع مصارحة والدتها خوفاً على صحتها من التدهور بسبب مرض السرطان الذي ظهر فيها فجأة.

تصرخ صاحبة المشكلة وتقول عجزت، والله عجزت عن إبعاده أو على الأقل التخفيف من تعلقه بهذه الأجهزة. حاولت مشاركته والتقرب له فلم أستطع التكيف مع جوه فهو لا يعرف شيئاً عن أخبار الحياة والأمور التي تمر بها الأمة نهائياً بسبب انشغاله في هذه الأجهزة أو الخروج مع الربع.

وجدت الحل الوحيد هو الطلاق والانفصال لكن أقول ما ذنب طفلي الصغير البالغ سنة من عمره والثاني في الطريق إلى هذه الحياة؟ ما الحل لمثل هذه المشكلة؟ الطلاق أم الصبر؟ وإلى متى الصبر ثلاث سنوات وهو على نفس النمط وليس هناك أي تحسن؟.

📰 جريدة الهدف العدد (١٨٨٤)


١٨ ـ المسكينة

كان نصيب الأم قليلاً من الدين والخلق. فلم يردعاها عن هدم بيت ابنتها وتفريقها عن زوجها، وانتزاع أطفال من أحضان والديهم، وساعدها على ذلك ذوبان شخصية ابنتها أمامها، وسطحية نظرتها وتفاهة تفكيرها الذي لم يمكنها من الوقوف أمام إعصار يريد تحطيم أسرتها. وحجتها أن كل محاولة لعصيان أمها مع كل ذلك عقوق ما بعده عقوق، مما سهل على الأم أن تلقي في روع ابنتها (مسكينة) وفي حضور صهرها أو غيابه بأنها درة لم يعرف زوجها قيمتها وأن عشر سنوات من الزواج مضافاً إليها أربعة بنات كلها أخطاء تراكمت يجب تصحيحها في الوقت المناسب. وأن عليها أن تبدأ حياتها مع شخص جدير بها علماً ومالاً ومركزاً اجتماعياً مرموقاً وما كان ممكناً صار مستحيلاً!!

وجاءت فرصة ليعمل الزوج في الخارج فسافر على أن تلحق به زوجته وأطفاله بعد إنهاء بعض ما يلزم. ولاح في أفق الأسرة قريب لم يتزوج بعد إنهاء تعليمه إلى جانب مركزه المالي والاجتماعي، فاصطادته لها أمها وزينت له ابنتها وأشادت بمحاسنها وحظها العاثر وحظ زوجها الذي يناطح السحاب. وافق العريس وأظهر حماسة شديدة بعد أن لوحت الأم له بأن الأطفال سيكونون مع أبيهم، فطلب من (مسكينة) أن تطلب الطلاق من زوجها. قلق الزوج على تأخر زوجته، ليستلم رسالة منها تطلب فيها الفراق وأن عليه الحضور لاستلام بناته بعد انتهاء العدة، وكان لها ما أرادت.

وزهد الزوج في هذه الدنيا التافهة، التي تجعل الإنسان يبيع زوجه، وبناته وعشر سنوات برخص وسهولة. ونزل بهمومه إلى قاع نفسه، ودفنها وخرج إلى الناس ضاحكاً من الألم!! (وشر البلية ما يضحك).

وبدأت الأم في تجهيز ابنتها والابنة (مسكينة) تنتظر أيام العدة انتظار الغريب لعودته إلى الوطن. وكان العريس لا يفارق الأم. ثم بدأ يتثاقل في الحضور، ثم لم يعد يحضر، وعندما استدعته الأم وسألته عن هذا الفتور قال لها: والله لقد راجعت نفسي، فوجدت أني قد تسرعت، وإن من لم يتعظ بعينيه لم يتعظ بأذنيه. لقد باعت (مسكينة) زوجها وبناتها وعشر سنوات، من الزواج وطفلين في أمس الحاجة إليها من أجل مركز ومال، وهي قادرة على بيعي بأرخص من ذلك. وأنا أشفقت على البنات، ولا أريد أن أقف يوماً في مكان زوجها! ولا تسل عن حالة (مسكينة) فصارت تكلم نفسها وخاصة بعد أن تبرأت أمها من فعلتها بعد أن زينتها لها كما تبرأ الشيطان عندما أغوى آدم، ولم تفقد الأمل فسارعت بالكتابة إلى زوجها تطلب منه السماح وتبدي أسفها وندمها وتسرعها وتلقي باللوم على أمها، وترجوه العودة لصغاره لتعوضه ما سببته له من آلام نفسية فيرد عليها قائلاً: أشكرك ولئن تركتني في شبابي خير من أن تلقي بي في شيخوختي: (وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شيئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ) وصلتها رسالته فصارت تردد المثل: (ما صدنا شيئاً .. والذي معنا أفلت).

وصرخت وندبت حظها وبكت ولامت أمها .. ونقلت للعلاج من انهيار عصبي شديد.

📚 قطار الزواج والطلاق تأليف رجاء أبو صالح


١٩ ـ عندما اختفت نظرته الجريئة!

أحياناً تكون قوة شخصية الرجل وبالاً على المرأة، لكني لم أفهم ذلك إلا متأخراً جداً.

حينما تقدم لي زوجي خاطباً أعجبتني ملامحه: الرجولة الواضحة ممثلة في شارب أسود ثقيل، وعيون ذكية جريئة، تقتحم المرأة اقتحاماً، وقوة شخصية، واعتداد بالنفس إلى درجة الغرور، وصوت قوي يفيض رجولة وقوة وخشونة. كانت نظرات زوجي شديد الجرأة حينما جاء خاطباً، ولاحظ الجميع ذلك وبينما استنكروه هم، أحببت أنا هذا السلوك وأعجبني كامرأة تعشق الحياة في ظل رجل قوي الصوت والشخصية والمنطق. ووافقت على الزواج السريع من هذا المنطلق برغم أني في الأصل شخصية قوية. وكأنما المرأة القوية تتوق إلى الارتباط برجل أقوى منها كي تشعر بضعفها الأنثوي الجميل معه، بينما لا ترحب أبداً بالرجل الذي يطلق عليه العامة: الرجل الضعيف.

كان جمالي آسراً ومشهوراً بين نساء الحي الذي أقطنه ولذلك فقد تقدم لي الكثيرون قبل زوجي، ورفضتهم جميعاً حتى وفقني الله به، فأحببته منذ أول لحظة ولم أهتم كثيراً بتقييم حبه لي، أو اقتناعه بي بل ولم أهتم بكونه ملتزماً دينياً أم لا، بصراحة شديدة أعجبني فيه قوة الشخصية، والنظرة الجريئة فقط لا غير!

فالمرأة تنقاد لمثل هذه الرجولة دون وعي أو إدراك، بعد الزواج كنت فعلاً من ذلك النوع من النساء اللاتي يأسرهن الرجل الزوج. ويتفانين في خدمته ورعايته وتدليله من أجل عيون الحب، وكان زوجي قد تلقى تعليمه في الخارج وقد أضاف هذا إليه الجرأة والذكاء في معاملة المرأة، تلك النظرة الجريئة التي جذبتني حينما رأيته لأول مرة والتي تأسرني دائماً بالرغم مني.

لا أنكر أن زوجي طيب القلب لكنه يجيد الأمر والنهي بدون أدنى حوار معي. فالمرأة في نظره يجب أن تطيع زوجها في كل صغيرة وكبيرة. فلم يعد لي أدنى رأي في أي شيء، ومع ذلك كنت سعيدة في داخلي بشخصية زوجي القوية وبخضوع لإرادته حتى في حال عدم اقتناعي بما يقول، فكثيراً ما يكون خضوع المرأة لزوجها في كل ما يقوم أو يفعل من أسباب سعادتها دون أن تدري المرأة ذاتها لهذا تفسيراً أو منطقاً.

اعتدت أن أكون سلبية في كل ما يخص البيت والأبناء، وبعد سنوات قلائل من الزواج وصلت أسماعي أخبار تؤكد أن زوجي يجيد النظرة الجريئة مع كل امرأة يراها أو حتى يسمع صوتها بل إنه يعاكس النساء أحياناً وأنه قد يتزوج قريباً و .. و .. تحطمت أعصابي في داخلي، لكني مع اعتيادي المستمر عدم مناقشته في أي أمر لم أقو على مفاتحته فيما سمعت، فلو سألته لكان أقرب جواب له: وما شأنك أنت؟ لا دخل لك بتصرفاتي خارج البيت! أنا رجل وهذا يكفي!

كان زوجي يُخفي عني أين يغيب تلك الساعات ليلاً، ويخفي عني أسماء أصدقائه، حتى عرفت بمحض الصدفة أن زوجي يجتمع بأصدقاء السوء في مكان ما ويتناولون المحرمات، وأن زوجي مدمن، وهذا سر النظرة الجريئة والسلوك المقتحم لكل امرأة يراها. بل سر سلوكياته الخاطئة من معاكسات وملاحقات للنساء، بل سر سفره مع نفس المجموع من أصدقائه للخارج كل عام، حيث يقضي زوجي شهوراً في علاقات نسائية محرمة، مع نفس الأصدقاء. وليس من حقي أن أسأل زوجي عما سمعته، فقوة شخصيته وقوة حبي له وضعفي أمامه بسبب هذا الحب، كل هذا منعني من مجرد الاستفسار.

فقد اكتشفت أن قوة شخصيتي إنما هي واقع مع كل البشر، لكنها تتحول إلى ضعف وخنوع بمجرد أن أرى زوجي، وأسامحه رغم كل شيء داعية له الله بالهدى. العجيب أن زوجي كان يحافظ على الصلاة وهو بذلك من الرجال الذين يفصلون بين الدين والحياة، كيف؟ لا أدري لكن الأكيد أن أصدقاء زوجي بأفكارهم المجردة من كل قيم دينية وأخلاقية قد جرفوه تماماً في هذا التيار الذي دفع به للإفلاس بعد أن كان ثرياً.

زوجي مفلس بسبب إنفاقه على الأصدقاء والمحرمات، وكلما نويت معاتبته، خانني ضعفي ومنعني حبي وخوفي من أن أفقده من أن أسأله أو ألومه أو حتى أحاوره.

ما يؤلمني أن زوجي معدنه طيب وهو بالتأكيد في حاجة للعلاج من الإدمان، لكني لا أقوى على مصارحته بذلك خشية أن يطلقني، فهو يقول إن المرأة خُلقت لأمور ليس من بينها أن تكون نداً للرجل، وليس من حقها أن تحاسبه على أي تصرف، وأسلوب التحقيق معه – على حد قوله – لا يقبله. زوجي لا يتحمل مني أدنى استفسار أو عتاب، يريدني أن أقوم بتربية الأبناء في صمت، ولأعمال الطهي وأن أغدق عليه حناني وحبي وأهتم بأنوثتي ولا شيء غير ذلك. فبداخله عدم اعتراف بعقلي أو بقدراتي الذهنية، فما دمت امرأة فلابد أنني كذلك على حد قوله، ودوماً يقول لي: أنتن ناقصات عقل ودين،لا توجد امرأة أذكى من رجل، ثم يقول ضاحكاً: المرأة بدون رجل أغبى المخلوقات!

كان حبي له ولأبنائي أكبر ما يعيق حريتي في الحوار معه، ولما أفلس زوجي صرت أعطيه عن رضا كل مدخراتي، بل ومجوهراتي وراتبي بانتظام، ولا أستطيع عمل شيء إلا الدعاء إلى الله بأن يهديه ويصلحه، ولم أخبر مخلوقاً بمأساتي. تلك المأساة التي لا أدري لها نهاية. شعرت أن الحب ابتلاء وضعف وخضوع وهوان أيضاً، فقد وصلتني أخبار أن زوجي ينوي الزواج، وأنه تقدم للكثيرات ولكن النصيب لم يحن بعد، أو لعلهن رفضن الارتباط به لشدة جرأته وتحرره ونظراته الجريئة، ما أعجبني يوماً رفضته الأخريات. كل يوم لزوجي قصة، أحاديث الهاتفية لا تنتهي فهو يغلق عليه باب غرفته طوال الليل ويأمرني بأن أنام مع الأبناء لأنه مشغول بأعمال خاصة. ولم أكن أملك إلا أن أدعو ربي له بالهدى والصلاح.

فلا زال حبي يمنعني من مصارحته بما عرفت، خوفاً من شخصيته القوية وقراراته التي لا رجعة فيها. وخوفاً من أن أفقده بمجرد مصارحته، احتملت، صبرت، تعذبت حتى عرفت أن زوجي تزوج أكثر من مرة وانتهى الزواج بالطلاق السريع، هنا نفد صبري، قررت أن أستجمع شجاعتي، لابد أن أواجهه بقوة وليكن ما يكن.

أخبرت زوجي بكل شيء أعرفه عنه، ثار واتهمني بالكذب والجنون، هنا انفجرت وأنا أبكي بصوت عالٍ: طلقني الآن، ولدهشتي صمت زوجي ولم يتكلم، أعدت طلبي: طلقني الآن لأني لم أعد أطيق الحياة معك، فوجئ زوجي بأني تحولت من زوجة محبة متفانية إلى أخرى زاهدة حتى في مجرد النظر إلى وجهه. فوجئت بدمعة تنساب من عينيه وأحسست بها تحرق قلبي، لكني تجلدت حتى لا يلمس مني الخضوع القديم لكل أخطائه وتجاوزاته، اقترب زوجي مني وهمس: لا أستطيع أن أطلقك، لأني أحبك، كل ما أرجوه منك بعد أن عرفت عني كل شيء أن تساعديني على التوبة والعلاج، أنا مريض مدمن أتصرف تحت تأثير المخدرات دون إدراك عقلي لكامل تصرفاتي، ولو وقفت معي منذ البداية لكنا اختصرنا رحلة العلاج. أعاهدك أن أبدأ في طريق التوبة والعلاج ولكن فقط ساعديني لأني أحبك وواثق من حبك لي، سامحيني فيما مضى وكوني بجواري، أحتاج لقلبك الحنون لأني مريض أكثر مني مذنب أو مخطئ أو مجرم.

رفعت بصري إليه، وهوى قلبي في أضلعي، لا زال حبي له قوياً رغم كل شيء. والعجيب أن النظرة الجريئة اختفت من عيني زوجي وحلت محلها نظرة انكسار وضعف وحزن، قلت له: أعاهدك أن أظل بجوارك مدى حياتي، لأنك أنت حياتي.

هاأنا أكتب إليكم بعد أن انتهت رحلة التوبة والعلاج، وعاد زوجي رجلاً فاضلاً حنوناً. ولولا أني صاحبة هذه القصة لتخيلتم أنها من وحي الخيال، لكنها من صميم واقعي وحياتي وبيتي، وإنما أردت أن أقول إنني عرفت أن هناك فارقاً أصيلاً بين الحب وبين ترجمة هذا الحب لموقف قوي في لحظة حاسمة، الحب لا يعني الضعف أو الصمت أمام الأخطاء الجسيمة، الحب فيه احتياج أحياناً للقوة أضعاف الضعف. وإذا كان ضعف الأنثى محبباً للرجل، إلا أنه - هذا الضعف قد يكون وبالاً على الرجل نفسه - حينما يحتاج من زوجته لقوة المنطق أو لتصحيح مساره أو لإيقافه عند حده حينما يتجاوز أصول القيم الدينية والأخلاقية، هنا قوة المرأة ضرورة عاجلة.

إن سعادتي بنفسي الآن كزوجة قوية أضعاف سعادتي بضعف الأنثى وتخاذلها عن نصيحة زوجها في سنوات زواجي الأولى، لقد أدركت أن الزواج رحلة تحتاج إلى قوة المرأة أضعاف ما تحتاج لضعفها وأنوثتها وهذا ما أثبتته تجربتي الواقعية تماماً.

📚 المجلة العربية العدد ٢٢١


٢٠ ـ صنعت ضرتي بيدي!!

كان طلبت معلمة جديدة من زميلتها متوسلة وراجية أن تصطحبها معها في سيارة زوجها إلى المدرسة. والتي تبعد خارج المدينة عشرات الكيلو مترات نظراً لظروف والدها، وعدم وجود أحد من إخوتها لإيصالها كل يوم لهذه الهجرة البعيدة.

وأعربت المعلمة عن استعدادها أن تدفع لزوجها قيمة المواصلات. قبلت المعلمة الأمر بعدما استشارت زوجها وألحت عليه بالموافقة تقديراً لظروف الزميلة الجديدة!! ماذا كانت النتيجة في المقابل؟

بعد تردد وافق الزوج خاصة وأن مسكنها بعيد عن منزلهما. الأمر الذي يتطلب منهما وقتاً إضافياً للمرور عليها كل صباح، وتمضي الأيام والشهور، والمعلمة صاحبة المعروف تعامل الزميلة الجديدة بكل رعاية واهتمام. بل أنها تذكر عندما كانت مريضة قبل شهور، أصرت على أن يقوم زوجها بمهمته اليومية في توصيلها للعمل، وذلك من خلال مرافقة خادمتها.

لم تكن تتصور أم رشاد أن هذه الزميلة الشابة والرقيقة تسحب زوجها منها وتتزوجه خلال العطلة الصيفية!

هكذا كانت تردد وتشيع بين أخواتها وأفراد أسرتها. بل المثير أن زوجها عندما استأذنها للسفر عدة أيام مع أصحابه، لم يكن هذا السفر إلا أيام عسل الضرة التي أحسنت إليها ووثقت بها، وهاهي تخطف منها زوجها.

تتذكر الآن وفي الأيام الأخيرة قبل العطلة، تلك النظرات الغريبة التي كانت تنظر من خلالها إليها وهي تناولها (سندوتشات الفطور) اليومي، وزوجها يمتدح الفطور كأنه يبعث برسالة إعجاب وتقدير لها. كم تشعر بالحزن والألم الشديد عندما تتذكر ما ردده البعض بأن زوجها أقام عرساً متميزاً لضرتها، اتسم بأنه عرس تقليدي لبست فيه الضرة الثوب الذهبي المقصب (ثوب النشل الحساوي)، إنها حفرت قبرها بيديها، وخلقت هذا الواقع المر بيدها ولكن ماذا تفعل الآن؟ يبدو أن سعادتها الماضية لن تعود أبداً مهما حاولت وعليها الاستسلام للواقع المر.

📰 جريدة الطب والأسرة العدد (٧٧)
الأربعاء ١٨ رجب ١٤٢٥ هـ


٢١ ـ الشهادة الكبيرة

تقدم إليها والشرر يتطاير من عينيه، ورفع إصبعه في وجهها منذراً صائحاً: قلتُ لك لا، أما تفهمين؟ دراسة وسكتنا، كلية وسكتنا، ولكن عمل عمل؟! لا، أنا ما عجزت بعد عن توفير لقمتك أسمعت؟ لا وألف لا.

تراجعت إلى الخلف مذعورة، والتصقت بالجدار كطير بلله القطر، وهمست مستعطفة بصوت خافت: ولكن، يا أخي .. أرجوك اسمعني، وكأنما لسعته بكلماتها فاندفع نحوها، وأسرعت زوجه تقف بينه وبينها، فصاح وهو يحاول إزاحتها من طريقه: دعيني، اتركيني أُعلَّمها الأدب، اتركيني قلت لك، اتركيني.

أرجوك يا أبا إبراهيم، عائشة لم يكن قصدها إغضابك.

حتى أنت تدافعين عنها؟

وأبعد زوجته جانباً ورفع قبضته في الهواء، فأغمضت عينيها وارتفعت كفاها دون وعي أمام وجهها تحميه، ومكثت هنيهات واجفة، وآلاف البراكين تتفجر في أعماقها الواحد تلو الآخر.

أما هو فقد صرّ على أسنانه، وضم أصابعه حتى برزت العروق في ساعده المتين وهتف بغيظ: تبّاً لكِ، ماذا يقول الناس عني إن ضربتك؟

وشدّ بأصابعه على يديها، فأبعدهما عن الوجه الشاحب وصاح بها وهو يتفرس في وجهها: اسمعيني، لآخر مرة أقولها، لن تعملي ما دام في عرق ينبض، أسمعت؟

وصمتت، فما الفائدة من الجواب، صمتت لكن عشرات الكلمات كانت تجول في الرأس الصغيرة وتطلّ من النظرات المتمردة، همس بحدة: هذه العين سأقلعها لك يوماً، ودفعها نحو الحائط واستدار خارجاً.

أما هي فقد انهارت إلى جوار الجدار وأغمضت عينيها، إيه .. حتى النظرات ما عدت أجرؤ أن أرفعها إليك؟ يا أخي، يا ابن أمي وأبي، أما تحس بي؟ أما تدرك ما أعانيه؟ ما عرفت أنت أيضاً لحظات الملل القاتل واليأس المخيف؟ إلام الانتظار هكذا؟ وماذا أنتظر؟ وحياتي تضيع هباء بين جدران أربعة ومجتمعي أحوج ما يكون إلى شهادتي من هذا الجدار البارد المتعال؟

تكومت على نفسها وضمت ساقيها بذراعيها وأخفت بينهما وجهها ومضت تذرف دمعات حرى، علها تطفئ بعضاً من اللهب الذي يشتعل في جوفها.

نادتها زوجه برفق وهي منكبة فوق أكوام الغسيل: عائشة، الله يهديك، أخوك يحبك، حريص عليك. وهذا الزمان أغبر الإنسان اليوم صار لا يأمن على أولاده في البيت، فكيف يأمن أبو إبراهيم عليك وأنت تخرجين كل يوم إلى الشارع؟ صدقيني هو يريد مصلحتك.

مصلحتي! أن أقضي عمري بين جدران أربعة أتأمل شهادتي تزين الحائط وأتأمل أيامي تذهب يوماً تلو الآخر دون هدف ما؟

تابعت الزوجة وهي منهمكة في عملها: البارحة حدثني عنك قال لي .. آه يا صالحة، لو جاء ابن الحلال وتزوجت عائشة نصف همي ينزاح.

فتحت عينيها ببطء ورنت إلى زوجة أخيها وقد بدأ القلق يعتصر قلبها بأيد خفية.

معه حق يا عائشة الأولاد مسؤولية فما بالك بالبنات؟ بصراحة إنهن هم مقيم حتى يتزوجن، إيه، الله يرزقك بابن الحلال الذي يسعدك.

رفعت رأسها، ما أطيبك يا صالحة، ليتني كنت مثلك امرأة بسيطة لا تعرف من حياتها إلا عمل البيت وطاعة الزوج.

يرحمك الله يا أمي، كم عانيت في إصرارك على تعليمي، وقفت بوجه الجميع، أبي ثم إخوتي، وها قد نلت الشهادة الكبيرة – التي تمنيتها – ودعوت الله في صلاتك أن يرزقنيها. فما الذي حدث؟ ما الذي تغير؟

صوتك لا زال في مسامعي: عائشة .. يمة، الله يرضى عليك (لا تفشليني) أمام إخوانك، أريد أن أتباهى بك، أن أكون أم المعلمة.

آخ يا أم ..

ها أنا اليوم معلمة، معلمة دون طالبات، معلمة ما زالت بحاجة إلى تعلم أشياء وأشياء في هذه الدنيا الواسعة، أهمها: الصبر على المكتوب.

📚 صور من الحياة تأليف ثناء أبو صالح


◽️◽️

 تحرير : حورية الدعوة
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « إذا دعا الرجل لأخيه بظهر الغيب قالت الملائكة : ولك بمثل »

🔗 [١] ~*¤ ღ♥ღ(* قصص من هموم الفتيات *)ღ♥ღ ¤*~
http://huria-alddaewa.blogspot.com/2016/07/1.html

🔗 [٢] ~*¤ ღ♥ღ(* قصص من هموم الفتيات *)ღ♥ღ ¤*~

🔗 [٣] ~*¤ ღ♥ღ(* قصص من هموم الفتيات *)ღ♥ღ ¤*~

[٢] ~*¤ ღ♥ღ(* قصص من هموم الفتيات *)ღ♥ღ ¤*~

٩ ـ كاد زوجي أن يبيعني للشيطان!!

تقول السيدة التي هاتفتني إنكم يا أخي تكتبون عن الطلاق وفساد الذمم المالية وجرائم القتل وحتى السرقات وغيرها من المشكلات والقضايا التي يعاني منها المجتمع الكويتي، بل ولقد سلطتم الأضواء عليها وكأنه لا يوجد غيرها من المشكلات التي يعاني منها المجتمع الكويتي والخليجي فأين أنتم؟

فلقد طغت وظهرت المخدرات بجميع أنواعها على السطح، وأخذت حقها كاملاً سواء في هدم الإنسان وضياع شبابه ورجولته، وحتى حياته، أو في هدم القيم والأخلاق وهذا الدين العظيم. فأين أنتم عن أخبار الجرعة الزائدة التي كثيراً ما أودت بحياة شاب وهو في مقتبل العمر، وترك من خلفه ذرية وزوجة تندب حظها ساعة، وتحمد الله ساعة أخرى، على ما ابتلاها به؟ ثم أين أنتم من بيع الرجل لزوجته ثمناً لحاجته الماسة لمادة الهيروين، التي أصبحت منتشرة في دول الخليج وتصل إليه عبر طرق ومنافذ شتى؟ أليست هذه قضايا تستحق الاهتمام يا أخي؟

ثم وعلى الرغم من إنشاء مركز بالكويت لعلاج المدمنين، إلا أن طاقته الاستيعابية قليلة بالإضافة إلى خوف الشباب من الفضيحة، ثم حب الاستمرار في التعاطي والانغماس بالملذات. وفوق هذا فقدان الناصح الأمين، جعل بعض الشباب يحجمون عن الذهاب إلى المركز للتشافي ويفضلون البقاء بعيداً عنه حتى يأتيهم الموت بغتة فيقضي على حياتهم وهم في ريعان الشباب غير مأسوف عليهم من أحد أليست هذه قضايا تستحق الاهتمام؟

قلت لها نعم قالت: اكتبوا عنها، فلعل بالكتابة أن يتنبه المسؤولون في هذا البلد، وأن يضاعفوا الرقابة على جميع المنافذ. فإن كان الحد من دخول المخدرات صعباً فهو ليس بمستحيل إن تكاتفت الأيدي بتشديد الرقابة والعقوبة وتنفيذها علناً تصبح الكويت بعد ذلك خالية من هذه المادة السامة التي تكاد أن تصل لكل واحد في هذا البلد. وتلك هي أخبار الصحف اليومية تطالعنا كل يوم بخبر إلقاء القبض على تاجر مخدرات، أو مروج أو موت أحد الشباب وهو في سيارته وأدوات التعاطي بالقرب منه. فيتم نشر الخبر بالصورة ثم إحالة الجثة إلى الطبيب الشرعي لتشريحها وهكذا تطوى القضية، ويذهب الشاب إلى حتفه، ويدفن ويهرب من تسبب في هذه المصيبة بالمال، وتفقد الأسرة الكويتية، بل والكويت كلها شاباً كان بالإمكان أن ينفع نفسه وبلده لو لم يتعاط وينغمس في المحرمات.

وهنا استوقفتها وقلت لها: يا سيدتي دعينا ندخل في صلب الموضوع مباشرة، فإن هذه المقدمة تكفي ولنبدأ من البداية وكيف كانت ومتى بدأ زوجك في التعاطي لهذه المادة السامة؟

قالت: حسناً فلقد كنا أسرة متوسطة الحال نعيش على راتب زوجي الذي يعمل في إحدى الدوائر الحكومية وراتبي البسيط ، ننفق منهما على حياتنا وأولادنا وعندما يأتي آخر يوم في الشهر، تكون رواتبنا قد نفدت، فلا ندخر شيئاً للمستقبل بحكم غلاء المعيشة في الكويت. ولكن مع هذا فلقد كنا سعداء وأحسن حالاً من غيرنا. وعليه فقد وضعت طفلنا الخامس وإن كانت بنتاً إلا أنها مولودة لها الحق بالرعاية والإنفاق والاهتمام والعيش بين أبوين صالحين. إلى أن جاء ذلك اليوم الذي توفى فيه والد زوجي بعد صراع طويل مع المرض وكان يملك ثورة طائلة حصل عليها وجناها من بيع العقارات وهكذا توزعت ثروته وتركته بين أولاده الأربعة كان زوجي أصغرهم تصور حصول شاب على الملايين وهو ما زال في مقتبل العمر. وفو ق هذا فقد كان لا يصلي ثم قلة ثقافته وخبرته بالحياة. فكيف تكون حالته بعد هذا كله؟ فقد أخذ يتخبط بالإنفاق تارة باليمين وأخرى باليسار فلم يترك شيئاً إلا وقد فعله ابتداء من السفر إلى شرق العالم وغربه، إلى الصرف ببذخ على الملذات والكماليات وما يسميها ويزعم أنها ضروريات. إلى أن انغمس في المحرمات. فأصبح يتعاطى المخدرات والخمور بأنواعها المختلفة، وقد كنت أنصحه وأكرر عليه النصيحة بضرورة الإقلاع والتوبة إلى الله عز وجل فلم يبال بنصيحتي.

لقد وصل إلى حد الإدمان وأصبح إن لم يتعاط جرعته اليومية تصيبه حالة غريبة لا يشفى منها إلا عندما يتناول ذلك السم، ويشعر به ويسري في شرايينه.ساعتها فقد يعود إلى وعيه النسبي، وعليه فلقد دخل علينا يوماً وأنا جالسة مع أولادي. فقال خذي جميع الأولاد الليلة إلى بيت والدتك واتركيهم ينامون هناك، وعودي قبل منتصف الليل، فسيأتينا ضيف عزيز أرجو أن تقابليه وتكرميه وتجلسي معه. وتركني وانصرف، وأخذت أفكر في كلامه وأقول في نفسي ما هذا الذي يطلبه مني، وهذه أول مرة يطلب مني أن أترك أولادي في بيت غير بيتهم ثم ما سر إصراره على أن أجلس مع هذا الضيف؟ وهنا فقط ساورني الشك. ومع هذا فقد أحسنت الظن، إلا عندما استدرك قائلاً البسي أحسن الثياب وتعطري وتهيئي وأجلسي معه ولاطفيه وكوني خفيفة الدم معه وإياك أن ترفضي له طلباً به.

فقلت له ألن تكون جالساً معنا؟ قال: لا فإني قد أكون داخل الشقة ولكن في غرفة أخرى أو خارجها المهم قومي بالواجب على أكمل وجه.

وهنا فقد أدركت ما في نيته وما يرمي إليه ويقصده بل، أيقنت أن هناك محاولة لبيع جسدي لهذا الضيف، وأنا العزيزة الشريفة فقررت مجاراته حتى النهاية فلعلي أكتشف أنني مخطئة، وأن الحقيقة هي بخلاف ما في عقلي تماماً. وعليه فما إن اقتربت الساعة الموعودة، حيث كنت قد ذهبت مسرعة إلى بيت والدتي، وتركت أولادي هناك، ورجعت إلى الشقة وتهيأت وتزينت كما طلب مني. وعند اقتراب الساعة من منتصف الليل سألته مجدداً من هذا الضيف؟ فقال: إن الحقيقة هي أن رجال الأمن بالكويت قد شددوا قبضتهم على تجار المخدرات وليس بالساحة إلا هذا التاجر وإنه طلب مني مبلغاً مضاعفاً، إلا أنه يريد طلباً لا ترفضيه فأنا بحاجة لهذه المادة. وهنا فقط لم أتمالك نفسي إلا وأنا أصفعه على وجهه وأقول له: لقد وصلت بك الجرأة بأن تبيعني للغير؟ فيا لك من رجل أضاع شبابه وأضاع رجولته ويحاول أن يبيع شرفه. فتركته وخرجت من الشقة على عجل متوجهة إلى بيت والدتي وقد وصلت هناك وأنا بحالة مزرية من هول الصدمة. فاحتضنت أولادي وعشت معهم يومين كاملين ولا أدري عنه شيئاً سواء كان ميتاً أو حياً إلى أن جاءني خبر وفاته. فلقد قال الجيران لي أن تلك الليلة عندما جاء الذئب البشري إلى الشقة ولم يجد الفريسة الموعودة ثار و غضب وضاعف السعر على زوجي وتركه وانصرف. فتناول تلك الجرعة الزائدة التي لم يتحملها جسده ثم أخذ يصرخ ويصيح داخل الشقة. فسمع الجيران صراخه، وظنوا أنه هناك مشاجرة بيني وبينه فاتصلوا بالمخفر، وجاء رجال الأمن على عجل وأخذوا الضحية إلى مركز التشافي من الإدمان ولكنه فارق الحياة بعدها بأيام.

لهذا أقول وان كنت حزينة على موت زوجي ووالد أولادي إلا أن ما فعله في تلك الليلة لا أستطيع نسيانه فهل بعد هذه المأساة من شيء؟

قلت: لا، قالت: اكتبها وانقلها للقراء ولك جزيل الشكر.

📰 جريدة الهدف العدد ١٨٤٨


١٠ ـ كم أنا حزينة ولكن بعد فوات الأوان

لدي عيوب كثيرة أعترف بها نادراً لنفسي فقط.. نشأت بين أبوين: الأم صغيرة السن ضعيفة الشخصية تهاب والدي (وتنكمش) منه كالقطة المذعورة في أحد أركان الغرفة. والأب أكبر منشها بثلاثين عاماً، متسلط ، دائم الصراخ والنقد وأحياناً الضرب لها على أقل خطأ ولو كان غير مقصود منها، كان أبي شخصية قاسية للأسف الشديد وكانت امرأة مقهورة لا تستطيع أن تناقش أبي في أي أمر من أمور أبنائها ولا نفسها.

كان أبي شخصية عنيفة ليس مع أمي فقط بل ومعنا نحن أبناءه الثلاثة ومع كل من يتعاملون معه.

وكان تاجراً كبيراً دائم التفاخر بماله ونفوذ عائلته، دائم التوبيخ لأمي بأنها أقل من مستواه الفكري والعائلي والاجتماعي. في هذه البيئة كبرت أنا وشقيقتي وأخي الوحيد، ونحن مذهولون من الذعر والخوف اللذين يتملكان أمي إذا ما رأت أبي فجأة. فهو لا يراها إلا ويعلو صوته بالنقد وكأنه يتعامل مع خادمة لا يُحسن إليها. كانت أمي يتيمة فتحملت من أبي مالا يتحمله مخلوق، ثم كانت كثيرة البكاء والحزن. فكان إن مرضت فجأة ورحلت بهدوء عن الحياة وهي في السابعة والثلاثين من عمرها وبعدها صُدم أبي وتذكر كل ما فعله معها من سوء معاملة وإيذاء باللسان واليد.

وحزن أبي حزيناً شديداً لفراق أمي في هدوء دون أن تعاتبه يوماً على كل إساءاته. ومضت الأيام وبيتنا صامت حزين وأنا وإخوتي نشعر بالأسف والأسى؛ لأن أمنا عانت من أبينا ما عانت، ثم مرض والدي بمرض مزمن ورحل عن الحياة بعد أمي بعامين.

بدلاً من أن أكمل دراستي لأني متفوقة وجدت نفسي أقبل الزواج من رجل أعجبني فيه أنه (طيب) إلى درجة الضعف، وبهذا تأكد لي أنه لن يتعامل معي مثلما تعامل أبي مع أمي بكل قوة وتسلط وقهر، وإنما وجدت أن زوجي على العكس طيب جداً أ يريد فقط أن يرضيني ويغير رأيه لإرضائي. وهكذا وجدتها فرصة لأن أقهر إرادة زوجي، وأفعل في أمور بيتي وأبنائي ما يحلو لي لأمنعه مطلقاً من محاولة السيطرة عليّ وقهري وإذلالي كما فعل أبي أمي.

وكان زوجي يستجيب لكل آرائي ولو كانت خاطئة وأصبحت أنا الآمرة الناهية في البيت، فالقرار لي وأبنائي يعملون برأيي ويخافون غضبي ولا يعملون لأبيهم حساباً مثلي، فهم أكثر طاعة لي وبراً بي، كنتُ كلما تذكرت وجه أمي المذعور والمختبئ خلف أحد ستائر البيت ازدادت قوتي وعنادي وإصراري على رأيي حتى أصبح زوجي يترك لي مقاليد الأمور. وكنت أصرخ في نوبات غضب شديد تماماً كما كان يفعل أبي، وهذا الأخير زوجي عليه الإذعان لرأيي وكان زوجي مضطراً للرضوخ ولاسيما أنه كان يحبني أضعاف حبي له؛ لأني للأسف كنت أرى في كل رجل قسوة أبي وضرورة التعامل مع هذه القسوة بمنتهى القوة حتى لا يتحول الرجل – الزوج- إلى وحش كاسر يغتال عمري وأنوثتي وكرامتي، كما فعل أبي مع أمي.

كبر أبنائي وهم يستشيرونني في كل أمور الحياة، ولا يهتمون برأي أبيهم، فقد أدركوا مند نعومة أظافرهم أن الرأي لي والكلمة لي، فلا صغيرة ولا كبيرة إلا وسألوني عنها بعكس أبيهم الذي لم يكن يهتم أحد برأيه مطلقاً.

ورغم أن لزوجي آراء صحيحة وناضجة، إلا أنني كنتُ أعاند وأكابر وأرفضها من باب إلغاء آرائه وكيانه، خشية أن يتحول بين يوم وليلة إلى صورة مماثلة لجبروت أبي وقهره لأمي.

كان صمت زوجي طويلاً، وكان الحزن بادياً عليه، ورغم ذلك لم أهتم، فهو يحبني جداً وهذا يكفي، كما أنه يمتثل لكل آرائي وهذا هو المطلوب.

إلى أن جاء يوم شعر زوجي بألم خفيف في صدره فطلبت منه أن يرتاح في فراشه، وأغلقت عليه الغرفة لينام في هدوء. وفي الصباح ذهبت إليه لإيقاظه ففوجئت كأنه ينام نوماً عميقاً ثم لفت نظري عدم حركة صدره وسكونه التام، وهنا كانت المفاجأة، لقد رحل زوجي الطيب عن الحياة في هدوء دون وداع ودون مرض ولا مقدمات. ولا أستطيع أن أصف كم حزنت، بل كم سكن الألم جوانحي وروحي، لقد سألت نفسي عدة مرات: لماذا فعلتُ بهذا الرجل الطيب كل ما فعلت؟ لماذا كافأته على حبه وتفانيه في رعايتي بالجفاء والقوة وإلغاء كيانه كأب؟ لماذا ألغيت وجوده وعاقبته بذنب أبي؟ لماذا فعلت معه نفس ما فعله أبي بأمي من سوء معاملة وعشرة، بينما كنت أرفض تماماً هذه التصرفات من أبي؟

إنني أستغفر الله ليل نهار. فقد رحل زوجي وأنا لا أدري أراضٍ هو عني أم لا؟ لكنه بحبه وتسامحه لم يخبرني يوماً برضا أو سخط ، كان يكتفي بالصمت ولم أفهم حتى الآن سر صمته الطويل.

بعد رحيل زوجي، فوجئت بأبنائي يتغيرون معي، وينظرون لي النظرات الطويلة الصامتة نفسها التي كان يتميز بها زوجي الراحل فلما ناقشتهم قالوا لي: يا أمي نحن نشعر بالذنب الكبير في حق أبينا، لماذا ألغينا وجوده وتجاهلنا رأيه وهو حي؟ لماذا كان احترامنا ينصب عليك فقط بينما أبونا على الهامش؟ لماذا يا أمنا لم تساعدينا على بر أبينا وكأن لا حق له في البر؟ لماذا قسونا عليه بالتجاهل وقد كان أباً رحيماً متفانياً كريماً؟ كان أبنائي يتحدثون ويبكون، ثم خرجوا من غرفتي دون تحية، ولم أجد جواباً عن أسئلتهم، فأنا نفسي لا أعرف لماذا فعلتُ مع أبيهم ما رفضته من أبي ذات يوم؟

مضت الأيام وتزوج أبنائي تباعاً وتركوا البيت، وكانوا بارين لأبيهم بعد رحيله فهم يصلون أعمامهم وأصدقاء أبيهم، وقام ابني الأكبر بحج البيت عن والده، وكان أبنائي كثيرو التصدق على أبيهم للفقراء، لكن (شرخاً) ما أصاب علاقتهم بي وأثر أبلغ التأثير على حبهم لي، إن أبنائي يشعرون أنني السبب في معاناة أبيهم ورحيله عن الدنيا وهو حزين وحيد، وهكذا تغيرت مشاعرهم نحوي.

صحيح هم يعاملونني معاملة جيدة خوفاً من عقاب الله لهم، إن لم يبروني ويحسنوا معاملتي، لكن الحب القديم لي كأم تغير منذ رحيل أبيهم، ففي قرارة أنفسهم أنني السبب وأن أباهم كان يستحق مني أفضل المعاملة وأحسن العشرة، كثيراً ما أرى في عيون أبنائي نفس النظرة الحزينة الصامتة التي كان ينظرها إلي أبوهم.

إنهم يعاتبونني بغير عتاب ولا أدري ماذا أفعل، أشعر بوحدة قاتلة خاصة حين أرى مشاعر أبنائي تجاهي كالجليد، أشعر بنظراتهم تجلدني رغم أنهم يعاملونني أفضل معاملة، لكنها معاملة من يخشى غضب أمه ومن ثم غضب ربه، وليست معاملة من يحب أمه حباً عميقاً صادقاً، وفي أحيان معينة يخيل إلي أنني فقدتُ حب أبنائي إلى الأبد، وبقي لي منهم البر تجنباً للعقوق، وفارق كبير أن يحب الابن أمه فيبرها، وأن يبرها فقط خوفاً من عقاب ربه.

وبينما أنا عاقبتُ زوجي بذنب أبي فقط لاحظتُ أن أبنائي كانوا أكثر نضجاً مني، فقد تجنب الرجال منهم ظلم زوجاتهم أو قهرهن أو إلغاء كيانهن ومشورتهن، بينما تجنبت بناتي إلغاء كيان الزوج أو الاستهتار به كما فعلت مع أبيهم، وكما أسعدني أن رأيت ابنتي تقول لزوجها: الرأي لك يا أبا علي. إنني أثق في رأيك وما تراه صواباً أفعله على بركة الله. الحمد لله إن ابنتي لم تفعل مع زوجها مثلما فعلت مع أبيها. الحمد لله أنها تجنبت أخطائي خاصة أني اكتشفت أن زوجي كان أكبر نعمة في حياتي، فقد أحبني من كل قلبه، وتسامح مع كل أخطائي وعيوبي، وكان من أفضل الناس خُلقاً وعشرة، لكني لم أدرك هذا إلا بعد فوات الأوان، وبعد أن أصبحت وحيدة تحظى ببر أبنائها ولا تحظى بحبهم، فهم في أعماقهم يعتبرونني (مذنبة) في حق أبيهم، لكنهم تأدباً لا يصارحونني بذلك.

لقد سمعت ابني مرة يتحدث مع زوجته، سمعته دون أن يشعر يقول لها: اسمعي يا هند أنا أكره المرأة المتسلطة، المرأة (الرجل) التي تلغي زوجها وآراءه، إن ضعف المرأة هو سر قوتها، ولذلك أرجوك ألا تحيلي حباتي لجحيم لمجرد إثباتك أنك الأقوى، صدقيني أكره من كل قلبي نموذج المرأة القوية المتسلطة، كفى لا أريد أن أكون صورة من أبي، هل فهمت؟ هذا هو إذن رأي أبنائي.

إن المرأة المتسلطة أشبه بالرجل هم يكرهون هذا النموذج، كيف أحبه زوجي وتأقلم معه بينما لم يستطع أبنائي؟ هل المرأة القوية لا يمكن بحال من الأحوال أن يحبها رجل خاصة إذا وصلت قوتها إلى التسلط وفرض الرأي؟

رحم الله زوجي تحمل عني مالا يتحمله أحد، ورحم الله أمي التي تحملت من أبي ما يفوق طاقتها وعمرها القصير.

كان لابد أن أجتمع بأبنائي، لأوضح لماذا أسأت إلى أبيهم، وهو لا ذنب له، بينما إساءات أبي لأمي كانت مختزنة في أعماقي، في الاجتماع انسابت دموعي أمام أبنائي وزوجاتهم. قلتُ لهم: أرجوكم اسمعوني، في حياتي قصة وأنا لا أنفي أخطائي، لكني أردتُ توضيح ما وراءها، وأن أعتذر لكم عما حدث مني في حق أبيكم وقبل أن أكمل، بكى أبنائي وقالوا في صوت واحد: لا تكملي يا أمي، لا تبك يا أمنا الحبيبة، كلنا أخطأنا في حق أبينا الطيب ولست أنت فقط، فلنستغفر الله ونقوم بعمل صدقة جارية يصل ثوابها إلى أبينا بإذن الله.
وأضاف أبنائي: نحن نحبك جداً يا أمي ونقدر دوافعك ثم قاموا واحتضنوني بينما اختلطت دموعي بدموعهم.

📚 المجلة العربية العدد ٣١٣


١١ ـ هذا آخر ما وصلت إليه من الغرور والكبرياء

قالت هذا ما جنته يدي عليَّ وهذا نتيجة عنادي وتفكيري الخاطئ هذا آخر ما وصلت إليه من الغرور والكبرياء.

لقد تعبت كثيراً أصبحت أفتقد اللذة لكل شيء في هذه الدنيا حيث أنني انتظر الموت لكي يأتي ليريحني مما أنا فيه.

لقد جلبت لنفسي الخزي والعار والشتيمة والإهانة. لقد أصبحت حديث المجالس والصحف حتى الإنترنت والهاتف، ولا أبالغ إن قلت لقد أصبح هذا الموضوع حديث دول مجاورة حسب ما سمعت. ويا ليت هذا الشيء يكفي لقد وصل الأمر لدرجة أن الأطفال الصغار يهربون مني. ماذا أقول وعن ماذا أتحدث وأحكي لقد تغيرت لدي مفاهيم الحياة، لقد تغلغل اليأس إلى قلبي وأصبح الإحباط يأسرني ويكشفني.

بعدها انخرطت في بكاء شديد لدرجة أنني ذرفت دمعاً معها ولم أستطع إلا قول: (وكلي أمرك لله).

أعزائي : أكتب لكم هذه القصة الحقيقية والأشبه بالخيالية والمسلسلات المكسيكية، أبدأ فأقول: في عصر يوم الأربعاء وبينما كنت أقوم بترتيب أغراض حاسوبي وأثاث غرفتي لأنني كنت سأذهب لكي أراجع بعض الدروس في إحدى المكتبات الكبيرة إذا بهاتف المنزل يرن . فردت والدتي العزيزة وأخبرتني أن إحدى قريباتي تريدني على الهاتف وعادة ما تتصل قريبتي هذه من أجل أخذ معلومات دراسية فقط لا غير. أخذت السماعة من أمي - حفظها الله - وتحدثت مع قريبتي وبعد السلام والسؤال عن الحال قالت لي: أن هناك زميلة لها تريد التحدث إلي بناء على نصيحة قريبتي لها من أجل أن تستشيرني في أمر هام وعاجل. رفضت في البداية ولكني عدت ووافقت بعد إصرارها علي بأن هذا الموضوع يتعلق بحياة إنسانة تبحث عن الموت بأسهل الطرق وأسرعها.

حددت الموعد لها قرابة الساعة السابعة مساء وأغلقت الهاتف. وذهبت وبعد أن أنجزت أعمالي رجعت وقد نسيت الأمر كلياً وبينما أنا أتابع التلفاز إذا بالهاتف يرن تقريباً السابعة وخمس دقائق أجبت عليه وإذا بفتاة تبلغ من العمر 27عاماً تقول: بأنها مصابة بجرح دنيوي عميق وبعد أن تحدثت بالمقدمة، وقالت إنها من طرف قريبتي سمحت لها بالتحدث. والآن أسرد عليكم القصة كما سمعتها منها حيث قالت لي: كنت أعمل مدرسة وعمري 27عاماً وعائلتي (س) من الناس والآن أنا لا شيء، بعد أن تخرجت في الثانوية بامتياز ذهبت لتقديم أوراقي للجامعة وكنت من ضمن المقبولات في تخصصي. فرحت كثيراً وبدأت الدراسة وحينها بدأ الانفتاح على مصراعيه فأنا من عائلة غنية جداً، وكانت الأموال التي أملكها تكفي لتعيل عشرة أشخاص على مدى عشر سنوات، غير الهواتف والسيارات وسائق خاص بي وجناح خاص بي في المنزل و.. و.. كنت أذهب حيث أشاء ومتى أريد، لا رقيب ولا حسيب، كان والدي تاجراً يسافر متى أراد لدرجة كنت لا أعلم بسفره إلا بعد يومين أو ثلاثة. كنت لا أراه إلا نادراً أو في المناسبات كذلك الوالدة التي تخرج للأسواق عصراً وترجع أحياناً بعد منتصف الليل، وكنت لا أعرف مكان والدي إلا بالهاتف الجوال فقط.

لم يكن لدي إخوة ولا أخوات، المهم أني وفقت في دراستي كثيراً ونجحت وتحقق حلمي وتخرج مدرسة كما أريد أنا، وأقسم بالله إن والديّ لم يعلما عن تخرجي الجامعي إلا بعد شهرين، ولله في خلقه شؤون.

عموماً في أحد الأيام وبعد أن عينت مدرسة في مدينتي نفسها الكبيرة، وبعد سنة من تعييني تقدم شاب لخطبتي مع أني لم أكن أحلم بالزواج ولا الأولاد، فرفضت في البداية ولكن مع إصرار أهلي وإقناعي بأن الزواج هو سنة الحياة ولن ينفعني إلا زوجي وأبنائي. وافقت حيث إن والديّ كانا يريدان فراقي بسبب أنني حجر عثرة في طريقهما. لأنهما يريدان الاستمتاع بالحياة ويا له من استمتاع والدي في التجارة وأمي في الأسواق والسفر والتنقل. وبعد الزواج وبعد شهر واحد من زواجي اشترطت للاستمرارية معه بأن يحضر لي خادمة وسائق وطباخ وخدم لأنني أريد التفرغ لعملي. فرفض زوجي ذلك بعد عنادي وإصراري عليه جلب هؤلاء ضعاف الدين والنفس ولا أستطيع وصفهم إلا بالحيوانات فلقد دمروا حياتي.

بدأت حياة طبيعية معهم ولكن بعد سنة أتى مولودنا الأول بنت جميلة اتفقنا على تسميتها ولكن كانت خيبة أمل والعياذ بالله كبرت بنتنا إلى أن أصبحت في الرابعة من عمرها، وفي أحد الأيام بدأت أشم رائحة خيانة زوجية ولكني لم أكن متأكدة وكان بطل هذه الحكاية هو زوجي، وشريكته في الجريمة الخادمة الجميلة والتي هي أجمل مني، حيث كانت تتحرش بزوجي وتداعبه ووصل بها الأمر بأنها قامت بخلع ثوب زوجي أمامي من باب المداعبة، أما زوجي فلم ينهرها ولم يردعها، بل لم يفعل شيئاً سوى الضحك معها، مر الأمر بسلام دون أن أعاتب زوجي، ولكنها كانت بداية النهاية اكتشفت أن زوجي مسحور منها ويمارس الزنا معها، ومع أختها حيث كانت خادمة عند شقيق زوجي بل وصل الأمر بأن اكتشفت بأن ابنتي مسحورة منها حيث لاحظت أن ابنتي لا تحبني ولا تطيقني وتفضل الجلوس مع الخادمة، ووصل الأمر لأكبر من هذا حيث اكتشفت أن هناك ليالي حمراء تقام في منزلي عندما لا أكون موجودة أو مسافرة بطلتها الخادمة، يا إلهي ما الذي يحدث؟

الأدهى والأمر أنني اكتشفت أنني أنا أيضاً مسحورة وأقوم بفعل الفاحشة مع أحدهم دون أن أعلم.

بعد هذا كله هل تريدون إخوتي أن أكمل؟ اعتقد أن هذا يكفي ولتعلموا أن هذه القصة واقعية وصحيحة.

📰 جريدة الهدف الكويتية العدد ١٨٢٨


١٢ ـ صرخة زوجة

قالت هذا انقضت أربع عشرة سنة من شبابي وحياتي معه. كنت الزوجة المخلصة لزوجها سواء في حضوره أو غيابه. وبعد عدة سنوات من زواجنا خلفت له أول مولود.

كانت حياتنا لا تخلو من المشاكل اليومية مثل أي زوج وزوجة في هذه الحياة وبعد مضي سنوات عديدة من حياتنا، بدأت ألاحظ عليه بعض التغيرات من ناحية التأخير والسهر بعض الأحيان إلى ما بعد منتصف الليل.

كنت أتساءل في نفسي، يا ترى ما الذي جعله يتحول فجأة إلى تلك الأساليب؟ هل قصرت يوماً من الأيام بحقه أو حتى بحق الأطفال علماً بأنه أصبح لدينا والحمد لله خمسة أطفال؟

المهم حاولت بجميع الطرق أن أتمالك نفسي وأعصابي بعد ما اكتشفت أنه يتردد هو وبعض أصدقائه على إحدى الشقق. فقد عرفت أخيراً أنه يملك شقة خاصة به يسهرون فيها إلى وقت متأخر من الليل.

لقد تحاملت على نفسي ليس ضعفاً مني ولكن كي لا أهدم بيتي: ما ذنب الأولاد. إنهم أبرياء من كل ما يفعله الأب؟!

حاولت أن أشعر أولادي بأن الأمور طبيعية فيما بيننا لكن إلى متى؟ فقد لاحظوا في بعض الأوقات الصراخ فيما بيننا، وكنت دائماً أهدئ الوضع بقدر الإمكان، لكن دون جدوى، فهو إنسان متقلب المزاج تجده في بعض الفترات كأن الأمور عادية جداً، وأحياناً تراه يصرخ ويثور لأتفه الأسباب لقد أصبحت في حيرة من أمري فهل ستظل حياتنا مشاكل في مشاكل؟

حاولت أن أرضيه وأسعده بأي شكل من الأشكال حتى أثبت لأهلي وإخوتي بأن كل شيء طبيعي وعلى ما يرام. لكن كل السبل باءت بالفشل فقد ظل يعاند ويتباهى بنفسه أمام الناس. وفي يوم من الأيام حدث وبالتحديد في الشقة الخاصة به بعض المشادات بينه وبين أحد أصدقائه الذين يسهرون معه في الشقة، وانتهت هذه المشاجرة بجريمة. نعم بعدما تم الاختلاف فيما بينهم على شيء ما رمى صديقه نفسه من الدور الخامس وبعد المعاينة والتأكد من كل شيء تم حبس المتهم، وتبين بأنه هو المتسبب وخاصة أن الشقة له.

نرجع للزوجة المغلوبة على أمرها عند سماعها الخبر جن جنونها وانهارت قواها لكن بعدما أفاقت من الصدمة ماذا تفعل إنها إرادة الله كتب لها أن تعيش الصراع الداخلي مع نفسها.

المهم حاولت إقناع الأولاد بأن الأب مسافر وسوف يعود بعد فترة حتى لا يتأثر أي منهم، كم كانت مواقفها رائعة لقد حافظت على بيتها وسمعتها وهو بعيد عنها.

لقد ابتعد أصحابه وتخلوا عنه بعد معرفتهم بما حدث له. يا لخسارة الأصدقاء والأصحاب هذه حال الدنيا.

وبعد مضي سنة أو أكثر تم الإفراج عنه وكم كانت فرحة زوجته. بالخبر لعودته لبيته وأولاده، لم تسع الدنيا فرحتها.

مضت أيام وشهور وسنون ورجع إلى عادته القديمة من جديد من سهر وسفر ولا مبالاة. لقد ظنت الزوجة بأن الذي جرى وحصل له في السابق يكون نهاية المطاف في حياته.

لكن عندما اشتد ساعده أكثر وأكثر أخذ يفكر كيف يضايق زوجته فاستعمل عدة طرق وعاد لشقة أخرى جديدة، وكون أصدقاء وصديقات في بعض الأحيان ومن الناحية الثانية أشعر زوجته بأنها ليست لها قيمة كبيرة في نفسه لقد شعرت بتلك المضايقات. وصرخت من إحساس نابع من الداخل: ((كفاية حرام والله يا ابن الناس)) إذا لم يكن من أجل حبنا لبعضنا وأنا متأكدة منك ومن ناحيتك بأنه لا يوجد حب، ولكن أرجوك واستحلفك بالله من أجل خاطر أبنائك الذين ليس لهم ذنب ولا مهرب من قدر الإنسان.

وفي يوم من الأيام وقعت مشادة كلامية وإذا به يصب غضبه والرائحة تفوح من فمه. اغربي الآن عن وجهي واذهبي والأولاد إلى بيت أهلك. وعلى فكرة هذه ليست المرة الأولى فقد تعودت زوجته عليه في مثل هذه الظروف وبعد أكثر من شهر تقريباً ذهب إلى بيت والدها، الكل ظن بأن المياه رجعت إلى مجاريها.

وجلس يحدثها في بداية الأمر بشكل عادي جداً إلا أن النقاش احتدم بينهما وطبعاً حصلت هذه المجادلات كلها أمام أعين الأولاد. أحست كأنه يبحث عن سبب ما للمشاكل. وأخيراً وقبل أن يذهب قال للزوجة على العموم كلها أيام وتصلك ورقة الطلاق.

يا للأسف هانت عليك عشرة العمر، بحلوها ومرها لتقول هذه الكلمة التي هدمت بيوتاً كثيرة لا أحب أن أذل نفسي أكثر من ذلك وكل ما أقوله حسبي الله ونعم الوكيل وبعدها بأشهر قليلة عرفنا بأنه على علاقة مع امرأة أخرى ينوي الزواج منها .. يا سبحان الله!

📰 جريدة الطب والأسرة العدد ٥٤


١٣ ـ الحزن .. مرتان

شعرت برغبة شديدة في أن أخلو بنفسي ربما أصحح بعض أخطاء حياتي، تماماً مثل الرجل الشهير الذي يجلس يحاسب نفسه على الأخطاء، فوجد أن أهم أخطائه هي: إضاعة الوقت بدون مبرر، إشغال النفس بتوافه غير مجدية، الجدال مع الناس بغير فائدة تُرجي، هل هي أخطائي وحدي؟ أم أخطاء حياتي؟ أم الظروف؟ أم ..؟

حينما كنت في العشرين عُقد قراني على رجل انبهر به والدي؛ لأنه يعمل مهندساً في دولة أوربية وسيرسل إلي بعد بضعة شهور كي أسافر وأزف إليه في الغربة وأعيش حياة رغدة، وأحلام كثيرة. وكان الرجل فارساً لأحلامي منذ رأيته، فالوسامة والثقافة والقدرة على إدارة الحديث وإبهار المستمع، أناقة متميزة، لغة أجنبية راقية تصبغ اللغة العربية برقي غير مصطنع، هل تتحقق الأحلام بمثل هذه السهولة؟ سألت نفسي وقتها، ثم سافر الرجل وأرسل إلي بعض الرسائل التي كنت أنتظرها بشوق ولهفة وأنتظر أن يرسل لي لكي أطير فوراً، وألحق به، لكن الرسائل ظلت تتوالى. ومر عام وعامان وبدأت تقل تدريجياً حتى انقطعت تماماً وأصابني القلق على زوجي الذي لم أزف إليه بعد.

فأخذت أرسل إليه رسائل دون جدوى، لا يأتي الرد، ذهب أبي إلى أبيه يسأله فقال والده: إنه أيضاً في غاية القلق على ابنه لماذا انقطعت أخباره وهل حدث له مكروه في الغربة أم ماذا؟

وسيردون علينا، ولم نجد جهة إلا ولجأنا إليها، وتضاعف شوقي لزوجي وخوفي عليه، وبعد ثلاثة أعوام كاملة أرسل إلينا أحد أصدقائه من الخارج أنه تزوج من امرأة أجنبية، فكانت صدمة مروعة لي، لماذا لم يخبرني؟ لماذا لم يخيرني بين قبول هذا الوضع والطلاق؟ لماذا لم يطلقني؟ لماذا خدعني بوسامته وذوقه وسخائه؟ أسئلة باتت كلها بلا جواب، انهارت كل أحلامي واضطررت للجوء إلى القضاء واستمرت القضية قرابة الخمسة أعوام، لأكتشف أن ما يقرب من عشرة أعوام ضاعت من عمري هباء، قضيتها في انتظارهم، أو حلم، وأصابني انهيار عصبي ولا زلت لا أتخيل لماذا فعل بي هذا الرجل ما فعل؟ هل هناك رجال مرضى نفسيون معقدون من المرأة فينتقمون منها بهذا الشكل؟

ليت كل فتاة لا يبهرها الرجل الوسيم أو الأنيق أو صاحب الكلمات الجذابة، ولكن فقط الرجل المتميز بالأخلاق أي الطباع الحسنة والدين كما أوصى النبي صلى الله عليه وسلم.

المهم أني حصلت على لقب مطلقة دون أن أعرف لماذا؟ وفي مجتمعاتنا يرفض كثير من الرجال هذه المرأة ولو كان طلاقها قبل الزفاف، ورغم أني جميلة جداً، إلا أن هذا لم يشفع لي في أن أجد زوجاً مناسباً ينسيني وصف مطلقة.

وكم آلمني أن يتقدم لي خاطب فما أن يعرف بأني طلقت قبل الدخول، إلا ويذهب فلا يعود حتى جاء يوم صارحتني فيه إحدى قريباتي أن هناك رجلاً طيباً وذا أخلاق توفيت زوجته تاركة له أربعاً من البنات الجميلات الهادئات، وهن في حاجة لأم بديلة خاصة أنهن لا زلن صغاراً لا تتعدى أكبرهن الخامسة من عمرها، وظلت قريبتي تذكر محاسن الرجل وكم هو طيب، كريم وعادل، وهناك قالت لي أمي: لابد أن تحكمي بنفسك على ارتياحك للرجل وهو وبناته وليس هو فقط.

وجاء الرجل ومعه وبناته الجميلات ووجدتُ قلبي المغلق على الأحزان ينفتح بالبهجة والسرور لرؤية هؤلاء البنات، وتخيلت مدى آلمهن لفراق أمهن المبكر، ثم وجدث ارتياحاً لأبيهن فوافقت على الزواج. وانتقلت لبيت زوجي الذي كان يكبرني بأكثر من سبعة عشر عاماً، وفي البداية رأيت منه الصفات الطيبة لكني لاحظت أنه وضع صوراً لزوجته الراحلة في جميع الغرف والردهات في بيته. صوراً لها وحدها، وصوراً لها معه، وصوراً مع بناتها، فتضايقت قليلاً ثم قلت لنفسي معقول؟ أغار من امرأة رحلت عن الدنيا؟ ثم وجدت أمومتي تتفتح وتغرق هؤلاء البنات في أحضاني وأعماق فؤادي. أي حب تفجر لهن كأني أمهن الحقيقية؟ إنني أسهر إذا مرضت إحداهن وأطهو وأقوم بكل أعمال البيت وأخشى عليهن من النسيم كما يقولون .. آه من كلمة ((ماما)) وهن ينادينني بها، أي دور عظيم أقوم به لأعوض هؤلاء الفتيات الرائعات عن أمهن؟

كان زوجي سعيداً بحبي لبناته وفي غمرة حبي لهن لم التفت مطلقاً بأنه حب من طرف واحد، هو أنا، فبعد فترة بسيطة تكشفت لي الحقيقة، أن هؤلاء البنات لم يحملن لي أدنى حب أو حتى احترام، فبدأت أعاني من تصرفاتهن المؤذية لمشاعري ومن كلماتهن التي تخلو من أدنى حدود للاحترام، حاولت توجيههن بكل ذوق لكنهن أصررن على أنه ليس من حقي ((هذا التوجيه)) فلا أنا أمهن ولا يمكن أن أكون في مكانها. ثم قالت لي أكبرهن: لا تظني أنك بزواجك من أبي سيكون لك مقام الأم، أنت مجرد زوجة أب ليس أكثر ونحن نرفض من اليوم فصاعداً أن نلقبك بـ ((ماما)) فأين أنت من أمنا؟!

وكانت صدمة مروعة، معقول أنا أحمل لهن كل الحب والعطف والحنان. وهن بهذه القسوة؟ لماذا والله إني أحبهن حقاً وأتقي الله فيهن، لماذا لا يكون جزاء الإحسان إحساناً؟

بدأت البنات بمضايقتي بطرق ملتوية .. مثل إشاعة الفوضى في كل غرف البيت، فأظل أنظف وأعيد الترتيب للبيت كله حتى خارت قواي وخاصة أنني موظفة أيضاً، وكان من أخطائي أني كنتُ أعطي زوجي راتبي كاملاً مع أنه ليس بجاجة إليه، وذات يوم ناقشتني ابنته الكبرى بعدم احترام فشكوت له بل كان هو يرى الشهد بنفسه فما كان منه إلا أن نهرني لأنني أشكو، وطلب مني أن أتحمل كل الأمور وأخذ ابنته في أحضانه وظل يدللها كأنما هو يؤيد طريقتها السيئة في معاملتي، وشيئاً فشيئاً بدأ زوجي يتغير معي ويتهمني أنني لست حنونة كما ينبغي مع بناته وإنني لم أنجح في اكتساب مودتهن، طبعاً نجحت بناته في إثارة غضبه وسخطه عليَّ من خلال أسلوبهن معه ضدي، فأردت أن أوضح لزوجي أنني أحببتهن كبناتي ولكنه كان حباً من طرف واحد، لكنه لم يصدقني وبدأ يصد عني ويعاقبني بالهجر، فأصبحت له غرفة بمفرده، وأصبح كثير اللوم لي وكثير المقارنة بيني وبين زوجته الراحلة، ثم أصبح يؤكد ندمه على الزواج مني، كل هذا وأنا صامتة مذهولة، لماذا يتكرر الحزن في حياتي لماذا لم أرزق برجل يتمسك بي ويرى فيَّ السعادة ويحبني، إن راتبي في جيب زوجي وأنا أقوم بكل واجباتي والله يعلم ويشهد، لماذا للمرة الثانية يخيب رجائي؟

كان زوجي ينام في غرفة بمفرده، كلامه معي قليل وينبئ بأنه يدبر لي أمراً أقله الطلاق، ويصدُّ عنَّي في الوقت الذي يزداد اقترابه من بناته وهن دائمات الإساءة لي، رفعت يدي للسماء يا رب: أنا وحيدة وضعيفة في هذا البيت، لا أحد يحبني ولا أحد يعدل معي حتى راتبي يحصل عليه زوجي ولا يقول شكراً، يا رب انصرني ووفقني لما تحبه وترضاه.

كنت أذهب لعملي فأجد الحب والتقدير والاحترام من الجميع وأعود لبيتي فأجد الهجر والمقاطعة وسوء الأدب، أخفيت عن أهلي ((خيبتي)) للمرة الثانية، ثم شعرت بدوار وأنا في عملي، فذهبت للطبيبة وكان أجمل خبر: أني حامل، يا الله! أي خبر يفوق هذا النبأ العظيم؟
يا الله! استجبت لدعائي فلم تذرني فرداً رزقتني بطفل يؤنسني في هذا البيت الغريب، لا لن أخبر أحداً، إنه هدية السماء لي، لي وحدي، وأشرقت ملامحي بالسعادة وتعجب زوجي من التغير التام لحالتي النفسية، ولم أخبره حتى بدأت بطني تكبر فعرف الحقيقة، وتخيلوا لم تظهر عليه أي ملامح للسعادة، فقد كان يخشى من شعور بناته اللاتي أصابهن الحزن العظيم حين علمن بنبأ حملي، تخيلوا؟
أي حقد يسكن قلوب هؤلاء البنات حتى يتحايلن الحيلة تلو الحيلة كي يسقط جنيني ويحدث إجهاض؟ تخيلوا لكن الله أكبر منهن ومن خبث قلوبهن، فجاء طفلي جميلاً صحيحاً معافى، وقد تخيلت أن بمجيء هذا الكائن البريء سيعود لي زوجي محباً، لكن دون جدوى، ازداد قسوة عليّ وعلى طفلي فكان يضربه وهو رضيع، كل هذا حتى يرضي بناته اليتيمات على حد قوله، المحرومات من الأم، وكأني أنا التي حرمتهن منها، ساءت معاملة زوجي لي ولطفلي حتى ساءت صحتي، فناديت أمي، فجاءت إلى بيتنا وفوجئت بها تقول لزوجي: يا أبا أحمد، الآن أنت تعامل ابنتي أسوأ معاملة كأنها هي سبب في أمور مضت في حياتك، ألم تفعل الشيء نفسه من سوء معاملة وعشرة مع زوجتك الراحلة مما أدى لإصابتها بنوبة قلبية ورحيلها المفاجئ عن الحياة؟
ألا تعلم بناتك بأنك السبب الرئيسي في تعاسة أمهن وجيرانك يعرفون كم كنت تضربها وتطردها أحياناً؟
وأضافت أمي: إنني لن أنتظر حتى تفعل بابنتي ما فعلته يوماً بزوجتك الراحلة، من الأفضل أن تعيش مع بناتك فقط حتى لا تتسبب في إيذاء زوجة أخرى، هيا يا ابنتي! وحملت طفلي، ورحلت مع أمي وأنا في حالة من الذهول الشديد، يا ترى هل وفقت أمي في تصرفها هذا ومن الذي خسر منا أنا أم زوجي!

📚 المجلة العربية العدد (٣١٤)


١٤ ـ دعت الابنة على أبيها

كان ممن تأثرت أخلاقهم وأفكارهم بالطفرة المادية، فأصبح المال محبوبه الأول. وأعمت المادة بصيرته. فلم يعد يبصر إلا من خلال ثقوبها الضيقة، وأصبح المال ميزانه الذي يزن به الأمور، وكانت له ابنة بلغت مبلغ الزواج، وأخلا الخُطاب على اختلاف مراتبهم يدقون أبوابه راغبين في الزواج من ابنته. ولكنه كان يردهم بحجج واهية ظاهرها المصلحة وباطنها المادة، مع أن من هؤلاء الخطاب أصحاب دين وخلق، ممن أوصى الرسول صلى الله عليه وسلم بهم، ولكن كان لسان حاله يقول: أين الذي يدفع أكثر، والمنافع والمصالح من ورائه أكبر؟

ومرت الأيام، وظل على أحلامه المادية، ومرت الأعوام وترك قطار الزمن ابنته في محطة العنوسة، وغادر الخطاب بابه واتجهوا لغيره ممن لديهم بقية دين وخلق، ممن يرفضون بيع بناتهم كالنعاج في الحراج.

وذبل شباب ابنته، وانطفأت نضارتها، وذوى عودها ومع الأيام دب السقم في جوانحها، وأصيبت بداء عضال أضنى الأطباء شفاؤه، ونقلت إلى المستشفى، وحانت لحظاتها الأخيرة، وأُخبر والدها بالأمر، فأفاق من عالمه المادي وأتى مسرعاً، ليرى ابنته في ثوب المرض، بعد أن حرمها منذ زمن من ثوب الزفاف، نظر إليها مشفقاً عليها، نظرت إليه بعينين قد اغرورقتا بالدمع، وأخذت تتمتم وتحرك شفتيها، دنا منها ليسمع ما تريد البوح به في لحظتها الأخيرة، فوجدها تطلب منه أن يقول آمين .. فقال: آمين .. ثم تمتمت مرة أخرى، وطلبت منه أن يقول آمين .. فقال: آمين .. ثم فعلت ذلك مرة ثالثة، وطلبت منه أن يقول آمين .. فقالها.

وبعد فترة من الصمت المشحون بالأسى، سألها برفق عن الدعاء الذي طلبت منه أن يؤمن عليه، فانحدرت دموعها الأخيرة، وأجابت بعد صمت بصوت واهن مليء بالأسى، لقد دعوت الله أن يحرمك الجنة كما حرمتني من الزواج.

وطوى القبر في باطنه مأساة دامية، وبقي المجرم الذي أعمى الجشع بصيرته، بقي يندب نفسه وابنته، ويعض أصابع الندم، ولات ساعة مندم، هذه ه مأساة سمعنا بها وعرفناها فيا ترى كم من المآسي من هذا النوع تمت في صمت ولم نسمع بها، ما دام الناس في إعراض عن الحياة وفق الشريعة وآدابها، فلا شك أن هناك الكثير من هذا النوع، وما خفي كان أعظم.

📚 كشكول الأسرة
تأليف مازن بن عبد الكريم الفريج


١٥ ـ هل أنا مذنبة لأني أكرهه؟

أنا سيدة في السادسة والأربعين من عمري، ابنة أسرة طيبة. بدأت حياتي العملية عقب تخرجي في الجامعة في وظيفة مرموقة. وكنت منذ بداية رحلتي في العمل ناجحة ومتفوقة وأنيقة واجتماعية، فأعجب بي شاب كان يتردد على العمل لزيارة قريب له، وتقدم لخطبتي. ورأت أسرتي أنه أكثر من ممتاز وجامعي مثلي، فرضيت به.

تمت الخطبة وخلال عدة أشهر تم الزواج بعد الاستعدادات المعتادة، وانتقلت إلى منزل الزوجية وكلي أمل في أن تكون حياتي الجديدة سعيدة.

ولكن لم تمض عدة أشهر حتى بدأت اكتشف في زوجي عيوباً عديدة أهمها أنه انطوائي يكره الناس، لا يحب المجاملات الاجتماعية أو التزاور مع الأهل، فضلاً على أنه مكروه في عمله مما أدى إلى تأخره فيه. بسبب عصبيته الزائدة وسوء معاملته لزملائه ورؤسائه وفظاظة أخلاقه، لكن الأمل في المستقبل الأفضل لم ينقطع عندي، فأقبلت على حياتي معه وحاولت التكيف مع طباعه. لكن لم يكتمل العام الأول على زواجي حتى وجدت نفسي في عزلة تامة عن الناس، أعاني من عنف زوجي وعصبيته التي تطورت إلى اعتدائه علي بالضرب المبرح لأتفه الأسباب، والذي يترك آثاراً على جسدي تستمر لأسابيع، إلى جانب إهاناته لي بأفظع الألفاظ.

وفي هذه الظروف العصيبة جاء ولدي الأول، فكأنه قد جاء حكماً علي بالاستمرار وتحمل الإهانة والضرب، وضاعف من ضغط أسرتي علي لكي أتحمل وأواصل المشوار لأنه من العيب أن تطلق الفتاة في أسرتنا، ولأن من واجبها أن تتحمل كل شيء من أجل أطفالها. هكذا عشت أجمل سنوات في حياتي .. حياة تعسة كئيبة مليئة بالعواصف والزلازل التي تهز كياني من أثر الضرب والإهانة، فأغادر بيتي إلى بيت أسرتي لفترة تطول أو تقصر، ويحاول فيها أبي أن يشجعني على الاحتمال، ثم أعود إلى بيتي راضية أو مرغمة. 

ومضت الحياة بعسرها حتى أنجبت أربعة من الأولاد والبنات، وتضاعفت المشكلة حين كبر الأولاد وأصبحت خلافاتنا تحدث أمامهم، فيسمعون سباب أبيهم لأمهم بأفظع الكلمات، ولكن الله عوضني بهم فالتصقوا بي وغمروني بحبهم وحنانهم.

في ظل تلك الظروف المضنية تقدمت في عملي وتدرجت في وظيفتي إلى منصب قيادي على رغم تعاستي العائلية. ويشهد لي الجميع بالعدل والحزم والكفاءة حتى إنني وصلت إلى سن السادسة والأربعين، وأصبح أبنائي شباباً، رجالاً يعتمد عليهم، فلم أعد احتمل الإهانة، فآثرت العزلة عن زوجي نهائياً، ولم يعد هناك حديث بيننا إلا حديث الحياة اليومية. مشكلتي أن قلبي يكن لزوجي كراهية تفوق الوصف حتى وصلت إلى مرحلة إنني لا أطيق سماع صوته، فكل شيء فيه يشعرني بالنفور ويزيدني كراهية له، ولكن خوفي من الله وخشيتي له في أن أتعذب في الدنيا والآخرة بسبب عدم رضا زوجي عني لابتعادي عنه ونفوري منه، يجعلني أفكر كثيراً وأعيش صراعاً بين مشاعري الكارهة له، وحرصي على ألا أغضب الله. فهو قاسي القلب، عنيف، يؤذي مشاعري وجسدي بالضرب والإهانة. فهل هو ذلك الزوج الذي قال الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم ما معناه لو كان ليأمر أحداً أن يسجد لغير الله لأمر الزوجة بأن تسجد لزوجها.
وهل إذا صبرت الزوجة على معاشرة زوجها مع كراهيتها له يكون لها أجرها على صبرها واحتمالها من أجل أبنائها، أم أن كراهيتها له تضيع أجرها فتخسر دينها ودنياها؟

الأسئلة والأفكار تجعلني أخشى عقاب الله على كرهي لزوجي، وفي الوقت نفسه أفكر أن أطلب الطلاق حتى لا أتحمل وزر تلك الكراهية.

📰 جريدة الطب والأسرة العدد ٧٦


١٦ ـ هذا جناه أبي!!

أبي – رحمه الله – هو السبب في عدم زواجي حتى الآن بكل صراحة، وبعد أن تعديت الثلاثين نشأت في كنف هذا الأب الكبير. والدي رجل ريفي النشأة ومع هذا اتخذ قراراً شجاعاً يختلف عن جميع إخوته، وهو تعليم بناته على أعلى مستوى، والرفق بهن لأقصى مدى، وتكريمهن من الطفولة والمراهقة والشباب ومدى حياته.

كان والدي رجلاً حنوناً للغاية معنا نحن بناته الثلاث، يحرم نفسه من كل متع الحياة ليوفر لنا تكاليف الدراسة، يكافح ليل نهار لكي لا ينقصنا شيء.

وهكذا تعلمنا وتفوقنا، ورأيت الحب في بيتنا كياناً ينمو ويترعرع برعاية والدي الحنون، وكنت أرى أبي يحترم أمي ويؤكد أن الاحترام من أهم ملامح الحب بين الزوجين، ورأيته يمنح أمي كل الثقة ويشجعها ولم أره ينتقدها أمامنا مطلقاً. بل والأكثر من هذا أن والدي ساعد أمي على إكمال تعليمها الجامعي، ثم بعدها حصلت على الماجستير والدكتوراه وأبي سعيد جداً وفخور بها.

تخيلوا؟ ولم أر والدي يسأل أمي عن راتبها وكيف تنفقه، ولكن أمي كانت دوماً تصر على أن تمنحه هذا الراتب عن طيب خاطر، فيأخذه كاملاً ويضعه باسمها في البنك، فتذهب أمي للبنك كي تسحب نقودها، وأسمعها تختلف مع والدي في شيء واحد هو: لماذا يرفض أن تساعده في تخفيف أعباء الحياة؟ وهو يكافح ليل نهار، فأسمع والدي يقول لها في حزم: الكفاح دور الرجال الذي يسعده، وأنا – والحمد لله – رجل ناجح وسعادتي في أن أنفق على بيتي من مالي الخاص الذي رزقني الله به، وأشعر بالمرارة والخزي إن مددت يدي أو عيني لمال زوجتي أو ابنتي، الرجل الحر لا يقبل بهذا مطلقاً.

وهكذا كان رد والدي على أمي، كانت أمي تتألم للغاية ثم نُفاجأ بها تشتري لنا أكثر احتياجاتنا من الملابس والأدوات المدرسة تخفيفاً من أعباء أبي، وتؤكد له أن هذه مجرد هدايا من أم لأبنائها، ثم تُفاجئ أبي بهدايا رائعة أنيقة، فيسعد أبي وتدمع عيناه تأثراً بسخاء أمي معه ومع أبنائها، ويطالبها بعدم الإنفاق من راتبها فيما بعد.

كان والدي رجلاً مرموقاً في المجتمع، يهابه الكثيرون لقوة شخصيته وكفاءته في عمله، ومع هذا فالناس يلقبونه بـ (الرجل الطيب) لشدة رفقه وحنانه مع كل إنسان ضعيف أو كسير أو صغير أو مريض.

عندما تخرجت في الجامعة بتفوق كانت رغبتي عارمة أن أسعد أبي الذي يمثل في نظري (الرجل الحقيقي) وبدأ الخُطاب يتوافدون على بيتنا لخطبتي لأني الابنة الكبرى، ثم إنني جميلة الملامح، وكان والدي يسمح لي برؤية الخاطب في وجوده ويمنحني كعادته كل ثقته واحترامه ويؤكد أن عقلي وقلبي جديران بكل حب وتقدير وإكرام.

لم بكن والدي يعلم أو يريد أن يعلم: كم راتبي؟ ولم يطلب مني ريالاً واحداً من هذا الراتب، وحين حصلت على أول راتب هرعت إليه في مكتبه، كأني ما زلت طفلته الصغيرة الجميلة، كما كان يناديني دائماً وناديته في سعادة غامرة: أبي وحبيبي: هذا أول راتب أحصل عليه، إنه هديتي إليك، إلى قلبك الطاهر الحنون، احتضنني أبي وهو يبكي ويردد: حبيبتي أصبحت موظفة مرموقة، طفلتي الأولى كبرت وتريد أن تشعرني بأني كبرت وضعفت فتعرض علي راتبها، لا يا طفلتي الحبيبة، راتبك لك وفوقه هديتي بمناسبة سعيدة كتلك ما زال والدك ميسور الحال والحمد لله، وأخرج أبي من مكتبه ساعة أنيقة وألبسني إياها وهو يبكي تأثراً ومهما مرت الأيام لن أنسى هذا اليوم الذي كلما تذكرته بكيت بشدة.

عجيبة تلك الأيام، إن ما يسعدنا اليوم من مناسبات قد يبكينا غداً إذا تذكرناه، نعم كلما تذكرت ذلك اليوم بكيت؛ لأن أبي قد رحل، وأصبح مكتبه خالياً وساكناً، وأصبحت الأحداث الجميلة في حياتي مجرد ذكرى بعد هذه السنين، وبعد أن أصبحت مدرسة بالجامعة فوجئت بأن مجتمعي يتهامس علي وأحياناً يواجهني بلقب (عانس)!

وغير (عانس) أعرف أنهم يلقبونني بـ (المعقدة)، وغير ذلك من الأوصاف التي لا تنطبق علي، فأنا التي رفضت الرجال وليس العكس، لأني لم أجد فيمن تقدموا لي رجلاً واحداً حقيقياً مثل أبي، أو فيه بعض صفاته، وسأقص عليكم بعض حقائق الرجال الذين تقدموا لي لتحكموا بأنفسكم، هل أنا التي تمردت على الرجل وعلى الزواج، أم أن من تقدموا لي أجبروني على هذا التمرد المعلن؟

أول خاطب تقدم لي كان أثناء دراستي الجامعية، منصبه ممتاز، وسيم للغاية وقبل الخطبة بأيام عرفنا أنه يتناول بعض (المحرمات) سراً، بينما هو أمامنا يمثل أنه يحرص على الصلاة في أوقاتها! طبعاً بعد هذا: رفضته بلا ندم!

الخاطب الثاني كان فور تخرجي وحين رآني أول مرة أمطرني بعبارات جريئة أذهلتني، وكان يجيد الحديث الناعم وكأنه حفظ بعض العبارات العاطفية من الكتب قبل أن يراني لمجرد أن يقنعني بشخصيته، فكرهته من أول لحظة لأن العاطفة الطبيعية يحسها القلب، أما كلام الكتب والأغاني فهو لا يقنع من تعدى مرحلة المراهقة، وهكذا رفضته لأنه غير ملتزم دينياً ويجيد التمثيل، ليس أكثر.

الخاطب الثالث كان رجلاً وسيماً أنيقاً قوي الشخصية وفي سياق حديثه أخبرني أنه إنسان معتد برأيه وله هيبته في عائلته لدرجة أنه قام (بضرب) شقيقته الصغرى كي تقبل الزواج برجل يراه مناسباً، وهي لا ترتاح له نفسياً!

ورفضت هذا الرجل أيضاً لأن من يضرب أخته لتتزوج رجلاً لا تقبله نفسياً، رجل قاسي القلب وسيفعل بزوجته الشيء نفسه: الضرب لأتفه الأسباب! وأنا أرفض الارتباط برجل يمكن أن يضربني.

خاطب آخر تقدم لي وهو يشترط ألا أعمل! ورفضته فوراً.

وخاطب اشترط علي أن أسلمه راتبي وأن يحصل على وكالة مني بإدارة كل شؤوني، وفي جرأة عجيبة قال لي هذا الرجل: المرأة وما تملكه لزوجها! فسألته: من أين أتيت بهذه المقولة؟ قال: (من عائلتي أباً عن جد)، إذ إن الزواج يعني موافقة المرأة على تسليم نفسها لزوجها فهل نفسها عندها أغلى من مالها؟
هكذا بهذه الجرأة يسألني هذا الرجل الذي كرهته للغاية وطردته أنا وأبي شر طردة!

ورجل آخر تقدم لي وهو جامعي لا يعرف شيئاً من هذه الدنيا سوى عمله، لا يقرأ في شيء ولا يشتري جريدة أو كتاباً وكل ما يفعله هو إطلاق النكات ولو في المآتم، وكل سعادته بأنه دمه حفيف ومرح ولا يحمل هماً للحياة.

في البداية ضحكت أنا من عشرين نكتة أطلقها تباعاً وهو يتقدم لي ويراني لأول مرة، وضحك أبي من أعماقه لدرجة أن المشروبات سقطت منا جميعاً انفعالاً بالضحك.

في الواقع كدت أقبل هذا الرجل زوجاً لأنني من النوع المرح جداً والمحب للنكتة لدرجة أنني أجيد إطلاق النكتة العفوية ومعروفة بحبي للمرح، وأحب أن أتزوج رجلاً يحب الفكاهة، فما حاجتي للنكد أو الرجل الجاد؟

في الواقع أيامها قلت لنفسي لا يهم أن يكون زوجي مثقفاً كي يهتم بأخبار الكوارث في العالم، يكفي أن أهتم أنا، وقبلت فعلاً خطبة هذا الرجل لأني أحسست أنه طيب القلب وسحرني مرحه وحبه للتفاؤل، وتم عقد قراني بالفعل على هذا الرجل المرح جداً، والعاشق للنكتة والدعابة حتى في أسوأ الظروف، وبدأ زوجي يزورنا ويجلس أبي معنا لكي يسمع آخر نكتة، ثم حين يسأل والدي زوجي عن أمور الحياة الجادة مثل تأثيث البيت، أو العمل الوظيفي، لا يجيب زوجي إلا بنكتة قائلاً: لا تحمل هماً يا عمي:
ضاقت فلما استحكمت حلقاتها
******** فرجت وكنت أظنها لا تُفرج

وظل زوجي لا يُقدم على خطوة جادة في حياته أو حياتنا، ويكتفي بالمرح لنكتشف بعد هذا أنه رجل لا يعبأ بمسؤوليات الحياة، بل وحذرنا الكثيرون أنه رجل لن يحافظ على أسرته. لأنه من النوع الذي يقفز من مكان إلى مكان سواء في وظيفة أو حياة وأنه كثير السفر والترحال لمجرد اللهو مع أصدقائه وأنه رجل لا يعتمد عليه في شيء، وكل ما يجيده الضحك!

وبالفعل ظهرت سلبيات زوجي وسلبيته في الحياة، حتى انتهى الأمر بالطلاق قبل الدخول، وحصلت على (لقب مطلقة) بينما حتى في موقف الطلاق يُطلق زوجي نكتة جعلتني أنفجر ضحكاً ثم غيظاً، حين بدأ نكتة قائلاً: مرة واحدة مُطلقة، وأكمل زوجي النكتة على المطلقات قبل أن يطلقني بدقيقة واحدة، ثم بكى لأول مرة أمامي بعد أن قالها لي: أنت طالق!

وبعد هذا تقدم لي رجال فيهم من هو بخيل، وعصبي، وغير ملتزم، كلها صفات لم أستطع قبولها أو تحملها فقد كنت وما زلت أبحث وأنتظر رجلاً مثل أبي؛ كريم الأخلاق، حنون الطباع، يحترم المرأة ويمنحها الثقة والتشجيع، فتكون له أمه ويكون لها سيداً. وحتى الآن لم ألتق بهذا الرجل الذي يشبه أبي – رحمه الله – ولو في بعض صفاته، وإذا لم أجد رجلاً يحبني ويحترمني كما كان أبي يفعل مع أمي، فلن أتزوج، لكني في الوقت نفسه أرفض أن يلقبني المجتمع بلقب (عانس).

بعد أن رويت لكم قصتي بكل صراحة، وإذا كان لقبي هو (عانس) في نظر المجتمع فما هي ألقاب الرجال الذين رفضتهم لسوء طباعهم أو أخلاقهم؟ أم أن الصفات الجارحة والمؤلمة دوماً، من نصيب النساء فقط؟.

📚 المجلة العربية العدد ٢٦٤


◽️◽️

 تحرير : حورية الدعوة
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « إذا دعا الرجل لأخيه بظهر الغيب قالت الملائكة : ولك بمثل »

🔗 [١] ~*¤ ღ♥ღ(* قصص من هموم الفتيات *)ღ♥ღ ¤*~
http://huria-alddaewa.blogspot.com/2016/07/1.html

🔗 [٢] ~*¤ ღ♥ღ(* قصص من هموم الفتيات *)ღ♥ღ ¤*~

🔗 [٣] ~*¤ ღ♥ღ(* قصص من هموم الفتيات *)ღ♥ღ ¤*~