١٧ ـ زوجي لا يأبه بمشاعري
روت حكايتها والدمع يملأ عينيها:
فتاة في مقتبل العمر تنظر للمستقبل نظرة أمل وتفاؤل. لا يمر شهر إلا وقد طرق باب منزل ذويها خاطب، أو أكثر. سئم الأهل من كثرة الخطاب. كل شاب أفضل من الآخر وأكثر وسامة وجاهاً ومركزاً وهي رافضة فكرة الزواج. وأخيراً قرر الوالدان أن يحسم الأمر وهي أيضاً ملت كثرة الرد على الخطاب بالنفي. اتخذت قراراً لا رجوع فيه هو الموافقة على الخاطب القادم مهما كلف الأمر.
لقد سبب لها كثرة رفض الخطاب نوعاً من الحرج أمام الأهل والأقارب، وأيضاً كان فيه نوع من الحرج لوالدها وأهلها. فلم يمض إلا وقت قصير حتى تقدم لها خاطب جديد، يتسم بالخلق الحميد ويعمل بوظيفة مرموقة وليس فيه شيء يمنع من الموافقة عليه. ففيه من الصفات ما تتمناها كل فتاة فتمت الخطبة، فعقد القران، ولم تطل مدة الخطبة كثيراً فتم الزواج. انتقلت لتعيش معه في شقة صغيرة أعدها لتكون لهما عشاً هانئاً فتحول العش الهانئ إلى جحيم قاتل كما روت قصتها بنفسها فتقول:
أول قطعة أثاث دخلت من باب الشقة وهي أجهزة زوجي (السجا) و(البليسنتيشن) والكمبيوتر التي اعتبرتها بمكانة الضرة لها.
تبكي وتصرخ وتقول لم ولن ويستحيل أن أقدر إبعاده عن تلك الأجهزة اللعينة على الرغم من قدوم طفلها، وبلوغه عامه الأول وهي لا تزال صابرة على العذاب والألم. الزوج منصرف تماماً عن المنزل مع أصدقائه تارة ولا يعود من السهر مع الأصدقاء إلا في الساعة الثالثة أو الرابعة فجراً، وإن حضر للبيت حضر جسده فقط. أما الروح والعقل والكيان والوجدان فليس لها، نصيب بها فجميعها متعلقة بتلك الأجهزة التي يعشقها عشقاً منقطع النظير وليس طبيعياً وليس له حدود إن لم يكن لديه دوام رسمي في عمله فهو إما سهران خارج المنزل مع الربع، أو في الدواوين إلى طلوع الفجر، أو سهران طوال الليل مع أجهزته يلعب ويلهو بها كالطفل الصغير. أما الصباح فيقضيه نائماً كله وهذه حاله على الرغم من مرور ثلاث سنوات على هذا الزواج.
لقد جعل من الزوجة إنسانة محطمة معذبة صابرة ساكتة لا تستطيع مصارحة والدتها خوفاً على صحتها من التدهور بسبب مرض السرطان الذي ظهر فيها فجأة.
تصرخ صاحبة المشكلة وتقول عجزت، والله عجزت عن إبعاده أو على الأقل التخفيف من تعلقه بهذه الأجهزة. حاولت مشاركته والتقرب له فلم أستطع التكيف مع جوه فهو لا يعرف شيئاً عن أخبار الحياة والأمور التي تمر بها الأمة نهائياً بسبب انشغاله في هذه الأجهزة أو الخروج مع الربع.
وجدت الحل الوحيد هو الطلاق والانفصال لكن أقول ما ذنب طفلي الصغير البالغ سنة من عمره والثاني في الطريق إلى هذه الحياة؟ ما الحل لمثل هذه المشكلة؟ الطلاق أم الصبر؟ وإلى متى الصبر ثلاث سنوات وهو على نفس النمط وليس هناك أي تحسن؟.
📰 جريدة الهدف العدد (١٨٨٤)
١٨ ـ المسكينة
كان نصيب الأم قليلاً من الدين والخلق. فلم يردعاها عن هدم بيت ابنتها وتفريقها عن زوجها، وانتزاع أطفال من أحضان والديهم، وساعدها على ذلك ذوبان شخصية ابنتها أمامها، وسطحية نظرتها وتفاهة تفكيرها الذي لم يمكنها من الوقوف أمام إعصار يريد تحطيم أسرتها. وحجتها أن كل محاولة لعصيان أمها مع كل ذلك عقوق ما بعده عقوق، مما سهل على الأم أن تلقي في روع ابنتها (مسكينة) وفي حضور صهرها أو غيابه بأنها درة لم يعرف زوجها قيمتها وأن عشر سنوات من الزواج مضافاً إليها أربعة بنات كلها أخطاء تراكمت يجب تصحيحها في الوقت المناسب. وأن عليها أن تبدأ حياتها مع شخص جدير بها علماً ومالاً ومركزاً اجتماعياً مرموقاً وما كان ممكناً صار مستحيلاً!!
وجاءت فرصة ليعمل الزوج في الخارج فسافر على أن تلحق به زوجته وأطفاله بعد إنهاء بعض ما يلزم. ولاح في أفق الأسرة قريب لم يتزوج بعد إنهاء تعليمه إلى جانب مركزه المالي والاجتماعي، فاصطادته لها أمها وزينت له ابنتها وأشادت بمحاسنها وحظها العاثر وحظ زوجها الذي يناطح السحاب. وافق العريس وأظهر حماسة شديدة بعد أن لوحت الأم له بأن الأطفال سيكونون مع أبيهم، فطلب من (مسكينة) أن تطلب الطلاق من زوجها. قلق الزوج على تأخر زوجته، ليستلم رسالة منها تطلب فيها الفراق وأن عليه الحضور لاستلام بناته بعد انتهاء العدة، وكان لها ما أرادت.
وزهد الزوج في هذه الدنيا التافهة، التي تجعل الإنسان يبيع زوجه، وبناته وعشر سنوات برخص وسهولة. ونزل بهمومه إلى قاع نفسه، ودفنها وخرج إلى الناس ضاحكاً من الألم!! (وشر البلية ما يضحك).
وبدأت الأم في تجهيز ابنتها والابنة (مسكينة) تنتظر أيام العدة انتظار الغريب لعودته إلى الوطن. وكان العريس لا يفارق الأم. ثم بدأ يتثاقل في الحضور، ثم لم يعد يحضر، وعندما استدعته الأم وسألته عن هذا الفتور قال لها: والله لقد راجعت نفسي، فوجدت أني قد تسرعت، وإن من لم يتعظ بعينيه لم يتعظ بأذنيه. لقد باعت (مسكينة) زوجها وبناتها وعشر سنوات، من الزواج وطفلين في أمس الحاجة إليها من أجل مركز ومال، وهي قادرة على بيعي بأرخص من ذلك. وأنا أشفقت على البنات، ولا أريد أن أقف يوماً في مكان زوجها! ولا تسل عن حالة (مسكينة) فصارت تكلم نفسها وخاصة بعد أن تبرأت أمها من فعلتها بعد أن زينتها لها كما تبرأ الشيطان عندما أغوى آدم، ولم تفقد الأمل فسارعت بالكتابة إلى زوجها تطلب منه السماح وتبدي أسفها وندمها وتسرعها وتلقي باللوم على أمها، وترجوه العودة لصغاره لتعوضه ما سببته له من آلام نفسية فيرد عليها قائلاً: أشكرك ولئن تركتني في شبابي خير من أن تلقي بي في شيخوختي: (وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شيئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ) وصلتها رسالته فصارت تردد المثل: (ما صدنا شيئاً .. والذي معنا أفلت).
وصرخت وندبت حظها وبكت ولامت أمها .. ونقلت للعلاج من انهيار عصبي شديد.
📚 قطار الزواج والطلاق تأليف رجاء أبو صالح
١٩ ـ عندما اختفت نظرته الجريئة!
أحياناً تكون قوة شخصية الرجل وبالاً على المرأة، لكني لم أفهم ذلك إلا متأخراً جداً.
حينما تقدم لي زوجي خاطباً أعجبتني ملامحه: الرجولة الواضحة ممثلة في شارب أسود ثقيل، وعيون ذكية جريئة، تقتحم المرأة اقتحاماً، وقوة شخصية، واعتداد بالنفس إلى درجة الغرور، وصوت قوي يفيض رجولة وقوة وخشونة. كانت نظرات زوجي شديد الجرأة حينما جاء خاطباً، ولاحظ الجميع ذلك وبينما استنكروه هم، أحببت أنا هذا السلوك وأعجبني كامرأة تعشق الحياة في ظل رجل قوي الصوت والشخصية والمنطق. ووافقت على الزواج السريع من هذا المنطلق برغم أني في الأصل شخصية قوية. وكأنما المرأة القوية تتوق إلى الارتباط برجل أقوى منها كي تشعر بضعفها الأنثوي الجميل معه، بينما لا ترحب أبداً بالرجل الذي يطلق عليه العامة: الرجل الضعيف.
كان جمالي آسراً ومشهوراً بين نساء الحي الذي أقطنه ولذلك فقد تقدم لي الكثيرون قبل زوجي، ورفضتهم جميعاً حتى وفقني الله به، فأحببته منذ أول لحظة ولم أهتم كثيراً بتقييم حبه لي، أو اقتناعه بي بل ولم أهتم بكونه ملتزماً دينياً أم لا، بصراحة شديدة أعجبني فيه قوة الشخصية، والنظرة الجريئة فقط لا غير!
فالمرأة تنقاد لمثل هذه الرجولة دون وعي أو إدراك، بعد الزواج كنت فعلاً من ذلك النوع من النساء اللاتي يأسرهن الرجل الزوج. ويتفانين في خدمته ورعايته وتدليله من أجل عيون الحب، وكان زوجي قد تلقى تعليمه في الخارج وقد أضاف هذا إليه الجرأة والذكاء في معاملة المرأة، تلك النظرة الجريئة التي جذبتني حينما رأيته لأول مرة والتي تأسرني دائماً بالرغم مني.
لا أنكر أن زوجي طيب القلب لكنه يجيد الأمر والنهي بدون أدنى حوار معي. فالمرأة في نظره يجب أن تطيع زوجها في كل صغيرة وكبيرة. فلم يعد لي أدنى رأي في أي شيء، ومع ذلك كنت سعيدة في داخلي بشخصية زوجي القوية وبخضوع لإرادته حتى في حال عدم اقتناعي بما يقول، فكثيراً ما يكون خضوع المرأة لزوجها في كل ما يقوم أو يفعل من أسباب سعادتها دون أن تدري المرأة ذاتها لهذا تفسيراً أو منطقاً.
اعتدت أن أكون سلبية في كل ما يخص البيت والأبناء، وبعد سنوات قلائل من الزواج وصلت أسماعي أخبار تؤكد أن زوجي يجيد النظرة الجريئة مع كل امرأة يراها أو حتى يسمع صوتها بل إنه يعاكس النساء أحياناً وأنه قد يتزوج قريباً و .. و .. تحطمت أعصابي في داخلي، لكني مع اعتيادي المستمر عدم مناقشته في أي أمر لم أقو على مفاتحته فيما سمعت، فلو سألته لكان أقرب جواب له: وما شأنك أنت؟ لا دخل لك بتصرفاتي خارج البيت! أنا رجل وهذا يكفي!
كان زوجي يُخفي عني أين يغيب تلك الساعات ليلاً، ويخفي عني أسماء أصدقائه، حتى عرفت بمحض الصدفة أن زوجي يجتمع بأصدقاء السوء في مكان ما ويتناولون المحرمات، وأن زوجي مدمن، وهذا سر النظرة الجريئة والسلوك المقتحم لكل امرأة يراها. بل سر سلوكياته الخاطئة من معاكسات وملاحقات للنساء، بل سر سفره مع نفس المجموع من أصدقائه للخارج كل عام، حيث يقضي زوجي شهوراً في علاقات نسائية محرمة، مع نفس الأصدقاء. وليس من حقي أن أسأل زوجي عما سمعته، فقوة شخصيته وقوة حبي له وضعفي أمامه بسبب هذا الحب، كل هذا منعني من مجرد الاستفسار.
فقد اكتشفت أن قوة شخصيتي إنما هي واقع مع كل البشر، لكنها تتحول إلى ضعف وخنوع بمجرد أن أرى زوجي، وأسامحه رغم كل شيء داعية له الله بالهدى. العجيب أن زوجي كان يحافظ على الصلاة وهو بذلك من الرجال الذين يفصلون بين الدين والحياة، كيف؟ لا أدري لكن الأكيد أن أصدقاء زوجي بأفكارهم المجردة من كل قيم دينية وأخلاقية قد جرفوه تماماً في هذا التيار الذي دفع به للإفلاس بعد أن كان ثرياً.
زوجي مفلس بسبب إنفاقه على الأصدقاء والمحرمات، وكلما نويت معاتبته، خانني ضعفي ومنعني حبي وخوفي من أن أفقده من أن أسأله أو ألومه أو حتى أحاوره.
ما يؤلمني أن زوجي معدنه طيب وهو بالتأكيد في حاجة للعلاج من الإدمان، لكني لا أقوى على مصارحته بذلك خشية أن يطلقني، فهو يقول إن المرأة خُلقت لأمور ليس من بينها أن تكون نداً للرجل، وليس من حقها أن تحاسبه على أي تصرف، وأسلوب التحقيق معه – على حد قوله – لا يقبله. زوجي لا يتحمل مني أدنى استفسار أو عتاب، يريدني أن أقوم بتربية الأبناء في صمت، ولأعمال الطهي وأن أغدق عليه حناني وحبي وأهتم بأنوثتي ولا شيء غير ذلك. فبداخله عدم اعتراف بعقلي أو بقدراتي الذهنية، فما دمت امرأة فلابد أنني كذلك على حد قوله، ودوماً يقول لي: أنتن ناقصات عقل ودين،لا توجد امرأة أذكى من رجل، ثم يقول ضاحكاً: المرأة بدون رجل أغبى المخلوقات!
كان حبي له ولأبنائي أكبر ما يعيق حريتي في الحوار معه، ولما أفلس زوجي صرت أعطيه عن رضا كل مدخراتي، بل ومجوهراتي وراتبي بانتظام، ولا أستطيع عمل شيء إلا الدعاء إلى الله بأن يهديه ويصلحه، ولم أخبر مخلوقاً بمأساتي. تلك المأساة التي لا أدري لها نهاية. شعرت أن الحب ابتلاء وضعف وخضوع وهوان أيضاً، فقد وصلتني أخبار أن زوجي ينوي الزواج، وأنه تقدم للكثيرات ولكن النصيب لم يحن بعد، أو لعلهن رفضن الارتباط به لشدة جرأته وتحرره ونظراته الجريئة، ما أعجبني يوماً رفضته الأخريات. كل يوم لزوجي قصة، أحاديث الهاتفية لا تنتهي فهو يغلق عليه باب غرفته طوال الليل ويأمرني بأن أنام مع الأبناء لأنه مشغول بأعمال خاصة. ولم أكن أملك إلا أن أدعو ربي له بالهدى والصلاح.
فلا زال حبي يمنعني من مصارحته بما عرفت، خوفاً من شخصيته القوية وقراراته التي لا رجعة فيها. وخوفاً من أن أفقده بمجرد مصارحته، احتملت، صبرت، تعذبت حتى عرفت أن زوجي تزوج أكثر من مرة وانتهى الزواج بالطلاق السريع، هنا نفد صبري، قررت أن أستجمع شجاعتي، لابد أن أواجهه بقوة وليكن ما يكن.
أخبرت زوجي بكل شيء أعرفه عنه، ثار واتهمني بالكذب والجنون، هنا انفجرت وأنا أبكي بصوت عالٍ: طلقني الآن، ولدهشتي صمت زوجي ولم يتكلم، أعدت طلبي: طلقني الآن لأني لم أعد أطيق الحياة معك، فوجئ زوجي بأني تحولت من زوجة محبة متفانية إلى أخرى زاهدة حتى في مجرد النظر إلى وجهه. فوجئت بدمعة تنساب من عينيه وأحسست بها تحرق قلبي، لكني تجلدت حتى لا يلمس مني الخضوع القديم لكل أخطائه وتجاوزاته، اقترب زوجي مني وهمس: لا أستطيع أن أطلقك، لأني أحبك، كل ما أرجوه منك بعد أن عرفت عني كل شيء أن تساعديني على التوبة والعلاج، أنا مريض مدمن أتصرف تحت تأثير المخدرات دون إدراك عقلي لكامل تصرفاتي، ولو وقفت معي منذ البداية لكنا اختصرنا رحلة العلاج. أعاهدك أن أبدأ في طريق التوبة والعلاج ولكن فقط ساعديني لأني أحبك وواثق من حبك لي، سامحيني فيما مضى وكوني بجواري، أحتاج لقلبك الحنون لأني مريض أكثر مني مذنب أو مخطئ أو مجرم.
رفعت بصري إليه، وهوى قلبي في أضلعي، لا زال حبي له قوياً رغم كل شيء. والعجيب أن النظرة الجريئة اختفت من عيني زوجي وحلت محلها نظرة انكسار وضعف وحزن، قلت له: أعاهدك أن أظل بجوارك مدى حياتي، لأنك أنت حياتي.
هاأنا أكتب إليكم بعد أن انتهت رحلة التوبة والعلاج، وعاد زوجي رجلاً فاضلاً حنوناً. ولولا أني صاحبة هذه القصة لتخيلتم أنها من وحي الخيال، لكنها من صميم واقعي وحياتي وبيتي، وإنما أردت أن أقول إنني عرفت أن هناك فارقاً أصيلاً بين الحب وبين ترجمة هذا الحب لموقف قوي في لحظة حاسمة، الحب لا يعني الضعف أو الصمت أمام الأخطاء الجسيمة، الحب فيه احتياج أحياناً للقوة أضعاف الضعف. وإذا كان ضعف الأنثى محبباً للرجل، إلا أنه - هذا الضعف قد يكون وبالاً على الرجل نفسه - حينما يحتاج من زوجته لقوة المنطق أو لتصحيح مساره أو لإيقافه عند حده حينما يتجاوز أصول القيم الدينية والأخلاقية، هنا قوة المرأة ضرورة عاجلة.
إن سعادتي بنفسي الآن كزوجة قوية أضعاف سعادتي بضعف الأنثى وتخاذلها عن نصيحة زوجها في سنوات زواجي الأولى، لقد أدركت أن الزواج رحلة تحتاج إلى قوة المرأة أضعاف ما تحتاج لضعفها وأنوثتها وهذا ما أثبتته تجربتي الواقعية تماماً.
📚 المجلة العربية العدد ٢٢١
٢٠ ـ صنعت ضرتي بيدي!!
كان طلبت معلمة جديدة من زميلتها متوسلة وراجية أن تصطحبها معها في سيارة زوجها إلى المدرسة. والتي تبعد خارج المدينة عشرات الكيلو مترات نظراً لظروف والدها، وعدم وجود أحد من إخوتها لإيصالها كل يوم لهذه الهجرة البعيدة.
وأعربت المعلمة عن استعدادها أن تدفع لزوجها قيمة المواصلات. قبلت المعلمة الأمر بعدما استشارت زوجها وألحت عليه بالموافقة تقديراً لظروف الزميلة الجديدة!! ماذا كانت النتيجة في المقابل؟
بعد تردد وافق الزوج خاصة وأن مسكنها بعيد عن منزلهما. الأمر الذي يتطلب منهما وقتاً إضافياً للمرور عليها كل صباح، وتمضي الأيام والشهور، والمعلمة صاحبة المعروف تعامل الزميلة الجديدة بكل رعاية واهتمام. بل أنها تذكر عندما كانت مريضة قبل شهور، أصرت على أن يقوم زوجها بمهمته اليومية في توصيلها للعمل، وذلك من خلال مرافقة خادمتها.
لم تكن تتصور أم رشاد أن هذه الزميلة الشابة والرقيقة تسحب زوجها منها وتتزوجه خلال العطلة الصيفية!
هكذا كانت تردد وتشيع بين أخواتها وأفراد أسرتها. بل المثير أن زوجها عندما استأذنها للسفر عدة أيام مع أصحابه، لم يكن هذا السفر إلا أيام عسل الضرة التي أحسنت إليها ووثقت بها، وهاهي تخطف منها زوجها.
تتذكر الآن وفي الأيام الأخيرة قبل العطلة، تلك النظرات الغريبة التي كانت تنظر من خلالها إليها وهي تناولها (سندوتشات الفطور) اليومي، وزوجها يمتدح الفطور كأنه يبعث برسالة إعجاب وتقدير لها. كم تشعر بالحزن والألم الشديد عندما تتذكر ما ردده البعض بأن زوجها أقام عرساً متميزاً لضرتها، اتسم بأنه عرس تقليدي لبست فيه الضرة الثوب الذهبي المقصب (ثوب النشل الحساوي)، إنها حفرت قبرها بيديها، وخلقت هذا الواقع المر بيدها ولكن ماذا تفعل الآن؟ يبدو أن سعادتها الماضية لن تعود أبداً مهما حاولت وعليها الاستسلام للواقع المر.
📰 جريدة الطب والأسرة العدد (٧٧)
الأربعاء ١٨ رجب ١٤٢٥ هـ
٢١ ـ الشهادة الكبيرة
تقدم إليها والشرر يتطاير من عينيه، ورفع إصبعه في وجهها منذراً صائحاً: قلتُ لك لا، أما تفهمين؟ دراسة وسكتنا، كلية وسكتنا، ولكن عمل عمل؟! لا، أنا ما عجزت بعد عن توفير لقمتك أسمعت؟ لا وألف لا.
تراجعت إلى الخلف مذعورة، والتصقت بالجدار كطير بلله القطر، وهمست مستعطفة بصوت خافت: ولكن، يا أخي .. أرجوك اسمعني، وكأنما لسعته بكلماتها فاندفع نحوها، وأسرعت زوجه تقف بينه وبينها، فصاح وهو يحاول إزاحتها من طريقه: دعيني، اتركيني أُعلَّمها الأدب، اتركيني قلت لك، اتركيني.
أرجوك يا أبا إبراهيم، عائشة لم يكن قصدها إغضابك.
حتى أنت تدافعين عنها؟
وأبعد زوجته جانباً ورفع قبضته في الهواء، فأغمضت عينيها وارتفعت كفاها دون وعي أمام وجهها تحميه، ومكثت هنيهات واجفة، وآلاف البراكين تتفجر في أعماقها الواحد تلو الآخر.
أما هو فقد صرّ على أسنانه، وضم أصابعه حتى برزت العروق في ساعده المتين وهتف بغيظ: تبّاً لكِ، ماذا يقول الناس عني إن ضربتك؟
وشدّ بأصابعه على يديها، فأبعدهما عن الوجه الشاحب وصاح بها وهو يتفرس في وجهها: اسمعيني، لآخر مرة أقولها، لن تعملي ما دام في عرق ينبض، أسمعت؟
وصمتت، فما الفائدة من الجواب، صمتت لكن عشرات الكلمات كانت تجول في الرأس الصغيرة وتطلّ من النظرات المتمردة، همس بحدة: هذه العين سأقلعها لك يوماً، ودفعها نحو الحائط واستدار خارجاً.
أما هي فقد انهارت إلى جوار الجدار وأغمضت عينيها، إيه .. حتى النظرات ما عدت أجرؤ أن أرفعها إليك؟ يا أخي، يا ابن أمي وأبي، أما تحس بي؟ أما تدرك ما أعانيه؟ ما عرفت أنت أيضاً لحظات الملل القاتل واليأس المخيف؟ إلام الانتظار هكذا؟ وماذا أنتظر؟ وحياتي تضيع هباء بين جدران أربعة ومجتمعي أحوج ما يكون إلى شهادتي من هذا الجدار البارد المتعال؟
تكومت على نفسها وضمت ساقيها بذراعيها وأخفت بينهما وجهها ومضت تذرف دمعات حرى، علها تطفئ بعضاً من اللهب الذي يشتعل في جوفها.
نادتها زوجه برفق وهي منكبة فوق أكوام الغسيل: عائشة، الله يهديك، أخوك يحبك، حريص عليك. وهذا الزمان أغبر الإنسان اليوم صار لا يأمن على أولاده في البيت، فكيف يأمن أبو إبراهيم عليك وأنت تخرجين كل يوم إلى الشارع؟ صدقيني هو يريد مصلحتك.
مصلحتي! أن أقضي عمري بين جدران أربعة أتأمل شهادتي تزين الحائط وأتأمل أيامي تذهب يوماً تلو الآخر دون هدف ما؟
تابعت الزوجة وهي منهمكة في عملها: البارحة حدثني عنك قال لي .. آه يا صالحة، لو جاء ابن الحلال وتزوجت عائشة نصف همي ينزاح.
فتحت عينيها ببطء ورنت إلى زوجة أخيها وقد بدأ القلق يعتصر قلبها بأيد خفية.
معه حق يا عائشة الأولاد مسؤولية فما بالك بالبنات؟ بصراحة إنهن هم مقيم حتى يتزوجن، إيه، الله يرزقك بابن الحلال الذي يسعدك.
رفعت رأسها، ما أطيبك يا صالحة، ليتني كنت مثلك امرأة بسيطة لا تعرف من حياتها إلا عمل البيت وطاعة الزوج.
يرحمك الله يا أمي، كم عانيت في إصرارك على تعليمي، وقفت بوجه الجميع، أبي ثم إخوتي، وها قد نلت الشهادة الكبيرة – التي تمنيتها – ودعوت الله في صلاتك أن يرزقنيها. فما الذي حدث؟ ما الذي تغير؟
صوتك لا زال في مسامعي: عائشة .. يمة، الله يرضى عليك (لا تفشليني) أمام إخوانك، أريد أن أتباهى بك، أن أكون أم المعلمة.
آخ يا أم ..
ها أنا اليوم معلمة، معلمة دون طالبات، معلمة ما زالت بحاجة إلى تعلم أشياء وأشياء في هذه الدنيا الواسعة، أهمها: الصبر على المكتوب.
📚 صور من الحياة تأليف ثناء أبو صالح
◽️◽️
✍ تحرير : حورية الدعوة
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « إذا دعا الرجل لأخيه بظهر الغيب قالت الملائكة : ولك بمثل »
🔗 [٢] ~*¤ ღ♥ღ(* قصص من هموم الفتيات *)ღ♥ღ ¤*~
🔗 [٣] ~*¤ ღ♥ღ(* قصص من هموم الفتيات *)ღ♥ღ ¤*~
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق