دوماً وأبداً ما ألقاه، ليوقد بروحي شُعلاً من الحماس المتوهج لدين الله.. هو نفسه قد غدا جذوة متوقدة من الانفعال الحي المُعدي للآخرين!
ذات حوار فاجأني بتساؤل يبدو أنه يعصف بذهنه منذ أيام: أريد أن أترك أثراً طيباً، مباركاً، كبيراً، ليس في قريتي الصغيرة هذه، بل على مستوى الأمة.. أريد ذلك.
تعجبت من همته العالية، لكنني خفت عليه من عدم واقعية هدفه، ومن مثاليته المتعملقة، لذا أجبته متفاجئاً: أثر! وعلى مستوى الأمة!
خفتُ على صديقي من الإحباط فأردفت قائلاً: عزيزي، تعلم أن عظمة العمل بما خالطها من إخلاص وتجرد لله، وليس بضخامته الحسية، فرُبَ عملٍ صغير حقير تضخمه النية الخالصة.
افتر ثغره عن ابتسامة وقال: ليكن يا عزيزي عملاً ضخماً روحه النية الخالصة، ولِمَ لا !؟
وضعت يدي على كتَفه وقلت له: على بركة الله، أنت لها
...
مضى على حوارنا حينٌ من الدهر، وذات أصيل هاتفني يطلب رؤيتي، فرحبت به والتقينا، جاء كعادته متوقداً جدية وحماسة، وبأخبار طازجة عجيبة! ذكرني بمشروعه العملاق ذاك ( أريد أن أترك أثرا طيباً، مباركاً، كبيراً، ليس في قريتي الصغيرة هذه، بل على مستوى الأمة.. أريد ذلك ). فرددت عليه أذكر ذلك جيداً .. هل من جديد؟
فقال: استولت عليَّ الفكرة حقاً، فعزمت على إقناع أحد التجار بتبني مشروع إنشاء مركز إسلامي كبير في أحد الدول الأفريقية، ووجدت الشخص المناسب كان قريباً مني جداً، أحد أقاربي ، لكنني كنت محرجاً للغاية بتحديثه بالأمر وتمنيت أن تحين فرصة جيدة لأحدثه ، ويا سبحان الله! وجدت به ذات يوم يُقم المسجد بعد صلاة عصر أحد الأيام، ناداني وقال: يا بني أنظر لذلك الصندوق به مصاحف قديمة، أودُ منك التخلص منها بمعرفتك، أحرقها أو ادفنها .. أخاف أن يعبث بها الصبية الصغار لو بقيت هنا.
فرددت عليه ( والله يا عم ما يهون عليّ أن أحرق أو أدفن المصاحف، تخيل يا عم مثل هذه المصاحف في بعض الدول الأفريقية الفقيرة تُقَسم إلى أجزاء وتُتداول بين أهالي القرى ليتمكنوا من قراءة القرآن، لعدم توفر المصاحف هناك ) غلبني التأثر فبكيت، حدثته عن النشاط التنصيري هناك. سكت صاحبي ليلتقط أنفاسه وليقطف دموعه حبةً حبة! ثم أكمل قصته العجيبة قائلاً: لقد قال الرجل المُسن ( منذ زمن أود بناء مسجد ويا سبحان الله كنت قد جعلت مبلغاً قرابة نصف مليون ريال لبناء مسجد في إحدى القرى المجاورة، لكن يبدو أنني سأغير نيتي لأبنيه في إحدى تلك الدول الفقيرة التي حدثتني عنها الآن ).
ولم يلبث الرجل المُسن أن كلفني بالإشراف على المشروع ( بناء المركز الإسلامي )، وها هو الملف بين يديك يحوي تقريراً عن المركز بالصور، بعد أن تبنته إحدى اللجان الخيرية ببلدنا الكريم.
طالعت الملف فوجدت مركزاً إسلامياً يحتوي على مدرستين واحدة للذكور والأخرى للإناث لتعليم الإسلام، ومسجد يتسع لقرابة ألفي مصل، ووقف تسعة دكاكين دخلُها يوفر رواتب المشرفين والمشرفات على المركز التعليمي . الذي سيزور مدينة ( كادونا ) ستبصر عيناه ( مركز المدينة الإسلامي )، شامخاً أبياً ذا مئذنة خضراء سامقة تناطح السحب الاستوائية رفعةً وسمواً وطهارة.
همسة روحية أخيرة: وكُن رجلاً إن أتوا بعده.. يقولون مرَّ وترك الأثر .
◽️◽️
يكتبها نورس
📚 مجلة شباب العدد ٥٥ جمادى الآخرة ١٤٢٤ هـ
✍ تحرير : حورية الدعوة
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « إذا دعا الرجل لأخيه بظهر الغيب قالت الملائكة : ولك بمثل »
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق