السبت، 16 يوليو 2016

وقاية العروسين من السحر و الحسد والعين









١ ـ المقدمة

الحمد لله الكافي، الواقي، المعيذ. الحسيب، الشافي، ذو السلطان العظيم، والمن القديم والوجه الكريم، وليَّ الكلمات، والدعوات المستجابات نستعيذه من أنفس الجن وأعين الإنس.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له المتفرد بالوحدانية والألوهية المستحق للعبودية المطلقة خالق السماوات والأرض، وما بينهن القادر على كل شيء المحيط بكل شيء، هو الذي أرسل رسوله بدين الحق ليظهره على الدين كله ولوكره المشركون.

وأشهد أن محمداً رسول الله صلى الله عليه وسلم خير من عبد ربه فصلى وصام وقام واستعاذ به من شر كل ذي شر ومن شر كل عين لامة، ومن كل شيطان وهامة.. نشهد أنه قد أدى الأمانة وبلّغ الرسالة ونصح الأمة وكشف الغمة، وتركَنَا على المحجّة البيضاء ليلها كنهارها، فاللهم أجزه عنا خير ما جزيت نبياً عن أمته.

أما بعد:

فإن المعايير الإسلامية تظل الأساس الذي يجب أن يوضع نصب الأعين في كل أمور الحياة. ذلك لأنها الحصن القوي الذي يجب على المسلم التمسك به في أعماله وأقواله.. وكل عمل مبنيّ على أساس قويّ راسخ لابد أن يكون النجاح والاستمرار من سماته وصفاته.. ولعل ألفاظ (السحر، والحسد، والعين) ومعانيها توحي بشيء من الخوف والقلق النفسي!! لكن تلك الألفاظ ومعانيها إذا ألقيت في قلب المسلم (لمؤمن) الذي آمن بقضاء الله عز وجل وقدره، فإنها لا تعني شيئاً ذا رهبة، بل على العكس هي كغيرها ألفاظ يُحتمى منها بآيات الله تعالى وأدعية رسول الله صلى الله عليه وسلم لذا كان هذا العمل المتواضع الذي اشتمل على ما ورد من أساليب الوقاية الشرعية التي تقي الإنسان من (السحر والحسد والعين) بإذن الله تعالى وخصصنا بهذا الأمر العروسين القادمين إلى حياة جديدة راجين من الله أن يوفقهما إلى الخير والسعادة والهناء وأن يحفظهما من كل حاسد أو ساحر أو ذي عين. ووقاية وحماية وكفاية لكل من وجد أمامه مخططاً هادماً وهل هناك كلام أقوى من آيات الله تعالى وأحاديث رسوله صلى الله عليه وسلم؟!
فما أقوى كلمات ربنا عز وجل:
(فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ) [البقرة: ١٣٧] (وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا) [النساء: ٧٩] (وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا‏) [النساء: ٨١] (‏أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ) [الزمر: ٣٦] وغيرها من آيات كريمات.

أسأل الله تعالى أن يقينا ويكفينا ويحمينا بقدرته وقوته وعطائه وأن يجعل هذا العمل خالصاً لوجهه الكريم.. وإن يعفو ويغفر خطيئتي يوم الدين فما كان من صواب فمن الله وما كان من خطأ فمني ومن الشيطان والله المستعان والموفق والمعين. وصلى الله على نبينا محمد.

سلمان بن ظافر الشهري





٢ ـ مدلول لفظتي الوقاية والعرس 

إن من كمال الشيء أن يكون مستوفياً لكافة جوانبه إلا أن هذه الغاية لا يمكن أن تتحقق لمخلوق، لأن الكمال والتمام قد استفرد العلي القدير به. إلا أن مقاربة الشيء بالنسبة للعبد كمال حسبما يراه العقل البشري، وإنني حين أبين مفردتي (الوقاية – العرس) فإنني أدرك أنني سوف لا أضيف جديداً لدى الكثير من القراء إلا أنني آثرت إيضاح ذلك للقلة التي قد لا تدرك مدلول هاتين المفردتين، وفي الوقاية حفظ الشيء مما يؤذيه ويضره، يقال وقيت الشيء أقيه وقاية ووقاء. قال تعالى: (‏فَوَقَاهُمُ اللَّهُ) [الإنسان: ١١] (وَوَقَاهُمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ) [الدخان: ٥٦] (وَمَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَاقٍ) [الرعد: ٣٤].
(مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا وَاقٍ‏) [الرعد: ٣٧] (قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا) [التحريم: ٦] .. أ.هـ (١) .

قلت: ويحمل هذا المدلول على كل ما يراد دفعه كالمرض مثلاً والوقاية من السحر والحسد والعين. اتقاؤها بأخذ الأسباب الكافية منها.

أما مدلول لفظة العروس فقال الإمام الرازي في مختار الصحاح. 
"عرس – العَرُوسُ" نعت يستوي فيه الرجل والمرأة ما داما في إعراسهما.
يقال: رجُل عروس ورجال "عُرسٌ" بضمتين وامرأة "عروس" ونساء "عَرَائسُ" و"العِرس" بالكسر امرأة الرجل والجمع "أعراسٌ" وربما سُمُّي الذكر والأنثى "عِرْسَين" و"التَّعْرِيْسُ" نزول القوم في السفر في آخر الليل يقعون فيه وقعة للاستراحة ثم يرتحلون. ا.هـ(٢) .

وقال الزمخشري في أساس البلاغة: (فلان يتعرس لامرأته أي يتحبب إليها..) ا.هـ (٣) . 

ــــــــــــــــــــــــــــــــ
(١) المفردات في غريب القرآن، الراغب الأصفهاني، ضبطه وراجعه محمد خليل عيتاني، ط ٢ ، ١٤٢٠هـ ، ص٥٤٥.
(٢) مختار الصحاح للإمام الرازي، ضبطه وصححه أحمد شمس الدين، ص ٢٢٣، ط ١ ، ١٤١٥هـ.
(٣) أساس البلاغة، ابن عمر الزمخشري، ط ١ ، ص٤١٤ ، ١٤١٢هـ.





٣ ـ الفرق بين القضاء والقدر 

يقول فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله – عن الفرق بين القضاء والقدر: (اختلف العلماء في الفرق بينهما فمنهم من قال: إن القدر "تقدير الله في الأزل" والقضاء حكم الله بالشيء عند وقوعه، فإذا قدر الله تعالى أن يكون الشيء المعين في وقته، فهذا قدر، فإذا جاء الوقت الذي يكون فيه الشيء فإنه يكون قضاء وهذا كثير في القرآن الكريم مثل قوله تعالى: (قُضِيَ الْأَمْرُ) [إبراهيم: ٢٢]، وقوله (وَاللَّهُ يَقْضِي بِالْحَقِّ) [غافر: ٢٠] وما أشبه ذلك. فالقدر تقدير الله تعالى الشيء في الأزل والقضاء قضاؤه به عند وقوعه.
ومنهم من قال إنهما بمعنى واحد: والراجح أنهما إن قرنا جميعاً فبينهما فرق كما سبق، وإن أفرد أحدهما عن الآخر فهما بمعنى واحد والله أعلم)(١) أ.هـ. 

ــــــــــــــــــــــــــــــــ
(١) فتاوى المرأة المسلمة، ص٩٩، اعتنى بها أبو محمد أشرف بن عبد المقصود. 





٤ ـ هل في قدر الله شر؟

يعتقد البعض ممن أصابتهم ضراء إن ما أصابهم شرٌ محض، وإن ذلك كره من الله لهم، معترضين على قضاء الله وقدره ولبيان أمر القدر من حيث أشَرٌّ هو أم خير أحببت إيضاح ذلك وبيانه، وقد وجدت أن من المناسب إيراد قول فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله – الذي وضح هذه المسألة بقوله: (ليس في القدر شر وإنما الشر في المقدور. فمن المعروف أن الناس تصيبهم المصائب وتنالهم الخيرات، فالخيرات خير والمصائب شر، لكن الشر ليس في فعل الله تعالى يعني ليس فعل الله وتقديره شرٌّ. الشر في مفعولات الله لا في فعله، والله تعالى لم يقدر هذا الشر إلا لخير كما قال تعالى: (‏ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ) [الروم: ٤١]. هذا بيان سبب الفساد.
وأما الحكمة فقال: (لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ‏) [الروم: ٤١] إذن هذه مصائب مآلها الخير فصار الشر لا يضاف إلى الرب ولكن يضاف إلى المفعولات والمخلوقات. مع أن هذه المفعولات والمخلوقات شر من وجه وخير من وجه آخر فتكون شراً بالنظر إلى ما يحصل منها من الأذية. ولكنها خير بما يحصل فيها من العاقبة الحميدة.. (لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ‏) [الروم: ٤١] (١) أ.هـ. 

ــــــــــــــــــــــــــــــــ
(١) فتاوى المرأة المسلمة، ص٩٩، أبو محمد أشرف بن عبد المقصود، ص ١٠٢ ، ص١٠٣.





٥ ـ كيف يكون القضاء والقدر
معيناً على زيادة الإيمان؟

الإيمان بالقضاء والقدر ركن من أركان الإيمان، ولا شك أن استشعار هذا الركن بالتسليم بالإيمان به الإيمان الخالص عونٌ على كل ما يختص بالعبد في الدنيا والآخرة.
يقول فضيلة الشيخ محمد الصالح العثيمين – رحمه الله - : "يكون الإيمان بالقضاء والقدر عوناً للمسلم على أمور دينه ودنياه لأنه يؤمن بأن قدرة الله عز وجل فوق كل قدرة وأن الله عز وجل إذا أراد شيئاً فلن يحول دونه شيء، فإذا آمن بهذا فعل الأسباب التي يتوصل بها إلى مقصوده، ونحن نعلم فيما سبق من التاريخ أن هناك انتصارات عظيمة انتصر فيها المسلمون مع قلة عددهم وعُددهم كل ذلك لإيمانهم بوعد الله عز وجل وبقضائه وقدره وأن الأمور كلها بيده سبحانه"(١) أ.هـ. 

ــــــــــــــــــــــــــــــــ
(١) فتاوى المرأة المسلمة، ص ١٠٠.





٦ ـ النفع والضر بيد الله

قال تعالى: (وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ) [البقرة: ١٠٢].

لقد اشتملت هذه الآية على تأصيل منهج أنه لا نفع ولا ضر إلا بما كتبه الله عز وجل المقدر المدبر الذي أحاط بكل شيء علماً، وهو على كل شيء قدير، فقوله عز وجل في معرض الحديث عن السحر والسحرة: (وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ) ..
 يؤكد هذا المنهج الرباني لتصفو عقيدة كل مؤمن ومؤمنة، وقد جاء في تفسير هذا الشاهد قول ابن كثير: "قال سفيان الثوري إلا بقضاء الله
وقال محمد بن إسحاق: إلا بتخلية الله بينه وبين ما أراد،
وقال الحسن البصري: وما هم بضارين به من أحد إلا بإذن الله" .. قال: نعم من شاء الله سلطهم عليه ومن لم يشأ لم يسلط ولم يستطيعا ضر أحد إلا بإذن الله"(١) ا.هـ.

قال سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز – رحمه الله - : (السحر ليس بمؤثر لذاته نفعاً ولا ضراً وإنما يؤثر بإذن الله الكوني القدري لأن الله سبحانه وتعالى هو الذي خلق الخير والشر) (٢) ا.هـ.

قلت: وليس هذا متوقفاً على السحر فحسب، بل عام في كل شيء كالحسد والعين وغيرها من المنافع والمضار التي تصيب العبد ولقد أرشد الحبيب – صلى الله عليه وسلم – إلى هذا الطريق القويم.

فعن ابن عباس – رضي الله عنهما – قال: كنت خلف(٣) النبي – صلى الله عليه وسلم – يوماً فقال: (يا غلام إني أعلمك كلمات: احفظ الله يحفظك(٤) احفظ الله تجده تجاهك(٥) . إذ سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء، لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، وإن اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رُفعت الأقلامُ، وجُفَّت الصحف(٦) ) (٧) .

وفي رواية غير الترمذي "احفظ الله تجده أمامك. تعرف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة، واعلم أن ما أخطأك لم يكن ليصيبك وما أصابك لم يكن ليخطئك، واعلم أن النصر مع الصبر، وأن الفرج مع الكرب وأن مع العسر يسراً(٨) .

فمن أخلص لله عز وجل وجرد له التوحيد وأحسن الظن به فإنه يخرج من قلبه مخافة سواه، وكان عدوه أهون عليه من أن يخافه مع الله، وكيف لا تتحقق للعبد هذه القوة، وقد التجأ إلى مسبب الأسباب ورب الأرباب الكافي عز وجل. 

ــــــــــــــــــــــــــــــــ
(١) تفسير ابن كثير، ط١، ص ١٠٢.
(٢) رسالة في حكم السحر والكهانة والطرق الشرعية لعلاج السحر، ص٥.
(٣) أي: على دابته.
(٤) احفظ الله "بملازمة تقواه واجتناب نواهيه وما لا يرضاه يحفظك في نفسك دينك ودنياك وأهلك.
(٥) أي تجده معك بالحفظ والإحاطة والتأييد والإعانة.
(٦) رفعت الأقلام: أي تركت الكتابة بها وجفت الصحف التي فيها تقادير الكائنات، وجف كتابه عن تقدم كتابه المقادير والفراغ منها من أمد بعيد.
(٧) رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح، ١٣.
(٨) الترمذي (٢٥١٨)، وأخرجه أحمد (٢٨٠٤) و(٢٦٦٩)، وإسناده صحيح.





٧ ـ من توكل على الله فهو حسبه

التوكل على الله عز وجل فرع من كيان الإيمان العظيم، وهو تأكيد وتجسيد لحسن الظن بالله عز وجل وترجمة للأعمال والأقوال الصادرة من العبد، فهو اعتقاد بأن الله هو الحافظ الرازق وهو على كل شيء قدير. قال تعالى: (وَلَمَّا رَأَى المُؤْمِنُونَ الأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلاَّ إِيمَاناً وَتَسْلِيماً) [الأحزاب: ٢٢].

وقال عز وجل: (الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُواْ حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ * فَانقَلَبُواْ بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَّمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُواْ رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ) [آل عمران: ١٧٣-١٧٤]

والأخذ بالأسباب هو اتباع لمنهج رب العالمين في كتابه العظيم (وَقُلِ اعْمَلُواْ) [التوبة: ١٠٥] و(وَأَن لَّيْسَ لِلإِنسَانِ إِلاَّ مَا سَعَى) [النجم: ٣٩].

وقد ذكر الله عز وجل أن من صفات المؤمنين التوكل عليه فقال (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ) [الأنفال: ٢].

كما أكد حفظه لمن توكل عليه وأنه كافيه بقدرته عز وجل فقال (وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ) [الطلاق: ٣].

كما أمر سبحانه بالتوكل عليه وقال: (فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ) [آل عمران: ١٥٩].

وقال سبحانه: (وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لا يَمُوتُ) [الفرقان: ٥٨].

وقال عز وجل: (وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ) [إبراهيم: ١١].

ولنا في رسول الله – صلى الله عليه وسلم- الأسوة الحسنة الذي أرشد أمته إلى ما فيه الفلاح في الدارين فعلمنا – صلى الله عليه وسلم – المنهج الذي ينبغي السير عليه لمن أراد السلامة والنجاة والتوفيق والسداد.

عن ابن عباس – رضي الله عنهما – أيضاً قال: "حسبنا الله ونعم الوكيل قال إبراهيم – صلى الله عليه وسلم – حين أُلقي في النار وقال محمد – صلى الله عليه وسلم – حين قالوا: إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيماناً وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل"(١) .

وفي رواية له عن ابن عباس – رضي الله عنهما – قال: "كان آخر قول إبراهيم – صلى الله عليه وسلم – حين أُلقي في النار حسبي الله ونعم الوكيل".

عن أبي هريرة – رضي الله عنه – عن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: "يدخل الجنة أقوام أفئدتهم مثل أفئدة الطير"(٢) قيل معناه متوكلون وقيل قلوبهم رقيقة.

عن جابر – رضي الله عنه – أنه غزا مع النبي – صلى الله عليه وسلم - : "قِبَلَ نجد فلما قفل رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قفل معهم، فأدركتهم القائلة في واد كثير العضاة فنزل رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وتفرق الناس يستظلون بالشجر ونزل رسول الله – صلى الله عليه وسلم – تحت شجرة فعلق بها سيفه ونمنا نومة فإذا رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يدعونا وإذا عنده أعرابي فقال "إن هذا اخترط علي سيفي وأنا نائم فاستيقظت وهو في يده صلتاً قال من يمنعك مني؟ قلت: الله – ثلاثاً ولم يعاقبه وجلس"(٣) .

وفي رواية: قال جابر: كنا مع رسول الله – صلى الله عليه وسلم – بذات الرقاع(٤) فإذا أتينا على شجرة ظليلة تركناها لرسول الله – صلى الله عليه وسلم – فجاء رجل من المشركين وسيف رسول الله – صلى الله عليه وسلم – معلق بالشجرة فاخترطه فقال: تخافني؟ قال: "لا" قال: فمن يمنعك مني قال الله.. عن عمر – رضي الله عنه – قال: سمعت رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يقول: "لو أنكم تتوكلون على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير تغدو خماصاً وتروح بطاناً"(٥) .

معناه "تذهب أول النهار خماصاً : أي ضامرة البطون من الجوع 
وترجع آخر النهار بطاناً: أي ممتلئة البطون".

عن أنس – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم - : "من قال يعني إذا خرج من بيته بسم الله توكلت على الله ولا حول ولا قوة إلا بالله يُقال له هديت وكفيت ووقيت وتنحى عنه الشيطان"(٦) .

زاد أبو داود فيقول "يعني الشيطان لشيطان آخر: كيف لك برجل قد هدي وكفي ووقي؟

ــــــــــــــــــــــــــــــــ
(١) رواه البخاري ٨/ ١٧٢.
(٢) رواه مسلم (٢٨٤٠).
(٣) البخاري ٦/ ٧١ ومسلم (٨٤٣).
(٤) أي – بغزوة ذات الرقاع وسميت بذلك لأنهم رقعوا فيها راياتهم وقيل لأن أقدامهم نقبت. فكانوا يلفون عليها الخرق وقيل: غير ذلك.
(٥) رواه الترمذي، وقال حديث حسن.
(٦) رواه أبو داود والترمذي والنسائي وغيرهم وقال الترمذي حديث حسن.





٨ ـ حكم الرقى والتمائم

هناك من يقوم بتعليق ما يعرف بالحرز أو الجامعة أو الحجب معتقداً فيها دفعها للأذى والمرض، وكثيراً ما نلاحظ بعض العبارات المكتوبة على السيارات أو واجهات المحلات في بعض الأقطار كعبارة "عين الحسود فيها عود" وعبارة "العين صابتني ورب العرش نجاني".

كما أن مثل هذه العبارات وغيرها كثيراً ما يعمد المتزوجون حديثاً إلى تعليقها أو جعلها في مواضع إقامة الأفراح أو في البيوت فيا ترى ما هو حكم الشرع في مثل هذه التصرفات والأفعال؟

يقول سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز – رحمه الله – عن هذه الرقى والتمائم (قد ثبت عن النبي – صلى الله عليه وسلم – أنه قال: "إن الرقى والتمائم والتولة شرك" أخرجه أحمد وأبو داود وابن ماجه وابن حبان والحاكم وصححه وخرج أحمد أيضاً وأبو يعلى والحاكم وصححه. عن عقبة بن عامر – رضي الله عنه – أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: "من تعلق تميمة فلا أتم الله له ومن تعلق ودعة فلا ودع الله له"
وأخرجه أحمد من وجه آخر عن عقبة بن عامر بلفظ "من تعلق تميمة فقد أشرك"
والأحاديث في هذا المعنى كثيرة.

والتميمة: ما يعلق علىوالتميمة: ما يعلق على الأولاد أو غيرهم من الناس لدفع العين أو الجن أو المرض ونحو ذلك ويسميها بعض الناس حرزاً ويسميها بعضهم الجامعة 
وهي نوعان: أحدهما ما يكون من أسماء الشياطين أو العظام أو الخرز و المسامير أو الطلاسم وهي الحروف المقطعة أو أشباه ذلك. وهذا النوع محرم بلا شك لكثرة الأدلة الدالة على تحريمه، وهو من أنواع الشرك الأصغر لهذه الأحاديث وما جاء في معناها، وقد يكون شركاً أكبر إذا اعتقد معلق التميمة أنها تحفظه أو تكشف عنه المرض أو تدفع عنه الضرر من دون إذن الله ومشيئته.

والنوع الثاني: ما يعلق من الآيات القرآنية والأدعية النبوية وأشباه ذلك من الدعوات الطيبة فهذا النوع اختلف فيه العلماء فبعضهم أجازه، وقال: إنه من جنس الرقية الجائزة وبعض أهل العلم منع ذلك وقال إنه محرم واحتج على ذلك بحجتين إحداهما عموم الأحاديث في النهي عن التمائم والزجر عنها والحكم عليها بأنها شرك، فلا يجوز أن يخص شيء من التمائم بالجواز إلا بدليل شرعي يدل على ذلك، وليس هناك ما يدل على التخصيص، أما الرقى، فقد دلت الأحاديث الصحيحة على أن ما كان منها بالآيات القرآنية والأدعية الجائزة فإنه لا بأس به إذا كان ذلك بلسان معروف المعنى ولم يعتقد المرقى عليه أنها تنفعه، بل اعتقد أنه سبب من الأسباب لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "لا بأس بالرقى ما لم تكن شركاً". وقد رقى النبي – صلى الله عليه وسلم – ورقى بعض أصحابه وقال: لا رقية إلا من عين أو حمة، والأحاديث في ذلك كثيرة، أما التمائم فلم يرد في شيء من الأحاديث استثناء شيء منها فوجب تحريم الجميع عملاً بالأدلة العامة.

الحجة الثانية: سد ذرائع الشرك وهذا أصل عظيم في الشريعة ومعلوم أنه إذا جوزنا التمائم من الآيات القرآنية والأحاديث المباحة انفتح باب الشرك واشتبهت التميمة الجائزة بالممنوعة وتعذر التمييز بينهما إلا بمشقة عظيمة فوجب سد الباب وقفل هذا الطريق المفضي إلى الشرك وهذا القول هو الصواب لظهور دليله والله الموفق)(١) أ.هـ.

ــــــــــــــــــــــــــــــــ
(١) فتاوى المرأة المسلمة، ص ١٦٣، تأليف أبو محمد أشرف بن عبد المقصود.





 تحرير : حورية الدعوة
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « إذا دعا الرجل لأخيه بظهر الغيب قالت الملائكة : ولك بمثل »

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق