الأربعاء، 2 نوفمبر 2016

اندفعت للإصلاح لكن صرت أفكر كثيرا خوفا من عدم التقبل وبمرور الشهور انطفأ ذلك الحماس




في العدد ( ٢٢ ) نشرنا مشكلة الأخت ( ع . م . ع ) وملخصها أنها تشتكي وتقول

( كنت في مبدأ استقامتي في غاية الحماس والاندفاع بالمعروف والنهي عن المنكر، وكنت أخطئ أحياناً في الأسلوب إلا أنني أجدد أسلوبي وطريقتي دوماً بسبب ردود الأفعال التي تطالبني بتغيير الأسلوب.. وبمرور الأيام صرت أفكر كثيراً قبل توجيه النصيحة خوفاً من عدم التقبل.. وبمرور الشهور انطفأ ذلك التوهج والحماس مع أني لازلت أحب الخير للناس وأرغب في إصلاحهم .


استقبلنا ما يزيد على عشرين مشاركة متميزة انتقينا لكم بعضاً منها :


الالتزام والدعوة

أختي الكريمة.. إن الالتزام عبارة عن فكرة تنمو إلى حوار في أغوار النفس ثم ينتج بعد ذلك قناعة بالمنهج القويم، هذه القناعة يعبر عنها اللسان ولكن الذي يعبر عن صدقها هو تفاعل القلب وهيجان المشاعر نحو السبيل الأمثل لتطبيق ذلك المنهج الذي يظهر في تسخير الجوارح وكل الملكات لدى الإنسان نحو السير وفقاً لأبجديات ذلكم المنهج .

وفي بداية استقامتك كان الحماس والاندفاع قوياً لأن القناعة كانت في أوجها ومنتهاها، ثم إن المخالطة وردود الأفعال التي كانت تطلب منك تغيير الأسلوب، كانت هي السبب في خبو ذلكم التوهج.. وإن سبب انطفاءه في تقديري هو عدم تذكر أهمية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وفضله والجزاء الذي يحصل نتيجة الالتزام به.. صاحبَ أو رافق هذا النسيان أو التناسي كثرة المنظرين من حولك عن الأساليب التي يمكن بها الأمر والنهي دون استخدام تلك الأساليب عملياً.

فأقول أولاً : يجب أن تفهمي أن أفضل الأعمال إلى الله وأحبها إليه على الإطلاق هو الإيمان
ويأتي بعده تماماً تقديم الخير للناس أو دفع الشر عنهم،

لذلك نزلت الآية، عندما اختلف الصحابة رضي الله عنهم في أفضل الأعمال عند الله، تقول: ( أجعلتم سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام كمن آمن بالله واليوم الآخر وجاهد في سبيل الله ) .

وفي الحديث الذي رواه الطبراني وحسنه الألباني عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( أحب الناس إلى الله أنفعهم، وأحب الأعمال إلى الله عز وجل سرور تدخله على مسلم، أو تكشف عنه كربة، أو تقضي عنه ديناً، أو تطرد عنه جوعاً، ولأن أمشي مع أخي المسلم في حاجة أحب إليَّ من أن أعتكف في المسجد شهراً، ومن كفَّ غضبه ستر الله عورته ومن كظم غيظاً ولو شاء أن يمضيه لأمضاه، ملأ الله قلبه رضاً يوم القيامة، ومن مشى مع أخيه المسلم في حاجته حتى يثبتها له أثبت الله قدمه يوم تزل الإقدام، وإن سوء الخلق ليفسد العمل كما يفسد الخل العسل ) .

واعلمي أن أفضل عمل تقدمينه للآخرين هو أمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر وهو أحسن الأقوال عند الله ( ومن أحسن قولاً ممن دعا إلى الله وعمل صالحاً وقال إنني من المسلمين ) .. لأنك بهذا العمل تكونين قد شاركت في إخراجهم من الظلمات إلى النور وإنقاذهم من الهلاك في الدنيا والآخرة لذلك جعل الله مهمة أحب الخلق إليه وأصفاهم وأبرهم في هذه المهمة.

فيجب أن تدركي تماماً أنها مهمة الأنبياء والرسل وذلك ليس لشيء إلا لأنهم مؤهلون لنيل أعلى درجات الجنة ولن يكون لهم ذلك إلا بهذا العمل الشامخ ونتيجة لذلكم الجهد الطموح ( لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من حمر النعم )؛

لذلك من هو أفضل البشر على الإطلاق عند الله وأعلاهم منزلة في الجنة؟!

أليس هو نبينا محمد صلى الله عليه وسلم؟

بلى.

ولكن لماذا؟

ذاك لسبب جوهري جداً هو أن أتباعه أكثر من أتباع أي نبي غيره، وما كان بكاء كليم الله في السماء السادسة إلا لهذا السبب
فقد ورد في الحديث الذي رواه البخاري عن مالك بن صعصعة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم حدثهم عن ليلة أسري به فقال: ( .... إلى أن وصل السادسة قال: فلما خلصت فإذا موسى. قال " جبريل " هذا موسى فسلم عليه فسلمت عليه فرد ثم قال مرحباً بالأخ الصالح والنبي الصالح فلما تجاوزت بكى، قيل ما يبكيك؟ قال: أبكي لأن غلاماً بعث بعدي يدخل الجنة من أمته أكثر ممن يدخلها من أمتي )

أيضاً الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لا يقتصر نفعه على الآخرين بل إنه يعود نفعه على الشخص نفسه
فإذا دللت الخلق على الله واستقاموا فإن لك مثل أجورهم على أعمالهم الصالحة كلها من صلاة وتسبيح وأمر بمعروف ونهي عن منكر
فتكون لديك سلسلة متصلة متلاحقة مكثفة من الأجور حتى وأنتِ في قبرك.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئاً ومن دعا إلى ضلالة كان له من الإثم مثل آثام من تبعه لا ينقص من آثامهم شيئاً ). رواه مسلم وأبو داود والترمذي.

وإليك مثلنا والدنيا كمثل رجل دعي إلى بستان ليلتقط منه أكبر قدر ممكن من الثمار خلال ثلاث دقائق..
فلو بذل الرجل ما في وسعه من الجهد لجمع الثمار لكان قليلاً لقصر الزمن المحدد له
ولكن لو كان ذكياً فدعا مائة رجل لمساعدته في هذه المهمة فسيحظى بكمية أكبر..

فمجال الدعوة إلى الله أكبر وأخصب مجال يمكن أن نحصد به حسنات كثيرة في أعمارنا القصيرة.. لأنه سيكون لنا في رصيد الحسنات حسنات لم نعملها نحن ولكن بدعوتنا لغيرنا إلى الخير والنجاة أضيفت إلى رصيد حسناتنا..

وإذا كان الأغنياء الصالحون يحرصون كل الحرص على البحث عن أفضل أنواع الوقف الذي يستمر نفعه عشرات السنين كي لا ينقطع أجرهم بعد موتهم فاعلمي أن دعوتكِ إلى الخير هي من أعظم وأهم أنواع الوقف 

فلو علمتِ أحداً أو قمت بدعوته أو نشرت فكرة حسنة أو علماً نافعاً
فإن كل من عمل به من فقراء أو أغنياء على حد سواء سيكون لك مثل أجرهم ما عملوا به

فلا تظني أن الوقف ينحصر في بناء المساجد وإيقاف المزارع وتوزيع المصاحف فحسب.


ثم إنه يجب عليك أن تعرفي ما هي الأسباب الجوهرية التي جعلتك تتخوفين من عدم القبول..

هل معرفة الداعي للقبول من عدمه مشروط بأمره بالمعروف ونهيه عن المنكر؟!

لو كان الأمر كذلك لأعطى الله لكل نبي عدداً معيناً من قومه وأعلمه بأنه لن يتقبل دعوتك إلا هؤلاء فادعهم واترك من سواهم..

إن التفكير بالقبول من عدمه يعني السلبية في فهم ماهية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.. وأنه عبارة عن تكليف إلهي ليتم به زوال المنكرات والتمكين للحق وهو دين الله الذي ارتضاه للبشر، يتم إقامة التكليف من خلال التعامل مع النفس البشرية ببصيرة وحكمة تنمي وتقوي نوازع الخير فيها وتردع وتحجم نوازع الشر الموجودة فيها.

وإليك أختي الكريمة بعض الوصايا الإضافية لمعالجة مشكلتك وهي:

١ ـ الإكثار من تلاوة القرآن الكريم، والذكر الدائم والاستغفار.

٢ ـ عدم الاكتراث بما يقوله الآخرون.

٣ ـ تذكري أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مسؤولية المسلم وأن النتائج ليس مسؤولاً عنها مهما كانت وأكبر دليل على ذلك نبي الله نوح عليه السلام دعا قومه ألف سنة إلا خمسين عاماً ومع ذلك لم يؤمن معه إلى القليل.

٤ ـ الاستماع إلى الأشرطة وقراءة الكتب المتعلقة بهذا الموضوع.

٥ ـ مخالطة النساء الصالحات الزاهدات.

مع خالص دعواتي لك بأن يعيد الله لك التوهج الإيماني الذي خبا عنك

عبد الله إسماعيل العقيلي
اليمن – صنعاء


----------------------------


يا صاحبة القلب الطيب

أختي يا صاحبة القلب الطيب والذهن النير، في قلب ابن آدم يتصارع جيشان: جيش الدنيا وجيش الآخرة

ولا أحسبك إلا ممن ينصرون جيش الآخرة.


أما المشكلة التي في رسالتك كونك تخافين عدم التقبل

لماذا يا أخية تجعلين الخوف من عدم القبول يراود أفكارك أو يشغل بالك..

يا أخية أنت لا تريدين إلا الإصلاح ما استطعتِ وما توفيقك إلا بالله فإذا رأيت أهل اللهو في لهوهم وأهل اللغو في لغوهم وأهل الشهوات يرتعون في شهواتهم وتجدين ما يكدر عليك بطريقة أو بأخرى دعوتك ناهيك عن إعانة الشيطان لأولئك ومحاولة إحباطك أو حين تتذكرين أن الله قد أعد جنة عرضها السموات والأرض لمن؟؟ للمتقين. فليحرص الواحد منا أن يكون منهم فإن لم نكن منهم فلنتشبه

فتشبهوا إن لم تكونوا مثلهم = إن التشبه بالكرام فلاح 

أختي المسلمة الطيبة المباركة.. إن للدعوة إلى الله أساليب عدة وجمة.. لا تحضر في هذه الورقة ولكني أذكرك بشيء منها مما يطرحه قليلوا الزاد مثلنا.. بدءاً بالكلمة الطيبة والابتسامة في وجوه الآخرين فإنها رغم بساطتها إلا أنها تحمل الكثير في طياتها

فابدأي من جديد ولا تلتفتي لعثرات الطريق وحاولي ولا تيأسي ولا يملأ الشيطان أفكارك بأنك لن يتقبل منك 

وما يدريك يا أخيّة؟! فلرب كلمة تقولينها تبلغ عند الله مبلغاً للقبول في قلوب الناس، فها هو نوح عليه السلام يدعوا قومه ألف سنة إلا خمسين ومع ذلك ما آمن معه إلا قليل.. وهو مع كل ذلك لم ييأس ولم يقنط ومن يقنط من روح الله إلا القوم الكافرون وظل على دعوته..

فالنية الصادقة والعمل الصالح بإذن الله موصل إلى أسمى الغايات..

فجميل يا أخية أن يكون المسلم قدوة في أقواله وأجمل من ذلك أن يكون قدوة في أفعاله.. يكون قدوة خيّرة في جميع تصرفاته مع والديه وإخوانه والناس جميعاً والمهم في دعوة الناس- وتذكري هذا دائماً- أن نقيم الحجة عليهم ولكن السؤال الأهم هو كيف نكسب قلوبهم ليكونوا من أنصار هذا الدين، وأنصحك في الدعوة إلى الله أولاً بالدعاء لله تعالى بأن ييسر أمرك ويجعل عملك خالصاً لوجهه الكريم وإذا دعوت لا تتعجلي الإجابة وإذا دعوت إنساناً إلى الخير والإيمان فلا تنتظري منه الاستجابة وضعي أمامك دائماً أن عليك هداية الإرشاد وعلى الله التوفيق، 

كما أنصحك ثانياً باقتناء الكتب والأشرطة المعينة لكِ على التوجيه في الأمر الدعوي وهي كثيرة كما أسلفت ومتعددة

وبما أنك من فئة الأخوات.. خذي مثلاً كتاباً عنوانه ( أفكار للمتميزات ) للأستاذة هناء بنت عبد العزيز الصنيع.. وهو أحد النماذج الرائعة المرشدة في الأمر الدعوي والمبسطة كذلك..
واعتني في كل مجلس تجلسين فيه مع قريناتك إبدأي بموضوع شيق قصة مثلاً ثم تطرقي فيه لأمور دعوية مهمة كأن تشدين الأخريات إليك بها ثم تقولين مثلاً: سبحان الله كيف انتهت الخاتمة وتشرعين بالأسباب التي أدت إلى ذلك وتذكرين أسباب النجاة ثم تقولين أو تسخرين مثلاً لحالنا اليوم وهكذا
ستجدين بعد القصة مواضع كثيرة ونقاط متعددة سيفتحها الله عليك لتجدي الأخريات يشاركنك الحديث ومن ثم تكونين مودة بها تبدأن النصح وأظن أنك إن كسبت القلوب سوف توفقين للإجابة بإذن الله..
وذكرت القصة هنا لأنها غالباً ما تشد الفتيات

وكذلك لا تنسي الشريط والكتاب الإسلامي

فالدعوة ليست بالأمر الصعب والوسائل فيها متشعبة وارفقي بنفسك فيها، ادعي على قدر استطاعتك وأكرر لا تيأسي وابدأي من جديد ولا تلتفتي للماضي وما قدمت فيه من همة وأفكار فهذا مما يضعف روح المثابرة في الدعوة ويشعرك بأن الماضي أفضل بل اجعلي المستقبل بين عينيك واحرصي على ما ينفعك واجعلي الأمل في ناظريك.. فقد اجتزت نصف الطريق فافعلي الآخر بالصبر حتى تصلي بإذن الله 
المهم أن يكون هدفك إرضاء الله وتحقيقك الحجة

ومن يتهيب صعود الجبال= يعش أبد الدهر بين الحفر
يبارك في الناس أهل الطموح = ومن يستلذ ركوب الخطر
هو الكون حي يحب الحياة = ويحتقر الميت مهما كبر

أسأل الله لك التوفيق وان ينفعك بما سينهال عليك من آراء أخرى إنه ولي ذلك والقادر عليه.

أختك المحبة لك في الله
مرفت عبد الجبار – جدة

◽️◽️

📚 تم تحريره من مجلة مساء العدد (٢٤)

  تحرير : حورية الدعوة
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « إذا دعا الرجل لأخيه بظهر الغيب قالت الملائكة : ولك بمثل »

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق