الاثنين، 21 نوفمبر 2016

أين أيام الإجازة؟


انتهت الإجازة والناس بين مُشرَّق ومُغرّب ... وكل نفس بما كسبت رهينة .. اجتمع الأصدقاء .. كلٌ يحكي ما رأى يورد ما شاهد!

أحدهم سبقت ضحكته حديثه وهو يحكي رحلته إلى أمريكا وقصة هبوط الطائرة الاضطراري!

أما الآخر فقد كان مغرماً بحب الرحلات والمغامرات ... وتملكه حب الصيد ومطاردة الغزلان والأرانب حتى وصل إلى القارة السوداء ... وكان حديثه متميزاً.

قال: ذهبت إلى أفريقيا وسرت في أرضها وبين أشجارها وغاباتها ... مناظر رائعة وطبيعة خلابة لا تملَّ مشاهدتها ... وفي وسط غابة متشابكة الأطراف لاح لنا مبنى مرتفع ... وخطر على بالي أن هذا القصر لحاكم الولاية أو لغني من أغنيائها ... ولكن خاب ظني وأخطأ حدسي ... فما أن اقتربنا منه وبدت ملامحه حتى اتضح أنه كنيسة يعتني بأمرها منصَّر عجوز قارب الثمانين من عمره يعيش في غرفة صغيرة في زاوية منها لا تتجاوز مساحتها عشرين متراً مربعاً.. في مجاهل مروعة وسط غابة مليئة بالوحوش واللصوص وقطاع الطرق..
وليس في هذه الغرفة أي وسيلة من وسائل الحياة المعاصرة التي نعيشها ... فلا يوجد هاتف ولا كهرباء ولا ماء .. ولا ما تراه عينك من الخدمات يومياً!

وهذا المبني الضخم هو الكنيسة التي يدعو فيها صباحاً ومساءً... حتى يرهقه التعب ويدركه النوم ثم يأوي إلى غرفته الصغيرة في زاوية مجاورة لمبنى الكنيسة!

ولكن ما الذي دفع هذا المنصَّر لأن يبقى في هذه الغرفة وسط الوحوش وفي ظل الخوف أربعين سنة متواصلة!

لابد أن له هدفاً ينشده وأملاً يسير في طريقه!

أربعون سنة في مكان تختفي فيه وسائل الحياة المعاصرة ..

أربعون سنة يكدح ويكدح

أربعون سنة وسط الغابات وعلى مرمى من زئير الأسد وأنياب النمر

سأخبرك لماذا بقي أربعين سنة في وسط هذا المكان ... ولعلمي بفطرتك الطيبة وعقيدتك الصافية ستضحك على ضلاله.

إنه يدعو إلى دين مُحرَّف وطريق معوج .. ولكنه يمضي قدماً ويسير في ثبات يبحث عن فريسة في وسط أدغال أفريقيا ... ربما تكون فريسته شيخ مسلم جائع أو طفل يتيم أو امرأة مريضة .. وربما يمر عليه العام والآخر ولم يستمع له أحد ... ولكنه الصبر على الضلال..

هذا فرد من ملايين يدعون إلى دينهم الباطل ... وهو في الغابة المنقطعة عن العالم تصله طائرة مروحية كل حين، محملة بالغذاء والأدوية التي هي إحدى وسائل دعوته ... ثم تغيب الطائرة لتهبط في مكان آخر فيه عجوز أو شاب آخر في مثل سنك تفرغ للدعوة!

نعم إنها معركة طاحنة وحرب ضروس لاهوادة فيها ... لقد بذلوا أموالهم وأوقاتهم وسخروا إمكاناتهم في سبيل دينهم،

وأيام الإجازة تطوى!

ماذا قدمنا فيها؟!

◽️◽️

📚 مجلة الأسرة العدد (٩٩) جمادى الآخرة ١٤٢٢ هـ

 تحرير : حورية الدعوة
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « إذا دعا الرجل لأخيه بظهر الغيب قالت الملائكة : ولك بمثل »

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق