رسالة ود إلى صديقتي في الولايات المتحدة :
حسن العقل يقود حتماً إلى حُسن الدين
صديقتي العزيزة : السلام عليك ورحمة الله وبركاته، وبعد :
أبعث إليك هذه الرسالة على البعد وأنت في النصف الآخر من الكرة الأرضية.
وبرغم ذلك فأنت قريبة مني: أتلمسك بقلبي وذاكرتي، وأراك وأنا أكتب هذه الكلمات في خيالي تبتسمين وتصمتين، وأنت تعلمين كيف يجنح الخيال أحياناً فيسيطر على الحواس، والكينونة فيصبح هو الواقع، والحقيقة.
عزيزتي: نعود إلى ما جاء في رسالتك عن اختيار المدرسة الأنسب لطفلك، وقد تحوَّل الأمر إلى مشكلة، تقولين إن المدارس في الولايات المتحدة متعددة الألوان والاتجاهات، أو إسلامية.
وأنبهك هنا إلى ضرورة التعرف إلى حظها من الإسلام، إذ لا يكفي فيها الاسم، أنت في حيرة من أمرك: أين يكون الخير؟.
لنبدأ أولاً بالسؤال: ما هو الخير؟
أنت لا شك تبتغين لابنك حسن العقل والدين، وبديهي أنه بدون حسن العقل لا يتأتى حسن الدين، فليكن هذا معيارك، فإذا كانت المدرسة تخلط في مناهجها تربية العقل مع مبادئ تنكر الدين، وينكرها الدين فلن توصلنا إلى حسن العقل، وإن كانت تقفز إلى ما تراه حسن دين تحشو به رأس الطفل دون اعتناء بالعقل والتفكير فهي أيضاً قد جانبت طريق الصلاح.
أنت لا شك تبتغين لابنك حسن العقل والدين، وبديهي أنه بدون حسن العقل لا يتأتى حسن الدين، فليكن هذا معيارك، فإذا كانت المدرسة تخلط في مناهجها تربية العقل مع مبادئ تنكر الدين، وينكرها الدين فلن توصلنا إلى حسن العقل، وإن كانت تقفز إلى ما تراه حسن دين تحشو به رأس الطفل دون اعتناء بالعقل والتفكير فهي أيضاً قد جانبت طريق الصلاح.
وأعود فأقول إن حسن العقل حتماً يقود إلى حسن الدين.
تظنين أن هذا ضرب من التنظير؟
الواقع أنه صدى أزمة كادت ـ لولا الإيمان بالله ـ تزهق أنفاسي!
لقد جهدت أن أغرس في نفس أبنائي ما أراه خيراً في كل مناحي الحياة، لكن العالم المحيط بنا ـ ولا أقول مجتمعنا وحده ـ تحوّل في نظري إلى مارد جبَّار، عدو أعلن عليّ الحرب.
فكأنني في معركة مستمرة من أجل الذود عن فلذات كبدي، وسلامة عقولهم ودينهم.
يخرج الولد من بيتي وأنا واثقة مطمئنة أنه صلب المراس، نيَّر البصيرة، لكنه يعود إليَّ ربما بكتاب أو بشريط مصوّر أو حتى فكرة يثيرها في نقاش محتدم معي.. يصدمني: كيف تتسلل هذه الأباطيل إلى رأسه بسهولة وكيف يستسلم لها، كأنني أعددته لذلك؟!
أحاول الصعود به ثانية من الهاوية، وهو أمر بالغ المشقة، وعناء النفس. فالنفس ـ كما قيل ـ كالماء المسكوب: (سريع الانحدار صعب الارتقاء) .
الإنسان الذبابة!
اليوم عاد ولدي بشريط مصور، فتركت أعمالي جميعاً، وجلست قريبة منه أراقب، كان على الشريط قصة مرئية بعنوان (الذبابة) ـ
قصة مفعمة بالعبرة: لكن ـ هل رآها ولدي من المنظور نفسه؟!
كم أكون سعيدة لو فعل!
فقد صوّرت القصة معركة الإنسان مع العلم، كما كانت القصص القديمة تمثل معارك الإنسان مع الجن والمردة ـ
في عالم الأرواح والطاقات المجهولة الذي إن فتح الإنسان منه كوّة صغيرة فلا يلومنّ إلا نفسه لأنه لا يدري ما يهجم عليه منها، وهذا حال العلم الطبيعي في عصرنا الحاضر: يفتح العلماء كوى، بل نوافذ على عوالم مجهولة لا يعرفون بالضبط ما وراءها، وما يمكن أن تجلبه عليهم ـ وليتها كانت عليهم فقط، لكن المشكلة أن ما يجلبونه إنما هو بوسائلهم المنحرفة كما أن العلم غير مضمون النتائج، بل قد تكون نتائجه مفاجآت خطيرة، غالباً ما تمتد وتؤثر سلباً في البشرية جمعاء.
قصة مفعمة بالعبرة: لكن ـ هل رآها ولدي من المنظور نفسه؟!
كم أكون سعيدة لو فعل!
فقد صوّرت القصة معركة الإنسان مع العلم، كما كانت القصص القديمة تمثل معارك الإنسان مع الجن والمردة ـ
في عالم الأرواح والطاقات المجهولة الذي إن فتح الإنسان منه كوّة صغيرة فلا يلومنّ إلا نفسه لأنه لا يدري ما يهجم عليه منها، وهذا حال العلم الطبيعي في عصرنا الحاضر: يفتح العلماء كوى، بل نوافذ على عوالم مجهولة لا يعرفون بالضبط ما وراءها، وما يمكن أن تجلبه عليهم ـ وليتها كانت عليهم فقط، لكن المشكلة أن ما يجلبونه إنما هو بوسائلهم المنحرفة كما أن العلم غير مضمون النتائج، بل قد تكون نتائجه مفاجآت خطيرة، غالباً ما تمتد وتؤثر سلباً في البشرية جمعاء.
بطل القصة باحث يدرس الجينات، ويجري التجارب على نفسه، لكن خطأ علمياً يتسبب في مزج جيناته بجينات ذبابة ـ ويالفظاعة الرمز ويا لهول النتيجة، إذ يبدأ بالتحول تدريجياً إلى أن يتغير تماماً في النهاية، ويصبح ذبابة!.
أمر مرعب حقاً يثير أسئلة عدة: كيف يغلب جنس الذبابة جنس الإنسان؟
وهل الإنسان أشد هشاشة من الذبابة؟
وهل الإنسان أشد هشاشة من الذبابة؟
ثم لماذا اختار الكاتب (الذبابة) ـ تلك الحشرة المستقذرة؟
أهذا ما ستنتهي بنا إليه حضارتنا المتهورة التي تتصرف كولد طائش يقلب كل حجر في طريقه غير عابئ بما قد يكون تحته من أفاع ثم يلقي بذلك الحجر في النبع الصافي يعكره أو ربما يسد ينابيعه؟!.
أهذا ما ستنتهي بنا إليه حضارتنا المتهورة التي تتصرف كولد طائش يقلب كل حجر في طريقه غير عابئ بما قد يكون تحته من أفاع ثم يلقي بذلك الحجر في النبع الصافي يعكره أو ربما يسد ينابيعه؟!.
هل بدأ (الإنسان الذبابة) يظهر بيننا ـ ليس بالضرورة شكلاً بل روحاً حلت القذارة فيه مكان الطهارة، والبشاعة والقسوة مكان الجمال والفطرة؟
ليت أبناءنا ـ جميعاً ـ يدركون أن هذه القصة جرس إنذار يشير إلى ما ينتظر البشرية، إن استمر العلم المادي يضرب في الأرض على غير هدى من نور الله.
أخيراً، عزيزتي : إذا نجحنا في غرس هذه الرؤية في ضمير أبنائنا، ومنحناهم القدرة على إعمال العقل، ضمن الهدي الرباني، فلن نخشى عليهم من التيه والضياع، ولن يكون ذلك مصيرهم أبداً.. إن شاء الله .
◽️◽️
د. سميرة فياض الخوالدة / عضو رابطة الأدب الإسلامي ـ الأردن
📚 مجلة المجتمع العدد (١٤٤٠) ذو الحجة ١٤٢١ هـ
✍ تحرير : حورية الدعوة
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « إذا دعا الرجل لأخيه بظهر الغيب قالت الملائكة : ولك بمثل »
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق