هذه الدنيا بزينتها وزخرفها وبهائها ورونقها
وبهجتها ، وسرورها ، وطبيعتها الخلابة ، تنطوي
على الكثير من الآلام ، والأوجاع والمآسي المرة ،
وهؤلاء البشر بمشاعرهم الدفاقة ، وإحساسهم
النبيل ورقة شعورهم وحنانهم الذي منحهم إياه
الخالق سبحانه وتعالى ، نجد بعضهم يتجردون من
كل تلك الصفات الطيبة ويلبسون جلوداً أشبه بجلود
الوحوش ، ويحملون بين حناياهم قلوباً هي
كالحجارة أو أشد قسوة.
❀ ❀
هذه القصة وقعت لإحداهن وترويها بنفسها.
❀ ❀
هذه القصة وقعت لإحداهن وترويها بنفسها.
كنت صبية بريئة ، أرتع وألعب في بيت أبي ، ليس لي حظ في التعليم - كعادة أهل بلدتنا آنذاك – ولكني كنت أحمل وجهاً جميلاً وضاءً كالبدر ليلة استدارته ، تقاليدنا تفرض علينا أن تتعلم الفتاة شؤون البيت ولا تخرج من بيت أبيها إلا لبيت زوجها ، وعند بلوغي سن الخامسة عشرة تقدم إلي شاب فوق منتصف الثلاثينات وتم زفافي له رغم الفارق الكبير في العمر ، فقط لكونه قادماً من بلاد الثروة والمال.
فالقول في شأن الزواج في عرفنا هو للوالدين ، وليس للفتاة رأي في زواجها ، فإذا وافق الوالدان فهي بطبيعة الحال موافقة ، هكذا تم زواجنا مثلما يفعل كل أهل البلدة ، كان حظي سعيداً ، فبالإضافة إلى الوضع المادي والمسكن والمأكل والملبس الطيب ، فقد كان زوجي بفضل الله رجلاً طيب المعشر، أغدق علي من الحب والحنان ، ما جعله يمثل بالنسبة لي الأخ والزوج والأب ، وعشت في كنفه أجمل أيام العمر وكان بعد أن يعود من عمله يقضي معي وقتاً كافياً ليعلمني الكتابة والقراءة حتى تعلمت والحمد لله ، وبعد ثلاث سنوات من زواجنا رزقنا الله طفلاً وديعاً جميلاً يحمل ملامح والديه ، ولم يمض وقت طويل حتى لبّى زوجي نداء ربه أثر سكتة قلبية لم تمهله كثيراً ، فانقطعت أيام السعادة ، وانطوت ليالي الأنس وصرت وحيدة في هذه الدنيا ليس لي فيها إلا طفلي الصغير ، وذكريات والداه التي لا تنسى أبداً.
بعد انقضاء فترة العدة والحداد ، هممت بوداع أهل زوجي ، والعودة إلى بيت أهلي ، فرفض أهل الزوج أن آخذ الطفل ، ورحبوا ببقائي معهم لرعاية صغيري ، وتدخل والدي رافضاً بقائي مع أهل زوجي ، والبيت يضم عدداً من الشباب ، فرد عليه والد زوجي بقوله " بنتك لك ، وابننا لنا " فكان رد والدي كيف نفرق بين الأم وولدها الرضيع ، وأخيراً اتفقا على تزويجي من شقيق زوجي للم الشمل ، وبقاء الطفل مع أهل والده.
ويا له من زواج .. شتان ما بين الأخوين ، إنه بعد الثريا عن الثرى فزوجي الراحل رحمه الله ، كان خلوقاً مهذباً دلني على الكثير من أعمال الخير والصلاح ، وشقيقه ، رجل سكير عربيد ، يقضي من الليالي في مخافر الشرطة أكثر مما يقضي مع أسرته ، عموماً دخلت معمعة الحياة الجديدة بكل ما تنطوي عليه من مفارقات ، ومرت الأيام كئيبة متثاقلة رتيبة ، وكبر الابن وبلغ مرحلة المراهقة ، ولكن أخذه عمه بيده ، وسار به في طريق الانحراف والضلال.
استخدمه في إحضار المسكرات ، ونقل بعض الممنوعات ، وحينما كنت أعترض على ذلك ، كان الرد يأتيني في شكل صفعة على وجهي ، أو ضربة تبقى آثارها لأيام كالوشم ، حاولت أن أهرب بمستقبلي وأملي في الحياة لبيت أهلي ، ولكن تعالت أصوات أسرتي أتهربين من بيت زوجك؟ ماذا سيقول عنا الناس؟ ومن أجل الضغط عليّ قال والدي : مرحباً بك في بيتك ما ابنك فأهله أحق به ، فأغلقت الأبواب في وجهي ، ولم يبق لي إلا وجه الواحد الأحد ، فظلت أسأله في جوف الليل أن يصلح عم ابني – المدعو زوجي – وأهمل الابن مدرسته وعندما اعترضت على ذلك تدخل عمه وقال كم يحصل حملة الشهادات الجامعية؟ إن ابنك يقبض في كل يوم ما لم يحصل عليه كبار الموظفين.
فأصبح العم الشرير يعني كل شيء في حياة ابني فكلما اقترب من عمه ابتعد عني ، وتطور الأمر حيث صار هو وعمه يعاقران الخمر سوياً وأمام ناظري في المنزل ، وإذا حاولت أن أنصحهما أو أهددهما بإبلاغ الشرطة ، انهالت عليّ الصفعات والضربات التي لا أفيق منها إلا في صبيحة اليوم التالي.
الأمور تطورت ، ولم تقف عند هذا الحد ، بل بلغت شأناً لم أتوقع أن تصله ، وتمنيت أن أفنى قبل أن أراه ، حيث جاء ابني ذات يوم وهو في حالة سكر وبصحبته إحدى فتيات الهوى يريدها أن تنام معه في بيتي ، وتدخلت بذهول شديد ، وذكرته بأن ما يفعله حرام ، فأشارت إليّ الفتاة وهي تسأل ابني: من هذه السيدة؟ قال لها ما يهمك يا حياتي .. هذه خادمتنا ، وأمام ذهولي ، وجنوني تدخل العم " الشيطان الأكبر " وهو في حالة سكر وصرخ رافعاً يده ليضربني .. أتركي الولد يعيش شبابه .. فتنهدت والغصة تملأ حلقي ، ويضيق صدري بما أسمع وأرى ، آه ابني الذي تحملت الهوان لأجله يتبرأ مني من أجل ملذات الدنيا ، ولأجل واحدة من فتيات الهوى!!
يبيع آخرته بدنياه .. آه ليتني مت قبل هذا وكنت نسياً منسياً ، وهكذا في ظل مجون الابن وعمه صار بيتنا طارداً للفضائل ، محتضناً للرذائل ، فصبرت متحملة على أمل أن يطل علينا صبح يبدد ظلام الليل الدامس ، ولكن هذا الصبح الخجول المتواري لم يصل قبل حلول الطامة الكبرى .. فذات يوم في إحدى ليالي نهاية الأسبوع أحيا ابني وعمه ليلة حمراء في منزلي برفقة أصدقاء الشر ، فاعتصمت في غرفتي وأنا أصلي وأسأل الله أن يكشف ما بي من غم ، وفي الغرفة المجاورة أديرت الكؤوس ، وسرى مفعولها في الرؤوس ، وقال أحد الجالسين نريد حسناء تكمل لنا الجلسة ، فأجاب العم من أين وأسعار بنات الليل قد ضربت في العلالي ، فأردف أحدهم : هات المدام.
تعالت أصواتهم بالضحك والتعليقات وكلهم سكارى ، وقام أحدهم ، وطرق باب غرفتي ، وهم من خلفه ، وصاح: افتحي الباب وسأنسيك سهر الليالي ، فأنا لم آت إلا لرؤيتك وكثر الطرق وتعالت الأصوات حتى حدث ما لم يكن بالحسبان ، حيث سمعت صوت ابني من بين صخب الأصوات وهو يقول: افتحي الباب هؤلاء أصحابنا وأحبابنا ، هنا أصابني ما يشبه الجنون ، فأنا لست مصدقة لما وصل إليه ابني وعمه ، ناهيك عن التصرفات التي قاموا بها وهم سكارى فكنت في حالة بين اليقظة والأحلام بينما الطرق يتزايد
تعالت أصواتهم بالضحك والتعليقات وكلهم سكارى ، وقام أحدهم ، وطرق باب غرفتي ، وهم من خلفه ، وصاح : افتحي الباب وسأنسيك سهر الليالي ، فأنا لم آت إلا لرؤيتك وكثر الطرق وتعالت الأصوات حتى حدث ما لم يكن بالحسبان ، حيث سمعت صوت ابني من بين صخب الأصوات وهو يقول : افتحي الباب هؤلاء أصحابنا وأحبابنا ، هنا أصابني ما يشبه الجنون ، فأنا لست مصدقة لما وصل إليه ابني وعمه ، ناهيك عن التصرفات التي قاموا بها وهم سكارى فكنت في حالة بين اليقظة والأحلام بينما الطرق يتزايد ، ويتنامى معه الخوف داخلي سألت الله الخلاص ، وقررت الخروج من النافذة ، وأخذت بعضاً من حاجياتي الضرورية ، عندما كانت الأرض قريبة حيث نسكن في الطابق الأول ، فقد قررت القفز من النافذة فسقطت على الأرض مغشياً عليّ ، ولم أفق إلا على السرير الأبيض ، وحمدت الله أنه سقوط جسدي وليس سقوطاً أخلاقياً ، ومكثت بالمستشفى عدة أيام حتى تداوت جراحي البدنية ، ولكن ظلت جراحي النفسية تزداد عمقاً فمن يداويها ؟ وبعد خروجي من المستشفى كنت في حيرة من أمري ، أين أذهب ، إلى أهلي الذين ضحيت بهم من أجل ولد عربيد ، أم إلى أهل زوجي لأعود مجدداً إلى سجن ابنهم السكير ، ساعدني بعض أهل الخير حتى التحقت بالعمل في منزل أسرة طيبة عاملتني معاملة راقية أنستني مرارة الألم مع أني كنت متأثرة بما حدث لي ولم يكن أدائي في خدمتهم بالمستوى المطلوب.
فكنت أمضي النهار عملاً مع بقايا الجراح والكسور التي أصابتني أثر السقوط من الدور الأول ، فإذا جاء الليل ، تجددت الآلام الجسدية وصاحبتها آلام نفسية وبعد سنوات حينما أبلغت تلك العائلة بأنني سأترك العمل لديهم جمع الأب أبناءه وزوجته وسألهم من منكم تسبب في مضايقة هذه المرأة الطيبة ، فتدخلت وقلت له لم يحدث شيء من هذا القبيل ، بل العكس لقد عاملتموني معاملة لم أجد مثلها ، وإنما تقدم بي العمر ، وصرت عاجزة عن خدمتكم ومقصرة في واجبي تجاهكم ، فأرجوكم أرجوكم أسمحوا لي بالرحيل ، فوافقوا بعد إلحاح مني ولكن بشرط أن أبقى بدار المسنين حتى يتسنى لهم زيارتي والتواصل معي ، وبالفعل لم ينقطعوا عني منذ ثمان سنوات وأنا بهذه الدار أما ابني وعمه فهذا حلم مزعج وكابوس طويل فقد أفقت منه بفضل الله.
◽️◽️
📚 تم تحريره من مجلة نون العدد الأول
📚 تم تحريره من مجلة نون العدد الأول
✍ تحرير : حورية الدعوة
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « إذا دعا الرجل لأخيه بظهر الغيب قالت الملائكة : ولك بمثل »
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق