الذين عاشوا في أفغانستان بين المجاهدين يجمعون حصيلة كبيرة من التجارب التي تحتاج إلى أسفار ربما يفرغ بعض المطلعين لتسطيرها في مستقبل الأيام – إن شاء الله - .
وكلما جلست مع مجموعة من المجاهدين سرد عليك أحدهم قصة عجيبة فيها دلالات واضحة على الإصرار والتضحية سعياً وراء تحقيق النصر أو الشهادة. ويسري هذا على الجميع منهم، كالقادة الكبار والقادة في الداخل وأفراد المجاهدين من الأفغان وغيرهم من المسلمين.
ومعظم الروايات عجيبة تستحق التقدير؛ ومنها أن شاباً عربياً دخل مجاهداً في الداخل فأسرته مجموعة من الأفغان، ورموه بما هو ليس أهلاً له، حيث ظنوا أنه إنما جاء إلى هناك لإثارة الفتنة وتغيير الدين!
فحكموا عليه بالإعدام!!
فحمد الله الشاب ودعاه أن يتقبله من الشهداء والصالحين، وحاول معهم بلطف يحدثهم عن تقوى الله وما ينتظر التائبين من الثواب، وقرأ عليهم بعض آيات من كتاب الله وبعض أحاديث عن الرسول صلى الله عليه وسلم فكان جزاؤه أن خفف عليه حكم الإعدام بالسجن المؤبد.
فحمد الله الشاب ودعاه أن يلهمه الصبر في قضاء بقية حياته في السجن، ورأى أنها فرصة يدعو إلى الله تعالى داخل السجن، ولكنه لم يترك سجانيه بل واصل معهم الدعوة إلى الله وشرح وظيفة المسلم في الحياة والغرض منها، وذكرهم بالجنة ونعيمها والنار ولهيبها، ونبههم إلى مغبة الظلم ومصير الظالمين، فكان جزاؤه أن خفف عليه حكم السجن المؤبد بخمس وعشرين سنة.
فحمد الله الشاب ودعاه أن يعينه على قضاء هذه المدة في السجن وأن يجعلها له خيراً من وجوده خارج السجن، وواصل موعظته للسجانين يعطيهم مما أعطاه الله من العلم والحكمة ويرد على أسئلتهم التي بدأت تصل إليه، ويجتمع ببعض رجالهم في حل مسائل ترد إليهم من إخوانهم المجاهدين والمقيمين، فكان جزاؤه أن خفف عليه حكم السجن من خمس وعشرين سنة إلى عشر سنين.
فحمد الله الشاب وأثنى عليه ورضي بأن يبقي عشر سنين في السجن إن أمد الله في عمره ما دام سيستطيع التأثير على أحبابه، فواصل مسيرته معهم، وواصلوا جلساتهم العلمية معه، بل بدا جزء منهم يتتلمذ على يديه، ويقضي معه الساعات الطوال يستفيد من علمه، حتى صدر الحكم عليه بإطلاق سراحه على أن يبقى بينهم ويعلمهم ويهديهم إلى الحق هداية دلالة وإرشاد.
فواصل معهم التوجيه وعقد الحلقات وانتشر في البلد فأحبه الناس وتعلقوا به. فصدر القرار بتعيينه إماماً عليهم يؤمهم في الصلاة ويلقي عليهم الدروس، ويخطب بهم بين الفينة والأخرى.
وهكذا تحول الحال من الحكم بالإعدام إلى القرار بأن يكون هذا المحكوم هو الإمام.
وهذه قصة شاب لا يزال في الساحة يجاهد في سبيل الله، يبتغي رضوانه ويتطلع إلى عزة دينه ورفعة أمته. وأحسبه كذلك، وهو نموذج لشباب – نحسبهم من الصادقين – بدأوا الآن يجنون ثمار الصبر والمعاناة، كان الله في عونهم، وكان الله في عون الجميع.
◽️◽️
📚 من كتاب الجهاد والمجاهدون في أفغانستان: وقفات تقويم
للمؤلف د/ علي بن إبراهيم النملة
✍ تحرير : حورية الدعوة
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « إذا دعا الرجل لأخيه بظهر الغيب قالت الملائكة : ولك بمثل »
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق