الصفحات

الجمعة، 6 يوليو 2018

فقدت ساقها بسبب مغازلة سخيفة

اسمها أمل بعد شهور قليلة ستكمل ٣٠ عاماً زوجة وأم لطفلتين.
وتقول أوراق حياتها: ولدت في أحد الأحياء الشعبية بمدينة الإسكندرية، كانت بنتاً مثل القمر مرحة جداً لا تهدأ حركتها لها ٧ أشقاء بنت و٦ أولاد.

مات والدها منذ سنوات ولم يترك لزوجته إلا عبء تربية الأبناء الثمانية، وحتى تخفف أمل هذا الحمل عن كاهل والدتها المريضة لم تكمل تعليمها، اكتفت بالحصول على شهادة الإعدادية وخرجت إلى الدنيا تبحث عن عمل لتساعد في مصاريف البيت.

والتحقت أمل بعمل في محل كوافير وتعلمت المهنة بسرعة وأتقنت الصنعة حتى أنها بعد شهور قليلة أصبحت أمهر من في المحل وزادت يوميتها التي كانت تسلمها كلها لأمها لتساعدها في تربية أشقائها.

وقبل أن تكمل أمل عامها الثامن عشر كان ابن الحلال يطرق بابها رجل طيب اسمه عادل يعمل حلاقاً أي أنهما ابنا كار واحد ووافقت أمل على الزواج وانتقلت لتقيم في بيت الزوجية وإن أصرت على استكمال عملها حتى تساعد أمها في تربية أشقائها ولم يعترض الزوج.

ومضت الأيام وأنجبت أمل ابنتها الأولى نورهان بعد عام واحد من الزواج كانت تشعر بسعادة بالغة لأنها تعيش في كنف رجل يحبها ويقدرها وقد توج حبهما ببنت جميلة تشبه القمر.

ولكن في أحد الأيام وفي الطريق المؤدي من العجمي إلى مدينة الإسكندرية، أمل ووالدتها وابنتها الصغرى شيماء يجلسن داخل سيارة مينى باص في طريقهن إلى محطة الرمل لشراء بعض الاحتياجات. فجأة يهدئ السائق من سرعة السيارة ويقول للركاب عذراً فقد تعطلت السيارة. ويسأل بعض الركاب.
وكم سيستغرق إصلاحها؟
ويجيب السائق في تبرم العلم عند الله نصف ساعة أو ساعة.

تقف أمل من جلستها وتمسك بابنتها شيماء وتقول لوالدتها: هيّا يا أمي نأخذ مواصلة ثانية لكيلا نتأخر. تغادر أمل وابنتها وأمها السيارة ويقف الجميع فوق الرصيف في انتظار سيارة أخرى تقلهم إلى وسط مدينة الإسكندرية.

الساعة تقترب من السادسة مساء. والدة أمل شاهدت على بعد خطوات فكهانياً يفرش بضاعته على الرصيف فتوجهت إليه لشراء بعض الفاكهة.

أمسكت أمل بيدها ابنتها الصغرى شيماء والتي راحت في براءة تسأل عن اسم المكان الذي يقفان فيه وأجابت أمل قائلة: اسمه وادي القمر يا حبيبتي وتعود أمل تمشي خطوات قليلة مع ابنتها ذهاباً وإياباً في انتظار انتهاء والدتها من شراء الفاكهة.

الطريق لا يبدو مزدحماً بالسيارات ولكن فجأة يظهر على الجانب الآخر من الطريق (كلارك) يقوده شاب في الخامسة والعشرين من العمر تقريباً لم يكن المشهد غريباً فهذه المنطقة يوجد بها عدة مصانع وشركات تستخدم هذا النوع من المعدات ولكن الغريب أن قائد الكلارك راح ينادي على أمل قائلاً: توصيلة يا جميل.

لم ترد أمل على هذه المعاكسة الصريحة أدارت وجهها إلى الجانب الآخر ولكن الشاب الذي كان يقود الكلارك ببطء استمر في معاكستها قائلاً: تفضلي هنا.

لم تعر أمل كلمات الشاب أي اهتمام شدت على يد ابنتها الصغيرة شيماء وسارت بها في اتجاه والدتها التي كانت لا تزال تساوم بائع الفاكهة على الثمن الذي ستشتري به.
بطرف عينيها لمحت أمل الشاب قائد الكلارك يتوقف على الجانب الآخر من الطريق ثم يوجه الكلارك إليها على الجانب الآخر.

الشاب يعبر نهر الطريق بالكلارك.

أمل تقول في نفسها: ماذا أفعل لهذا الوقح؟ أشتمه أم أسكت؟ وقبل أن تتخذ أمل القرار كان الكلارك يقترب منها أكثر وأكثر وبسرعة كبيرة بينما الشاب الذي يقوده يبتسم ابتسامة عريضة ولكن فجأة تبدلت ابتسامة الشاب إلى علامات ارتباك ثم فقد السيطرة على الكلارك في لحظة. وانطلق الكلارك إلى هدفه صعد إلى الرصيف متوجهاً إلى أمل وابنتها شيماء، صرخت الأم وابنتها صرخة مدوية شوكة الكلارك اصطدمت بساق أمل اليسرى بقوة فأقعدتها عن الحركة تماماً ولم تقو أمل على شيء سوى دفع ابنتها الصغيرة من أمام آلة الموت التي تنطلق صوبهما. والدة أمل انتبهت لما يحدث لابنتها وحفيدتها صرخت بأعلى صوتها ولكن بعد أن توقف الكلارك عن الحركة وقفز منه الشاب الذي كان يقوده قبل لحظات وأطلق لساقيه العنان يحاول الهرب.

أهالي المنطقة تجمعوا على صرخات والدة أمل وابنتها الصغيرة شيماء وعلى أنات أمل نفسها التي كانت تنزف الدماء بغزارة من ساقها اليسرى والتي انفصلت تقريباً عن جسدها. مشهد مروع حقاً.

على الجانب الآخر مجموعة من الأهالي نجحوا في الإمساك بالشاب قائد الكلارك قبل أن يغادر المكان ولكنهم لم يسلموه إلى الشرطة. ولا أحد يعلم لماذا تركوا الجاني يفلت بجريمته.

آلام مبرحة كانت أمل لا تشعر بشيء من شدة الألم. كانت تذهب في غيبوبة ثم تعود منها لتقول: ابنتي جرى لها حاجة؟ وتطمئنها الناس فتعود وتسأل طيب أمي بخير؟ وتطمئنها أمها على نفسها ثم تبكي وتصرخ مطالبة الأهالي بضرورة إحضار سيارة الإسعاف بسرعة.

وتعود أمل إلى غيبوبتها من جديد، نزيف الدم مستمر. أمل تكاد تلفظ أنفاسها سيارة الإسعاف لم تحضر رغم مرور نصف ساعة على وقوع الحادث، أصحاب المصانع والشركات بالمنطقة يرفضون إخراج سيارات الإسعاف الخاصة بشركاتهم إنها مسؤولية عليهم.

الوقت يمر.. وأمل تصارع الموت. وأسرعت والدة أمل تتصل بأولادها وزوج ابنتها عادل ليحضروا إليها ويساعدوها في نقل أمل لإحدى المستشفيات الخاصة. وقد كان وصل أشقاء أمل وزوجها في سرعة البرق وقاموا باصطحابها إلى مستشفى خاص بمنطقة جليم بالإسكندرية.

الدفع أولاً:
دخلت أمل المستشفى الخاص ودماؤها لا تتوقف كانت بين الحياة والموت بالفعل وقبل أن يقترب منها أي طبيب بالمستشفى قال العاملون لأهلها: 20 ألف جنيه تحت الحساب.

وسأل الزوج: لماذا؟

وهنا أجاب الأطباء: لابد من شراء أوردة وأجهزة وتعويض الدماء التي نزفتها المصابة وإجراء عملية جراحية غير مضمونة لإعادة الساق إلى وضعها الطبيعي.

وسأل الزوج: وكم نسبة نجاح هذه العملية؟
والله هي غير مضمونة.

20 ألف جنيه وغير مضمونة؟
ولم يرد الأطباء كل ما قالوه بإمكانكم نقل المصابة إلى مستشفى القوات المسلحة بمصطفى كامل هناك أخصائيون وهناك أيضاً قسم للعلاج المجاني.

بتر الساق:
وتم نقل أمل للمرة الثالثة بسيارة الإسعاف إلى مستشفى القوات المسلحة حيث أكد الأطباء هناك ضرورة إجراء جراحة عاجلة لبتر الساق لأن المصابة نزفت كمية كبيرة من الدماء و لا أمل في إعادة الساق لوضعها الطبيعي وخاصة بعد إصابة العظام بالهشاشة.

وتم إجراء العملية. واستيقظت أمل صباح اليوم التالي لتجد نفسها بدون ساقها اليسرى. بالتأكيد بكت أمل على حالها ولكنها تماسكت أمام زوجها وبناتها وأمها وأشقائها وقالت لهم: أنا راضية بقضاء الله.
ولكنها من داخلها كانت تتمزق ألماً لفقدها جزءاً لا يعوض من جسدها.

حياة مختلفة:
خرجت أمل من المستشفى على عكاز. عادت إلى بيتها في العجمى بعد أن أنفقت كل ما جمعته من مال على العلاج. بل واستدانت من الأهل والأقارب تبدلت حياتها تماماً تحطمت نفسيتها السعادة التي كانت تملأ دنياها بدأت تنسحب تدريجياً ابتعد عنها زوجها يوماً بعد يوم أصبحت عاجزة حتى عن إحضار كوب ماء لابنتيها. تقول أمل بدموع حارقة.
حياتي كلها ضاعت انهارت بسبب شاب متهور حسبي الله ونعم الوكيل.

الجاني والعقاب:
أغرب ما في هذه الحكاية أن الشاب الذي تسبب بتهوره في مأساة هذه الزوجة المسكينة ما زال حراً طليقاً رغم أن تحقيقات النيابة العامة أدانت صاحب الكلارك واتهمته مع الشاب الذي تبين أنه ميكانيكي كان يقوم بإصلاح الكلارك يوم الحادث وقدمتهما للمحاكمة.

وقد صدر الحكم ضد صاحب الكلارك والشاب الذي كان يقوده بحبسهما ٦ أشهر لكل منهما و ٢٠٠١ جنيه على سبيل التعويض للمجني عليها وبالطبع لم يحضر صاحب الكلارك ولا الشاب السائق المحاكمة وما زالا هاربين رغم حضور محاميهما كل جلسات المحاكمة.

يقول آمر أبو هيف محامي هذه الزوجة البائسة: سوف أطلب لأمل مبلغ مليون جنيه تعويضاً، فبعد أن حصلنا على حكم قضائي بحبس المتهمين صاحب الكلارك وسائقه الهاربين ٦ أشهر لكل منهما سوف أقيم الدعوى المدنية ضدهما لتحصل أمل على التعويض وإن كان هذا المبلغ لن يعيد لهذه المسكينة سعادتها الزوجية التي أصبحت مهددة ولن يعيد إليها ساقها اليسرى التي فقدتها إلى الأبد ولن يخفف عنها الأضرار النفسية البالغة التي تتعرض لها في كل لحظة.

إلى هنا تركنا أمل تعود إلى بيتها متكئة على عكازها وعلى أحد أشقائها غادرت الزوجة الشابة التي فقدت ساقها اليسرى بسبب مغازلة سخيفة من شاب أسخف هدم أسرة بأكملها ودمر حياة سعيدة وأقول لهذا الشاب: هل أنت راض الآن؟

◽️◽️

📚 من كتاب ضحايا المعاكسات

 تحرير : حورية الدعوة
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « إذا دعا الرجل لأخيه بظهر الغيب قالت الملائكة : ولك بمثل »

موضوع ذا صلة:

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق